مدّ تشين مو يده ليربت على شي تشينغ بلطف وسأله بنبرة هادئة:
“هل ستموت؟”
أجابه شي تشينغ فورًا، بصوت فيه شيء من الانفعال: “بالطبع لا! رغم أننا مرتبطان بعقد، إلا أن العلاقة بيننا مجرد تعاون مشترك، ليست أرواحنا متصلة بذلك الشكل.”
“إذن، ما الذي يقلقك؟”
تنهد شي تشينغ بعمق، ثم تفجرت الحقيقة من فمه دون أن يفكر: “لكن إن متّ، فسيتوجب عليّ الانتظار خمسمئة عام حتى ألتقي بالمضيف التالي… خمسمئة سنة! سأختنق!”
وما إن أنهى جملته حتى عضّ على لسانه نادمًا.
لماذا تكلم بهذه السرعة؟
كانت فرصة ثمينة لترك انطباع جيد، وقد أهدرها.
كان الأجدر به أن يتصرف كقديس، يُظهر تعاطفه حتى مع مختل عقلي مثله.
كان يمكنه أن يُظهر لتشين مو كم هو شخص صالح يهتم بحياة الآخرين، ثم يغتنم اللحظة ليرشده نحو طريق الصلاح والخير!
لكن يا للأسف، الماء المسكوب لا يُعاد جمعه.
ومع ذلك، وعلى عكس ما توقعه شي تشينغ، بدا أن تشين مو كان راضيًا تمامًا عن إجابته – بل حتى ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة تشبه القوس…
شي تشينغ لم يفهم ما الذي جعله سعيدًا إلى هذا الحد، لكنه آثر السعادة على الغضب في جميع الأحوال.
الأهم من كل شيء أن تشين مو أخيرًا توقف عن تقليب ذلك الكتاب اللعين عن الأعشاب الطبية!
كان يمسك بالقلادة اليُشَيّمية في يد،
وأغلق الكتاب بهدوء، ثم وقف وقال بصوت هادئ:
“اطمئن، لن تختنق.”
شي تشينغ: …أنت دائمًا تركز على النقطة الخاطئة!
قصر اليَشَم الأزرق
تراقصت الستائر الشفافة مع نسيم رقيق،
بينما انبعث من الغرفة عطر أنثوي هادئ.
كانت الغرفة مزدانة بطاولة زينة منحوتة بدقة، تعلوها حُليّ متقنة، وفي المنتصف وُضع مرآة نحاسية بإطار من البرونز اللامع، تعكس وجهًا جميلًا بعينين لوزيتين وشفاه حمراء وابتسامة مشرقة تبعث على الألفة.
لكن من يدقق النظر عند زوايا العينين،
سيرى الخطوط الدقيقة وقد بدأت تفرض وجودها، كاشفة عن زحف السنوات.
حدّقت المحظية الإمبراطورية لي في المرآة دون أن ترمش، ثم مدت يدها ببطء لتلامس سطحها، وكأنها تحاول أن تمسح تلك التجاعيد، لكنها لم تستطع أن تزيل أثر الزمن عن وجهها مهما حاولت.
لقد بلغت السابعة والثلاثين من عمرها.
ومهما اجتهدت في الاعتناء بنفسها، فهي لم تعد تقارن بفتيات السابعة عشرة أو الثامنة عشرة.
بريق بشرتها بدأ يخبو، ولونها بات باهتًا.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت بعض الخطوط الدقيقة تتمرد وتستوطن عند أطراف عينيها، ما كان يثير ضيقها الشديد.
وخاصة في الأيام الأخيرة، إذ لم يزر الإمبراطور قصر اليشم الأزرق.
ذلك الغياب بدأ يقلقها، وشعورها بالتهديد ازداد يومًا بعد يوم، حتى انفجرت فجأة وهي تصرخ:
“يا خادمة! أين ذهبتِ بحق الجحيم؟!”
كانت وصيفتها يوشيانغ تنتظر خارج الغرفة، فرفعت الستارة المزينة بالخرز، وخطت بخفة إلى الداخل ثم انحنت قائلة باحترام: “سيدتي، هل ترغبين في المساعدة بتصفيف الشعر ووضع الزينة؟”
نظرت إليها المحظية الإمبراطورية لي بعين واحدة، ثم تمتمت بامتعاض: “وهل هذا يحتاج إلى سؤال؟!”
اقتربت يوشيانغ بخضوع، وبدأت تمشط شعر سيدتها بحركات خبيرة. لقد خدمت المحظية لي لسنوات، وكانت تعرف تمامًا ما تحبه وما ترفضه.
وضعت على جفنيها طبقة ناعمة من المسحوق، ثم سحبت شعرها للخلف بأناقة — كل شيء كان متقنًا.
وعندما انتهت، خفت التقطيبة من جبين المحظية الأمبراطورية، وبدت راضية.
لكن ابتسامتها العابرة أظهرت مجددًا تلك التجاعيد المزعجة عند زوايا عينيها، فارتسمت على وجهها ملامح امتعاض حادّة.
يوشيانغ لم تتفاعل، بل وقفت هادئة.
كانت تعرف أن سيدتها لا تقبل النصيحة.
فطبعها الصعب، ولم يكن من الحكمة التحدث كثيرًا.
ومع ذلك، قالت بسرعة وبنبرة حذرة:
“المحظية الإمبراطورية، السيدة لي الثانية بانتظار رؤيتك في القاعة الجانبية.”
لقد كان تغييرًا في الموضوع، وقد نجح.
نهضت المحضية لي، رفعت صدرها بفخر، واتخذت وضعًا أنيقًا وقالت بثقة:
“لنذهب.”
السيدة لي الثانية هي زوجة شقيق المحظية.
تنتمي لعائلة لي التي ساعدت في تأسيس سلالة دا تشينغ، ونالت بفضل ذلك نفوذًا كبيرًا من الإمبراطور.
مرت خمسة أجيال بعدها دون إنجاز يُذكر.
ورغم تراجع سمعة العائلة، حافظت المحظية لي على مكانتها الرفيعة، فظلت العائلة في دائرة الضوء لبعض الوقت.
أما السيدة لي الثانية، فهي من عائلة تجار وليست من النبلاء. كانت المحضية لا تعتبرها حتى جديرة بالنظر، لكنها في الوقت نفسه لم تستهِن بثروتها.
المال أحيانًا أكثر فاعلية من النسب.
لذا، رغم احتقارها لها، إلا أنها حرصت على إبقاء العلاقة طيبة.
وكان هناك سبب آخر: عائلة السيدة لي الثانية، بحكم علاقاتها بالإمبراطورية، كثيرًا ما تسافر إلى الجنوب وتجلب معها بضائع غريبة ونادرة.
والمحظية، وإن لم تكن طماعة في الأشياء، إلا أن هوسها بجمالها كان يجعلها تهتم بأي شيء يمكن أن يحافظ عليه أو يعززه.
في زيارتها السابقة، جلبت السيدة لي الثانية كريمًا قالت إنه يذيب الدهون، نادر ومن الخارج، وفعّاليته مؤكدة.
كانت تعرف تمامًا كيف تكسب ودّ المحظية،
وقد أنفقت عائلتها المال الكثير في سبيل ذلك.
استقبلت المحظية لي ضيفتها بأسلوب رسمي،
ثم سألتها بعض الأسئلة التقليدية عن أحوالها.
كانت المحادثة بينهما مريحة، حوارًا متوازنًا بين مجاملة ودهاء.
وبعينين تلمعان بشيء من الفضول، رفعت المحظية حاجبيها، فأدركت السيدة لي الثانية أن الوقت قد حان لتقديم جوهرة هذه الزيارة.
قالت بنبرة خاضعة، وهي تخرج علبة صغيرة بحجم راحة اليد: “المحظية الإمبراطورية، لقد حالفني الحظ العظيم بالحصول على كنز ثمين.”
كانت العلبة بسيطة الشكل، لكنها ذات تصميم يوحي بالمهابة.
تعلّقت عينا المحظية بالعلبة.
فتحتها السيدة لي، فكشف الغطاء عن وسادة من حرير أحمر في قاع العلبة، تستقر عليها حبة دواء بنية اللون، ملساء، تنبعث منها رائحة باردة منعشة، تدل كل تفاصيلها على جودة عالية.
سألت المحظية بفرح ظاهر: “ما هذه؟”
بادرت السيدة لي الثانية باستغلال اللحظة، وقالت وهي تمهد للقصة: “الحصول عليها لم يكن سهلًا، فقد بذل شقيقي جهدًا كبيرًا ليصل إلى صانع هذا الدواء…”
لكن المحظية لوّحت بيدها مقاطعة، وقالت بلهجة حاسمة: “كفى، أحسنتِ، فقط أخبريني ما هي، تظنين أن القصر لن يُكافئك؟”
ابتسمت السيدة لي بتواضع، وقلّصت حكايتها لتقول أخيرًا الجملة الأساسية:
“تُدعى حبة تشو يان. وكما يوحي اسمها، فهي تعيد النضارة والشباب، وتحافظ عليهما إلى الأبد!”
تألقت عينا المحظية من جديد، وقالت على الفور:
“هل هذا حقيقي؟”
أجابت السيدة لي بلهفة تطمئنها:
“حقيقي جدًا، لا شك فيه. وسيدتي هي الوحيدة التي احتُفظ لها بهذه الحبة النادرة، خصيصًا.”
كانت المحظية في غاية السرور، لكن رغم أنها وُلدت بذكاء محدود، إلا أن عشرين عامًا من الحياة في القصر جعلتها أكثر حذرًا.
كانت متلهفة، لكن عقلها لم يسمح لها بابتلاع الحبة مباشرة.
فسألت بتحفّظ: “هل يمكن الوثوق بالمصدر؟”
ردت السيدة لي بسرعة: “تمّ التحقق منهم بدقة، ولم يُعثر على ما يُريب. كل شيء يبدو كما ينبغي.”
أومأت المحظية برضا، ثم سألت عرضًا:
“وهل هذا الشخص يعيش وحده؟”
فهمت السيدة لي المغزى، فأجابت على الفور:
“إنه رب أسرة، لديه زوجة وأبناء، حتى إنهم رزقوا مؤخرًا بطفل صغير… لقد اهتممت بالأمر شخصيًا.”
عندما سمعت المحظية لي ما قالته السيدة لي الثانية، هدأت قليلًا. إن كان هذا الرجل يجرؤ على الشهادة وهم يعرفون كل شيء عن عائلته، فلا بد أنه يمتلك شيئًا من الثقة بالنفس والقدرة.
أشارت إلى السيدة لي لتضع الحبة الدوائية جانبًا، ثم ارتشفت قليلًا من الشاي وقالت بهدوء:
“سأحتفظ بها وأتناولها لاحقًا، لكن اطمئني، فسوف أُكرمك أنتِ وعائلتك بمكافأة مناسبة.”
أشرق وجه السيدة لي الثانية بالفرح،
ثم وقفت تستعد للمغادرة بعد أن عبّرت عن ولائها:
“نسأل الاله دوام الصحة للمحظية الإمبراطورية، ولعائلتنا بركتك كذلك…”
وما إن خرجت المرأة، حتى نادت المحظية لي على يوشيانغ، وأمرتها أن تذهب فورًا لإحضار الطبيب الإمبراطوري.
رغم أن عائلة صانع الحبة أصبحت تحت رحمتها، إلا أن شيئًا في داخلها لم يهدأ. أرادت أن يعاين الطبيب مكونات الحبة أولًا، ليطمئن قلبها أكثر قبل أن تتخذ قرارها.
وصل الطبيب، أخرج الحبة وتأملها، ثم شمّها بدقة قبل أن يقول بصوت منخفض: “المحظية الإمبراطورية، رائحة هذه الحبة تدل على جودتها الفائقة. وبحسب الروائح التي يمكن تمييزها، فهي تحتوي على نبتة لؤلؤة الدموع، وأنجليكا داوريكا، ومواد كولاجينية من جلد الحمار البري…”
أظهرت المحظية لي صبرًا نادرًا،
واستمعت إليه حتى النهاية، ثم سألت على الفور:
“هل ستؤذي جسدي إن تناولتها؟”
شمّ الطبيب الحبة مرة أخرى بحذر، ثم أجاب:
“لا توجد آثار جانبية خطيرة.
هذه الحبة تُصنّف ضمن المقويات التي تُغذي طاقة الين، وتُعيد التوازن إلى الطاقة الحيوية.
وإن لم تكن جلالتك تثق بهذه الحبة تمامًا، فربما يمكن إعطاؤها لأحد الخدم لتجربتها أولًا، ثم يُراقب حاله بعدها، ويمكن اتخاذ القرار على ضوء النتائج.”
تجهم وجه المحظية.
لم يكن معها سوى حبة واحدة من حبوب تشو يان، فإن أعطتها لشخص آخر وتبيّن أنها فعالة… فلن يتبقى لها سوى الندم.
غادر الطبيب بعدما أتمّ عمله.
وبقيت المحظية لي جالسة في غرفتها تحدّق في الحبة، وقلبها يموج بالحيرة…
القصر الشرقي
كاد شي تشينغ أن ينفجر باكيًا…
انظروا فقط إلى هذه المائدة!
كانت ممتلئة بأشهى الأطباق: دجاج متبّل بالصويا، لحم خنزير مملّح، بطة مقلية بزيت الفلفل الحار، حساء لسان الثور الحار والحامض، أقدام خنزير بالطماطم، فطر مطهو ببطء، فطر بزيت الفلفل… بل وحتى كعكات مقرمشة، وأخرى لزجة ناعمة، وحلوى بذور اللوتس البيضاء، وحبوب صفراء وبرتقالية!
شعر شي تشينغ أن لعابه قد يفيض عكس مجرى النهر من شدّة الشهوة!
لكن، ويا للمأساة، لقد كان مجرد قلادة من اليشم.
يستطيع أن يرى، ويشم، ويسمع، ولكن ماذا يعني كل هذا بحق الجحيم إن لم يستطع أن يأكل؟!
منذ أن وصلا إلى هنا، لم يُرِد تشين مو أن يضعه جانبًا.
حمله في كفّه طوال الوقت — حتى أثناء تناول الطعام، وكأنه يريده أن يعيش معه هذه الحياة…
شي تشينغ: QAQ.
لا مجال، لا بد له من الحصول على جسد حقيقي في أقرب وقت، ليشبع شهوته في الأكل! يجب أن يستمتع بالحياة، ويأكل كل ما حرِم منه سابقًا!
تحت نظراته الملتهبة بالحسد والكراهية،
كان تشين مو يستمتع بعشاءه بهدوء تام.
وبعد انتهائه، ذهب إلى غرفة الدراسة، وهناك فقط تحرر شي تشينغ من عذاب الروائح الشهية.
كان يعلم مسبقًا بخطة تشين مو، وقد فهم أنه بدأ ينفذها منذ دخوله هذا العالم. حتى قراءته لكتاب الأعشاب الطبية كانت جزءًا من خطته.
رغم أن طاقته الروحية قد تدمرت، إلا أن تشين مو كان بحق ابن السماء المختار في قارة لينغيون، حين ترى إنجازاته المذهلة.
لم يكن فقط قويًا في فنون القتال، بل كان أيضًا خبيرًا في أعداد الحبوب — صانع حبوب دوائية من الطراز الأول.
رغم أن الحبوب عالية الجودة تحتاج إلى دعم بالطاقة الروحية، فإن بعض الحبوب ذات التأثير المتوسط أو المحدود يمكن تصنيعها دون تلك الطاقة، فقط بناءً على الصيغة الصحيحة والمكونات.
قرأ تشين مو كتاب الأعشاب ليقارن بين النباتات الدوائية في هذا العالم وتلك التي يعرفها من عالمه الأصلي. وبعد أن تأكد من التشابه، صنع إحدى الحبوب الطبية بهدوء.
لم يخبر شي تشينغ بشيء، لكن هذا الأخير كان يراقب كل شيء، وعرف أن الحبة قد اكتملت.
لم يستطع كتم فضوله، فسأل:
“أتظن أن المحظية الإمبراطورية لي ستتناول تلك الحبة؟”
كان تشين مو يتدرّب على الخط في تلك اللحظة، ولم يُظهر أيّ رد فعل. كان تركيزه كله منصبًا على الورقة المصنوعة من الأرز، ويده التي تمسك بالفرشاة كانت مستقرة بثقة.
جلسته أنيقة ومريحة، لكن حركة فرشاته كانت حاسمة وسلسة، كأنها سحب تمرّ فوق جدول — سلاسة تنبض بالحياة.
انجذب شي تشينغ على الفور، وبدأ يحاول جاهدًا أن يتحرك قليلاً، فقط ليتمكن من رؤية ما يكتبه.
كانت هناك كلمتان ضخمتان، كأنهما تنويان الطيران من الورقة — كالتنين الطائر والعنقاء الراقصة.
قال تشين مو وهو يمسك القلادة بلطف، يمسح عليها بأصابعه: “شي تشينغ… اسم جميل.”
نظر شي تشينغ إلى اسمه، ولم يرَ فيه سوى جمال الخط، أما المعاني والرموز، فدَعْ من يفهمها يحكم.
وعندما استعاد تركيزه، أراد أن يعيد طرح السؤال السابق — لكن تشين مو تجاهله تمامًا…
تنهد شي تشينغ بمرارة.
مضيفه هذا… سيء جدًا في التواصل!
إذن، يا محظية لي… هل أكلتِ الحبة أم لا؟
هذا التلميذ القلق لم يعُد يحتمل الانتظار.