🦋

 علم الأمير الثاني رونغ شيانغ في باكر الصباح أن حدثًا جللًا قد وقع في قصر اليشم الأزرق. 

وما إن اقترب من المكان حتى تسللت إلى أنفه رائحة مقززة أسكرته وأوشكت أن تطرحه أرضًا.

كان يعلم جيدًا أن الإمبراطور شوان تشنغ يتمتع بحاسة شم خارقة، يتأثر بأي رائحة، مهما كانت خفيفة. 

ولولا ذلك، لما اضطرت المحظية لي إلى إنفاق ثروات طائلة على شراء التوابل والعطور، لتحرقها يوميًا وتخفي بها أي أثر.

لكن الآن، ها هي المحظية لي قد أصبحت تصدر من جسدها رائحة كريهة إلى درجة أن الإمبراطور نفسه قد أغمي عليه! كانت تلك كارثة حقيقية.

والآن، لا يزال المشهد ضبابيًا؛ فالإمبراطورة ما زالت تحتفظ بخاتم الإمبراطور، وولي العهد لم تتلطخ سمعته بأدنى شائبة. 

فإذا سقطت المحظية لي من عين الإمبراطور، فهل سيحصل على اي فرصه ليستعيد الكفة الراجحة؟

بهذا القلق العميق والحذر القاتم في قلبه، اندفع رونغ شيانغ نحو قصر اليشم الأزرق مع أول خيط ضوء في الصباح. 

كان يريد أن يرى بنفسه ما الذي حدث، لكنه لم يكن يتوقع أبدًا أن يكون الإمبراطور بنفسه هناك!

هل من الممكن أن تنقلب هذه الفوضى لمصلحته؟ شعور خافت من الإثارة بدأ يتسلل إلى قلبه. 

وما إن دخل القصر حتى ضربته الرائحة العفنة بقوة لا توصف، كأنها خنجر في صدره. شعر بدوار شديد، وقبل أن يتسنى له الترحيب بأحد… فقد وعيه وسقط أرضًا.

تحول القصر إلى ساحة صخب واضطراب، وأصبحت مهمة يو شيانغ الأساسية هي تزويد الداخلين بمناديل معطّرة ومبللة.

وقف رونغ شيانغ في صف الاستقبال، ممسكًا بالقطعة القماشية على أنفه بكل ما أوتي من قوة، لا يستطيع كبح ذلك الإحساس البارد الغائر في صدره. 

كانت رائحة والدته كفيلة بإرسالها مباشرة إلى القصر البارد… كان بقاؤها هنا معجزة حقيقية.

لكن حين سمع أن الاستحمام في الينابيع الساخنة لمدة ثلاث ساعات قد يزيل الرائحة بالكامل، برق بريق في عينيه. 

فتقدم بخطى واثقة وقال: “يا والدي الإمبراطور، أنا ابنك وخادمك، أرجو أن تسمح لي بمرافقة والدتي المحظية إلى قصر لوفانغ.”

في تلك اللحظة، أدرك الإمبراطور شوان تشنغ في قرارة نفسه أن مفعول الحبة الطبية لا ريب فيه. 

فقد عاد جمال المحظية لي، وعاد شبابها يشع من وجهها، وجمالها ازداد ألقًا. 

لم يكن فقط مفتونًا بجمالها، بل تملّكه الأمل. 

فإذا كانت هناك وسيلة للتخلص من الرائحة… 

فربما لو تناول هو الآخر هذه الحبة، قد يستعيد شبابه! وعندها، لن يعود مضطرًا للقلق بشأن سلطة ولي العهد.

بكل هذه الأفكار في عقله، تحمّل الرائحة الكريهة، وعاد إلى قصر اليشم الأزرق، وما كان يجرؤ حتى أن يأمل بأن هذه الرائحة يمكن علاجها.

وبعدما سمع طلب رونغ شيانغ، أجاب الإمبراطور بالموافقة، ثم قال: “إن قلبك مخلص، وبرّك بوالدتك مثير للإعجاب… سنذهب معًا.”

فرح رونغ شيانغ فرحًا شديدًا، وأظهرت المحظية لي أيضًا ملامح سعادة عارمة على وجهها.

وما إن بدأوا رحلتهم إلى قصر لوفانغ، حتى انسحب خصي صغير بهدوء، وركض مسرعًا نحو مقر ولي العهد.

كان شي تشينغ لا يزال محبوسًا داخل راحة يد تشين مو، لذلك لم يكن بإمكانه رؤية الخصي، لكن ذلك لم يمنعه من الإصغاء بانتباه شديد لتقرير ذلك الصغير.

وحين سمع بأن الإمبراطور والمحظية لي يتوجهان الآن إلى قصر لوفانغ، ومضت في ذهنه خطة سريعة كوميض برق.

داخل القصر الإمبراطوري، لم يكن لدى تشين مو وسيلة لقتل الإمبراطور دون أن يُدان. لكن في قصر لوفانغ، رغم وجود الحراس، فلابد من وجود ثغرات يمكن استغلالها. خصوصًا وأن هذه الرحلة رتّبت على عجل، فلا مجال لتخطيط محكم.

حين فكّر شي تشينغ بذلك، شعر في قرارة نفسه أنه لمس الحقيقة.

وفي تلك اللحظة، نهض تشين مو واقفًا. 

كان يرتدي رداءً واسع الأكمام، وتاجًا من اليشم يشد خصلات شعره الداكن المتدلي. 

لم يكن مظهر ولي العهد لافتًا، لكنه في تلك اللحظة، بهيبته وسُموّه، بدا وكأنه يولد من جديد.

مسح بيده على القلادة اليشمية المعلّقة، ثم أمر قائلاً: “القائد ما، خذ رجالك، وأحكم الطوق على قصر لوفانغ.”

شعر شي تشينغ بالانفعال؛ أخيرًا حانت ساعة الصفر! لكن… هل ينوي تشين مو حقًا أن يحمل على عاتقه وزر قتل الإمبراطور؟ 

شعر شي تشينغ ببعض التردد… لكنه سرعان ما أدرك كم كان أحمقًا.

حين وصلوا إلى قصر لوفانغ، لم يضيع الإمبراطور شوان تشنغ وقتًا، وأمر فورًا المحظية لي بالنزول إلى الينابيع الساخنة. 

وقف الحرس على بوابة القصر، في وضح النهار، بينما انزلقت المحظية الجميلة إلى المياه.

الإمبراطور لم ينزل، بل اكتفى بالجلوس على الجانب، يراقب بصمت. ثلاث ساعات ليست طويلة، لكنها أيضًا ليست قصيرة. 

ومع ذلك، أمام فرصة استعادة الشباب، لا تُعد شيئًا يُذكر.

أما رونغ شيانغ، فظل يراقب من الخارج، يتملّكه قلق شديد. كان يخشى ألا تزول الرائحة تمامًا من جسد والدته – فماذا سيكون مصيرهما؟ 

إن خسر حظوة الإمبراطور، فهو لا يزال ضعيفًا، لا يستطيع التحليق وحده… كيف له أن يصمد في وجه ولي العهد؟

احتدمت الأفكار في ذهنه، ونظر بتوتر إلى الترتيبات الأمنية المؤقتة في القصر، وبدأت خيوط رقيقة من الخيانة تتسلل إلى عقله.

ماذا لو… لو… لا! هز رأسه بسرعة، طارد تلك الأفكار، لكنه كان قد زرع البذرة، وها هي تبدأ تنمو في قلبه.

رغم أن النقع في المياه يستغرق ثلاث ساعات، إلا أن الرائحة النتنة بدأت تتلاشى بعد ساعة واحدة فقط. وكان الإمبراطور أول من لاحظ ذلك. 

تفتّحت عيناه التي كانت كالعَكر، ونهض من مقعده في انتعاش.

لم تفهم المحظية لي ما حدث في البداية، لكن ما إن رأت ملامحه المتغيرة، عرفت أن الينابيع قد صنعت المعجزة.

شعر الإمبراطور بحماس شديد. 

أمسك الحبة الأخرى من حبوب تشو يان، وحدّق في المحظية لي بعينين تفيض جنونًا – ليس فقط لأن بشرتها باتت كالحليب، بل لأن التجربة نجحت فعلًا.

بعد ساعتين، خرجت المحظية من الماء. 

كانت بشرتها ناعمة كالكريمة، وجهها كزهر الخوخ، وكل جسدها يفوح بعطرٍ باردٍ عذب – جمالها تخطى جيلها بأسره.

اقتربت من الإمبراطور، انحنت على ركبتيها، وهمست بلطف:

“جلالتك الإمبراطور…”

أسرع الإمبراطور إلى مساعدتها على الوقوف، وبشرته ترتجف من نعومة بشرتها، ورائحة عطرها المثلّج تتسلل إلى قلبه. 

كل شيء فيها جعل صدره يضيق من شدّة التأثر، ولم يعرف كيف يعبّر:

“محظيتي العزيزة… كيف تشعرين؟”

فهمت المحظية لي سؤاله، فابتسمت برقة، وهمست: “يشعر جسدي براحة لا توصف، جلالتك. كل جزءٍ مني مفعم بالحيوية، وكأن الطاقة تتدفق بلا نهاية.”

ثم مدّت إصبعها، ورسمت دائرة صغيرة على صدره، هامسة بدلال:

“جلالتك الإمبراطور… لِمَ لا تتناول الحبة الآن؟”

كانت كلماتها تعكس ما يدور في ذهنه تمامًا. 

حين رأى أول بوادر التغيير عليها، كان اهتمامه قد اشتعل بالفعل. 

كان يكبرها بكثير. 

وكانت المحظية لي قد دخلت في اكتئاب لمجرد بعض التجاعيد الخفيفة حول عينيها – أما هو، فكان يعاني من طنين في الأذن، وتشوش في البصر، وآلام في الأطراف… 

وكان كل ذلك سببًا في فقدانه الشعور بالأمان، وفي خوفه المستمر من أن يستولي ولي العهد على عرشه.

لكن الآن، إذا كان بإمكانه استعادة شبابه… أليس ذلك هدية من السماء؟ 

إشارة من الاله أن عليه أن يحكم إلى الأبد؟

كانت المحظية لي قد خرجت بالفعل من الماء. 

ابتسم لها الإمبراطور شوان تشنغ، ثم فتح علبة الدواء، أخذ رشفة كبيرة من الماء، وابتلع الحبة البنية ذات الرائحة العطرة.

وما إن رأت أن الإمبراطور قد تناول الحبة، حتى سارعت لتجعل جلسته مريحة، ثم همست له قائلة: 

“جلالتك الإمبراطور، في البداية يكون مذاق الحبة طيبًا، لكن بعد ابتلاعها، سيبدأ الجسد في التسخّن، ويتعرّق بغزارة… قد يستمر الأمر لبعض الوقت…”

“تووف!”

وقبل أن تنهي المحظية لي كلماتها، صُعقت حتى جف لسانها.

الإمبراطور شوان تشنغ، الذي ابتلع الحبة لتوه، تصلب جسده فجأة وسقط للخلف بعنف. 

ارتطم بالأرض بقوة، وعيناه مفتوحتان على آخرهما، وزبد أبيض يتفجر من فمه، بينما جسده يهتزّ بشكل هستيري.

وقفت المحظية لي مصدومة لا تصدق ما تراه، 

وما هي إلا لحظة حتى دخلت شخصية إلى الساحة. 

استجمعت قواها، وكان أول خاطر يمر برأسها هو التخلص من الشاهد لمنع تسرب السرّ، لكنها ما إن دققت النظر، حتى أدركت أنه ليس سوى ابنها، رونغ شيانغ.

دخل رونغ شيانغ وقال:

“جلالتك الإمبراطور، أنا ابنك وخادمك جئت كي…”

لكن كلماته لم تكتمل، إذ أن ما رآه جعله يجمُد في مكانه، وشحُب وجهه فورًا.

سمعت المحظية لي كلمات ابنها، وانكمش قلبها حتى بلغ الحضيض. 

لقد انتهى أمرهم… انتهى تمامًا!

ولم تمر سوى لحظات حتى دوّت أصوات خطوات منتظمة، واحتكاك الدروع، وقرع الأسلحة على الأرض. 

دخل الحرس الإمبراطوري منطقة الينابيع الساخنة، وطوقوا المكان من كل جانب.

مرة أخرى، وجدت المحظية لي نفسها مذهولة، هي وابنها، وجثة الإمبراطور المسموم… وجودهم معًا في نفس المكان كان بمثابة دليل إدانة جاهز. 

حتى وإن لم تكن هي السبب، إلا أن الحبة التي تناولها الإمبراطور جاءت منها…

شعرت كأن جسدها يسقط في قبو جليدي. 

لم تكن تدرك حتى تلك اللحظة أنها وقعت في هوّة لا نجاة منها… هوّة قد تبتلع أرواحهم.

لكن قبل أن يتحرك الحرس نحوهم للقبض عليهم، انقسم الصف من المنتصف، وفتحوا ممرًا، ثم وقفوا جميعًا في صفٍّ واحد، وأدّوا التحية بكل احترام.

نظرت المحظية لي بتصلب، لتشاهد شخصية ترتدي درعًا داكنًا تقترب منها بخطى بطيئة.

كان يرتدي معطفًا أسود وسروالًا حريريًا مطرّزًا بالأحمر، يشبه طائرًا قرمزيًا يستعد للتحليق. 

لم يمنعه التاج على رأسه من أن يشعّ بهيبةٍ غامرة. 

ملامحه كانت عادية، لكن عينيه السوداوين كانتا مليئتين بقوة مهيبة تثير الرهبة.

إنه ولي العهد… رونغ تشنغ.

لم تكن المحظية لي تعلم أن هذا الأمير، 

الذي طالما ازدرته، يملك كل هذه الحنكة. 

خطته كانت مُحكمة كنسج العنكبوت، ارتبطت بعواطفها، واستغلت رغباتها، ثم قادتها بخطوات دقيقة إلى جحيمٍ لا رجعة منه.

نظر تشين مو إلى المحظية لي، وابتسم بسخرية، ثم حوّل بصره عنها، وكأنه لا يضيع وقته في النظر إلى جثةٍ تمشي.

اتجه إلى الإمبراطور شوان تشنغ، وأمر على الفور:

“الطبيب الإمبراطوري! عالجوا والدي الإمبراطور فورًا!”

ثم استدار نحو رونغ شيانغ، وقال بصوت بارد:

“قتل الأب طمعًا في العرش… اعتقلوا هذا الخائن الذي لم يرعَ روابط الدم.”

أفاق رونغ شيانغ من ذهوله، وأخذ يتوسل ويصرخ، لكن صوته خُنق بقطعة قماش سميكة وضعت على فمه، ولم يبقَ له سوى نظرات مريرة حاقدة وجهه نحو رونغ تشنغ، كأنّها لعنات تخرج من عمق روحه.

كان الطبيب الإمبراطوري يتحسس نبض الإمبراطور في تلك اللحظة، وما لبث أن شحب وجهه كالأموات، وركع على ركبتيه صارخًا:

“يا صاحب السمو… الإمبراطور… قد فارق الحياة!”

وقف ولي العهد بجانب جثة والده، وجهه مغمور بالحزن والأسى:

“جلالتك الإمبراطور… ابنك قد وصل متأخرًا!”

وسرعان ما وصل الوزراء الذين سمعوا الخبر من الخصيان، وركعوا على الأرض وهم يجهشون بالبكاء.

ومضى نصف ساعة كاملة قبل أن يخرج أحد الوزراء من الصف، سجد بكامل جسده وقال:

“يا صاحب السمو، لقد رحل الإمبراطور، والعرش لا يمكن أن يظل فارغًا. لا تبالغ في حزنك… المسؤولية الآن تقع على عاتقك.”

كان ولي العهد لا يزال غارقًا في حزنه، وكأن فقدان والده قد هدّ كيانه، وملأ قلبه بأسىٍ لا يُطاق.

ثم خرج مجموعة من الوزراء من صفوفهم، سجدوا جميعًا وهتفوا بصوت واحد: “لا يمكن لهذا الوطن أن يخلو من حاكم ليومٍ واحد… لا يمكن للعالم أن يقبل فراغًا في العرش. يا صاحب السمو، باسم السماء والأرض، ووفقًا لإرادة الإمبراطور الراحل، اعتلِ العرش وكن إمبراطورًا!”

وهتف الجميع بصوت واحد، يُدوّي في المكان:

“يحيا الإمبراطور! يحيا الإمبراطور!”

وفي وسط هذه الهتافات، عاد تشين مو إلى الفضاء الخاص بالنظام.

أما شي تشينغ، فلم يكن قد استعاد توازنه بعد، لا يزال غارقًا في صدمة المشهد النهائي المقلوب رأسًا على عقب. 

من منظور ما، ولي العهد قد قتل الإمبراطور بالفعل… لكن في نظر الجميع، كان بريئًا. 

ومع ذلك، لم يعد نقيًا كما كان.

وفي تلك اللحظة، قاطعه صوتٌ بارد جاف، يخترق أفكاره: “هل تعتبر المهمة مكتملة؟”

استعاد شي تشينغ تركيزه بسرعة، وأجاب:

“إتمام ناجح. مكافأة: 1000 نقطة. 

ونظرًا لإنجاز المهمة قبل الموعد بأربعة أيام، 

تُمنح مكافأة إضافية مقدارها 400 نقطة.”

وما إن أنهى كلماته حتى غمرته موجة حماس. 

يا له من يوم عظيم! المهمة منحتهم 1400 نقطة، أي أن النظام يحصل على 700 نقطة. مذهل!

لم يستطع كبح نفسه عن الهتاف:

“تشين مو، أنت مذهل للغاية! كل هذه الضجة من أجل حبة دواء واحدة!”

رفع تشين مو يده يربّت على القلادة اليشمية في عادته الجديدة، ثم همس بهدوء: “ليست حبة دواء.”

تجهم شي تشينغ بفضول، ونظر إليه، ليجد شفتيه ترتسمان بابتسامة غامضة، لم يستطع فك رموزها، وهو يهمس: “إنها… الرغبة.”

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]