🦋

 منذ أن أضاف سونغ لين تشو تان يوي على ويتشات البارحة، لم يصله أي رد، وكأن الرسالة غرقت في بحر لا قاع له. 

لم يكن يعرف هل تصرفه المندفع أفزع الرجل، أم أن تان يوي من أولئك الذين لا يضيفون الغرباء ببساطة.

لكن ربما لم يرَ الطلب حتى.

فهو مريض بمرض عضال، ومن غير المنطقي أن يكون هاتفه دائمًا بين يديه كأي شخص عادي.

قرر سونغ لين تشو أنه إن لم يتلقَ ردًا بحلول اليوم، فسيغير استراتيجيته، ويحاول التقرّب بأسلوب أكثر تحفظًا.

لكنه لم يكن يتوقع، أنه خلال استراحة المحاضرة، حين نظر إلى هاتفه، وجد طلب الصداقة قد تم قبوله بالفعل.

جلس منتصبًا في مكانه على الفور، كمن وصله خبر مصيري.

يبدو أن تان مينغ تشينغ لم يكن يكذب… هذا العم فعلًا من النوع الذي ينجذب للوجوه الجميلة، بل ويحب أيضًا من يتسم بالحماس والانفتاح.

فما الذي ينتظره الآن؟ فلينطلق!

كأنما ضُخّ فيه دفعة من الأدرينالين، امتلأ سونغ لين تشو بالطاقة.

[شياو سونغ لين]: (ثعلب يقبّل.gif)

[شياو سونغ لين]: أخيرًا قبلت جيجي ~ لقد كنت معجب بك منذ وقت طويل (^▽^)

(' جيجي ' كلمة دلع تعني الأخ الأكبر)

لم تمضِ سوى لحظات حتى جاء الرد:

[تان يوي]: معجب؟

[شياو سونغ لين]: نعم بالطبع! 

أنا مسحور بجاذبيتك المهيبة، وحضورك اللافت، وموهبتك التي لا تنضب.

أنت نوري الأبيض في الليالي المعتمة.

[شياو سونغ لين]: (ثعلب خجول.gif)

واو، لقد استحق عشر درجات كاملة على هذا المديح المتوهّج!

كان سونغ لين تشو يقرأ كلماته بشغف، وكلما أعاد النظر فيها ازداد إعجابًا بنفسه. 

لقد جمع بين الحماس والخجل، وضبط التوازن بينهما بدقة مذهلة.

لا شك أنه يملك موهبة في هذا النوع من التعبير.

جاء رد تان يوي… ست نقاط متتالية:

[تان يوي]: “……”

ماذا يعني هذا؟!

آه، بالطبع لابد أن هذا الرجل خجول!

لم يشأ أن يفقد الزخم، فواصل سونغ لين تشو التقدم بسرعة:

[شياو سونغ لين]: سعادتي لا توصف بمعرفتك لي، جيجي (خجل).

[شياو سونغ لين]: فكرة أنني أراك كل مرة أفتح فيها ويتشات، تجعلني سعيدًا لدرجة أنني أريد أن أركض عشر لفّات في الحرم الجامعي!

يا له من أداء ساحر! 

يبدو وكأنه يرقص فوق ذائقة تان يوي الجمالية!

ظهرت العلامة أعلى صندوق الدردشة… 

“الطرف الآخر يكتب الآن.”

تحمّس سونغ لين تشو بشدة، وفرك راحتيه انتظارًا.

لابد أنه أثار إعجاب تان يوي إلى الحد الذي جعله مفتونًا به الآن.

اهتز الهاتف فجأة “زززز…”

ألقى سونغ لين تشو نظرة فورية:

[تان يوي]: اذهب وأركض إذن، لا تضيع شبابك على لاشيء.

سونغ لين تشو: “؟؟؟”

ظل مذهولًا للحظة قبل أن يفهم… كان هذا ردًا مباشرًا على تعبيره المجازي “أريد أن أركض عشر لفّات”.

لكن مهلاً… كان يمزح!

أن يأخذ الأمر حرفيًا، ويطلب منه الركض في هذا البرد القارس؟ 

لا بد أنه شيطان بدم بارد.

أعاد الهاتف إلى حقيبته بهدوء. 

طالما تجاهل الرسالة، فيمكنه تجاهل الركض كذلك.

وبسبب الجو البارد، اقترح زميله السابق في السكن هي وين يان أن يجتمعوا لتناول وجبة هوت بوت في شقته.

هي وين يان من عائلة جيدة، يُعد من أبناء الأغنياء، وقد انتقل من السكن الجامعي منذ السنة الثانية ليستأجر شقة بمساحة تزيد على 100 متر مربع، مجهزة بالكامل. 

وكانوا يترددون عليها كثيرًا لتناول الهوت بوت معًا.

والآن، ومع حلول الشتاء، لا يوجد وقت أنسب من هذا.

لبّى الدعوة حتى زميلهم غاو يوان، المعروف بوساوسه تجاه النظافة، وطبخ في قدره الخاص.

اشتروا المكونات بأنفسهم بعد انتهاء الدروس، وكانت المائدة تعجّ باللحوم والمأكولات البحرية—كما يحب الفتيان تمامًا.

وأثناء تقليب المكونات في القدر، سأل غاو يوان:

“هاه، هل ما يزال ذلك الشخص في سكنكم يثير اشمئزازكم كل يوم؟”

هو وهي وين يان لم يكونا من نفس التخصص، لكنهما سمعا بقصة زميل السكن العجيب الذي سرق حبيب سونغ لين تشو، ولا يتوقف عن التباهي بذلك، دون معرفة التفاصيل كاملة.

قال لي تشانغ بغضب:

“بالتأكيد! هذا شخص غريب الأطوار… كأنما كتب عبارة (انتهازي رخيص) على جبهته! 

لأول مرة في حياتي أرى شخص يفخر بأنه الطرف الثالث وكأنه يعمل عملًا بطوليًا!”

قال هي وين يان:

“هو فقط يستغل طيبة لين تشو، ولو كنت أنا في السكن، لَما تجرّأ على التفاخر، كنت لأرسله في رحلةٍ شهرية إلى وحدة العناية المركزة.”

نظر إليه غاو يوان وسأله:

“على ذكره، أليس سبق له أن حاول التقرب منك؟”

انبهر لي تشانغ، وقد بدت الصدمة واضحة في صوته:

“مستحيل! حتى أنت حاول التقرب منك؟!”

أجاب هي وين يان بهدوء:

“نعم، ذلك كان في السنة الثانية. 

لكنني لم أعره اهتمامًا، تجاهلته ببساطة.”

تمتم لي تشانغ ساخطًا:

“اللعنة، يبدو أنه جرّب حظه مع كل من في الجامعة ممن يملكون المال… وحده ذلك الأحمق تان مينغ تشينغ هو الأعمى الذي لم يرَ حقيقته.”

لكنه حين وصل إلى هذه الجملة، تنبّه فجأة لما قال، فسارع إلى التوقف، وألقى نظرةً سريعة نحو سونغ لين تشو يتحسّس ردة فعله.

غير أن سونغ لين تشو بدا غير مبالٍ، بل وافقه قائلاً بنبرة ساخرة هادئة:

“ليس أعمى فقط، بل يعاني من تأخر عقلي أيضًا.”

علّق غاو يوان وهو يضع بعض قطع اللحم في قدره الصغير:

“بالضبط. 

وأنت، يا لين تشو، بهذه المزايا، يمكنك أن تختار من تشاء. هو لا يستحقك أصلًا.”

هزّ هي وين يان رأسه تأييدًا وأضاف مازحًا:

“لين تشو، لو لوّحت بإصبعك فقط، لرأيت الرؤساء التنفيذيين، وسيدات الأعمال، وأبناء الطبقة الثرية، جميعهم يجثون عند طرف بنطالك المدرسي.”

قال سونغ لين تشو:

“……”

ارتفع حاجباه قليلًا، وانفرج فمه بابتسامة خفيفة. في العادة، لم يكن يُلقي بالًا لهذا النوع من المبالغات أو كلمات المواساة.

لكن هذه المرة، لم يستطع أن يمنع نفسه من السؤال:

“هل أنا فعلًا بهذه الجاذبية؟”

ربت هي وين يان على كتفه وقال بثقة:

“طبعًا! أنت أجمل من مرّ على تاريخ هذه الجامعة، متفوّق دراسيًا، وأخلاقك عالية. لو لم أكن مستقيمًا، لكنت أخذتك معي إلى المنزل مباشرة!”

فكر سونغ لين تشو مليًّا.

صحيح أن في كلام هي وين يان بعض المبالغة، 

لكنه في جوهره لم يكن بعيدًا عن الحقيقة.

لهذا، لا ينبغي له أن يستسلم لليأس. 

طالما اقترب من تان يوي خطوةً تلو الأخرى، فلا بد أن الأخير سيبدأ برؤيته حقًا… وسيتعلق به.

في العادة، يتولى عامل النظافة الذي يستدعيه هي وين يان مهمة غسل الصحون وتنظيف المكان، فلا حاجة لهم ببذل مجهود إضافي.

وبعد أن فرغوا من الطعام، جلسوا يسترخون لبعض الوقت، ثم حين نظروا إلى الساعة، أدركوا أن الوقت قد تأخر، فتفرّقوا.

“يا إلهي! إنّها تثلج!”

خرج الثلاثة من شقة هي وين يان، ليفاجَؤوا بزخّات كثيفة من الثلج تهبط بهدوء من السماء.

كان الثلج يتساقط بغزارة، كأن السماء تنثر قطع قطن ناصعة البياض، وبدت الأرض مستعدة لاستقبال غطائها الشتوي الوارف.

قال لي تشانغ بدهشة وفرح طفولي:

“لم أرَ في حياتي ثلجًا بهذه الكثافة من قبل!”

رغم أن مدينة البحر التي يعيشون فيها تشهد تساقطًا سنويًا للثلوج، إلا أنه يكون غالبًا خفيفًا أو ممزوجًا بالمطر. أما هذا المشهد، فكان الأول من نوعه، حتى وهم في سنتهم الثالثة في الجامعة.

أخرج لي تشانغ وغاو يوان هواتفهم، وأخذا يلتقطان الصور بشغف.

أما سونغ لين تشو، فقد وُلد في شمال البلاد، وكان الثلج جزءًا مألوفًا من كل شتاء يعيشه، فلم يُثر فيه المشهد نفس الدهشة. 

لكن حين رأى لي تشانغ يرسل الصور لحبيبته، خطرت له فكرة.

أخرج هاتفه من جيب معطفه، التقط صورة للثلج المتساقط، وأرسلها مباشرة إلى تان يوي.

[شياو سونغ لين]: (صورة)

[شياو سونغ لين]: جيجي، إنها تثلج! (o≧▽≦)o

مستشفى آيكانغ – الجناح الفاخر

داخل غرفة خاصة دافئة بتدفئة مركزية، جلس تان يوي على السرير، يتصفح كتابًا بين يديه.

كان يرتدي نظارات بإطار ذهبي، وعدساتها الرفيعة تعكس الضوء الأبيض البارد المنبعث من السقف، فتزيد من برودة ملامحه، وتضفي على هيئته هالةً من الصقيع، لا تقل قسوة عن ليل الشتاء بالخارج.

دخلت المُعتنية بشؤونه بهدوء، وضعت كوبًا من الحليب الساخن على الطاولة المجاورة للسرير، ثم غادرت دون أن تنطق بكلمة.

لم يكن تان يوي معتادًا على شرب الحليب، لكن منذ دخوله المستشفى، عانى من الأرق، وقد نصحه الطبيب بتناول الحليب لتحسين النوم. 

فطلب كبير الخدم من المُعتنية أن تقدّم له كوبًا كل ليلة.

لكنها، مثل كل من يعمل حوله، كانت تهابه. 

لم تكن تجرؤ على تذكيره بالنوم بصراحة، بل جعلت من تقديم الحليب إشارةً صامتة بأن موعد الراحة قد حان.

كان تان يوي قد رفع الكوب ليأخذ رشفةً من الحليب حينما اهتز هاتفه مرتين على الطاولة. 

رفع عينيه نحو الشاشة ليلمح رسالة واردة من الشاب الذي قدمه له جده.

كان الجد تان يجهل تمامًا طباع حفيده الصلبة حين يتعلق الأمر بالتعامل مع الآخرين. 

وعندما رأى أنه بدأ يتحدث مع الفتى فور إضافته كصديق، شعر بأن ثمة بوادر أمل، وغادر مرتاح البال.

فهو يعرف حفيده جيدًا: إن لم يكن يطيق أحدًا، فلن يرسل له حتى علامة ترقيم.

لكن، كما يبدو، لم يكن يعرفه بقدر كافٍ.

تان يوي أعاد الكوب إلى الطاولة، وتابع القراءة، متجاهلًا الرسالة.

بعد بضع دقائق، اهتز الهاتف مجددًا مرات متتالية—المرسل هو نفس الفتى.

تناول تان يوي الهاتف وكان على وشك تفعيله على الوضع الصامت، لولا أنه تذكّر وصية الجد قبل مغادرته:

“إن علمتُ أنك تجاهلت هذا الفتى بعد أن خرجتُ للتو، فسأذهب لأبكي على قبر والديك!”

ورغم أن تان يوي مؤمن راسخ بالمادية ولا يظن أن تهديدات الجد العاطفية قد تُحدث فرقًا فعليًا، إلا أنه قرر فتح نافذة المحادثة.

وحتى حين يتحدث، فإن تان يوي يعرف كيف يردّ بطريقة تجعل الطرف الآخر يفقد الاهتمام من تلقاء نفسه.

[شياو سونغ لين]: الثلج بارد جدًا، يداي تجمدتا.

[شياو سونغ لين]: الزوجان الوقحان أمامي لا يزالان يتبادلان دفء الأيدي، همف! لا أشعر بالغيرة أبدًا!

[شياو سونغ لين]: (ثعلب مغرور.gif)

[تان يوي]: الغيرة لا تُجدي نفعًا.

في تلك اللحظة، كان سونغ لين تشو قد ودّع غاو يوان العائد إلى شقته المستأجرة، ولي تشانغ الذي ذهب لإيصال وجبةٍ خفيفة إلى حبيبته. 

وبينما كان يسير نحو السكن الجامعي، تلقّى ردّ تان يوي، فكاد يبصق دمًا.

أهذا هو المعنى؟!

ألم ترَ الإشارة الواضحة بأنني أريد الخروج من حياة العزوبية والدخول في علاقة؟!

اهدأ… اهدأ… الرجال الأكبر سنًا يتأخرون في الفهم، ربما لم يلتقط التلميح بعد.

[شياو سونغ لين]: QAQ، قلبي يؤلمني.

[شياو سونغ لين]: هل تشعر بالبرد، جيجي؟ 

يمكن للعزاب أن يتجمعوا للتدفئة، يمكنني أن أدفئ يديك.

[تان يوي]: لست أشعر بالبرد.

سونغ لين تشو: “……”

هكذا تموت المحادثات في جملة واحدة.

لكنه لحسن الحظ، كان يملك بديهة سريعة، فحاول إنقاذ المحادثة من الانهيار:

[شياو سونغ لين]: أنا بردان جدًا.

[شياو سونغ لين]: انظر، يداي احمرّتا من شدة البرد.

[شياو سونغ لين]: (صورة)

التقط سونغ لين تشو صورة ليده، متعمّدًا اختيار زاوية جميلة، وأضفى عليها فلترًا لطيفًا.

كانت يده ناصعة البياض، طويلة الأصابع، بارزة المفاصل، كأنها يدُ عازف بيانو، بل تكاد تصلح أن تكون يدَ عارضٍ إعلاني إن تم الاعتناء بها قليلًا.

كان تان مينغ تشينغ يُعجب بيديه كثيرًا في السابق، ولا يمكن أن يصدّق أن تان يوي، المعروف بضعفه أمام الجمال، سيظل غير متأثر.

تان يوي: اذا توقفت عن اللعب بهاتفك، فلن تشعر بالبرد.

كأنما طُعن مجددًا، سكت سونغ لين تشو للحظة، ثم واصل التنفس بعمق.

محادثة تحتضر، وهذا الرد هو الطعنة التي أجهزت عليها.

[شياو سونغ لين]: الدردشة مع جيجي وحدها تدفئني.

[شياو سونغ لين]: كم أنت مذهل، جيجي! لا بد أنك جنّيه!

انظروا إليه، كم هو صادق ومباشر، مثابر رغم الإحباط، أليس هذا مثيرًا للشفقة؟!

فجأة أرسل له تان يوي رابطًا:

[تان يوي]: [[برنامج مصغّر] صديقك أرسل لك كتابًا رائعًا: المدخل إلى المادية والإلحاد]

؟!

؟؟؟

ما هذا بحق الجحيم؟!

وما إن استوعب المغزى من إرسال ذلك الكتاب، حتى أطفأ سونغ لين تشو شاشة هاتفه، وأعاده إلى جيب معطفه بلا أي تعبير.

عيناه لا تخطئان—إنه ذلك النوع من الرجال الصلبين غير القابلين للغواية.

كان يمكنه أن يفعل أي شيء آخر… لكنه اختار أن يكون كلبًا يلهث وراء من لا يستحق!

اللعنة، لِيُدمَّر هذا العالم… هذا النوع من الرجال لا يستحق أن يعرف الحب.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]