كانت المطالب الثلاثة التي طرحها تان يوي واضحة وصريحة، لكنها كانت تزداد حدة تدريجيًا، خاصة الثالثة منها، والتي جعلت وجه المعلم هوانغ يزداد سوادًا حالما سمعها.
قال وهو يحاول الحفاظ على نبرة مهذبة:
“هذا الأمر يتعلق بجامعتنا، ونحن كجامعه سنتولى إيجاد حل مناسب. لا داعي لأن تتدخل.”
لكن تان يوي لم ينخدع بلطف نبرته، وردّ ببرود:
“وأي جزء من المطالب تراه غير معقول؟”
صمت هوانغ، ولم يرد.
وهنا، تدخل أحد معلمين جامعة A قائلًا:
“في الحقيقة، أرى أن المطالب منطقية تمامًا. فجامعة الطيران جامعة عريقة لها تاريخ قرن من الزمن، ومن المؤكد أن لديها قدرًا كافيًا من التسامح، أليس كذلك يا معلم هوانغ؟”
هوانغ: “…”
ردّ بتوتر:
“ليست هذه هي القضية. انظروا، آن يانغ لا يزال طالبًا، وإذا أعلنا أنه سرق علنًا وأجبرناه على الاعتذار، فكيف سينظر إليه زملاؤه؟ وكيف سيواصل دراسته هنا؟
ألن يكون من الأفضل أن نُبطل نتيجته، ونفرض عليه عقوبة مناسبة، لكن من دون إعلان أو اعتذار علني؟”
قاطعهم سونغ لين تشو بصوت حازم، وقد كان عادة لطيفًا حسن الخلق، لكنه هذه المرة بدا عنيدًا لا يلين:
“لا، لا يمكن ذلك. لا بد أن يُعلَن الأمر على العلن، ويجب أن يُجبر على الاعتذار.”
همّ هوانغ بالرد، لكن نظرته التقت ببرود عيني تان يوي، فابتلع كلماته على الفور.
وفي تلك اللحظة، اندفع معلم شاب مهرولًا إلى المكان وقال بسرعة:
“معلم هوانغ، نائب الرئيس لو طلب مني الاستفسار عما يجري. علينا حلّ المشكلة بسرعة، فالجمهور كلّه يتحدث عنها، وقد أثّرت على أجواء العرض والانضباط.
علينا أن لا ننسى أن البرنامج سيُعرض على التلفاز غدًا… لا مجال لإفساده.”
لم يكن قادة جامعة الطيران وحدهم ينتظرون موقفًا رسميًا، بل كذلك المسؤولون من جامعة A، بل وحتى فريق القناة التلفزيونية.
بدأ العرق البارد يتصبب من جبين هوانغ.
كان يدرك أنه لم يعد بإمكانه التستر على الحادثة.
وكان الحل الأفضل في هذه المرحلة هو اعتماد أول مطلبين من مطالب تان يوي:
أن يُعلَن على العلن أن آن يانغ ارتكب سرقة أدبية، وأن يُجبر على تقديم اعتذار رسمي.
بهذه الطريقة، يمكن حماية سمعة الجامعة.
لكن الشيء الوحيد الذي لم يكن قادرًا على تقبّله… أن يُجبر آن يانغ على الاعتذار علنًا لسونغ لين تشو.
وما إن همّ بالتحدث، حتى قال تان يوي بنبرة لا تقبل الجدل:
“إن لم تكن قادرًا على اتخاذ القرار… فسأتولى الأمر بطريقتي.”
تجمّد هوانغ مكانه. لم يكن يعرف من هذا الرجل المتسلّط الحازم، ولا ماهي طريقته تلك.
لكنه كان واثقًا أنها لن تكون لطيفة أبدًا.
يُقال: “ابدأ باللين، واحمل العصا خلف ظهرك”.
وبالنسبة للرجال من طينة تان يوي، فالمطالب الثلاثة كانت على الأرجح اللين، أما وسائله… فهي العصا.
ورغم حبّ هوانغ للتحدّث بلغة المناصب والخطابات الرسمية، إلا أنه لم يكن غبيًا.
وبعد أن وزَن الأمور، قرر في لحظة حاسمة.
قال أخيرًا:
“حسنًا… لنُنهِ الأمر بطريقتكم، طريقة الرجال المحترمين.”
ناول تان يوي الملف بيده، فأخذه هوانغ على مضض.
لكنه لم يكد يفتح الملف حتى سمع صوت تان يوي البارد:
“اعتذر أولًا.”
أصيب المعلم هوانغ بالذهول.
لقد شغل منصب المدير في الجامعة لسنوات طويلة.
اعتاد أن يُهاب ويُحترم، ولم يجرؤ أحد على فرض هذا النوع من الحديث عليه منذ زمن طويل.
ومع ذلك… لم يكن لديه خيار آخر.
بلع كبرياءه وقال أمام الجميع:
“أنا آسف، سونغ لين تشو. لقد أخطأت في التعامل مع الوضع، وأعتذر عن طريقتي معك.”
كان الكثير من الطلاب من الجامعتين قد تجمّعوا حول الكواليس، وشاهدوا المشهد بأعينهم.
واندهشوا من موقف هوانغ هذا.
حتى طلبة جامعة الطيران بدأوا يتساءلون إن كان مديرهم قد أصيب بمسّ شيطاني!
أما الطالبات، فقد بدأن يُلقيْن نظرات خاطفة على تان يوي، وخدودهن متورّدة.
لم يكن السبب فقط في وسامته الطاغية، بل في هيبته التي لا توصف.
وبما أن الاعتذار تم كما يجب، لم يُمعن سونغ لين تشو في المسألة، وقال بهدوء:
“أتمنى من المعلم أن يُعالج مسألة السرقة بأسرع وقت ممكن.”
أومأ هوانغ:
“سأتولى ذلك الآن. عودوا إلى مهامكم.”
تفرّق الحشد بعد أن شهدوا الحدث بأكمله.
التفت تان يوي إلى سونغ لين تشو وقال بهدوء:
“هيا بنا.”
وبينما كانا يغادران، وصلا إلى الباب، وسمعا فجأة صوت آن يانغ الغاضب يعلو من غرفة أخرى:
“لماذا يجب أن أعتذر علنًا؟! لم أربح شيئًا من هذه الأغنية، ولم أؤذِ أحدًا. لن أعتذر!”
توقف سونغ لين تشو في مكانه.
فقال تان يوي بثقة تامة:
“لا تقلق، سيعتذر.”
سونغ لين تشو، وعيناه تلمعان:
“حقًا؟”
أومأ تان يوي بثقة:
“مم. تشينغ بين سيتولى الأمر.”
في الحقيقة، كان التعامل مع أمثال آن يانغ عند تان يوي أسهل من سحق نملة.
ولو لم يكن مضطرًا لمراعاة مشاعر معلمين الجامعة الأخرى من أجل سونغ لين تشو، لما أضاع دقيقة واحدة معهم، بل لكان قد أنهى الأمر بطريقته الخاصة من البداية.
بطريقة… لا رحمة فيها. لكنها فعّالة.
خرج الاثنان من خلف الكواليس، وما إن همّ سونغ لين تشو بإخبار تان يوي بأنه لا يستطيع المغادرة بعد، إذ عليه انتظار إعلان النتائج والتقاط صور تسلُّم الجائزة، حتى اندفع شخص ما باتجاهه فجأة قائلاً بقلق:
“سونغ لين تشو، هل أنت بخير؟!”
كان ذلك زميله السابق في السكن، هي وين يان.
نظرًا لأن موعد النهائيات تزامن مع العطلة، فقد عاد غاو يوان إلى منزله، وكان لي تشانغ قد خطط مع حبيبته للذهاب في رحلة تزلج يوم رأس السنة.
ولم يأتِ لمساندة سونغ لين تشو إلا هي وين يان.
عندما رآه يُسحب بالقوة من على المسرح، شعر بالخوف الشديد أن يتعرض للأذى.
وبما أن منطقة الكواليس كانت محظورة، ولم يستطع الوصول إليه عبر الهاتف، فقد بلغ به القلق حدّ التفكير في الاتصال بالشرطة.
وحين رأى سونغ لين تشو يخرج أخيرًا، أسرع إليه، وأمسك بكتفيه ليتفقده من الرأس حتى القدم:
“هل آذوك؟ هل فعلوا لك شيئًا؟”
كان سونغ لين تشو منشغلًا تمامًا بأزمة السرقة الأدبية، ولم يخطر بباله أن هي وين يان ربما يكون قلقًا عليه لهذا الحد، فابتسم معتذرًا:
“أنا بخير. آسف، نسيت أن أطمئنك.”
تنفّس هي وين يان الصعداء وقال:
“الشكر للالهة.
أخفتني كثيرًا، كنت أظن أنهم قد آذوك.”
أما تان يوي فوقف إلى جانبهما، يراقب يد هي وين يان الممدودة على كتف سونغ لين تشو بنظرات باردة كالصقيع.
وما إن تأكد هي وين يان من سلامة صديقه، حتى التفت دون وعي، ليقابل نظرة الرجل الواقفة بجانبه… نظرة جعلته يتجمّد في مكانه.
ومع تزايد برودة النظرة، مدّ ذراعه بهدوء وحمى سونغ لين تشو خلفه، ثم سأل بنبرة حذرة:
“من هذا؟”
ضيّق تان يوي عينيه، وهو ينظر إلى سونغ لين تشو الذي اختبأ وراء هي وين يان، كأنه يعيد تقييم الموقف.
فسارع سونغ لين تشو إلى الطبطبة على كتف هي وين يان وقال بهدوء:
“لا تقلق، هذا صديق. لقد ساعدني للتو.”
رفع تان يوي حاجبه وسأله بنبرة خفيفة فيها بعض التهكّم:
“صديق… فقط؟”
تردّد سونغ لين تشو للحظة، وفكّر في علاقتهما الحالية، وفي ضرورة تجنّب كشفها الآن، فاحمرّت أذناه وهو يردّ بتلعثم:
“هو… خطيبي.”
“آه، خطيبك؟” تنفّس هي وين يان بارتياح، وقد ارتخت أعصابه المتوترة.
هذا الرجل لا يبدو سهل الطباع، وكان من الأفضل ألا يصطدم به.
… لحظة، خطيبك؟!
كاد أن يعضّ لسانه من الصدمة، وحدّق بـسونغ لين تشو بدهشة:
“منذ متى اصبح لديك خطيب؟!”
أجاب سونغ لين تشو متلعثمًا:
“من فترة… توافقنا كثيرًا، وعائلته يضغطون علينا للزواج، فقررنا… نُسجّل زواجنا.”
أنهى جملته وهو يلقي نظرة قلقة على تان يوي.
“؟؟؟”
كان هي وين يان عاجزًا عن الكلام.
أراد أن ينصحه بألا يتسرع، وبأنه ما زال صغيرًا على أن يُجرّ إلى قبر الزواج بهذه السهولة من قبل رجل أكبر منه…
لكن هالة تان يوي الطاغية منعته حتى من النطق.
جذبه إلى جانب، بعيدًا عن تان يوي، وتأكد من أنه لا يتبعه، ثم همس بغضب:
“هل تقول لي الحقيقة؟ أم أن هذا الرجل أجبرك؟
اسمع، الرجال من هذا النوع مخادعون.
إنه يطمع بجسدك لأنك وسيم، لا تنخدع به!”
ضحك سونغ لين تشو في داخله… كان مخطئًا تمامًا.
تان يوي لم يكن يملك أصلاً القدرة على الطمع بجسده، بل العكس هو الصحيح…
رد عليه بهدوء:
“اطمئن، لست ساذجًا. أنا واعٍ تمامًا لما أفعله.”
لكنه قال له بشك:
“هل انت متأكد؟ هل تعرف خلفيته؟ الرجل يبدو غير عادي.”
أوه… بل هو غير عادي فعلًا، هو عمّ حبيبي السابق.
لكن سونغ لين تشو قال باقتضاب:
“هو رئيس شركة. لقد تحققت من خلفيته، لا يوجد ما يدعو للقلق. ليس محتالًا.”
ظل هي وين يان يشعر بعدم الارتياح.
رغم أن سونغ لين تشو بدا لطيفًا، إلا أن من يعرفه يعلم أنه عنيد إذا اتخذ قرارًا، ويرى الأمور بعقل ناضج بسبب وفاة والده مبكرًا ورعايته لوالدته المريضة لسنوات.
فقال بعد تنهيدة طويلة:
“فقط كن حذرًا… هذا كل ما أطلبه. حسنًا، طالما أنك بخير، سأخرج قليلًا. مبروك مسبقًا على الفوز.”
أومأ سونغ لين تشو بابتسامة مرتاحة، فرحًا لأنه نجح في إخفاء هوية تان يوي الحقيقية.
قال: “شكرًا لك.”
وحين غادر هي وينيان، عاد راكضًا إلى تان يوي بخجل وقال:
“جيجي، آسف جعلتك تنتظر.”
نظر تان يوي إليه دون أي تعبير، ثم سأل:
“أنت مقرّب من هي وين يان؟”
ردّ سونغ لين تشو مبتسمًا:
“نعم، كنا زملاء سكن.
الأربعة في الغرفة كنا قريبين جدًا.”
قال تان يوي:
“من الواضح… أنكم مقرّبون جدًا.”
تجمّد سونغ لين تشو لوهلة، ثم لمع بريق في عينيه، وسأل:
“جيجي، هل أنت… تغار؟”
ظل تان يوي محافظًا على ملامحه الخالية من التعبير وقال بهدوء:
“فقط أذكّرك بأن تتصرّف بما يليق بهويتك الحالية.”
ضحك سونغ لين تشو وقال مداعبًا:
“لااا، إنك تغار! أشعر بطعم الحموضة في الجو، أسناني تؤلمني من شدّة الغيرة!”
لم يرد تان يوي، لكنه لم يستطع إخفاء ارتباكه لوهلة، مما جعل سونغ لين تشو ينفجر ضاحكًا بانتصار.
ياله من رجل فولاذي مستقيم… سهل استفزازه!
نظر إليه تان يوي، والابتسامة الطفولية تملأ وجهه كمن حصل لتوه على حلوى. لم يقل شيئًا آخر، بل سأل:
“إلى أين تريد أن تذهب؟”
رغم أن سونغ لين تشو عليه انتظار إعلان النتائج والصعود لتسلُّم جائزته، إلا أنه لم يكن يرغب في العودة لرؤية الجمهور، ولا سماع اعتذار آن يانغ.
لقد كان مصمّمًا على إثبات السرقة، لكن الأغنية بالنسبة له كانت ثمينة جدًا، لا يستطيع تحمّل رؤيتها تُدنَّس.
قال مترددًا:
“ما رأيك ان نتجول في الحرم؟ هذه أول مرة أزور فيها هذه الجامعة.”
“حسنًا.” أجاب تان يوي ببساطة.
ودّع سونغ لين تشو تشو كي شين، وطلب منها إبلاغه عندما يقترب موعد إعلان النتائج، فأومأت موافقة.
كان الطقس قد تحسّن في الأيام الأخيرة، والرياح التي كانت تهبّ على وجهيهما لم تكن لاذعة، بل حملت معها دفئًا لطيفًا…
ربما لأن الصالة الرياضية كانت تقيم فعالية وكان اليوم عطلة، فقد ذهب الطلاب إما إلى الصالة أو عادوا إلى منازلهم.
لم يكن هناك الكثير من المارة في الطريق، ومن حين لآخر، وسط الأوراق الخضراء، ومعظم من بقي تجد من تراه من الأزواج الشابين يتنزّهون في المساء.
“شكرًا على الليلة”، قال سونغ لين تشو فجأة.
كان يعلم أنه لولا مساعدة تان يوي، لما تم حل هذه المسألة بهذه السرعة.
وحتى لو تم حلها، لكانت قد عولجت داخليًا ولم تُكشف للعلن من أجل الحفاظ على سمعة الطلاب، كما اقترح المدير هوانغ، وكان سيتم معاقبة آن يانغ بشكل سري من قبل الجامعة.
ظل تان يوي هادئًا وقال: “لا داعي لأن تكون رسميًا معي.”
راح سونغ لين تشو يركل حجرًا صغيرًا على الطريق لبعض الوقت، ثم قال: “آ تشينغ هي والدتي.”
لم يُبدِ تان يوي أيّ دهشة. فبالنظر إلى مدى تأثر سونغ لين تشو، كان من المؤكد أن الأغنية قد كُتبت من قِبل شخص مهم للغاية بالنسبة له.
قال تان يوي: “إنها جيدة حقًا.”
كان قد استمع إليها باختصار. ورغم أن الأغنية لم تكن مشهورة، إلا أن بها عدة مقاطع جميلة.
وإلا لما اختارها آن يانغ.
من المؤكد أن آن يانغ لم يتوقع أنه بسرقته أغنية غير مشهورة، سيقع في مواجهة ابن كاتبة الأغنية الأصلية.
“لو سمعت أحدًا يمدحها بهذا الشكل، لكانت طارت من الفرح”،
ابتسم سونغ لين تشو، لكن نبرة صوته حملت شيئًا من الحزن.
“لقد كتبت الكثير من الأغاني من قبل، لكنها كلها كانت عادية. هذه الأغنية كتبتها في السنة الثانية بعد وفاة والدي. ربما كانت روح أبي من السماء تعطيها إلهامًا خاصًا جعلها تبدع بهذا الشكل.”
صمت تان يوي لبرهة، ثم سمع سونغ لين تشو يقول: “ربما هما الآن سعيدان معًا.”
رغم أن تان يوي كان قد طلب من تشينغ بين أن يحقق في خلفية سونغ لين تشو، إلا أنه لم يكن يعلم أن والديه قد فارقا الحياة.
لم يكن ماهرًا في مواساة الآخرين، وكان يحاول انتقاء كلماته، عندما قال سونغ لين تشو فجأة: “جيجي، هل يمكنني أن أعانقك؟”
ثم تراجع سريعًا قائلًا: “آه، انسَ الأمر…”
لكن قبل أن يتمكن تان يوي من الرفض، اقترب سونغ لين تشو وعانقه بقوة.
فبدلًا من أن يعاني من ارتباك رجل صلب فولاذي لا يُجيد التعبير، قرر أن يتصرف فورًا.
لم يكن تان يوي قد قال شيئًا بعد، حين شعر بجسد الشاب الدافئ يلتصق به، وذراعاه يلتفّان حول خصره مثل الكوالا.
لم يسبق لتان يوي أن خاض تواصلًا جسديًا بهذا القرب من قبل، فتيبّس جسده تلقائيًا.
وبعد لحظات، ارتخى جسده تدريجيًا.
استنشق الرائحة الخفيفة لجل الاستحمام من جسد الشاب، وبدأت نظرته تلين.
كان على وشك أن يرفع يده ليبادله العناق، لكن سونغ لين تشو كان قد ابتعد بالفعل.
“تم الأمر”، لم يعد على وجه سونغ لين تشو أي أثر للحزن، بل امتلأ بالابتسامة. “جيجي، رائحتك طيبة جدًا. هل أنت تجسيد لحورية العطر؟”
قال تان يوي، بتعبير جامد: “إنها رائحة الملابس.”
“أوه، مؤسف”، قال سونغ لين تشو.
“… ليست خسارة، وشكرًا.”
لكن، بما أن سونغ لين تشو استعاد توازنه، لم يعد على تان يوي أن يشغل نفسه بكيفية مواساته، فتنفّس الصعداء.
في الوقت نفسه، داخل مقر المسابقة.
بسبب كلمات سونغ لين تشو وطرده القسري من المسرح، فقد الجمهور اهتمامه بالمنافسة، وبدأ الجميع يتحدثون عمّا حدث.
بعض الناس بدأوا بالبحث فيما إذا كان آن يانغ قد سرق بالفعل، وما هي الأغنية التي سرقها، لكن سونغ لين تشو لم يذكر اسم الأغنية قبل أن يُجبر على التوقف.
ومع وجود عدد لا يُحصى من الأغاني في العالم، كان من المستحيل تحديدها.
ومع غياب أي بيان رسمي، بدأت التكهنات في الانتشار. بعض الناس صدّقوا أن آن يانغ قد سرق بالفعل، لكن كثيرين آخرين اعتقدوا أن سونغ لين تشو كان يعلم أنه لا أمل له في الفوز، فقام بتشويه سمعة خصمه عمدًا.
وإلا، لماذا لم يبلغ المعلمين مباشرة بدلًا من إثارة الأمر علنًا؟ ربما كان فقط يبحث عن الأضواء.
منتديات الجامعتين كانت مشتعلة بالمنشورات الساخنة بسبب هذه الحادثة، وكانت الأجواء تعج بالنقاشات وكأنها أيام العيد.
ومع استمرار الحفل المسائي كالمعتاد، وغياب أي توضيح رسمي، بدأ المزيد من الناس يعتقدون أن سونغ لين تشو قد افترى على خصمه.
بل إن طلاب جامعة الطيران غزوا منتدى جامعة A للسخرية منه، بينما اتهمه كثير من طلاب جامعته بأنه جلب العار للمدرسة.
وفي خضم هذا الجدل المحتدم، أعلنت المقدمة فجأة أنه قد تم التأكد من أن آن يانغ قد سرق بالفعل، وتم عرض الأدلة التي تثبت ذلك.
وبعد انتهاء الإعلان، صعد آن يانغ بنفسه ليعتذر، ورغم أن نبرة صوته كانت واضحة في عدم الرغبة، إلا أنه قدّم اعتذاره في النهاية.
لم يكن أحد يعرف ما الذي مرّ به ذلك الشاب المتعجرف والمتسلط خلال النصف ساعة الماضية.
طلاب جامعة الطيران، الذين كانوا في البداية يتباهون بتفوقهم، خمدت نبرتهم فجأة.
تم حذف جميع منشوراتهم الساخرة على منتدى جامعة A، وغادروا مطأطئي الرؤوس وكأنهم هُزموا شر هزيمة.
أما طلاب جامعة A، الذين كتموا غضبهم طوال النصف الأول من اليوم، فقد استعادوا كرامتهم أخيرًا. ولتكمل فرحتهم، أعلنت المقدمة النتائج، حيث فاز سونغ لين تشو بالمركز الأول بفارق مطلق، محققًا حلم اعتزال تشو كي شين كمشرفة على الفريق.
قاد تان يوي سيارته وأوصل سونغ لين تشو إلى جامعة A، وتوقفت السيارة ببطء أمام مبنى السكن الخاص به.
قال سونغ لين تشو:
“جيجي، سأصعد الآن. يجب أن ترتاح مبكرًا أيضًا.”
فهو ما زال يعتقد أن تان يوي يعاني من مرض عضال، ولا يعلم إن كانت تلك الأحداث المتوالية قد أثّرت سلبًا على صحته.
لكن حين رأى أن وجهه ما زال مشرقًا، تساءل في نفسه: أي نوع من الأمراض العضال هذه، التي يتحمّل صاحبها كل هذا دون أن يتأثر؟
قال تان يوي: “انتظر لحظة.”
ثم مدّ يده إلى المقعد الأمامي وأخرج حقيبة نايلون، سلّمها إلى سونغ لين تشو.
“ما هذا؟” سأل سونغ لين تشو.
أجاب تان يوي وهو ينظر إليه: “بدلة رسمية.
سأمر لأخذك في التاسعة صباحًا غدًا، أحضر معك بطاقة الهوية ودفتر القيد العائلي.”
عندها فقط، أدرك سونغ لين تشو.
غدًا هو موعد استخراج شهادة الزواج!
لم يتوقع أن تان يوي، الذي اكتفى بإيماءة بسيطة في المساء، قد أرسل شخصًا بالفعل ليُحضر له البدلة.
لكن، بما أنه كان هو من فتح الموضوع، لم يجد مبررًا للرفض.
تناول الحقيبة وقال: “حسنًا، شكرًا لك، جيجي. أراك غدًا.”
“أراك غدًا”، قالها تان يوي، ثم أضاف كلمتين إضافيتين: “يان يان.”
!!!
رمش سونغ لين تشو بعينيه وسأله:
“ها؟ من يان يان؟ عن ماذا تتحدث، جيجي؟”
رد تان يوي: “يان يان. إنه لقبك.”
“…”
هذا الرجل، رغم أنه استمع إلى أغنية والدته مرة واحدة فقط، تمكّن من اكتشاف اللقب المدفون بين كلمات الأغنية.
لم ينادِ أحد سونغ لين تشو بهذا الاسم منذ وفاة والدته. ولولا أن تان يوي فجأة أخرجه إلى السطح، لكان قد نسيه تمامًا.
الألقاب الطفولية قد تكون محببة في الصغر،
لكن مع التقدم في العمر، تصبح شديدة الإحراج.
لم يستطع سونغ لين تشو أن يحافظ على ملامحه ثابتة، فقال بتهكّم:
“إذن، جيجي، هل ستبدأ بمناداتي بلقبي الآن؟
تذكّر، هذا شيء حميمي جدًا.”
رفع تان يوي حاجبه وسأل: “هل هناك ما هو أكثر حميمية من العلاقة الزوجية؟”
لم يعرف سونغ لين تشو كيف يرد.
طبعًا هناك!
مثلًا… التلامس في المسافات السالبة.
آه، نسي! الرجل العجوز هذا لا يملك حتى تلك القدرة. مسكين، يبدو من مظهره أنه شاب مليء بالحيوية، كيف له أن يكون حملًا وديعًا في السرير؟!