نام شي تشينغ بشكل سيئ في النصف الأول من الليل، كان مضطربًا ومتوترًا، لكن في النصف الثاني، استطاع أخيرًا أن يغفو بعمق.
لم يرَ أي أحلام، فقط سكون تام،
حتى أشرقت الشمس.
ولم يكن ليستيقظ لولا صوت الطرقات على الباب.
استفاق وهو في شبه غيبوبة. “لماذا الغرفة مظلمة؟ لم تشرق الشمس بعد، فلماذا يطرق أحدهم بابي؟!”
لكن ما إن أدار رأسه حتى وقعت عيناه على زوجين من بناطيل النوم المعلّقة التي كانت تحجب أشعة الشمس عن الدخول.
وفجأة، تدفقت ذكريات الليلة الماضية إلى رأسه، واشتعل وجهه خجلًا.
لقد رأى حلمًا مبتلًا… وكان ممتلئًا بصور تشين مو.
توقف. توقف. هذا خطير!
كيف له أن يفكر بمضيفه بهذه الطريقة؟
حتى وإن كان تشين مو جذابًا، فهو ليس امرأة!
كيف يمكنه أن… أن يتخيل شيئًا كهذا؟!
جلس شي تشينغ على سريره كالتمثال، وقلبه ينبض بقوة، وجسده كله يغلي بالحرج والارتباك.
“كيف تحوّلت إلى منحرف هكذا؟
كيف سأستطيع البقاء مع تشين مو بعد الآن؟”
وقبل أن يسترسل أكثر في تأنيب نفسه،
تعالت الطرقات من جديد،
تلاها صوت الأشقر من خلف الباب:
“شيا نوه! استيقظ بسرعة، ستتأخر!
كيف نمت أكثر مني؟
هيا، تبقى حصة رباعي العيون وبعدها ستبدأ الإجازة!”
قفز شي تشينغ من سريره.
لا مجال للسرحان الآن.
اليوم سبت، لكن لا يزال لديهم محاضرة قصيرة في الثامنة صباحًا.
فقط أربعون دقيقة، ثم تبدأ العطلة رسميًا.
نظام طلاب الدراسات العليا كان مزدحمًا للغاية، حتى أنهم اضطروا لإضافة محاضرة صباح السبت.
معلمهم، الذي كان سيء السمعة، لُقّب برباعي العيون، لا لأنه يرتدي نظارات، بل لأن بصره الحاد يجعلك تشعر وكأنه يرى كل شيء.
إذا حاول أحدهم أخذ الحضور نيابة عن غيره، فإن المصير سيكون مأساويًا.
وشيا نوه، بصفته طالبًا مجتهدًا وملتزمًا، لم يكن لشي تشينغ أن يُسيء إلى سمعته.
لذا، أسرع وارتدى ملابسه، غسل وجهه على عجل، واندفع خارج غرفته.
حين خرج، ناوله الأشقر فطيرة صينية وكوبًا من حليب الصويا.
ثم انطلقا معًا نحو القاعة الدراسية.
وصلا قبل بداية الدرس بعشر دقائق.
جلسا وبدأا إفطارهما البسيط.
شعر شي تشينغ بالامتنان لمراعاة الأشقر.
الأخير قال له:
“بما إنك ساعدتني كثيرًا، وولم استطع دعوتك على العشاء بالأمس، أقل شي أقدمه لك فطور بسيط.”
ابتسم شي تشينغ، لكن ذكرى أمس جعلت وجهه يحمر مجددًا.
وكان الأشقر يراقب. وجه شيا نوه كان جميلًا حقًا.
من قبل، حين كان دائمًا عابسًا ومنكّس الرأس،
لم يلحظ وسامته.
أما الآن، فقد بدا أكثر جاذبية.
وها هو الآن، بخدّين محمرّين من الجري، كأنه خوخة ناضجة، ناعمة، مغرية، تجعلك ترغب في قضمها.
اللعنة… بدأ يشتهي الخوخ فعلًا.
ناعم، طري، مليء بالعصير… وسال لعابه.
ومع مخيلته الجائعة، لم يعد هناك ما يوقفه.
وهكذا، جلس الاثنان شاردين في الصف.
أحدهما يفكر في مضيفه، والآخر يحلم بالخوخ.
ولسوء حظهما، كانا يجلسان في الصف الأول،
في المنتصف تمامًا. عيناهما مصوبتان نحو المعلم رباعي العيون، بنظرة مركزة جعلته يشعر بالفخر.
انظروا كم يحب طلابي الاستماع إليّ!
وبعد مرور الأربعين دقيقة، بدأ الجميع بالمغادرة، إلا أن شي تشينغ والأشقر بقيا في مكانيهما.
نظر إليهما رباعي العيون وابتسم في سرّه.
“لم يعد هناك الكثير من الطلاب الذين يحبون الدراسة هكذا،
حتى بعد الحصة لا يغادرون، كم هم مخلصون!”
وقرر أن يسجّل اسميهما، كي يرفق بهما قليلًا في الامتحان. “يجب أن يعرفوا أنني لست قاسيًا كما يشاع، أنا أحب الطلاب المجتهدين!”
أما الاثنان، فكانا لا يعلمان ما يدور حولهما، لا سقطت السماء ولا عاد الزمن، هما ما يزالان في عالمهما.
استفاق الأشقر أولًا من بحر الخوخ.
لعق شفتيه ونظر إلى شي تشينغ:
“شيا نوه، هل ستعود الى المنزل؟ أو تعال معي؟ سأشتري فواكه طازجة.”
عاد شي تشينغ إلى وعيه فجأة.
كلمة المنزل جعلته يتذكر أن تشين مو ما يزال بانتظاره!
يجب أن يعود فورًا.
عليه أولًا أن يحيي والدي شيا نوه،
ثم يتواصل مع تشين مو ويحدد معه مكانًا للقاء.
لمجرد التفكير بلقاء قريب معه، عاد إليه التوتر…
“آه! ما الذي يحدث لي؟ هل يمكنني أن أُصلَح؟”
لا! يجب أن يتغيّر.
عليه أن يستعيد اتزانه.
لا يمكنه الاستمرار بهذه الطريقة!
تنفّس بعمق عدة مرات، ثم التقط حقيبته، وركض مغادرًا دون حتى أن يودّع الأشقر.
الأشقر عقد حاجبيه وهزّ رأسه.
لا يعلم ما الذي يحدث مع شيا نوه، لكنه شعر أنه لا يستطيع الاحتمال أكثر.
فتح هاتفه، وأرسل رسالة إلى والدته:
“أريد خوخ خوخ خوخ…”
كانت الجامعة في المقاطعة الثانية شرقًا، بينما منزل شي تشينغ (بشخصية شيا نوه) يقع في المقاطعة الثامنة شرقًا، أي يفصل بينهما ست مقاطعات.
الرحلة بالحافلة تستغرق ما يقرب من ساعة.
كانت والدة شيا نوه قد سألته إن كان سيعود، خاصة أنه لم يزرهم الأسبوع الماضي بسبب ضغط الدراسة.
لكن هذا الأسبوع، لا يمكنه التأجيل، وإلا سيبدأ والداه بالقلق.
وفي طريق عودته، لم يكن شي تشينغ قادرًا على تهدئة أفكاره.
وكلما ازداد قلقه، بدا الزمن أبطأ، فقرر إخراج كتبه ومراجعة دروسه، وما إن انشغل بالمذاكرة حتى شعر أن الوقت يمر أسرع.
وعندما نزل من الحافلة، سار في الطريق الذي حفظه من ذاكرته حتى وصل إلى بوابة الحي…
بينما كان شي تشينغ لا يزال يفكر في الطريقة التي سيتواصل بها مع تشين مو لتحديد مكان لقائهما، توقف فجأة عند مشهد سيارة فاخرة توقفت أمام منزل عائلته مباشرة.
كان مستوى التطور الصناعي في هذا العالم مشابهاً للأرض، لذا فإن أنواع السيارات فيه كانت مألوفة إلى حد ما.
وبرغم أن شيا نوه لم يكن مولعاً بالسيارات، إلا أنه استطاع أن يُقدّر قيمة تلك السيارة؛ لم تكن من النوع الذي يستطيع عامة الناس تحمُّل ثمنه.
وبينما كان يتأملها في حيرة، التقت عيناه بعينَي صبي صغير كان جالساً في المقعد الخلفي. انخفض زجاج السيارة المظلل تدريجيًا، وبدأ وجه الفتى في الظهور تدريجياً.
شعر أسود قصير، بشرة بيضاء ناعمة، وملامح دقيقة تجمع بين الألفة والغرابة.
كان يشبه تشين مو بنسبة تتراوح بين 70 إلى 80 بالمئة، ولكن مع فارق السن، بدت عيناه السوداوان أقل حدّة، أكثر استدارة، وبريئة إلى حد ما.
بمجرد أن وقعت عيناه عليه، تسارعت نبضات قلب شي تشينغ بجنون،
وكأن قلبه سيقفز من صدره في أية لحظة.
فُتح باب السيارة، ونزل الصبي منها بخطوات رزينة وثقة واضحة. كان يرتدي ملابس أنيقة تدل على ذوق رفيع، وجسده النحيل يخطو بثبات واتزان.
اقترب منه بخطى هادئة، فيها وقار وكبرياء، حتى كاد شي تشينغ يرى فيه صورة تشين مو القديمة.
وحين وقف أمامه، رفع الصبي رأسه قليلًا، وفتحت شفتاه الرقيقتان لتخرج منهما عبارة هادئة كخرير ماء في نبع صافٍ:
– “لقد وجدتُك.”
وقبل أن يستوعب شي تشينغ ما قيل،
أمسك الفتى بيده وسحبه نحوه بقوة مفاجئة.
تقدم شي تشينغ إلى الأمام متعثّرًا من شدة السحب، وانحنى لا إراديًا.
استغل الفتى هذه اللحظة،
فقبض على ياقة قميصه وجذبه نحوه بقوة.
وعندما وقعت عيناه على عنقه الأبيض، ارتجف قلب تشي زيمو. كانت هناك رغبة غريبة، خليط من شوق وجوع عطِش لا يمكن مقاومته.
اقترب ببطء، واستنشق عبيره المألوف بنهم.
ثم مدّ لسانه بلطف،
ولعق الجلد الدافئ، قبل أن يعضّه بقوة!
“لقد وجدتُك… أخيرًا.”
صرخ شي تشينغ بألم: “آه! يؤلمني! يؤلمني!”
كاد أن يرمي بتشي زيمو بعيدًا، لكن غريزته أنقذته في اللحظة الأخيرة.
فلو ألقى مضيفه الذي تقلص حجمه، ثم عادت إليه ذكرياته لاحقًا… يا له من كابوس مرعب!
لكن… يا مضيفي، لماذا عضضتني؟!
إنه مؤلم جدًا!
وبينما كان يصرخ، أفلت تشي زيمو عنقه، ونظر إلى موضع العضة. علامة واضحة بلون الدم ظهرت على بشرته البيضاء، ولمع شيء غريب في عينيه.
انحنى، وبدأ يلعق موضع الدم بلطف،
كما لو كان يجمع كنزًا ثمينًا. لم يشعر بالاشمئزاز، بل بدا كمن يتذوق شيئًا عزيزًا عليه.
كان هذا السلوك غريبًا حقًا.
حتى شي تشينغ شعر أن الأمور لم تكن على ما يرام.
تخشّب جسده، وهو يقاوم تلك القشعريرة الغامضة، لكنه نطق أخيرًا:
“تشين مو؟”
وما إن قال ذلك، حتى أدرك أنه أخطأ، فصحح نفسه فورًا:
“تشي… تشي زيمو؟”
رغم التشابه بين الاسمين، إلا أن الفرق في النغمة واضح. تشي زيمو التقط الاسم بدقة، وتوقف عن حركته، ثم نظر إلى شي تشينغ مباشرة وسأله:
“من هو تشين مو؟”
سؤال واحد جعل شي تشينغ يحدّق بدهشة.
على ما يبدو، فقد مضيفه ذاكرته بالفعل.
لكن الكارثة أن حالته لم تتحسن، بل بقيت غير طبيعية.
ترى، هل تشي زيمو هو الغريب؟
أم أن تشين مو بعد انتقاله كان هو الاستثناء؟
كان شي تشينغ مترددًا في كيفية التصرّف.
هل يخبره بالحقيقة؟
لكن تشي زيمو لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، كيف له أن يستوعب أموراً بهذا التعقيد؟
فكّر قليلاً، ثم قرر أن يبدأ بالتدريج.
عليه أن يشرح له ما يلزم لاحقًا، وإلا فلن يتمكن من المضيّ قدمًا في مهمتهما.
“تشين مو صديقٌ مقرّب لي… وتشبهه كثيرًا.”
حدّق فيه تشي زيمو بصمت.
ثم، فجأة، أغمض عينيه وسقط باتجاهه.
أمسكه شي تشينغ بسرعة، وداخله شعور بالقلق.
ما الذي يحدث لتشين مو؟
وضع يده على صدره ليتحقق من تنفسه…
بدا أنفاسه هادئة ومنتظمة،
هل… هل غفا؟!
نظر إلى وجهه النائم، ولاحظ أخيرًا الهالات السوداء تحت عينيه. تجعّد جبينه.
في هذه اللحظة، ظهر يان تشي، الذي كان يراقبهما بصمت طوال الوقت. لم يكن يعرف من يكون هذا الرجل الجميل أمامه، لكن رؤيته لتشي زيمو وقد نام أخيرًا جلبت له بعض الطمأنينة.
قال بصوت خافت:
“رجاءً، لا تتركه… دعه ينام قليلاً.”
عبس شي تشينغ وسأله:
“ما الذي حدث؟”
أجابه يان تشي:
“السيد الصغير لم يُغلق عينيه منذ يومين وثلاث ليالٍ.”
تسمرت ملامح شي تشينغ للحظة، ثم استوعب الأمر على الفور.
منذ أن انتقل إلى هذا العالم، لم ينم تشين مو ولو للحظة.
أن يصمد كل هذا الوقت دون نوم، لطفل لا يتجاوز العاشرة، هو أقصى ما يمكن تحمله.
لم يكن شي تشينغ يعرف كيف يصف مشاعره.
نظر إلى الكف الصغيرة التي تمسك به بإصرار.
كانت ناعمة، بيضاء، وتبدو ضعيفة، لكنها كانت شديدة التمسك، كما لو أن صاحبها يريد أن يحتفظ به إلى الأبد.
ذلك الإصرار على التملك، ذلك التمسك الذي لا يقبل الرفض، كان يخفي خلفه خوفًا عميقًا.
كان يخاف من فقدانه، لذا أمسك به بقوة.
كان يخاف أن يُتخلى عنه، فبادر هو بالربط، والحجز، والحصار.
ابتسم شي تشينغ لا إراديًا، واحتضنه برفق، وهمس بصوت حنون:
“أنا هنا.”