بعد أن تلقى سونغ لين تشو مكالمته، نزل عمه، سونغ جين نيان، لاستقباله.
وما إن رآه حتى قال بفرح: “كيف وصلت بهذه السرعة؟ أنت عادةً تصل بعد الظهر!”
فالمسافة بالقطار تستغرق ثماني ساعات، وما زال الوقت قبل الظهيرة. وكان من المفترض أن يستغرق عمه أكثر من نصف ساعة للوصول من محطة القطار إلى المنزل، لذا من غير المنطقي وصوله في هذا التوقيت حسب جدول القطارات.
لم يرغب سونغ لين تشو أن يعرفوا أنه جاء بالطائرة، فأجاب بتلميح غامض: “انطلقت مبكرًا.”
“آه، حسنًا.” لم يشك عمه في الأمر وقال:
“لا يزال لدينا وقت للغداء. لنصعد إلى الأعلى.”
كان ابن عمه، سونغ لين فنغ، قد حقق ثروة من بيع المنتجات على منصة تاوباو في السنوات الأخيرة، وأصبح يمتلك الآن منزلًا كبيرًا بأربع غرف نوم وصالونين وثلاثة حمامات.
فتح عمه الباب ودعاه للدخول.
كان صوت ضحك الأطفال ولعبهم يتردد في أرجاء المنزل، كانا ابن سونغ لين فنغ الأكبر وابنته الصغرى.
وما إن دخلا حتى خرجت زوجة عمه من المطبخ تحمل طبقًا نحو المائدة. شعر سونغ لين تشو ببعض الحرج وقال وهو يحييها: “مرحبًا، عمتي.”
ضحكت عمته وقالت: “آه، لقد جاء لين تشو.
هيا، اغسل يديك وتناول الغداء معنا.”
في تلك اللحظة، شك سونغ لين تشو أنه دخل منزلًا خاطئًا. فزوجة عمه لم تكن تحبه يومًا، وكانت معاملتها له دائمًا باردة.
لكن اليوم، بدت ودودة على نحو غير معتاد.
لم يعرف لماذا أصبحت فجأة بهذا اللطف، فوقف في مكانه مترددًا. ربت عمه على كتفه وقال: “اذهب واغسل يديك وتناول الطعام.
لقد وضعت أمتعتك في غرفة الضيوف.”
أسرع سونغ لين تشو قائلًا:
“لا داعي، سأغادر بعد الظهر.”
“لماذا العجلة؟ ابقِ لبضعة أيام.
لم يحن موعد رأس السنة بعد.”
“بالضبط.” أضافت عمته: “سيحتفل عمك بعيد ميلاده الخمسين بعد غد، على الأقل ابقَ حتى ينتهي الحفل.”
في بلدتهما، لم يكن من الضروري أن يُحتفل بعيد الميلاد في اليوم نفسه، بل يُختار يوم مبارك حسب العادات.
ولم يكن عمه قد ذكر له أمر الحفل من قبل، ولو كان قد أخبره، لكان عاد بعد غد مباشرة لحضور الوليمة ولم يكن مضطرًا للبقاء في المنزل.
والآن بعد أن وصل الأمر إلى هذه النقطة،
لم يعد بوسعه الاعتراض، فلم يجد إلا أن يوافق.
كان ابن عمه لم يعد إلى المنزل لتناول الغداء، فتناولوا الطعام معًا: العم، العمة، والطفلان الصغيران فقط. لكن حماس عمته المفرط في ذلك اليوم جعل سونغ لين تشو يشعر بانزعاج شديد.
ظل يشعر بالغرابة حتى انكشف السر في فترة ما بعد الظهر.
كان عمه ذاهبًا إلى شركة ابن عمه ليساعد في تغليف وشحن الطلبات.
أما عمته فقد بقيت في المنزل لرعاية الطفلين، وجاءت زوجة شقيقها مع ابنتها لزيارتها. ولدهشته، حاولت عمته أن تزوجه من ابنة شقيقها، لينغ روو شوان.
كانت لينغ روو شوان تكبر سونغ لين تشو بخمس سنوات، وهي معلمة في مدرسة ثانوية في المدينة. كانت جميلة جدًا، وبحسب مقاييس المجتمع، كانت تعتبر زوجة مناسبة بكل المقاييس.
لكن المشكلة أن شقيق عمته كان قد توفي فجأة قبل عامين، ولم يترك خلفه سوى ابنة تحتاج إلى زوج ' يدخل في عائلتها ' لحمل اللقب العائلي…
من الذي اخترع مثل هذه الخطة؟ عبقري بالفعل.
كلما نظرت إليه عمته ووزوجة شقيقها،
كلما بدتا أكثر رضا. كان وسيمًا ولطيف الطباع.
ابتسمت زوجة شقيقها وقالت:
“لقد اشترينا بالفعل شقة زفاف هنا في الحي، ما زالت تحت التجهيز. ولدينا سيارة أيضًا.
كل ما عليكم هو سداد قسط الشقة، وهو فقط 3000 يوان شهريًا. الأمر بسيط جدًا.”
أيدت عمته الفكرة قائلة: “تخيل، ما إن تتخرج حتى تصبح شخصًا ناجحًا، لديك منزل، سيارة، وشريكة حياة. أفضل بكثير من أن تعاني عشرين سنة.”
وأضافت زوجة شقيق عمته: “على أي حال، أنت وحيد الآن.
سواء تزوجت بطريقة عادية أو دخلت العائلة كزوج مقيم، الأمر لا يختلف معك كثيرًا.
فقط الطفل لن يحمل اسمك. في هذه الأيام، كثير من الأطفال يحملون اسم أمهم.”
ثم أكملت: “وإذا أنجبتما ولدين، يمكن للابن الأصغر أن يحمل اسمك.”
ظل سونغ لين تشو واقفًا، لا يجد حتى فرصة ليتكلم. في داخله كان يصرخ:
ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟!
من الواضح أنهم يعتبرونه شخصًا بلا أب ولا أم، ولا سند، وبما أن صفاته الشخصية جيدة، فقد رأوا فيه العريس المثالي الذي يمكن أن يتزوج داخل العائلة ويضمن مستقبل ابنتهم.
كان على وشك أن يصارحهم بأنه يحب الرجال،
لكن لينغ روو شوان التي كانت صامتة طوال الوقت تحدثت فجأة وقالت: “دعونا نتحدث وحدنا.”
قالت عمته: “صحيح، لا فائدة من إقناعهم بالكلام. المهم أن يكون هناك قبول بينهما.”
تراجع سونغ لين تشو عن قراره بالتصريح، بما أنه حصل على فرصة للحديث مع لينغ روو شوان على انفراد، فقد فضّل ألا يدخل في جدال الآن.
“ما رأيك أن نتمشى قليلًا؟” اقترحت لينغ روو شوان.
“حسنًا.” وافق سونغ لين تشو.
ارتدى معطفه ولفّ وشاحه ولبس قفازيه، ثم خرج معها من المنزل.
كان الطقس هنا بالفعل باردًا جدًا مقارنة بالمدن الساحلية. الممرات المغطاة بالثلج الكثيف، وكل نفس يخرج من فمهما كان يتحول لبخار أبيض.
لكن الشمس كانت مشرقة اليوم، وكان هناك العديد من السكان يتمشون في الحي.
“هل شعرت بالخوف؟”
بادرت لينغ روو شوان بالكلام.
توقف سونغ لين تشو لثوانٍ، ثم أجاب: “قليلًا.”
ضحكت لينغ روو شوان قائلة: “كنت أتوقع ذلك. لقد كنت تبدو تائهًا ومربكًا جدًا قبل قليل، خاصة بتلك النظرة الفارغة التي كانت على وجهك.”
سونغ لين تشو: “…”
كيف كان يفترض أن يرد على هذا؟
هل هو الوحيد اللطيف والساذج في كل طاقم الإنتاج؟!
ضحك سونغ لين تشو ضحكة جافة.
تابعت لينغ روو شوان:
“في الحقيقة، لديك شخص تحبه، أليس كذلك؟”
تفاجأ سونغ لين تشو وسألها: “كيف عرفتِ؟”
شهقت بفخر وقالت: “لا تنسَ مهنتي. لقد ضبطت الكثير من طلابي في علاقات غرامية مبكرة. أستطيع أن أميز من النظرة الأولى من هو واقع في الحب.
لا أحد يستطيع أن يختبئ من عيني.”
وأشارت إلى عينيها بثقة.
سونغ لين تشو: “…”
لم يستطع إلا أن يضحك وقال:
“كلماتك تجعلني أشعر بالتوتر.”
كيف هو حال طلابها يا تُرى؟ لا بد أنهم يعانون الأمرّين مع معلمة حادّة الملاحظة مثلها.
ضحكت لينغ روو شوان وقالت:
“وأعرف أيضًا أن حبيبك هو ذلك الرجل الوسيم على شاشة قفل هاتفك— دعني أوضح، لقد رأيته بالصدفة، لم أتجسس على هاتفك عمدًا.”
؟؟؟
شعر سونغ لين تشو بقشعريرة حقيقية من حدّة ملاحظتها، ولم يستطع إلا أن يُمسك بهاتفه بإحكام.
سألها وهو يشعر بالذهول: “كيف تأكدتِ أنه حبيبي؟ ربما هو مجرد شخص معجب به، أو صورة عشوائية لرجل وسيم وضعتها كخلفية!”
ابتسمت لينغ روو شوان ابتسامة غامضة وقالت: “إنها حدس المرأة.”
“…” يبدو هذا منطقياً بالفعل.
لكن كلمات لينغ روو شوان جعلته يشعر بالارتياح. من الجيد أنها فهمت الأمر بنفسها، ولم يعد بحاجة إلى البحث عن طريقة لرفضها.
كان سونغ لين تشو سيئًا جدًا في رفض الآخرين، خاصة الفتيات.
ركلت لينغ روو شوان حصاة صغيرة عند قدمها ثم سألت فجأة: “ما رأيك أن نتظاهر بأننا في علاقة حتى نهاية رأس السنة؟ نخدع أمي لبعض الوقت، ثم ننفصل فور انتهاء رأس السنة. لا التزامات ولا تعقيدات!”
وأغمزت له مازحة: “أنت تعرف، موسم رأس السنة هو ذروة مواسم الزواج وترتيب المقابلات العائلية.”
كان سونغ لين تشو ليس في عمر يتعرّض فيه لضغط الزواج، كما أنه لا يملك عائلة ليضغطوا عليه من الأساس.
لكنه كان يعلم أن رأس السنة هو موسم الضغوطات الاجتماعية للزواج، وهو أمر شبه متأصل في الثقافة الصينية.
“آسف.” رفضها سونغ لين تشو بأدب:
“شريكي لن يكون سعيدًا بذلك.”
لو علم تان يوي بذلك، من يدري ما قد يفعله!
ثم وضع نفسه مكان تان يوي، لو كان هو في موقفه وسمع أن شريكه يتظاهر بأنه في علاقة مع شخص آخر لمدة شهر، حتى وإن كان الأمر مجرد تمثيل، لكان قد استشاط غضبًا.
نعم، هو شخص غيور أيضًا.
قالت لينغ روو شوان ببساطة: “آه، لا بأس إذًا.
يبدو أنني لن أنعم بالسلام هذا العام أيضًا.”
قدّر سونغ لين تشو خفّة روحها وقدرتها على التعامل مع الموقف برقي، فابتسم وقال:
“أنت شخص رائع، ستجدين شريكًا مناسبًا بسرعة.”
ابتسمت له بدورها: “سأعتبرها دعوة بالخير.”
ولأن كليهما لم يكن مهتمًا بالطرف الآخر، أنهيا حديثهما عند هذا الحد. كان سونغ لين تشو يفكر في العودة لشرح الأمر للكبار.
لكن لينغ روو شوان استوقفته وقالت:
“إذا عدنا معًا الآن، سيقولون فورًا: تعرفوا على بعضكم أولًا، لا يوجد شيء اسمه لا يوجد اهتمام من البداية، فالعلاقات تُبنى بالكلام والتعارف.
لذا، حفاظًا على سلامتنا، سأعود وحدي.”
أعجب سونغ لين تشو بمنطقها المقنع وأجاب: “حسنًا، إلى اللقاء إذًا.”
“إلى اللقاء.” ابتعدت لينغ روو شوان قليلاً ثم التفتت وقالت: “آه، لنتفق على الرواية.
سأقول إنني تلقيت اتصالًا من طالبة كانت مريضة واضطررت للذهاب إليها فورًا. لا تكشفنا، اتفقنا؟”
أجابها سونغ لين تشو: “بالطبع.”
راقب سونغ لين تشو لينغ روو شوان وهي تغادر الحي، ثم أطلق تنهيدة ارتياح. لم يستطع مقاومة رغبته في مشاركة هذه الحادثة الغريبة مع تان يوي، فأخرج هاتفه وأرسل له رسالة.
[شياو سونغ لين]: جيجي، QvQ هناك فتاة تريدني أن أكون زوجها!
لم يكن متأكدًا مما إذا كان تان يوي فارغًا هذه اللحظة أم لا، لكن الرد جاء بسرعة.
[تان يوي]: ؟
[شياو سونغ لين]: الفتاة تملك كل شيء؛ منزل، سيارة، وتعمل معلمة في مدرسة ثانوية.
كما أنها جميلة جدًا.
عادةً، فتاة بهذه المواصفات لا تتزوج إلا من موظف حكومي هنا.
[شياو سونغ لين]: ما معنى هذا؟
كان سونغ لين تشو على وشك أن يضيف:
هذا يعني أنني مرغوب جدًا في السوق، لذلك على رجل معين أن يقدّرني.
لكن تان يوي كان أسرع في الرد، حتى في هذا البرد القارس.
[تان يوي]: هذا يعني أنك مناسب لتكون (شياو باي ليانغ).
(مصطلح صيني يُطلق على الشباب الذين يعيشون على حساب نساء ثريات مقابل جمالهم وشبابهم.)
[شياو سونغ لين]: ؟؟؟
آه آه آه آه! أين سيفي الذي يبلغ طوله أربعين مترًا؟ أحضر لي سيفي الآن، يجب أن أقتل هذا الرجل الوقح اليوم!
عضّ سونغ لين تشو على أسنانه وهو يكتب:
[شياو سونغ لين]: حسنًا، سأذهب لأكون (شياو باي ليانغ) كما قلت.
[تان يوي]: (صورة) (صورة)
[تان يوي]: تشينغ بين قام بعمل ممتاز في تقرير نهاية السنة.
ما علاقة هذا بي؟!
على الرغم من أنه فكر بذلك، إلا أن يده تحركت لا إراديًا وفتحت الصورتين.
ثم تجمّد في مكانه.
كانت الصور عبارة عن لقطات شاشة لملف إكسل؛ إحداها تُظهر قوائم ممتلكات موزعة في مدينة هايدو ومدن أخرى بما في ذلك العاصمة، والأخرى تحتوي على قوائم بسيارات فاخرة.
وكان الاسم المسجل كمالك لكل هذه الممتلكات هو: ' تان يوي '
سونغ لين تشو: …؟!
هل يعمل تان يوي في تجارة العقارات والسيارات الفاخرة بالجملة؟!
كشاب بسيط، شعر سونغ لين تشو بالدوار من حجم الثروة، لكن ابتسامة لا إرادية ارتسمت على وجهه.
هذا الرجل الصلب كان يلمّح بوضوح أنه يملك المزيد من المنازل والسيارات، إذًا…
[شياو سونغ لين]: أعتقد أنني أصلح لأن أكون ابنًا يتولى إرث العائلة، أفضل من أن أكون (شياو باي ليانغ).
[شياو سونغ لين]: من النوع الذي يرث العمل كله.
[شياو سونغ لين]: ما رأيك، أبي…
[تان يوي]: …
نظر سونغ لين تشو إلى النقاط الثلاث التي كان يرسلها الرجل العجوز وضحك في نفسه.
يستحق هذا!
في الجهة الأخرى، داخل المكتب الفاخر للرئيس التنفيذي…
وضع تان يوي هاتفه جانبًا، أغلق ملف خطة الاستثمار على جهاز الكمبيوتر بوجه جامد، ثم فتح صفحة ويب.
فكر للحظة بتعبير بارد قبل أن يكتب بجديه:
“كيف أجعل من الواضح من النظرة الأولى أن الرجل متزوج؟”
لم يتأخر محرك البحث بايدو في تقديم الإجابة الأكثر شيوعًا: “خاتم الزواج.”
كتب بايدو: “خاتم الزواج هو رمز يتبادله العروسان عند الزواج ويُرتدى في الإصبع الرابع من اليد اليسرى كدليل علني على الارتباط.”
نظر تان يوي إلى إصبعه الخالي، ثم رفع سماعة الهاتف الداخلي.
في تلك الأثناء، وبعد أن شعر سونغ لين تشو بالبرد أثناء تجواله، عاد إلى منزل عمته وأخبرهم بكل شيء مباشرة.
عندما سمعوا القصة، بدت عمته وعائلة شقيقها محبطين للغاية. خاصة زوجة شقيق عمته التي كانت قد أعجبت حقًا بسونغ لين تشو.
كان هذا الشاب يبدو مطيعًا وسهل المعشر، يدرس في جامعة مرموقة، ويتميز بشخصية رائعة، وكان بالتأكيد شخصًا واعدًا.
لكن ابنتها كانت قد غادرت بالفعل، ولم يعد بيدها شيء يمكن فعله سوى أن تتخلى عن الأمر.
في الليل، عاد عمه وابن عمه وزوجة ابن عمه من عملهم الذي استمر حتى بعد الواحدة صباحًا.
كان سونغ لين تشو قد ذهب للنوم بالفعل، لكنه خرج مرتديًا ملابس نومه لتحية ابن عمه وزوجة ابن عمه.
استقبلته زوجة ابن عمه بجفاء ودخلت غرفتها مباشرة دون أن تقول الكثير.
كان سونغ لين فنغ، ابن عمه، قريبًا منه عندما كانا صغيرين، لذا شعر ببعض الحرج الآن وقال:
“لقد كانت مرهقة جدًا مؤخرًا ولا ترغب في الحديث مع أي أحد، لا تأخذ الأمر على محمل شخصي.”
ابتسم سونغ لين تشو وقال: “لا بأس.”
كان يعلم أن زوجة ابن عمه ليست مستاءة منه شخصيًا، بل كانت تعامل الجميع في قريتهم بجفاء، باستثناء عمه وعمته وابن عمه.
حتى شقيقة ابن عمه كانت تتلقى منها نفس المعاملة.
قال ابن عمه وهو يجلس على طاولة الشاي:
“لقد كنت مشغولًا جدًا مؤخرًا ولم أستطع الجلوس معك. هيا، لقد مر وقت طويل منذ أن التقينا، لنحتسي بعض الشاي ونتحدث قليلًا.”
كان سونغ لين تشو على وشك الاقتراب عندما خرجت زوجة ابن عمه من الغرفة مجددًا وقالت: “لماذا تحضّر الشاي وتجلس للدردشة في مثل هذا الوقت المتأخر؟ ألا تدرك كم الساعة؟ عليك أن تستيقظ مبكرًا غدًا لتتولى خدمة العملاء.
أنا لن أوقظك.”
احتك ابن عمه أنفه بإحراج وقال:
“ألا يجب أن أنتظر حتى تنتهي من الاستحمام؟”
رفعت زوجة ابن عمه صوتها وقالت:
“ألا يمكنك استخدام الحمام الخارجي؟ آه، فهمت. أنت تنتظر أن أنتهي من الاستحمام، ثم ستقول إن المياه الساخنة نفدت ويجب أن تنتظر، ثم ستظل تتحدث حتى الثانية أو الثالثة صباحًا بدون نوم! غدًا سأحاول إيقاظك لتتولى خدمة العملاء، وستتظاهر بأنك ميت!”
كان ابن عمه على وشك الرد، لكن سونغ لين تشو قال بسرعة: “ابن عمي، الأفضل أن تذهب لتستريح. يمكننا الحديث عندما يتاح الوقت لاحقًا.”
ابتسم ابن عمه بلا حول وقال: “حسنًا، آسف على ذلك. سنتحدث في حفلة عيد ميلاد والدي.”
وافقه سونغ لين تشو.
يدير سونغ لين فنغ متجرًا لبيع ملابس النساء على منصة تاوباو. خلال فترة رأس السنة، شهدت البلاد ارتفاعًا واسع النطاق في درجات الحرارة، وتمتع الناس بشهر كامل من الطقس الدافئ.
لكن فجأة، انخفضت درجات الحرارة من جديد وعاد الشتاء القاسي بقوة.
ومع اقتراب نهاية العام، ازدهرت تجارة المعاطف القطنية، ولم يعد الموظفون الذين قاموا بتوظيفهم كافين لمواكبة ضغط الطلبات.
اضطر سونغ لين فنغ للمساعدة بنفسه في التغليف والشحن، وكان يعمل حتى ساعات متأخرة من الليل يوميًا.
في اليوم التالي، اقترحت عمته أن يساعد سونغ لين تشو أيضًا في التغليف.
وبما أنه لم يكن لديه ما يشغله، لم يرفض.
كان عمه يعارض بشدة في البداية، لكنه خضع لنظرة عمته الحادة، ولم يجد بُدًا من الاعتذار لسونغ لين تشو بابتسامة مُحرجة.
لم يُعِر سونغ لين تشو الأمر أهمية.
في النهاية، كان مجرد يوم واحد، وكان سيغادر في اليوم التالي. كان من الأكثر إحراجًا أن يبقى في المنزل بينما عمته تراقبه باستمرار.
كان مكتب ابن عمه يقع في الطابقين الرابع والخامس من مبنى سكني.
الطابق الرابع كان مخصصًا للتغليف والشحن، بينما الطابق الخامس كان مخصصًا للموظفين المسؤولين عن خدمة العملاء والتشغيل والتصميم.
التغليف عمل مرهق جدًا، خاصة أن الملابس القطنية التي يبيعونها ضخمة الحجم وتنتفخ بسرعة، وكان من الضروري تفريغ الهواء منها بعناية قبل حشوها في أكياس الشحن.
ورغم أن سونغ لين تشو لا يمكن وصفه بالمُدلل،
إلا أنه نادرًا ما كان يضطر للعمل يدويًا في الجامعة. لذا، بعد قضاء يوم كامل في المساعدة، بدأ يشعر بإعجاب حقيقي لأولئك الذين يقومون بهذا العمل يوميًا.
عند الساعة العاشرة مساءً، بينما كان سونغ لين تشو يُنهي تغليف أحد الطرود ووضع هاتفه على الطاولة، اهتز الهاتف فجأة.
كانت مكالمة فيديو من تان يوي.
كانت هذه المرة التي يبادر فيها تان يوي بالاتصال من تلقاء نفسه، دون أن يلمّح له سونغ لين تشو أو يتوسل إليه.
نظر سونغ لين تشو إلى كومة المعاطف التي تنتظره للتغليف ثم إلى اسم تان يوي الذي كان يومض على الشاشة. لكنه لم يستطع مقاومة هذا الرجل، فالتقط هاتفه وسرعان ما ذهب إلى مخرج الطوارئ ليرد على المكالمة.
ظهر وجه تان يوي البارد والحاد على الشاشة.
كان من الواضح أنه أنهى عمله للتو، وكان جالسًا في سيارة مسرعة، لا يزال يرتدي بدلته الرسمية.
ربما حضر فعالية مهمة اليوم، إذ كان يرتدي ربطة عنق، لكنها الآن كانت مرتخية ومتدلية بكسل حول عنقه. كما فكّ الزرين العلويين من قميصه، ما جعله يبدو فوضويًا بطريقة جذابة.
شعر سونغ لين تشو بانقباض خفيف في قلبه وهو يتأمله…
“لماذا تبدو هكذا؟”
جاء صوت تان يوي البارد من خلال سماعة الأذن.
خفض سونغ لين تشو رأسه لينظر إلى هيئته.
كان يرتدي مريلة سوداء ذات أكمام طويلة تحمي ملابسه من غبار أكياس الشحن.
“هاي، ألا ترى كم أبدو رائعًا؟”
قال سونغ لين تشو مبتسمًا.
رد تان يوي بأربعة كلمات باردة: “لم ألاحظ أبدًا.”
لم يرغب سونغ لين تشو في الجدال معه وابتسم قائلًا: “جيجي، هل اتصلت بي لتقول شيئًا؟
ألا تخبرني أنك بدأت تشتاق لي منذ اليوم الثاني من غيابنا؟”
قال تان يوي:
“لم ترد على رسائلي، فظننت أنك اختُطِفت.”
“… لستُ متفاجئًا من أن تقول شيئًا كهذا.”
رفع سونغ لين تشو عينيه نحو السماء وقال:
“على كل حال، أنا ما زلت هنا، خائب أملك؟”
عجز تان يوي عن الرد للحظة.
ضحك سونغ لين تشو لمدة دقيقة كاملة، ملأ ضحكه سماعة الأذن.
الشاب الذي ظهر على الشاشة مال برأسه جانبًا، ما أبرز خط فكه المثالي وعنقه الأنيق، وظهر بوضوح ابتسامته المرحة التي غمرت عينيه وحاجبيه.
لوى تان يوي أطراف أصابعه برفق، وارتسم على شفتيه قوس خفيف دون أن يشعر.
بقيا يضحكان كالأطفال لدقيقة كاملة، ثم توقف سونغ لين تشو أخيرًا، وتمطى بتكاسل، لكن ظهره المنحني من يوم العمل الطويل جعله يطلق تنهيدة ألم: “آه.”
“ما الأمر؟” سأل تان يوي على الفور.
“ظهري يؤلمني.” أمسك سونغ لين تشو خصره وقال: “كنت أعمل على تغليف الطرود طوال اليوم، أشعر أن ظهري سينكسر.”
“أي طرود؟” بدا صوت تان يوي غير راضٍ.
قال سونغ لين تشو: “إنه من أجل ابن عمي الذي يدير متجر تاوباو. أعماله مزدهرة هذه الأيام وهم يعانون من نقص في العمالة.
أنا متفرغ على أي حال، لذا جئت لأساعد.”
قطّب تان يوي حاجبيه وقال: “هذا ليس من مسؤولياتك. إذا كانوا بحاجة لموظفين يمكنهم توظيف آخرين. لا داعي لأن تساعدهم.”
ردّ سونغ لين تشو بلا مبالاة: “أنا متفرغ على أي حال، كما أن نهاية العام تجعل من الصعب العثور على عمال جدد.”
أطلق تان يوي ضحكة باردة: “لا يوجد شيء اسمه عدم القدرة على التوظيف، هناك فقط أصحاب عمل لا يريدون الدفع.”
سونغ لين تشو: …
“أنت غني وأنت على حق.” قالها ساخرًا.
ثم أضاف: “أنا هنا لأساعدهم ليوم واحد فقط.
بعد حفلة عيد ميلاد عمي غدًا سأعود إلى قريتي.”
عندما سمع تان يوي ذلك، هدأت ملامحه قليلاً.
في رأيه، لم يكن هناك داعٍ لأن يعود سونغ لين تشو إلى قريته من الأساس.
لكن بما أن سونغ لين تشو قال إنه يريد زيارة قبري والديه، ورؤية خالته الطيبة التي كانت تعامله بلطف، بالإضافة إلى أنه يريد أن يعيد لها المال الذي استدانه منها لعدة سنوات، لم يكن بإمكان تان يوي أن يمنعه.
قال تان يوي: “غادر مباشرة بعد الوليمة غدًا.
أخبر تشينغ بين مسبقًا بالفندق الذي ستقيم فيه، وسيُرتب شخصًا ليأخذك.”
كان انطباع تان يوي عن عائلة عم سونغ لين تشو قد تدهور إلى أدنى مستوى. جعلوه يذهب لموعد تعارف قسري، وجعلوه يعمل لديهم مجانًا.
من يدري ما الذي قد يحدث لو تأخر في المغادرة.
شعر سونغ لين تشو أن لديه ميولًا غريبة، فقد كان يستمتع حقًا بهذا الشعور بأن هناك من يسيطر عليه ويرتب له كل شيء.
ابتسم وقال:
“حسنًا، سآخذ أمتعتي معي إلى الفندق غدًا.”
أخيرًا بدا تان يوي راضيًا.
في تلك اللحظة، سمعا صوت زوجة ابن عمه الحاد تنادي عليه باسمه، حتى أن تان يوي تمكن من سماعه من خلال سماعة الهاتف.
عقد تان يوي حاجبيه مجددًا بعد أن كان قد بدأ يرتخي. “من هذه التي تناديك؟”
قال سونغ لين تشو: “إنها زوجة ابن عمي.
يبدو أن لديها أمرًا طارئًا. سأغلق المكالمة الآن ونتحدث لاحقًا. جيجي، أنت أيضًا متعب، عُد واسترح. إلى اللقاء!”
كان على وشك إنهاء المكالمة عندما أوقفه تان يوي.
سمع تان يوي المرأة تنادي مجددًا سونغ لين تشو بنبرة باردة وغير ودودة وقال:
“لا تُغلق. أريد أن أسمع ما ستقوله.”
أسرع سونغ لين تشو قائلاً: “هذه هي طريقتها في الكلام، إنها شخصية نافذة الصبر. جيجي، لا تقلق، لن يحدث شيء.”
لكن تان يوي قال: “لكنني قلق.”
“…”
قال تان يوي: “أنا أيضًا من عائلتك.
لا يوجد شيء لا يمكنني الاستماع إليه.”