🦋

قوس الإمبراطورية


عندما استعاد شي تشينغ تفاصيل المهمة التي ذُكرت مسبقًا، كان صادقًا مع نفسه حين ظن أن مهمة تتويج ولي العهد كإمبراطور لم تكن بالأمر الصعب.

فالإمبراطور العجوز، رغم أنه لم يكن غبيًا، كان قد بلغ من العمر عتيًّا، وأصبح يتخبط في قراراته عامًا بعد عام. 

أما المحظية لي، رغم أنها ما زالت تحتفظ بشباب نسبي، إلا أنها قضت ما يقرب من عشرين عامًا داخل جدران القصر. 

كانت ذكية ومخادعة بما يكفي لتدلل الإمبراطور وتكسب ودّه، لكن ذلك لم يعد كافيًا في هذه المرحلة.

كانت تحاول أن تدعم أسرتها من خلال نفوذها، 

لكن الأمور تعقّدت بطريقة كادت تضر أكثر مما تنفع. 

ولأن أخاها يمتلك البنية المناسبة، سعت جاهدة لتوصله إلى منصب نائب قائد الحرس. 

غير أن هذا المنصب تحديدًا لم يكن إلا طريقًا مسدودًا، لا يُفضي إلى ترقيات حقيقية.

ثم هناك الأمير الثاني رونغ شيانغ، الذي أتم العشرين هذا العام، ولا يزال صغيرًا على دروب السياسة. 

ورغم أن والدته لم تفسده أو تجعله من أبناء الترف واللهو، إلا أنه كان متهورًا ومندفعًا بطبعه، كما هو حال الشباب دومًا. 

وبين نصائح الإمبراطور المسنّ وتوجيهات أمه المتكررة، كان يدرك أنه، رغم كونه واعدًا، لا يمكنه أن يقارن نفسه بولي العهد من حيث المؤهلات أو الجدارة. ومع ذلك، كان يعلم أنه لو استطاع هزيمته، فقد يفوز بجائزة العمر.

وأمام خصم كهذا، فإن ما على ولي العهد سوى أن يبقى متماسكًا، يتفادى الأخطاء الجسيمة، ولا يُمسك عليه ذنب فاضح؛ فحين يلفظ الإمبراطور العجوز أنفاسه، سيصعد هو إلى العرش بسلاسة.

ومن هذا المنظور، رأى شي تشينغ أن هذه المهمة ليست صعبة على المبتدئ تشين مو. 

بل يمكن القول إنها مهمة تمهيدية جيدة.

لكن! ما الذي كان بحق الجحيم مع ذاك الموعد النهائي؟!

سبعة أيام… أسبوع واحد… ليصعد العرش؟!

ضحك شي تشينغ بمرارة، هل كان العرش الإمبراطوري قد فقد قيمته حقًا إلى هذا الحد؟

وبينما كان النظام في حالة من الذهول، بدا تشين مو هادئًا تمامًا. لم يكتفِ بقبول المهمة فورًا، بل بدا وكأنه قد استوعب المطلوب منه على الفور، وعرف تحديدًا ما يلزمه فعله.

نعم… فما إن أنهى العقد حتى كان قد قبل أولى المهمات بالفعل.

أراد شي تشينغ أن يصرخ: 

ذلك الرجل مندفع بطريقة شيطانية! إذا فشلنا في إنجاز المهمة، فالعقاب سيكون حتميًا!

لكن، لسوء حظه، لم يكن فمه أسرع من يدي تشين مو؛ فلم ينبس ببنت شفة حتى انتقلا إلى العالم الأول…

تلاعبت بهما القوى حتى شعر شي تشينغ بدوار شديد، 

ثم سمع صوتًا يهمس: “سيُمنح النظام جسدًا مجانًا.”

يا لحظي!، فكر شي تشينغ، رغم أن المهمة خداع محض، إلا أنهم على الأقل منحوني جسدًا؟! هذا جيد إلى حدٍما!

لكن ما إن خطرت الفكرة بباله حتى أغمي عليه مجددًا.

وعندما فتح عينيه أخيرًا، وجد نفسه في هيئة… قلادة من اليشم!

ماذا بحق السماء؟! من يريد أن يكون حجرًا؟! هذا غير ممكن!

وبينما كان على وشك أن يصرخ بيأس، أحس بدفء ناعم يحيط به. رفع بصره، فإذا بوجه بشري ضخم يطل عليه من الأعلى…

اللعنة! لقد أرعبتني أيها الشاب!

لكن سرعان ما هدأ قلبه… إنه الأمير رونغ تشنغ، لا، بل تشين مو الآن.

حدّق شي تشينغ في تشين مو بتأنٍ؛ ورغم أن وسامته الأصلية قد اختفت وحلّ محلها وجه ولي العهد، إلا أن تلك العينين السوداوين المليئتين بالعدائية لم تخفَ عنه.

أخذ تشين مو يقلّب القلادة في كفه برفق، يشعر بقوة حياة شي تشينغ تسكن داخل هذا اليشم الأبيض؛ وكان يعلم أن الضباب المظلم يقبع داخله.

وبينما كان يتفحّص القلادة، تنبّه فجأة إلى أنفاس شخص خلفه.

وعندما نهض واقفًا، نهض الآخر معه، وتدلت خصلات شعره السوداء على كتفيه، ليكشف وجهًا ناعم الملامح، بحاجبين رقيقين وشفاه حمراء، يوحي مظهره بالضعف والرقة.

هذا المشهد صدم شي تشينغ للحظة…

تبًا! إنه رجل، رجل! لا بد أنه رجل!

ورغم أن القلادة لا يمكنها الحركة، فإن مجال الرؤية كان واسعًا. 

مهما بدت ملامحه ناعمة، فإن تفصيلة تفصيلة كانت تؤكد أنه رجل: تفاحة آدم واضحة، وصدر مسطّح تمامًا—حتى أكثر النساء نحولًا لا يمكن أن يكنّ بهذه الدرجة من التسطيح.

وهذا الجسد العاري، المليء بآثار القبل… رجلان، عاريان، في السرير؟! 

في تلك اللحظة، تذكّر شي تشينغ تلك الأسطر الجانبية في وصف المهمة: ولي العهد شاذ جنسيًا، ويحتفظ بالفتيان الوسيمين للمتعة.

ثم، وكأن العالم قرر تحطيم كل مفاهيم شي تشينغ، ضحك الرجل برقة، ولف شعره الطويل خلف كتفه، 

وسأل بصوت ناعم:

“يا سمو الأمير، هل أستدعي الخدم لخدمتك؟”

لم يجب تشين مو، بل استمر في لمس القلادة، 

ثم التفت قليلًا، وفتح شفتيه الرقيقتين ليقول ببرود:

“اخرج.”

كانت كلمته كالسهم، مباشرة وحادة، أصابت الرجل الآخر في مقتل.

صُدم الرجل للحظة، ثم شحب وجهه في لحظة. 

بدا وكأنه يريد الاقتراب وتهدئة الأجواء، لكنه جَمُد فور أن التقت عينه بتلك النظرات السوداء العميقة. 

سرعان ما تراجع، ينزل عن السرير بخفة، ينحني ويعتذر، حتى فرّ خارج الغرفة.

كان شي تشينغ مذهولًا: ما الذي يحدث بحق السماء؟ 

كح كح… رغم أنني لا أود مشاهدة علاقة بين رجلين، 

هل يجوز لـ تشين مو طرد هذا الرجل؟ ألا يُفسد هذا سير الحبكة؟ ألم يكن هذا الرجل من خاصّة ولي العهد؟ 

وولي العهد معروف بأنه… هممم… شاذ.

لكن شي تشينغ لم يجرؤ على الاعتراض، ولم يكن يملك القوة لمنع تشين مو من فعل ما يشاء. 

ظل يتحمّل بصمت، وحين قرر أخيرًا أن يتحدث،

إذا بـ تشين مو يعود ويستلقي، ويغطي جسده باللحاف مجددًا…

حاول شي تشينغ بكل طاقته أن يتحرك داخل القلادة، يحاول فرك جسده اليشمي بصدر تشين مو، لكنه لم يلقَ سوى رموش مغلقة بدقة.

كيف يمكنك أن تغمض عينيك هكذا؟!

… مستحيل!

لم يستسلم شي تشينغ في التحديق برجاء، لكنه اضطر أخيرًا للاعتراف بالحقيقة المؤلمة… تشين مو غفا حقًا.

غضب شي تشينغ، كيف يمكن لـ تشين مو أن يكون بهذا القدر من اللامسؤولية؟! 

سبعة أيام فقط، والوقت يمر، والمهمة تنتظر التنفيذ!

كان محبوسًا في قبضة تشين مو القوية، عاجزًا عن الحركة. 

ورغم أنه كان قادرًا على إصدار الأصوات، إلا أنه لم يجرؤ على التحدث بصوت عالٍ، لجهله بمكانهما الحالي وتفاصيل الموقف. 

فقال بصوت خافت: “لا تتكاسل… إن لم تُتمّ المهمة، فستتلقى العقوبة…”

لكن قبل أن يُكمل جملته، شد تشين مو قبضته حوله، ثم دوّى صوته القوي: 

“اصمت.”

شي تشينغ: …QAQ… حسن النية يُقابل بالركل على المؤخرة، هاه؟

أغلق تشين مو عينيه، واحتضن القلادة، ثم أمر بوضوح: “نم.”

وبينما كان محشورًا داخل هذا الجسد اليشمي، لم يكن هناك مجال للهروب. ومع مرور الوقت، بدأ شي تشينغ يسمع إيقاع تنفس تشين مو الهادئ والمتزن.

في البداية تفاجأ، لكن سرعان ما أضاءت في ذهنه لمبة الفهم؛ إذ بدا أن تشين مو لم ينم منذ وقت طويل. 

ففي السابق، كانت طاقته الروحية المرتفعة تكفيه، لكن بعد أن فُقدت، أصبح إنسانًا عاديًا. 

لم يعد بإمكانه تجاهل حاجته للنوم كما كان في السابق.

رغم انتقاله إلى عالم جديد وتغييره لجسده، إلا أن إرهاقه الروحي ظلّ معه. 

لقد بلغ أقصى حدوده.

تنهد شي تشينغ بعد أن استوعب الأمر، وتوقف عن محاولاته اليائسة، واستقر بهدوء في كفّ تشين مو. 

ورغم أنه كان ممسوكًا بإحكام، وشعر بشيء من الضيق، إلا أن كونه قطعة من اليشم جعل حواسه خاملة نوعًا ما، فلا ألم حقيقي يمكن أن يشعر به. 

ورغم قلقه على المهمة، لم يكن بوسعه إلا الاعتراف بأن تشين مو حقًا مثير للشفقة. 

وإن فشلت المهمة… فلن يكون هو المسؤول.

وبينما كان مستسلمًا أخيرًا، غطّ في نوم هادئ أيضًا.

حين استيقظ، وجد نفسه في مكان جديد مجددًا. 

تأمل حوله، فإذا بكتب ضخمة مزخرفة على رفٍ قديم، وستارة من اليشم المنقوش، وكرسي ذي ظهر عالٍ أمام طاولة عمل. فوق الطاولة، محبرة وقلـم دقيق الصنع… يبدو أنه داخل مكتب؟

لاحظ شي تشينغ حركة ما، فإذا بـ تشين مو قد ارتدى ثياب ولي العهد.

توقف للحظة وهو يحدّق، ثم تذكّر فجأة… المهمة! 

المهمة تنتظرهم!

تبًا! لقد ضيّعوا يومًا كاملًا في النوم!

عاد القلق يجتاحه بقوة، في حين جلس تشين مو هادئًا، يتصفّح كتابًا عن الأعشاب الطبية. 

عندها انفجر شي تشينغ كفتيل قنبلة:

“المهمة محددة بسبعة أيام فقط! 

إن لم تُنجزها، ستتلقى العقوبة!”

لم يرفع تشين مو عينيه عن الكتاب حتى، وسأل بلا مبالاة:

“هل ستُعاقب أنت أيضًا؟”

تلعثم شي تشينغ للحظة، ثم أجاب تلقائيًا: “لا.”

“فلمَ القلق إذًا؟”

شي تشينغ: “………”

وحين رآه صامتًا، أردف تشين مو:

“وإن أتممتُ المهمة، هل تنال بعض الفائدة؟”

استعاد شي تشينغ هدوءه قليلًا، وسعل قبل أن يجيب: “ذاك… نعم، هناك بعض الفوائد.”

ردّ تشين مو باقتضاب: “أوه.”

لم يفهم شي تشينغ أبدًا كيف يعمل دماغ هذا الرجل، لكنه كان عنيدًا بما يكفي ليستمر. 

لم يرغب في تحليل برودة تشين مو تجاه كل شيء، لذا اختار التفسير: “إن لم تُتمّ المهمة، سيتم خصم النقاط من رصيدك. وإذا أصبحت نقاطك بالسالب أكثر من ألف، سيتم محوك بالكامل!”

قال شي تشينغ هذا الكلام بجدية قاطعة، لكن تشين مو اكتفى بنظرة خاطفة، ثم عاد يتفرّغ لدراسة الأعشاب، وكأن الأمر لا يعنيه.

فتابع شي تشينغ بإصرار:

“أما إذا أنهيت المهمة بنجاح، فسأحصل على خمسين بالمئة من مجموع النقاط كمكافأة!”

هذه المعلومة بالذات أثارت اهتمام تشين مو أكثر من غيرها. 

نظر إلى القلادة وسأل: 

“هل تحتاج لجمع النقاط أنت أيضًا؟”

“طبعًا!”

“ولماذا؟”

“لأشتري جسدًا!”

صمت تشين مو وهو يحدّق في اليشم الأبيض، 

ثم رفعه بين كفيه، وأخذ يلمسه بلطف. 

ثم قال بصوت خافت: “هذا جيد جدًا.”

ولأن شي تشينغ كان الآن قطعة من اليشم، كانت حواسه بطيئة بعض الشيء، لكنه لا يزال يشعر بتلك اللمسات المتواصلة، مما جعله يتلوى بضيق:

“ما الجيد في ذلك؟ حجمي صغير بالكاد أتحرك.”

ارتسمت على شفتي تشين مو ابتسامة نادرة، وظلّ يربّت على القلادة بلطف، وقال بنغمة منخفضة:

“جيد جدًا.” صغير، مستدير، سلبي، ضعيف، هش، ولا يشكل أي تهديد… ممتاز.

يمكنه أن يسحقه متى ما أراد.

شي تشينغ لم يشأ أن يغوص في تحليل هذه الابتسامة الغريبة، رغم امتلاء قلبه بالسخرية… حتى المنحرفينلديهم أذواقهم الخاصة، على ما يبدو.

رأى أن تشين مو عاد للكتاب مجددًا، فاختار ألا يُصدر صوتًا، وبدلًا من ذلك، ركّز تفكيره في كيفية تنفيذ المهمة خلال السبعة أيام المتبقية.

لكنه حين رأى سلوك تشين مو المتراخي، تذكّر ما كان عليه سابقًا… عقلية مهووسة غير تقليدية.

وفجأة، ارتجف قلبه وسأله بصدمة:

“تشين مو! لا تفكر بقتل الإمبراطور، صحيح؟!”

ما إن تفوّه بهذا السؤال، حتى شعر شي تشينغ أن إصبعه لامس الحقيقة… إن قتل الإمبراطور العجوز، فهل سيصعد ولي العهد ببساطة إلى العرش؟!

لكن… لا! لا يمكن ذلك!

لم ينتظر ردًا من تشين مو، بل قال على الفور بنبرة جادة:

“لا يجب أن تراودك مثل هذه الأفكار! 

لقد فقدت قوتك، وأنت الآن مجرد إنسان عادي. 

صحيح أن الإمبراطور مختلّ، لكنه ما زال حذرًا من ولي العهد؛ وحرسه الخاص كُثر كعدد شعر الثور. 

لن تقدر عليهم وحدك، وإن حاولت، ستخسر حياتك!”

ثم أضاف بصرامة:

“رغم أن هذا عالم مختلف، وروحك فقط هي من جاءت إلى هنا، إلا أن موت الجسد الذي تحتله الآن، يعني تلاشي روحك بالكامل! لا مجال للتهور!”

كان شي تشينغ يتحدث بقلق لا يوصف، كالنار فوق صفيح ساخن، بينما تشين مو ركّز نظره عليه تمامًا.

“وإن متّ أنا، ماذا ستفعل أنت؟”

لم يتمكن شي تشينغ من مجاراة سرعة المحادثة، لكن للأسف، القلادة لا تظهر على وجهها علامات الحيرة…

ثم راح تشين مو يربت عليه برقة، وسأل بهدوء:

“هل ستموت أنت أيضًا؟” 

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]