🦋

 بعد رؤيته لتلك الصورة،

كيف كان لـ شي تشينغ أن يتحمل المغادرة؟

خصوصًا حين أدار تشي زيمو رأسه ونظر إليه.

رغم أن ملامحه الطفولية لم تحمل أي تعبير،

إلا أن قلب شي تشينغ تألم بشدّة…

كيف لا؟ وهو يرى طفلًا لا يبكي… ولا حتى يطلب العناق!

ذاب قلبه، لين كالماء،

فتقدّم سريعًا نحو السرير،

لكنه عاد ليتردد—

فهذا لا يزال تشين مو الصغير، بكبريائه الشديد…

لذا، حين اقترب، حكّ أنفه وضحك بتوتر:

“آه، لقد اعتدت النوم هنا… لا أستطيع النوم على سرير غريب فجأة.”

رأى وميضًا من الفرح يمرّ في عينيّ تشين مو الصغير.

واصل شي تشينغ محاولاته:

“لو لم تمانع… هل يمكنني أن أزاحمك قليلًا؟”

هزّ الطفل رأسه بسرعة، بالموافقة.

دخل شي تشينغ السرير أخيرًا.

كان السرير عرضه متر ونصف،

وليس واسعًا جدًا،

لكن جسد شيا نوه النحيل، وجسد تشي زيمو الصغير،

جعل الأمر ممكنًا.

رغم ذلك… وجد نفسه مزاحمًا.

كان يظن أن الأمر سيتوقف عند إمساك اليد،

لكن يبدو أن الطفل لم يُمسك أحدًا من قبل،

فتعامل مع شي تشينغ كأنه وسادة عملاقة…

لف ذراعيه حول رأسه،

ثم جذبه بعنف إلى حضنه!

حاول شي تشينغ التملص عدة مرات،

لكنه فوجئ بقوة لا يمكن مقاومتها!

وفي غمرة هذه المقاومة،

صدر من الطفل صوت متضايق:

“توقف عن الحركة، نم.”

شي تشينغ، “…!”

كان يظن أنه لن ينام،

لكن، ما إن توقف عن المقاومة،

حتى غطّ في نومٍ عميق…

فتح عينيه…

وكانت الشمس قد أشرقت!

تبا… لو كنت أعلم أنني سأنام هكذا، لماذا قاومت كل الليل؟

لكنه فكر…

في النهاية، هو طفل،

حتى لو كان يحمل صفات وحش داخلي،

فلا داعي للقلق، ربما كان يبالغ في التفكير.

استفاق تشي زيمو قبل شي تشينغ.

كان قد اعتاد على الاستيقاظ في السادسة والنصف صباحًا،

ثم التمارين، الغسل، الفطور.

رغم عمره الصغير،

فقد كان انضباطه يفوق الكبار.

كان ذلك نتيجة التربية الصارمة في عائلة تشي،

ففي أعمار ما قبل الحادية عشرة،

كان الاعتناء بالجسد عاملًا مهمًا في تحديد مستوى البُعد عند التفعيل.

ومع ضغط التاريخ العائلي،

ووجود أبٍ بمستوى الثامن،

لم يكن أمام تشي زيمو خيار سوى أن يكون الأفضل.

لكن اليوم، لم يُرِد النهوض.

فتح عينيه،

فرأى الشاب النائم إلى جواره…

شعر بهدوء عميق ينساب في قلبه.

ابتسم لا شعوريًا.

بما أنني قبضت عليه، فلن أتركه بعد اليوم.

هو ملكي، وسيبقى معي… مدى الحياة.

اقترب بلطف،

ثم طبع قبلة خفيفة على جفن شي تشينغ.

—أعطيتك الخيار، وأنت من عدت بنفسك.

إذًا، ابقَ هنا… لا ترحل عني أبدًا.

استفاق الأب والأم نوه مبكرًا، كالعادة لجمع الخامات،

لكنهم حضروا الفطور للأطفال منذ الفجر.

يان تشي لاحظ الوقت،

وأعاد تسخين الطعام قبل أن يستيقظ تشي زيمو.

وعندما خرج الطفل،

رأى على الطاولة:

عصيدة الأرز الساخنة،

وفطائر غارقة بالحساء،

ومجموعة أطباق جانبية منعشة.

قال شي تشينغ أولًا:

“شكرًا على تعبك، يان تشي.”

تفاجأ يان تشي،

وارتبك قليلًا، لكنه رد بأدب:

“هذا واجبي.”

ثم التفت إليه تشي زيمو وقال:

“اجلس وتناول الطعام.”

ارتبك يان تشي أكثر…

لكنه لم يجرؤ على الرفض،

فقال له تشي زيمو بنبرة حازمة:

“نحن لسنا في قصر تشي.”

امتلأت عينا يان تشي بالدموع…

رأى شي تشينغ ذلك التغيّر في وجهه،

وشعر بالحرج، لكنه تظاهر بعدم ملاحظته،

فقد كان تشي زيمو هادئًا جدًا.

بعد الفطور، اصطحب شي تشينغ تشي زيمو إلى بُعد الأب نوه مجددًا.

وكان الوالدان قد استراحا للحظة،

فقالا فور رؤيتهما لهما:

“اذهبا والعبا، سنتولى الأمر.”

لكن شي تشينغ أصر على المساعدة،

وأضاف تشي زيمو:

“أحتاج إلى التدرب والتعرف أكثر على الأبعاد الشخصية.”

فكانت حجته منطقية…

ولم يعترض أحد.

هذه المرة، عملا سويًا بإنتاجية أعلى من الأمس.

وفي غضون ساعة، أنجزا ما يعادل يومًا كاملًا.

ضحك الأب نوه وقال بمزاح:

“أنتم لستم أولادًا، أنتم آلات!”

ثم طردهما خارجًا ليحظيا بالراحة.

شي تشينغ شعر بالإرهاق،

أما تشي زيمو،

فقد ازداد نشاطه وحيوية!

نظر إليه شي تشينغ بإعجاب وحسد…

عليّ أن أقوّي جسدي، لا مفرّ من ذلك!

حلّ المساء سريعًا.

وفي فترة الظهيرة،

أصر شي تشينغ على أن يرتاح تشي زيمو،

وكأنه يُعوّضه عن الليلتين اللتين قضاهما دون نوم.

وكان الفتى مطيعًا…

إن قُدّم له الطعام، أكل.

إن طُلب منه النوم، نام.

طالما شي تشينغ موجود،

يُظهر أبهى ما فيه.

لكن…

ما إن يبتعد شي تشينغ،

يتحوّل ذلك الطفل المهذّب

إلى طفل عنيد… شديد التمسك،

شبه متملك…

قضيا عطلة نهاية الأسبوع معًا،

ولم يذكر تشي زيمو قط أنه يريد العودة إلى قصر تشي.

لكن شي تشينغ بدأ يقلق.

فبعد الأحد…

يبدأ الأسبوع الدراسي الجديد.

لن يكون بإمكانه اصطحاب تشي زيمو إلى المدرسة،

حتى وإن كان اسمه تشي.

فرغم أنه أصبح رسميًا مدرّبه،

لكن الحصص المخصصة للطلاب الجدد

تُقام فقط في عطلة نهاية الأسبوع،

ولا يُسمح للأطفال غير المسجلين بدخول المدرسة.

ولن تُغامر أسرة تشي، مهما علت،

بإغضاب المدرسة من أجل هذا الأمر البسيط.

أما شي تشينغ،

فلا يمكنه التغيب…

فالمرحلة حاسمة قبل التخرج.

لن يسمح لنفسه بتدمير حياة شيا نوه.

بعد تعب سنوات…

لن يسمح أن يضيع كل شيء في شهر واحد!

كان لا بد من الوداع.

في مساء الأحد،

بعد أن اغتسلا ودخلا إلى السرير،

نظر شي تشينغ إلى تشي زيمو بجانبه،

ورقّ قلبه.

خلال هذين اليومين، أدرك أمرًا…

رغم أن تشي زيمو وريث نبيل،

فهو لا يمتلك غرور النبلاء.

وجهه الصغير جامد،

ويبدو وكأنه صعب المراس…

لكنه في الحقيقة…

حنون، مهذب، رصين.

حين يأكل، لا يسبق أحدًا.

لا يتدلل، لا يتأنق،

يوازن طعامه بدقة،

لا يزيد ولا ينقص.

يتعلم، يتمرّن، يرتاح…

كل شيء لديه منتظم.

لكن… إن أردته أن ينام،

فيجب أن تكون أمامه.

كان تشي زيمو شديد الأدب والاحترام مع والدي نوه طوال الوقت. 

فعائلة شيا كانت تعيش حياة متواضعة جدًا، 

ولعلّها بدت بسيطة بل وربما بدائية في عيني فتى أرستقراطي وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب، 

لكن تشي زيمو لم يُظهر أي ترفّع أو ضيق، بل عاملهما كأن كل ما حوله متساوٍ، سواء كان قصرًا فخمًا أم منزلًا متواضعًا.

امتلاك طفل في العاشرة فقط لتلك النظرة الناضجة والعقل المتواضع أمر نادر، 

وحتى الكبار قد يصعب عليهم بلوغ تلك الدرجة من السكينة والاحترام.

في أقل من يومين، نجح هذا الطفل في كسب محبة والدي نوه، 

فأصبحا ينظران إليه كابن ثانٍ لهما.

أما شي تشينغ، فلم يشعر بالغيرة أبدًا، بل كان يغمره الفخر! 

انظروا فقط كم كان مضيفي محببًا قبل أن يفقد صوابه، هذا يوجع القلب حقًا!

وبينما كان غارقًا في تلك المشاعر، شعر بوخز في قلبه. لقد سبق له أن اطّلع على ماضي تشين مو، منذ أن كان طفلًا.

ولدهشته، كان تشين مو يشبه تشي زيمو كثيرًا عندما كان صغيرًا. 

كلاهما نشأ في بيئة مختلفة، لكنهما تقاسما الصفات ذاتها: 

الاعتداد بالنفس، الصرامة الذاتية، والرغبة في أن يكونا مثاليين رغم كل شيء. حرمانهم العاطفي من ذويهم جعلهم يعوّضون ذلك بالمثابرة والعزيمة.

لكن… رغم كل ما فعله تشين مو من أجل إثبات نفسه، لم يمنحه والداه يومًا نظرة تقدير. 

بل على العكس، استمروا في تجاهله ببرود جليدي، وكأن وجوده لا يعني لهم شيئًا.

ومع كل ألم تلقّاه، كان يدفع نفسه ليصبح أفضل. حتى أتى اليوم الذي تحطّم فيه كل شيء دفعة واحدة.

اتهم ظلمًا، جُرح بوحشية، تُرك ينزف كجثة في العراء… ولكن تلك الجراح كلها لم تكن أشدّ من انكسار إيمانه ويقينه الداخلي.

شخصية تشين مو لم تكن عادية أبدًا. 

كان بإمكانه أن يصعد إلى قمة السماء، 

لكنه حين انهار، 

هوى إلى أعمق طبقات الجحيم.

وحينها، اسودّ قلبه بالكامل. 

تحوّلت عزيمته إلى كراهية مظلمة، 

واجتهاده إلى جنون تدميري بلا قانون.

كان من الممكن أن يخلّده التاريخ كأعظم الأسماء، بل ويصعد إلى مقام الألوهية… 

لكنه اختار أن يتخلى عن النور، 

وأن يغرق في الظلام، 

ويتحوّل إلى شيطان.

لم يشهد شي تشينغ طفولة تشين مو، 

لكن في كل لحظة يقضيها مع تشي زيمو، 

يشعر وكأنه يلمس جزءًا من تلك الذكريات.

ولذلك، كانت غريزته الأولى أن يحميه. 

أن يحرس هذه النسخة النقية من مضيفه، 

علّه يتمكّن من منحه نهاية مختلفة.

وبينما كان تائهًا في خواطره، 

أعاده إلى الواقع لمسة خفيفة على رقبته.

التفت، ليجد عينين سوداوتين تُحدّق فيه بوجه جميل:

“بم تفكر؟”

ارتبك شي تشينغ للحظة، ثم قال بسرعة:

“غدًا الإثنين… عليّ العودة إلى المدرسة.”

تشي زيمو: “مم.”

حاول شي تشينغ أن يُكمل حديثه وهو يشدّ عزيمته:

“أنت… لا يمكنك الذهاب للمدرسة بعد، أليس كذلك؟”

تشي زيمو: “نعم.”

شي تشينغ: …يا إلهي، ألا تفهم تلميحاتي يا صغيري؟

تنهد، وهمّ بأن يقولها صراحة، لكن تشي زيمو سبق أن نطق بعبارته التالية:

“تعال إلى منزلي بعد المدرسة، 

سأطلب إذنًا لك بالمبيت خارج السكن الداخلي.”

شي تشينغ: …هل انت جاد! بهذه البساطة؟!

لكن لحظة… ما هذه النبرة المتسلطة الخارجة من طفل في العاشرة؟!

يا صغيري، أنت لست رئيس شركة بارد الملامح صارم النفَس!

لكن، في الواقع، 

فكرة الخروج من السكن ليست كارثة. 

على الأقل، 

لم يطلب منه أن يُقلب السماء على الأرض…

وبينما كان يندب غباءه للحظة، التقط ' دمية تشين مو ' واحتضنها ونام.

بالمقارنة مع ' الأخ تشين مو ' المعتوه حرفيًا، 

كان تشي زيمو صحيًا نفسيًا أكثر بكثير. 

على الأقل، لم يكن بحاجة لأن يُلازم شي تشينغ طوال الوقت، 

بل فقط حين يحين وقت النوم، 

ويكفي أن تكون الوسادة من ماركة شي تشينغ متاحة له، فيخلد إلى السكينة.

في صباح الإثنين، توجّه شي تشينغ إلى المدرسة باكرًا، ليفاجأ بأن البطيء الأبدي، الأشقر، قد سبقه!

كان الأشقر متجهمًا، وما إن رأى شي تشينغ حتى صاح بيأس:

“شيا نوه! أول حصة لدينا اليوم مع العجوز وانغ! وقد نسيت كتابة الواجب!”

واجب؟! قفز قلب شي تشينغ:

تبًا! نسيت تمامًا!

كان البروفسور وانغ، أو العجوز وانغ، 

يكن تقديرًا لـ شي تشينغ، 

وقد كلّفه بواجب عملي: 

زراعة شتلات داخل البعد الخاص به.

لكنه انشغل كل يوميه الماضيين برعاية الشوتا العزيز، حتى نسي الواجب تمامًا!

ماذا يفعل الآن؟ 

لا يمكن أن يُفسد سمعة شيا نوه!

ولو خيّب أمل البروفسور وانغ الآن، لربما خسر فرصة بقائه في الجامعة.

بعد تفكير طويل، قرر أخيرًا:

“عليّ زراعة الشتلات الآن!”

ولكن الشتلات تحتاج إلى وقت… وفي ساعتين فقط، لن تنمو كثيرًا.

وإن لاحظ البروفسور، فسوف يشكّ فورًا…

لكن شي تشينغ وجد حلًا بديلًا. 

حفر عدة حفر صغيرة، ليعطي انطباعًا بأنه حاول الزراعة، لكن الشتلات لم تنجُ.

بالنسبة لبعد شيا نوه، كانت نسبة النجاة منخفضة أصلًا، لذا قد يكون مقبولًا.

رغم أنه شعر بالخداع، لكنه لم يُرد أن يُسجّل شيا نوه واجبًا فارغًا.

آه يا نفسي، كم مضى من الزمن منذ أن كنت تلميذًا؟ كيف نسيت واجبًا بهذه البساطة؟

دخل بُعده بسرعة، زرع الشتلات، هوّى التربة، ثم خرج يتصبّب عرقًا.

وبعد حصتهما الأولى، جاء دور تقييم الواجبات.

كان الأشقر قد كتب تقريرًا نظريًا، فأنهاه بسرعة.

أما شي تشينغ، فكان على البروفسور وانغ يانغ دخول بُعده لفحص الزراعة.

دخل وهو يدق قلبه بعنف، وجرس الإنذار في رأسه يصرخ.

لكن ما حصل، فاجأه كليًا.

وقف البروفسور داخل البعد، وأومأ برضا، ثم ربت على كتف شي تشينغ بابتسامة:

“عمل رائع! لقد اجتهدت حقًا!”

شي تشينغ: … معلم، كيف يمكن خداعك بهذه السهولة؟ ضميري لا يحتمل هذا!

وحين التفت ليتفقد المكان بعينيه، صُعق بشدة.

في غضون ساعتين فقط… تحوّلت الشتلات التي زرعها إلى حقلٍ أخضر مزدهر!

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]