في صباح اليوم التالي، تمامًا في الساعة التاسعة، ظهرت سيارة تان يوي أمام مبنى سكن سونغ لين تشو كما وعد.
وعندما وصلت السيارة، كان سونغ لين تشو قد سبقه بالانتظار عند مدخل المبنى.
كان يرتدي البدلة التي قدمها له تان يوي بالأمس. والفرق بين البدلة المستأجرة والبدلة المصممة حسب المقاس هو أن الأولى تناسب الجسد، أما الثانية فهي مصممة لأجله.
وبما أن ملامح سونغ لين تشو كانت وسيمة في الأصل، فإن تلك القصّة المتقنة زادت من وسامته، فبدا وكأنه شاب من طبقة النبلاء، ما جعل من يراه يوقن أنه لا بدّ من أن يكون نجل عائلة ثرية.
“صباح الخير، جيجي”، حيّاه سونغ لين تشو بابتسامة وهو يدخل السيارة، فتحوّل الجو البارد المتجمد داخل المركبة إلى دفء نابض بالحيوية.
“صباح الخير”، أجابه تان يوي بنظرة هادئة، ثم سأل: “هل لم تنم جيدًا؟”
فرك سونغ لين تشو وجهه وقال:
“هل الأمر واضح لهذه الدرجة؟”
أومأ تان يوي بالإيجاب.
بشرته الفاتحة جعلت الهالات السوداء تحت عينيه أكثر وضوحًا.
شعر سونغ بشيء من الإحراج وعلّق:
“كنت فقط أشعر بالقلق قليلًا.”
في الأيام السابقة، كان سونغ منشغلًا بالتحضير لامتحاناته النهائية، ولم يُفكّر كثيرًا في الزواج.
لكن بالأمس، حين أوى إلى الفراش، أدرك فجأة أنه على وشك الزواج من رجل مريض بمرض عضال… رجل ربما لن يبقى حيًّا حتى نهاية عقدهما.
ولنكن صريحين، فإن ما يفعله قد يبدو للآخرين أمرًا سخيفًا بل ومثيرًا للشفقة.
هو يستخدم الزواج كأداة للانتقام من حبيب خائن… فهل هذا الثمن يستحق فعلًا؟
ظلّ سونغ يفكر طوال الليل، حتى أوشك الفجر أن يطلع، ولم يغمض له جفن إلا قليلًا، ولهذا بدت الهالات واضحة جدًا.
قال تان يوي: “ما زال لديك فرصة للتراجع.”
“لا، لن أتراجع”، ردّ سونغ فورًا.
“انظر إلى عيوني البريئة المخلصة!”
ورمش بعينيه الكبيرتين ببراءة، وتلك النظرة الصافية لم تنعكس فيها سوى صورة رجل واحد.
“…”، صرف تان يوي نظره إلى نافذة السيارة، محدّقًا في الشوارع التي كانت تتراجع بسرعة، ثم أجاب بهدوء: “هممم.”
كان اليوم هو أول أيام السنة الجديدة، وقد قدم عدد كبير من الناس إلى مكتب الشؤون المدنية لإتمام إجراءات الزواج.
حتى شخص مثل تان يوي كان عليه الانتظار في الصف.
معظم الأزواج الذين حضروا كانوا يُظهرون مشاعر المودة، لكن تان يوي وسونغ لين تشو بدَوا مختلفين تمامًا.
فتان كان باردًا متجهمًا، وإن لم يبادر سونغ، فلن يكون هناك أي تفاعل بينهما.
كانت الأجواء أشبه بلقاء غرباء، ما جعل الجميع يحدّق بهما بنظرات فضولية، حتى أن بعضهم رفع هواتفه لالتقاط الصور، لكنه ما لبث أن أعادها إلى جيبه خجلًا من نظرة تان يوي الحادة.
ومع ازدياد الغرابة في غرفة الانتظار، لم يعد سونغ قادرًا على تجاهل الوضع، فشدّ طرف كم تان يوي وقال: “جيجي.”
نظر تان يوي إلى كمّه الذي شُدّ بلطف،
وأدرك أن سونغ يحب هذه الحركة الصغيرة.
“هممم؟” ردّ عليه.
اقترب سونغ منه وهمس:
“أترى؟ نحن لا نتصرف كزوجين أبدًا، والجميع يحدّق بنا. هذا غير جيد، أليس كذلك؟”
أجاب تان يوي بهدوء: “لا تهتم بما يعتقده الآخرون.”
سونغ لين تشو: “…”
هل كان هذا جوهر ما أقصده؟!
يا لهذا الرجل المتحجر العاطفة، لقد وصلنا إلى مكتب الزواج، وما زلت رجلًا فولاذيًّا مستقيمًا باردًا!
بعد أن شتمه في سرّه، قال سونغ بصوت منخفض: “أعني أننا لا نبدو كزوجين.
ماذا لو صادفنا أحد معارف جدك، ونقل له كيف نتصرف هنا؟ ماذا سنفعل حينها؟”
رمق تان يوي بنظرة متأملة وقال: “ثم ماذا؟”
أخرج سونغ هاتفه وقال: “ثم… جيجي، لنلعب لعبة صغيرة لنتصرف وكأننا زوجان.”
“…”، بقي تان يوي صامتًا، وهو يراقب سونغ يبتسم بمكر.
لكنه لم يرفض.
اللعبة التي اختارها سونغ كانت شبيهة بلعبة ملك المقاتلين، حيث يتشارك اللاعبان نفس الهاتف، ويتحكم كل منهما بشخصيته ويقاتل الآخر حتى يخسر أحدهما.
“سأبدأ الآن”، قال سونغ وهو يمسك الهاتف بيده اليسرى.
“حسنًا.”
ضغط سونغ على زر البدء، وتحكم تان يوي بشخصيته بإبهامه، وكان بالكاد بدأ يعتاد اللعبة حين باغته سونغ من الجهة اليسرى، وأمطَره بوابل من الضربات حتى تحطّمت شخصيته على الشاشة وسقطت أرضًا.
الدماء لطّخت الشاشة، ولم يتح له الوقت للرد.
“KO!” أعلن النظام ببرود بعد ثلاثين ثانية.
تان يوي: “…”
“آه، جيجي، كيف خسرت؟”
قال سونغ متظاهرًا بالدهشة.
وفي الواقع، كان يشعر ببهجة غامرة.
آه! كم هو منعش أن أُبرح هذا الرجل الكلب ضربًا! إنه علاج للضغط النفسي!
قال تان يوي: “لنلعب جولة أخرى.”
فضغط سونغ بلا خوف على زر “البدء”.
وبينما أعاد اللعب، اعتمد على خبرته السابقة، وأوقع تان يوي مجددًا أرضًا، ثم كرر ذلك مرة أخرى.
لكن تان يوي، بما أنه رئيس تنفيذي حقيقي، تعلّم القواعد بسرعة. في الجولة الرابعة، بدأ يردّ الضربات حتى كاد يُسقط سونغ أرضًا.
في الجولة الخامسة، بدأ بالهجوم بجدية، وكاد ينهي شخصية سونغ التي لم يتبق منها سوى شريط حياة صغير… لكن فجأة، خدشه سونغ بطرف إصبعه على راحة يده!
أنامل سونغ الباردة لامست راحة يد تان يوي، فشعر بوخزة خفيفة.
تجمّدت أصابعه، وتلقى الضربة الأخيرة.
KO مجددًا.
قال سونغ بفخر:
“جوهر هذه اللعبة يكمن في الهجوم الجسدي.”
تان يوي: “…”
في البداية، ظنّ الأزواج في غرفة الانتظار أن هذا الثنائي غريب الأطوار، وكأنهما على وشك الطلاق لا الزواج، وكانوا يهمسون ويتهكمون عليهم.
لكن، بعد أن بدأوا في اللعب، أصبحا أكثر قربًا، يتلامسان، ويتبادلان النكات، وذاك الرجل البارد بدا فجأة لطيفًا ومتماشيًا.
بدأت العيون تتبادل النظرات بينهم بسبب ما وصفوه بـ ' الطعام الكلبي ' الذي يُقدَّم أمامهم.
ذلك الثنائي مزعج…
آه… نسينا، إنهم ليسوا كلابًا عازبة، بل زوجان حقيقيان… حسنًا، نغفر لهم!
بعد ما يقارب نصف ساعة من اللعب، جاء أخيرًا دورهما. كانت المصورة فتاة شابة التقطت صورًا للعديد من الأزواج الجدد، لكنها وللمرة الأولى ترى رجلين بهذا القدر من الوسامة.
لم يكن هناك زاوية سيئة في الصور، فكل لقطة بدت وكأنها من مجلة أزياء. لم تستطع إلا أن تتنهّد بحسرة: “الرجال الوسيمون أصبحوا مع بعضهم، فكيف للثنائيات من الجنسين أن تستمر؟”
وعندما خرجا من مكتب الشؤون المدنية، كانت الساعة تقترب من الظهيرة.
أمسك سونغ لين تشو بشهادة الزواج الجديدة، قلبها مرارًا، ثم التقط لها صورة قبل أن يضعها بعناية.
قال بحماس: “جيجي، إلى أين سنذهب بعد ذلك؟”
كان في مزاج جيد، وصوته كان خفيفًا ومرِحًا، وقد اختفت تمامًا تلك الهواجس التي شعر بها قبل الحصول على الشهادة.
الزواج في سن مبكرة… ليس بالأمر السيئ.
قال تان يوي: “لنذهب إلى بيت جدي أولًا.”
“أوه، هل خرج من المستشفى؟”
“هممم، خرج اليوم.”
كم هو مناسب.
شدّ سونغ لين تشو قبضتيه وقال بحزم:
“لا تقلق، جيجي، سأجعل جدي يحبني!”
كان شريكًا محترفًا في الزواج التعاقدي.
نظر تان يوي إليه وهو يرى ثقته البادية، ولمعت في عينيه لمحة من التسلية، “حسنًا.”
لكنّه لم يخبره بأن الجد لا يحتاج أصلاً إلى الإقناع، بل كان ينتظر بفارغ الصبر رؤية ' صهره '.
كان منزل الجد لا يبعد كثيرًا عن مكتب الشؤون المدنية، فقط عشرون دقيقة بالسيارة.
لم تكن المنطقة في مستوى حي تان يوي، لكنها لا تزال منطقة راقية، وكان المنزل على الطراز الصيني الكلاسيكي، بفناء مستقل، تحيطه لمسات من الفخامة والذوق الرفيع.
انبهر سونغ لين تشو بالمكان، ومن الخارج بدا وكأنه منزل لعائلة أرستقراطية قديمة، تحفه الأناقة والهيبة.
سأله تان يوي: “هل أعجبك؟”
فكر سونغ في نفسه:
ما فائدة قول ذلك؟ هل ستمنحني منزلًا؟
لكنه قال بصوتٍ مسموع: “أنا أحب منزل جيجي أكثر!” وفورًا ندم على ذلك—ألن يبدأ الآن في الحديث عن فريق تصميمه الداخلي؟
لحسن الحظ، لم يفعل تان يوي ذلك، بل مدّ يده وقال: “هيا بنا ندخل.”
كان الجد قد عاد لتوه من المستشفى، وكان ينتظرهم في غرفة الجلوس. وعندما رأى الاثنين يدخلان وهما يمسكان بأيدي بعضهما، ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه.
في المرة السابقة، كان غاضبًا وراقدًا في سريره، فلم تتسن له فرصة النظر جيدًا إلى سونغ لين تشو.
أما الآن، فقد اكتشف أن حفيده قد جلب له شابًا وسيماً، ودودًا، يبعث على الراحة منذ اللحظة الأولى.
قال سونغ لين تشو بنغمة حلوة: “جدي.”
رغم وجود الضمادات على رأسه، رد الجد عليه بابتسامة، ثم تناول ظرفًا أحمر كبيرًا من كبير الخدم، وأمسك بيد سونغ، ووضع الظرف فيها.
قال الجد: “في المرة الماضية، ظننت أن تان يوي يخدعني، وتصرفت معك بسوء.
لم يكن ذلك لأن لديّ مشكلة معك، بل لأنني كنت قلقًا.
أعتذر لك، يا بني.”
أصيب سونغ لين تشو بالارتباك؛ ألم يكن من المفترض ان يكون الجد الشرير في القصة؟
لم أبدأ حتى محاولاتي لكسب وده، وهو قد وصل بالفعل إلى أقصى درجات القبول!
هل توجد مثل هذه النعم في الحياة؟
وبسرعة، عدّل استراتيجيته، وأخذ الظرف دون تردد، قائلاً: “شكرًا، جدي!”
طلب منهم الجد الجلوس، ثم سألهم عن شهادة الزواج. وبعد أن ألقى عليها نظرة، هزّ رأسه برضا: “جيد، جيد. متى تخطّطون لإقامة حفل الزفاف؟”
أجاب تان يوي: “سننتظر حتى يتخرج لين تشو، فهو ما زال في الجامعة الآن.”
عقد الجد حاجبيه وقال: “ألن يكون ذلك بعد عامين؟”
أجاب تان يوي دون انفعال: “الزفاف مجرد شكليّات.”
قال الجد: “لكن يجب أن يعرف الناس به على الأقل، وإلا، ماذا لو تعرض لين تشو للأذى مستقبلاً؟
أقترح أن تقيموا له حفلاً صغيرًا في يوم 23، وهو يوم ميلاده، وندعو فيه أولئك الأشخاص المزعجين حتى يتعرفوا عليه.”
كان اقتراحًا منطقيًا، فنظر تان يوي إلى سونغ لين تشو.
رغم أن ذلك لم يكن جزءًا من الخطة الأصلية، إلا أن 23 سيوافق عطلة الشتاء، ولن يؤثر على امتحاناته.
وبعد لحظة تردد، أومأ سونغ لين تشو بالموافقة.
قال تان يوي: “حسنًا، سأرتّب الأمر.”
كانت صحة الجد لا تزال هشة، وبعد بضع جمل، أغمض عينيه قليلًا واتكأ على الأريكة.
سأله تان يوي:
“هل ترغب في الراحة داخل الغرفة؟”
رد الجد وهو يلوّح بيده: “لا حاجة.
أريد فقط أن أستمع إلى حديثكما. هذا يسعدني.
لا تمانعا وجودي، تحدّثا كما يحلو لكما.”
فكّر سونغ في نفسه: ما الذي يمكنني قوله له؟
هل ترغب في سماع حديث جدي بيني وبين حفيدك المستقيم فولاذي القلب؟
أشار تان يوي إلى الخادم بأن يجلب بطانية أخرى، وبينما كان سونغ يجهد نفسه في البحث عن موضوع للكلام، أخرج تان بطاقة وناولها له.
قال سونغ وهو يتردد في أخذها: “ما هذه؟”
“بطاقة إضافية.”
“…”
كانت فكرة البطاقة الإضافية شيئًا لا يمكنه تصوره حاليًا.
سأل مترددًا:
“ألا تخشى أن أنفق أموالك بتهور؟”
أجابه تان يوي: “أموالي خُلقت لتُنفق عليك.”
سونغ لين تشو: ؟؟؟
منذ متى أصبح هذا الرجل الفولاذي بارعًا إلى هذا الحد في الكلام المعسول؟!
يا له من ممثل بارع!
لم يستطع سونغ لين تشو إلا أن يرمق جدّه تان بنظرة سريعة، إذ ارتسمت على شفتي الأخر ابتسامة رضى واضحة بسبب الأداء الذي قدّمه الثنائي.
ماذا بقي لسونغ لين تشو أن يفعل سوى الاستمرار في التمثيل مع تان يوي؟ فالتقط البطاقة وقال: “شكرًا لك يا جيجي!”
وقبل أن يضع البطاقة بعيدًا، دوّت نبرة طفولية من جهة مدخل الفناء: “جِدّي الكبير!”
فتح الجد تان عينيه، واتسعت ابتسامته أكثر، وقال: “توآن توآن وصل.”
ركض الطفل الصغير وهو يرتدي زيّ دب تيدي مرِح، بدا وكأنه في الرابعة تقريبًا، وبشرته البيضاء الممتلئة تجعل وجهه مثل القُرص، وعيناه الصغيرتان اللامعتان تفيضان ببراءة فائقة.
همس تان يوي: “إنه ابن ابن عمّي، توآن توآن.”
قال سونغ لين تشو: “إنه لطيف جدًا!”
لم يُجِب تان يوي.
ركض توآن توآن بفرح لِيحتِضن جدّه، لكنه تجمد على الفور عند رؤية تان يوي جالسًا في زاوية الغرفة، فتوقفت ابتسامته واختفت.
ثم تبسّم بخجل، ابتعد بضع خطوات، واصطدم بوالدته التي تبعته.
شعرت الأم بالإحراج من اندهاش طفلها تجاه تان يوي، فدفعت توآن توآن نحو تان يوي وقالت له: “توآن توآن، قل للعم تحية.”
ارتبك توآن توآن، واختبأ خلف والدته، حتى أنه لم يستطع الصراخ من الخوف.
شعرت الأم بمزيد من الحرج.
نظرت إلى سونغ لين تشو وغيرت الموضوع:
“أنت سونغ لين تشو، صحيح؟ مرحبًا، أنا زوجة ابن عمّ تان يوي.”
ابتسم سونغ لين تشو وقال: “مرحبًا، يا زوجة ابن العم.”
أطلّ توآن توآن برأسه الصغير من خلف والدته، وكانت والدته توشك أن تطلب منه تحية الآخرين، لكنه نظر إلى عيني سونغ لين تشو ولمعت عيناه قائلًا: “جيجي الوسيم!”
سونغ لين تشو: “……”
تفاجأت والدة توآن توآن من الطريقة التي نادى بها ابنها، وتجمّد تعبير وجهها لثانية، ثم رمقت تان يوي بنظرة خاطفة، وهمست بتوبيخ: “توآن توآن، لا يجوز أن تناديه هكذا.”
لكن توآن توآن لم يعرها أي اهتمام، فقد غلب عليه إعجابه بـ جيجي الوسيم، فتغلّب على خوفه من تان يوي، وركض نحوه صارخًا بصوته الطفولي الناعم: “أخي، احملني~”
كان سونغ لين تشو محبوبًا من الأطفال منذ صغره، لذا لم يستغرب تصرّف توآن توآن.
حمله وأجلسه على ركبتيه، ثم صحح له: “نادِني عمي.”
توآن توآن: “جيجي!”
“……” حسنًا، ليكن ' جيجي ' إذًا.
نظر تان يوي ببرود إلى توآن توآن، الملتصق بجسد سونغ لين تشو كما لو كان قطعة سكاكر، يمسك بعنقه بكلتا يديه، وكأنه يريد أن يتدلّى عليه بالكامل.
وبينما كان توآن توآن يشعر بنظرة تان يوي الباردة، لم يبتعد بل ازداد التصاقًا بحضن سونغ لين تشو، وتشبث به أكثر.
تان يوي: “……”
قالت والدة توآن توآن، وهي تشعر بالحرج:
“آسفة، توآن توآن يحب الأشخاص الجميلين منذ أن كان صغيرًا.”
قال سونغ لين تشو في نفسه:
كما توقعت، الطيور على أشكالها تقع، هذه العائلة كلّها مهووسة بالجمال.
لكن الطفل كان لطيفًا إلى هذا الحد، فما المشكلة إن كان يحب الوجوه الجميلة؟
قال وهو يداعب رأس توآن توآن المغطى بالشعر الناعم: “لا بأس، أنت لطيف جدًا فعلًا.”
رفع توآن توآن رأسه، ومضت عيناه الكبيرتان كما لو كان يرسل نداءًا قلبيًا، وقال بصوت طفولي:
“أن كنت لطيفٌ، جيجي، ألن تقبلني قبلة صغيرة؟”
صمت سونغ لين تشو للحظة، ثم قال: “……”
حقيقةً، تعجز الكلمات أمام تصرّفٍ كهذا.
تخلّى والداه، أو بالأحرى والدته، عن محاولة ضبطه، فقالت بهدوء: “سأذهب لأرى كيف يسير إعداد الغداء”،
ثم تسرّبت بعيدًا، تاركة ابنها يتصرّف كما يشاء.
هكذا، طالما أنها ليست قريبة، بإمكانها أن تتظاهر بأن شيئًا لم يحدث.
رأى تان يوي توآن توآن يرفع وجهه منتظرًا قبلة من سونغ لين تشو، فقال بنفحة باردة: “الرجل الحقيقي لا يسمح لأي شخص بأن يقبّله بسهولة.”
ارتجف جسد الطفل لحظة، ثم خفض رأسه ونطق بصوتٍ رقيق محمّل بالامتعاض: “أوه…”
التفت بسرعة، فالتفّ ظهره إلى جانب تان يوي، واستقرّ برأسه في حضن سونغ لين تشو، وسأله بخفوت: “هل تحبني، جيجي؟”
مدّ سونغ لين تشو إصبعه وتلمس وجه الطفل المليء بالانعطاء، مُجيبًا بلطف:
“أحبك، توآن توآن، أنت الطفل المفضل لديّ.”
ظلّت الفرحة ترتسم على وجه توآن توآن على الفور، فأجاب وهو يبرق ابتسامة مشرقة:
“إذا كنت تحبني جيجي، فهل تتزوجني عندما أكبر؟”
توقف تان يوي عن الكلام للحظة، ثم فكّر بصوت داخلي ساخِر: أنت تفكّر بأمورٍ سخيفة!
تساءل سونغ لين تشو في نفسه مليًّا: هل الأطفال اليوم يسبقون أعمارهم بهذا الحد من النضوج؟
رمش بعينيه قليلًا وقال بصوت مُبتسم ومتردد: “لكني لديّ زوج بالفعل، ماذا سنفعل إذًا؟”
عندها، دبّ الذعر في قلب توآن توآن فورًا، وقال بنبرة قلقٍ طفولي: “لا لا لا! جيجي، أنت لي وحدي، من هو ذلك الوحش السيئ الذي يحاول أن يخطف زوجتي؟!”
فأتى من خلفه صوتٌ مهيبٌ مرعبٌ:
“أنا هو، هل لديك مشكلة في ذلك؟”
توقّف توآن توآن فجأة، وأدرك أنه وصف للتو زوج جيجي بأنه رجل سيء، فارتعد جسده بالكامل، ثم انزلق بهدوء من حضن سونغ لين تشو، وجرّ قدميه راكضًا باكيًا باتجاه والدته.