لم يكن سو روي يعرف لماذا امتلك تلك القدرة.
كأنه غفا ذات ليلة، وحين استيقظ، وجد نفسه قادرًا على إعادة الزمن إلى الوراء.
ببساطة، متى شاء، يستطيع العودة إلى لحظة محددة من الماضي.
في البداية، ظن أنه يحلم. لكنه، وبعد تجارب متكررة، اصطدم بالواقع—لم يكن حلمًا.
بدايةً، شعر أن تلك القدرة كانت رائعة، بل ومثالية تمامًا لطبيعته.
منذ صغره وحتى شبابه، كانت شخصيته دائمًا مائلة إلى الغرابة.
مرتبطًا بشكل غير طبيعي بالأشياء من حوله.
يسعى للكمال… كل شيء يجب أن يكون مثاليًا.
وأي خلل بسيط، كفيل بأن يخلق في قلبه شعورًا دائمًا بالضيق والانزعاج.
لطالما تمنى أن يعيد المحاولة إن لم يُحسن الأداء من المرة الأولى.
ذلك العيب، مع طبيعته الدقيقة، كان في الواقع يخدمه جيدًا في الكثير من المواقف.
أيام المدرسة، لم يرضَ بأن يكون الأول في صفه فقط، بل أراد أن يكون الأول على المدينة، وإن لم يكن، فليكن الأول على المقاطعة، أو على مستوى البلاد.
كان طموحه لا يعرف سقفًا.
ولحسن حظه، كان عقله متقدًا، سريع الاستيعاب.
لو لم يكن كذلك، لكان قد قضى على نفسه بالضغط والصرامة.
في العمل، كان عليه أن يتعامل مع أنواع مختلفة من البشر، وكل شيء يجب أن يكون ' جميلاً '.
وبفضل ذلك، وبفضل شخصيته المنضبطة، استطاع والده أن يسلمه أعمال العائلة مُبكرًا، ويسافر حول العالم مع والدته براحة بال.
إنجاب ابن مثله، رغم أنه يسبب صداعًا في بعض الأحيان، إلا أنه قليل المشاكل.
ويمكن القول إن أكبر ' نقطة نقص ' في حياة سو روي لم تكن رغبته في تغيير نفسه… بل رغبته في تغيير أصدقائه.
شخصية شي تشينغ كانت على النقيض منه تمامًا.
لا يهتم بأن يكون الأول، لا يأخذ الأمور على محمل الجد، وجهه المبتسم وشخصيته المفعمة بالحياة تجذب الناس بطبيعتها.
نادراً ما يهتم بالمشاكل الصغيرة، وغالبًا ما يحلّ الأمور بطريقته الخاصة.
تفاؤله كان يُحسد عليه.
لكن، كما هو متوقع، تلك الشخصية العفوية كانت تؤدي إلى ارتكابه للأخطاء الصغيرة من وقت لآخر.
لم تكن مصائب، بل سهوات: ينسى واجبه، ينسى قلمه، ممحاته، كتابه…
بالنسبة لسو روي، كان الأمر كأن يتبع طفلاً صغيرًا، مخلوقًا سينسى ذيله لو لم يكن جزءًا من جسده!
لكن بينما كان سو روي يموت قهرًا، كان شي تشينغ يبتسم بحرج، يحك رأسه، ويضحك، ثم يمضي في طريقه.
وهذا ما كان يُشعل أعصاب سو روي تمامًا.
بمنطق العلاقات، كان من المستحيل تقريبًا أن يصبح هذان الاثنان صديقين… لكنهما كانا كذلك، بل مقرّبان.
كان سو روي غريب الأطوار، لكن شي تشينغ تحمله.
لو تجاهله شي تشينغ، لما كان لدى سو روي أي صديق.
ولرجل يسعى للكمال، أن يفتقد إلى صديق هو أمر لا يُحتمل.
فتمسّك بصداقته، رغم عيوبه.
وشي تشينغ، من جانبه، عامله كصديق حقيقي.
لذا، كان على سو روي أن يتحمّل… ليبقى له صديق.
أما تشين مو، فكان فقط يتحمل غرابة أطوار سو روي بصمت، لأنه، هو الآخر، كان من صنف الساعين للكمال.
ولهذا، لم يكن عرضة لتدقيق سو روي كثيرًا.
ما لاحظه فيه فقط، كان ذلك الكبرياء الداخلي الذي لا يُناقش.
وبما أن الاثنين كانا صديقي شي تشينغ، فقد قضوا وقتهم معًا، دون تخطيط.
وبالنسبة لسو روي… كان راضيًا بذلك تمامًا.
فجأة، أصبح لديه صديقان، تمامًا وفق معاييره الخاصة.
ثلاثتهم ساروا سويًا على دروب الحياة الوعرة، وشيئًا فشيئًا، تعمّقت روابطهم.
والآن، وقد امتلك سو روي تلك القدرة العجيبة، أصبح يُقدّر تلك العلاقة أكثر من أي وقت مضى.
فبفضلها، صار بإمكانه التعامل مع شي تشينغ بلا خوف.
ولم يعد ذاك الصديق المهمل يثير جنونه… بل صار رائعًا.
لكن…
لم يتوقع أن شي تشينغ سيكون قادرًا على إحداث كل هذا الإزعاج…
فخلال يوم واحد فقط، اضطر إلى إعادة الزمن واحدًا وعشرين مرة…
وبينما كان الآخرون يواصلون روتينهم دون علم، كان سو روي يتذكر كل شيء.
مرت فقط 40 دقيقة في الزمن الحقيقي، لكن سو روي عاش أكثر من 24 ساعة كاملة.
لقد استُنزف عقليًا بالكامل.
وبمجرد أن دخل السيارة، شعر أخيرًا بالراحة، وأغلق عينيه لينام قليلاً.
لم يخطر بباله أن شيئًا كهذا قد يحدث وهو نائم.
أيقظه صراخ شي تشينغ المذعور.
فتح عينيه، ليجد شاحنة ضخمة خارجة عن السيطرة تتجه نحوهم مباشرة!
وقبل أن يتمكن من فهم الأمر، اخترقت النوافذ، اندفعت نحوهم بسرعة مجنونة.
قوة الاصطدام كانت كفيلة بتمزيق أجسادهم وسحق عظامهم.
لم يفهم سو روي كيف امتلك الوقت لرؤية ما يحدث، بل والتفاعل معه أيضًا.
ضغط فورًا على بقعة صغيرة بيضاء في ظفره —
أراد استخدام جهاز الإنقاذ، أراد أن يُعيد الزمن!
صديقاه المقربان كانا معه، لم يكن بإمكانه السماح لهما بالموت!
ضغط عليها… في اللحظة الأخيرة… ضغط بكل ما يملك!
لكن الزمن… لم يعد إلى الوراء.
نظر حوله مذهولًا —
كل شيء… متجمّد.
المشهد الدموي توقف في مكانه، زجاج متطاير معلّق في الهواء، غبار ناعم لا يُرى بالعين عادة… كل شيء ساكن.
العالم… توقّف!
استفاق سو روي من ذهوله، لكنه لم يفهم.
لماذا لم يُعد الزمن؟!
في تلك اللحظة، دوّى صوت آلي بارد:
“بالنسبة لإعادة الحياة، طاقة الروح غير كافية. يمكن فقط إعادة الزمن لشخصين.
الرجاء الاختيار.”
تجمّد سو روي.
تكررت تلك الجملة في ذهنه… وعرف تمامًا معناها.
طاقة روحية غير كافية…
نعم، لقد أعاد الزمن 21 مرة.
24 ساعة دون نوم.
كان مُرهقًا حتى النخاع.
لم يخطر له أن وسوسته قد تقوده إلى تعريض حياتهم جميعًا للخطر.
حياة اثنين فقط…
حتى بدون حساب الآخرين، ما زالوا ثلاثة:
شي تشينغ.
تشين مو.
وهو نفسه.
فقط اثنان… من سيعيش؟
في المشهد المتجمّد أمام عينيه، بدا الأمر وكأن خندقًا قد أحاط به من كل جانب، وفي الجهة الأخرى لم يكن هناك سوى الموت.
الرعب والهلع التفّا حول قلبه كأفعى سامة، تضغط بكل قوتها حتى لم يعد يستطيع أن يتنفس.
كان لديه في حياته صديقان فقط، شخصان قبلاه كما هو.
كيف له أن يتخلى عن أحدهما؟
وفوق ذلك… كانا يُحبّان بعضهما البعض.
وإن مات تشين مو، فإن شي تشينغ سيسقط في بئر يأس لا قرار له.
أما إن مات شي تشينغ… فهذا مستحيل، فهو أول من مدّ إليه يد الصداقة. لا يمكن التضحية به.
ربما…
ربما يمكنه أن يموت هو…
في تلك اللحظة، كان شي تشينغ متشنجًا حدّ الموت.
الزمن قد توقف، لكنه كان لا يزال واعيًا.
وسمع أيضًا صوت جهاز الإنقاذ — سو روي لم يكن يملك ما يكفي من القوة الروحية، ولا يستطيع إنقاذ الجميع.
عليه أن يختار.
من كان يتخيل أن تشغيل جهاز الإنقاذ يحتاج إلى طاقة روحية؟
لقد استخدمها سو روي مرارًا ذلك الصباح حتى استُنزف… وشي تشينغ ندم بشدة، لأنه هو من دفعه لتكرار الإعادة بإصراره على العبث والاستفزاز.
ها هو الآن يدفع الثمن…
ورغم أنه عاجز عن الحركة أو الحديث، فإنه لا يزال نظامًا.
في المهمة السابقة، نجحوا وجمعوا قدرًا كبيرًا من النقاط. فأرسل فورًا رسالة إلى تشين مو:
“ما العمل؟”
وبما أنه أرسل، فإن لتشين مو حرية الرد.
جاء الرد بالتفصيل:
“سأستخدم قوتي لرفع الجمود الزمني.
سأوقف الشاحنة، وعندها عليك بسرعة انتزاع جهاز الإنقاذ. ثم أعد الزمن.”
بمجرد أن قرأ الرسالة، هدأ شي تشينغ.
ممتاز. عندما دخل تشين مو هذا العالم، فُرضت عليه قيود، لم يستطع استخدام تقنيات الزراعة، لكنه ما زال يحتفظ بجسده المقوّى، الذي اشتراه بنقاط النظام.
بقوته البدنية، يستطيع إيقاف الشاحنة.
ورغم أن المشهد سيكون صادمًا، إلا أنهم إن حصلوا على جهاز الإنقاذ، وفعلوها وأعادوا الزمن، سينسى الجميع ما حدث.
الآن…
كان كل شيء متوقفًا، وفي انتظار قرار سو روي:
من سينجو؟
رغم معرفته بأنه لن يموت، ورغم أن علاقته بسو روي ليست طويلة، إلا أن قلبه كان مشدودًا بشدة…
لا أحد يعلم من سيختاره سو روي.
في هذا الجمود الزمني، قد تمر ثانية كما هي، وقد تمتد لعمرٍ كامل.
وأخيرًا…
اختار سو روي.
قالها بنبرة هادئة، لكن قرارًا كهذا كان أشبه بحكم بالموت:
“شي تشينغ وتشين مو، دعهما ينجوان.”
كلماته وقعت في آذانهما واضحة، بحكم المهمة.
كان صوته ساكنًا، لكنه اتخذ قرارًا قاتلًا.
انفجرت المشاعر داخل قلب شي تشينغ، لكنه لم يجد وقتًا لتفريغها.
لقد أُزيل الجمود الزمني!
لم يكن هناك مجال للخطأ.
لا يمكن السماح لسو روي بإعادة الزمن بنفسه.
تلك اللحظة كانت حاسمة.
تحرك تشين مو فورًا، ووقف في وجه الشاحنة التي اندفعت نحوهم، فيما انطلق شي تشينغ بسرعة البرق نحو سو روي، مُصوّبًا مباشرة إلى ظفر السبابة في يده اليسرى.
أجل!
الآن وقد تجمد الزمن، رأى أخيرًا ما كان يبحث عنه طوال الوقت.
جهاز الإنقاذ كانت نقطة بيضاء صغيرة على ظفر سو روي.
كانت مخفية تمامًا، بالكاد تُرى.
أمسك بها شي تشينغ بسرعة، ثم ضغط عليها فورًا.
لم يستطع اختيار نقطة الحفظ بدقة، فاختارها عشوائيًا.
طاقته الروحية كانت قوية جدًا.
وبضغطة واحدة، أزاح قرار سو روي، وأعاد الزمن — دون أن يضطر أحدهم للموت.
وبذلك، عاد الزمن إلى الوراء… للجميع.
بعد الإحساس المعتاد بالدوار، عاد الصفاء إلى قلب شي تشينغ.
لقد نجحوا.
ثم…
شعر بذلك الصدر العاري، الدافئ، خلف ظهره.
عقله توقف للحظة، ثم صرخ داخليًا…
…لقد عاد إلى نقطة البداية. وتشين مو يعانقه مجددًا…
لكن لم يكن هناك وقت للخجل.
الفرحة كانت طاغية.
لقد نجوا من كارثة محققة.
وفي قلبه، كان هناك امتنان كبير…
لسو روي.
ليس كل إنسان يمتلك الشجاعة ليمنح الحياة للآخرين حين يكون على حافة الموت.
نظر شي تشينغ إلى أعماقه.
ربما هو نفسه… لم يكن ليتحمل قرارًا كهذا.
في تلك اللحظة، انفتح الباب فجأة.
شاب يافع دخل الغرفة.
بشرته بيضاء، شعره أسود، ثيابه بسيطة لكنها أنيقة.
وحين رأى الاثنين في السرير معًا… احمر وجهه كليًا، فغر فمه، وصرخ:
“أنتم… أنتم… أنتم…”
ظل يكرر “أنتم” مرارًا، مذهولًا، عاجزًا عن تكملة الجملة.
ثم أغلق الباب بعنف.
تجمّد شي تشينغ، ثم ابتسم ابتسامة عريضة، انحنت عيناه من شدة الفرح.
كان الأمر تمامًا كما في المرة الأولى…
سو روي… نسي كل شيء.
ومن خلفه، رفع تشين مو يد شي تشينغ، ورأى النقطة البيضاء الصغيرة — جهاز الإنقاذ أصبحت الآن بحوزته.
تنهد شي تشينغ وقال:
“سو روي كان جيدًا جدًا… ومع ذلك، أنا من سرق منه هذا الشيء.”
رد عليه تشين مو بهدوء:
“أن تأخذها… هو الأمر الأفضل له.”