🦋

 وصلت حبوب الحلق التي أعدّها لوو يوانهو بسرعة، لكن هي تشينغ لم يرَ أحدًا برفقته.

ولأنه أراد أن يراه مجددًا، فكّر في حيلة: 

خلع ملابسه وتدحرج على الأرض. كان الجو باردًا في ربيع هذا الزمن، والأرض قارسة. لم يمر وقت طويل حتى بدأ هي تشينغ يرتجف من البرد.

حين استيقظ، كان حلقه ملتهبًا بشدة. 

تمدد في فراشه محمومًا، حتى سمع خطوات تقترب، وظهر وجه فانغ تيان تشو الوسيم.

صار يشعر بالألم في كل أنحاء جسده بمجرد أن يراه، وامتلأت عيناه الجميلتان ببخار الدموع، خدّاه محمران، ردّات فعله بطيئة، وصوته أجش بالكاد يُسمع: “جلالتك…”

جلس فانغ تيان تشو بملابسه، مدّ يده ليرفعه، ووضع راحة يده على جبينه، فعبس وقال:

“لماذا أصبحت حالتك بهذه الخطورة؟”

قال هي تشينغ بصوت مظلوم:

“أشعر بعدم ارتياح كبير.”

أمر: “أسرعوا، استدعوا الطبيب الإمبراطوري.”

وصل لوو يوانهو بسرعة، وبدأ هي تشينغ يبحث عن عينيه بلهفة، لكن سرعان ما جاء أحد خدم القصر وسحب الستارة، وغطّى يد هي تشينغ بشاش أبيض.

وضع لوو يوانهو يده على معصمه عبر الشاش، فبدأ هي تشينغ يرفّع بعينيه داخليًا، متمنيًا لو أن فانغ تيان تشو يغادر ويترك له وقتًا خاصًا مع الطبيب.

“ما الأمر؟”

أجاب لوو يوانهو بعد أن أنهى فحص النبض، موجّهًا كلامه لفانغ تيان تشو: 

“جلالتكم، السيد مصاب بنزلة برد. أستطيع أن أعد له وصفة علاج، وسيتعافى خلال أيام.”

أومأ فانغ تيان تشو، فقال هي تشينغ فجأة:

“أي وصفة؟ هل هي من تلك الأدوية المُرّة؟”

وقبل أن يُجيب لوو يوانهو، تابع بتذمر:

“أنا لا أتناول الأدوية المُرّة. أظن أن حبوب الحلق التي قدّمتها سابقًا فعّالة. هل يمكنك أن تُعد لي بعض حبوب فينغهان؟”

أدرك لوو يوانهو المقصود. 

هي تشينغ كان يفعل كل هذا لأجل منع الحمل. 

فلو كانت وصفة أعشاب عادية، فلن تكون من اختصاصه المباشر، وإن أضاف مانع حمل إليها، فقد يُكتشف. 

لكن الحبوب، طالما كان هو من يُعدها، فلن يعرف أحد ما فيها.

هي تشينغ ما يزال يفكر به.

شعر لوو يوانهو بألم يعتصر قلبه، وقال بجدية:

“إعداد فينغهان يحتاج وقتًا، والسيد…”

لكن فانغ تيان تشو قاطعه:

“ابدأ بوصفة غير مُرّة أولًا.”

“أمر جلالتك.” قالها وانسحب.

تنفّس هي تشينغ الصعداء أخيرًا، فعاد فانغ تيان تشو وجلس قربه قائلًا:

“هل ما زال تشينغ إير يخشى المعاناة؟”

شعر هي تشينغ بوخز ضمير، فخفض رموشه وقال بصوت مرتجف: “كنت لا أخشى شيئًا من قبل، فقد أرسلتني أمي منذ الصغر إلى قصر الوزير، ولم أنل أي حب… أما الآن، بعد أن التقيت بجلالتك، صرت أخشى… أخشى الألم.”

رفع رموشه ببطء، وعيناه تغرورقان، وقال بخوف:

“جلالتك… هل أنا عديم الوعي بذاتي؟”

ضغط فانغ تيان تشو شفتيه، ومسح دموعه بأنامله الكبيرة، ثم قال: “ارتَح، ولا تُجهد نفسك بالتفكير.”

تمدد هي تشينغ مجددًا، لكنّه بقي ممسكًا بكمّه:

“هل جلالتك مشغول؟”

“لست مشغولًا.”

قال برقة: “إذًا ابقَ معي لفترة أطول.”

“حسنًا.”

ما إن قال ذلك، حتى جاء أحدهم يبلغ:

“جلالتك، كبير المعلمين تشيو يطلب رؤيتك.”

فرح هي تشينغ في داخله، ونظر إلى فانغ تيان تشو، الذي قال: “ماذا يريد؟”

“يقول إن لديه أمرًا بالغ الأهمية.”

قطّب فانغ تيان تشو حاجبيه، بينما تمنى هي تشينغ أن يغادر في الحال، لكنه تذكّر من الرواية أن كلما تمسّك هي تشينغ به، كلما ازداد نفور الإمبراطور منه. 

فتصرّف بعفوية وأمسك بذراعه قائلًا:

“لقد وعدتني بالبقاء، لا تذهب.”

نظر إليه فانغ تيان تشو طويلًا، ثم ابتسم فجأة. 

ظنّ هي تشينغ أنه سيُبعده، لكنه قال:

“حسنًا، وعدت تشينغ إير. دَع نانمن ليانغ يرافق المعلم تشيو إلى منزله. سنتحدث غدًا.”

ثم نظر إلى وجه هي تشينغ المرتبك، وابتسم:

“هل تشينغ إير راضٍ الآن؟”

هي تشينغ: “…”

“كح، كح، كح!” خارت قواه، وأومأ سريعًا:

“راضٍ، راضٍ تمامًا.”

أخفى فانغ تيان تشو ابتسامته، وبدت عيناه غامضتين لا تُقرأ.

عند اقتراب وقت النوم، أرسل لوو يوانهو الدواء غير المُرّ. شربه هي تشينغ، وبدأ يشعر بالنعاس. 

خلع فانغ تيان تشو ملابسه والتحق به في الفراش.

همس هي تشينغ: “أنا مريض.”

“أنا لا أاثر فيّ السموم.”

تجمّد هي تشينغ، هذا الرجل ما إن يجد وقتًا، يُلقي به إلى الفراش، وشعر كأن الأيام القادمة كلها ستكون هكذا.

تفادى شفاهه وقال: 

“هل جلالتك راغب فعلًا بطفل؟”

أجابه فانغ تيان تشو:

“أم أن الوزير هي أرسل تشينغ إير لهدفٍ آخر؟”

ارتبك هي تشينغ من هذا الرد، فقد كان الأب والأخ الأصليان يريدان التمرّد فعلًا.

لكن لم يكن بوسعه التراجع، وهو غاضب لكونه مجرد أداة إنجاب: “أنا لست بخير، لا أريد!”

كان رد فعله حيًا وصادقًا.

ابتسم فانغ تيان تشو بخفة، وقبّله على خده، وقال:

“تشينغ إير انا غير صبور، لا تغضب، كن جيدًا.”

حاول هي تشينغ التملص، ودار بجسده ليُدير ظهره إليه ويعض أظافره.

لوو يوانهو، إن لم تُسرع، فالمظهر الخارجي لحبيبك سيحمل طفلًا من رجل آخر!

بالفعل، لوو يوانهو أخذ الأمر بجدّية، وجاء في الصباح الباكر حاملاً الحبوب التي أعدّها من سهره.

كان فانغ تيان تشو قد ذهب إلى المجلس،

وهي تشينغ، الذي استيقظ للتو وكان يتناول طعامه، لم يستطع إخفاء فرحته عندما رآه: “الطبيب لوو!”

ظهر الإرهاق في عيني لوو يوانهو، وضع الحبوب أمامه وسأل: “هل يشعر السيد بعدم راحة؟”

“نعم.” أجاب فورًا، “تعال وفحص النبض.”

حين تقدم الطبيب ومدّ يده، سلّم له هي تشينغ علبة أخرى من الحبوب من كمّه. تصرف لوو بحذر: حبوب فينغهان هي حبوب فينغهان، وحبوب منع الحمل شيء آخر تمامًا.

كبح هي تشينغ فرحته وقال:

“سمعت أن الطبيب لوو له لقب ' الطبيب المعجزة ' في جيانغهو… حقًا شاب واعد.”

ردّ بتواضع: “كلها مبالغات.”

قال هي تشينغ وهو يسعل:

“أنا أيضًا أرغب في رؤية العالم. إن أُتيحت لي الفرصة، سأخرج وأتجوّل.”

ارتعشت أصابع لوو يوانهو، والتقت نظراته بعيني هي تشينغ، فقرأ منهما عشرات الرسائل. 

سحب يده وقال:

“جلالة الملك يحبّك كثيرًا، وسيُحقق لك أي أمنية.”

ابتسم هي تشينغ وقال:

“أنا فضولي فقط… هل يمكنني زيارتك كثيرًا في مستشفى تايوان؟”

ضحك لوو يوانهو: “مرحب بك دائمًا، يا سيّدي.”

لم يكن ممكنًا البقاء والتحدث كثيرًا في قصر الإمبراطور، فغادر بعد الفحص، أما هي تشينغ، فبمجرّد أن أُغلق الباب، ابتلع حبوب منع الحمل أولًا، وصلّى في سرّه أن لا يكون قد فاز باليانصيب في الأيام التي لم يتناول فيها شيئًا.

بعد أن أنهى طعامه، وجد هي تشينغ مكانًا يُخفي فيه الحبوب بسعادة، ثم استعدّ للخروج في نزهة صغيرة. 

رغم كثرة القواعد في هذا القصر، إلا أن فانغ تيان تشو لم يُقيّده بشيء، لكن النوم بجانب فانغ تيان تشو كل يوم لم يكن آمنًا أبدًا. 

كيف انتقل هي تشينغ إلى قاعة بي تسه في الرواية الأصلية؟

فجأة، اقتربت مجموعة من الأشخاص، تتقدّمهم محفة حريرية يتمايل بداخلها الحُليّ مع حركة الضوء والستائر الرقيقة. 

ما إن رآها هي تشينغ حتى أسرع يقف جانبًا.

لقد بدأ يفهم قواعد القصر شيئًا فشيئًا. 

رغم أنه شارك الإمبراطور فراشه، إلا أنه لم يُمنح لقبًا رسميًا، ولم يكن له رتبة حتى عندما كان في قصر الوزير. 

لذلك، ما كان يجب أن يُقدّم نفسه يومها إلا بصفتة من ' عامة من الناس '.

انحنى مع من حوله وأطرق رأسه في موقف من لا يريد المشاكل، لكن الموكب توقف أمامه رغم ذلك، وجاء صوت نسائي بارد: “أنت، ارفع رأسك.”

رفعت إحدى الخادمات رأسها بخوف، فقالت السيدة مجددًا: “ليس أنتي، هو.”

أبقى هي تشينغ نظره مركزًا على الأرض، ولم يتحرّك.

توقفت محفة السيدة النبيلة، ثم فجأة، ركلته خادمة في كتفه وقالت بغضب:

“السيدة النبيلة تخاطبك، هل أنت أصم؟”

سقط هي تشينغ على ظهره بفعل الركلة، فرفع رأسه على الفور.

آه، فهمت. هذه هي لوو فِي. 

ووفقًا لما ورد في الرواية، كان ذلك الشجار معها سببًا في نقله إلى قاعة بي تسه.

شدّ هي تشينغ نفسه وقال:

“العامة هي تشينغ يُحيّي السيدة النبيلة.”

كانت عينا لوو فِي تغليان بالغضب.

هي تشينغ، هذا هو ابن محضية الوزير؟ 

ما أجمله! لا عجب أن جلالته يُخفيه في غرفته ولا يريد حتى رؤية والده.

قالت بازدراء:

“أأنت المحضي الذكر الذي أرسله الوزير هي؟ 

هي تشينغ؟”

رغم أن الأمر انتشر في القصر، إلا أن عبارة محضي ذكر لا تخلو من الإهانة. وأخذ الحضور يتصبّبون عرقًا نيابة عن هي تشينغ. 

فلوو فِي، ابنة كبير المعلمين تشيو، كانت سيدة الحريم بلا منازع.

لكن هي تشينغ لم يُعر تلك الكلمة اهتمامًا، غير أن صمته أسعد لوو فِي: “الوزير هي مخلص فعلًا، لم يتردد في إرسال ابنه لجلالته ليستمتع به.”

ضحك المحضيات والخصيان حولها بخفة.

ظلّ هي تشينغ يحدّق في الأرض، صامتًا.

سخرت لوو فِي وقالت:

“لقد نسيت تقريبًا، فأمك كانت نجمة بيوت اللهو، ومشهورة على مستوى البلاد… 

هل تعرف عدد من دخلوا عليها يا هي تشينغ؟”

لم يتمالك نفسه وقال بسخرية:

“يبدو أن السيدة النبيلة كانت تُحب الاستماع من خلف الستائر في بيوت الدعارة، يا لابنة المعلم تشيو المثالية!”

صُدمت لوو فِي، لم تتوقع منه الجرأة على الرد، وبعد لحظتين من الصدمة، انفجرت غاضبة:

“مجرد عامي تجرؤ على الرد على كلامي؟ 

أحدهم، اضربوه!”

تقدّم خصي ورفع أكمامه مستعدًا، لكن هي تشينغ لم يُكمل الركوع، كان قد تلقى ركلة بالفعل ولا يريد المزيد. 

ثم فكّر: حياتي بيد فانغ تيان تشو، فلماذا أُهين من امرأة لا دور لها في الرواية أصلاً؟

إن أردت أن تصطاد النمر، فابدأ بالرأس. 

فجأة، قفز هي تشينغ وصفع لوو فِي على وجهها!

عمّ الصمت المكان. 

حتى خدمها تجمّدوا في أماكنهم.

كانت كفّه تتعرق من التوتر، وكان خائفًا ومتحمسًا في آنٍ واحد. 

هذه أول مرة يضرب فيها امرأة، وبالذات امرأة الإمبراطور! 

بعد الضربة، كاد أن ينسى اسمه.

الخادمة التي ركلته جحظت عيناها، ولوو فِي كانت مذهولة، وضعت يدها على وجهها وقالت بذهول:

“أتجرؤ على ضرب سيدة القصر؟!”

صرخت الخادمة:

“هل تعرف من هي؟ إنها ابنة المعلم تشيو، والسيدة المفضلة لجلالة الإمبراطور!”

ردّ هي تشينغ، واضعًا يديه على خاصرته:

“وماذا في ذلك؟ أنا ابن الوزير هي! أما الرجال في بلاط جلالته، فهم كُثُر! 

كم رجلاً يُحبهم في الوقت ذاته؟!”

في تلك اللحظة، بدا وكأنه تحرّر من كل قيد، متفاخرًا ومتعجرفًا.

ما قيمتك كـ ' سيدة ' ؟

ففي النهاية، الطبيب لوو على وشك الهرب معي، وحتى فانغ تيان تشو نفسه لا يمكنه مقاومتي!

المؤلف لديه مايقوله:

فانغ تيان تشو: مرحبًا؟

هي تشينغ: لا تقاطعني، دعني أنهي هذا الفصل أولًا!

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]