🦋

في البداية، كان الشعور غريبًا، لكنه ما لبث أن اعتاد عليه. ثلاث مرات أو أربع، لم يعد يهم.

شي تشينغ أصبح الآن قادرًا على البقاء هادئًا تمامًا. 

وماذا في ذلك إن تلاصق الجلد بالجلد مرة أخرى، وإن وجد نفسه بين ذراعيه مجددًا؟ في هذا العالم الغريب رأسًا على عقب، لا شيء يعد يهمه حقًا!

مقارنةً بالمرة الأولى، حيث كان يقفز من السرير كأنه يفرّ من معركة، بدا هذه المرة أكثر هدوءًا. استغل لحظات السكون تلك في أن يطلق العنان لأفكاره بعيدًا.

واستمر الحال على ذلك النحو، حتى بدأت يد تشين مو تتصرف بشكل غير أمين، تنزلق ببطء أسفل خصره، تتجاوز أسفل بطنه، بينما اقترب وجه تشين مو من أذنه وهمس باسمه، “شي تشينغ.”

همسة حميمية بهذا القرب، حيث لامس النفس الساخن أذنه، مرفقة بكلمات غامضة، جعلت قلب شي تشينغ الذي كان ينبض برتابة، يتسارع فجأة وبقوة.

أي هدوء وأي ثبات! 

هذا الجد الصغير لا يستطيع التحمل، هذا الجد بحاجة لأن يرتدي سرواله ويهرب!

ولم يكن قد تمكن من مغادرة السرير، حتى أمسكه تشين مو من ذراعه وطرحه على السرير مجددًا. 

لم تصب رأسه الوسادة بل ارتطمت بالمرتبة الناعمة، فاختلّ ترتيب شعره القصير على الفور.

غطى الشعر القصير جبهته، وانساب خفيفًا فوق حاجبيه. 

عيناه الضيقتان قليلاً بفعل الموقف أعطتا لشكلهما المستدير طابعًا هلاليًا، 

أنفه الرقيق، وشفتيه الورديتين المتفتحتين قليلًا، كانت جميعها تتوهّج تحت أشعة شمس الصباح، مما منح وجهه مظهرًا فائق الإغراء.

بدا كما لو أنه… يُغوي، يُفتن.

في تلك اللحظة، كانت عينا تشين مو الغائرتان تتوهجان برغبة دفينة. 

استعاد إحساس القلق والتوق الذي كان يشعر به في عالم الوحوش، 

وكأن نيرانًا اشتعلت في قلبه. 

أراد بشدة أن ينحني ويقبّله، أن يتذوق تلك الشفاه الناعمة. 

يعلم من التجربة أن مذاقها سيحمل حلاوة تنساب إلى قلبه وجسده، 

شعور منعش قادر على تهدئة الوحش الهائج داخله.

لكن وفي لحظة شروده، قام شي تشينغ بحركة ذكية واغتنم الفرصة لينزلق من تحت جسده، ركض نحو الخزانة وكأنه يطير، سحب ثيابه وارتداها على عجل، ثم اندفع نحو الباب. 

ولم يكن بيد تشين مو حينها سوى أن يبتسم بمرارة.

ظلّ تشين مو يحدّق لبرهة، قبل أن ترتسم ابتسامة خفيفة على محيّاه.

حين التف شي تشينغ، وقعت عيناه على تلك الابتسامة صدفة. 

فبُهت للحظة، وتجمّد شعوره بالتهكم فورًا. اجتاحت ذهنه عاصفة من المشاعر المختلطة، ووقف في مكانه كالأبله.

لقد كانت جميلة حقًا، ابتسامة تشين مو…

وفي تلك اللحظة، وكأن على إيقاع الحياة المعتاد، جاء صوت طرق على الباب. 

حاول سو روي أن يحافظ على هدوئه، لكن صوته لم يخلُ من الغضب المكبوت، “شي تشينغ! انهض!”

جيد جدًا، لقد أصبح أكثر اختصارًا هذه المرة. 

يا سو روي، أنت تتمادى في قلة الاحترام!

استفاق شي تشينغ من شروده، أنزل بصره نحو الأرض وقال:

“علينا أن نُنجز مهمتنا دون تأخير. 

يومان ليسا بالمدة الطويلة، ورغم أنه لا توجد عقوبة للفشل، فلا توجد مكافأة أيضًا. 

وسيكون ذلك فعلاً مؤسفًا.”

نظر إليه تشين مو لوهلة، ثم قال برقة: “همم.”

شعر شي تشينغ حينها وكأنه أُعتق من عبء ثقيل. لكنه لم يكن يدري ما هو ذاك العبء الذي أُزيح عن كاهله.

في هذه المرة، تصرف سو روي بذكاء أكبر. 

أمسك بزجاجة الكاتشب الملعونة ووضعها خارج نطاق الوصول، ثم جلس إلى الطاولة. وحرص بدقة على إبعاد جميع السوائل القابلة للسكب إلى أماكن أكثر أمانًا، خشية أن يتكرر مشهد الأمس.

أما شي تشينغ، فلم يجرؤ هذه المرة على استفزاز سو روي. تناول شطيرة الإفطار المعتادة بأدب، رغم شعوره بالجوع، امتنع عن طلب الحليب، وركّز في تفكيره بحثًا عن طريقة لإنجاز المهمة بأسرع وقت.

وبعد انتهاء وجبة الإفطار، شعر سو روي وكأنه نجا من الموت. بالنسبة لرجل يعاني من رُهاب القذارة، فإن خروجه من المعركة دون أن يُغرق في الكاتشب يُعد نصرًا حقيقيًا.

لكن إن ظن أن الأمور ستسير على هواه، فقد كان ساذجًا للغاية.

بعد تناول الطعام، جهزوا أمتعتهم وغادروا الفندق حسب الترتيب المحدد، ملتزمين بدقة معايير سو روي المثالية. 

حتى السيارة التي حجزها مسبقًا كانت قد وصلت إلى مدخل الفندق. 

سيارة فاخرة أنيقة يقودها سائق محترف، 

وكان داخلها نظيفًا ومصقولًا بالكامل، 

مطابقًا لمعاييره الصارمة.

من الداخل والخارج، لم تكن السيارة أقل من تحفة متقنة. 

لا غبار، لا بصمات، والنوافذ تلمع كأنها مرايا.

لم يستطع سو روي إلا أن يبتسم بخفة، 

فقد بدأ مزاجه الغائم ينقشع أخيرًا.

صعد إلى السيارة وجلس في المقعد الخلفي الأيسر الذي يحبّه، وخلع قفازاته، ثم صاح بعدم رضا:

“شي تشينغ، ألا يمكنك أن تسرع قليلًا؟”

امتلأ وجه شي تشينغ بخطوط سوداء من الغيظ. 

كان يمشي ببطء متعمّد في الأصل مراعاةً لذلك المتحذلق. أختك! هذا الجد لم يكن حذرًا في حياته مثلما هو اليوم!

وبينما كان غارقًا في سخطه، سمع نبرة السخط في صوت سو روي، فانقبض صدره وأطلق همهمات غاضبة.

غرقه في مزاجه السيئ جعله يتشتت. 

لم يلحظ وجود درجات أمامه، وخطا في الهواء، ليجد نفسه فجأة في حالة سقوط.

الدرجات لم تكن مرتفعة، لكن حركة جسده لم تكن قابلة للإيقاف بسبب الزخم. 

وبدت السقطة وشيكة…

حينها، استدار تشين مو فجأة، مد ذراعه الطويلة والتفّ حول خصره، رافعًا إياه في الهواء، بينما تشبث شي تشينغ بعنقه تلقائيًا، وكأن الأمر أصبح عادة.

بالفعل، بفعل العالم السابق، أصبحت وضعية الأميرة عادة تلقائية.

وكانا لا يزالان أمام باب الفندق الفاخر، 

حيث وقف العشرات من البوابين يراقبونهم. 

رجلان ناضجان… وأحدهما يحمل الآخر!

سو روي… وجهه عاد ليكتسي بلون أخضر قاتم! 

ألا يشعر هذان بالخجل؟ إذا كان من الممكن أن يتدحرجا معًا في الفندق بلا حياء، 

فكيف لهما أن يظهرا بهذه الطريقة في العلن؟!

التشبث ببعضكما أمام الناس، من أنتما بحق؟! 

نظر إليهما بعينين تقدحان شررًا، وكأنما يصرخ: كيف سمح لكما والداكما بالخروج إلى هذا العالم؟!

تبًا… أكانوا فعلًا أصدقاء؟! 

بعد كل تلك السنوات من الصحبة، تغيروا هكذا ببساطة!

بمجرد أن وقعت عينا شي تشينغ على وجه سو روي المُكتسي باللون الأخضر، أدرك في الحال أن هناك كارثة قادمة. 

كاد أن يصرخ: “لا تعيد الشريط مرة أخرى!!”

لكن للأسف… كان قد تأخر ثانية واحدة فقط.

وها هو ذا، من جديد، بلا ملابس. 

شعر شي تشينغ وكأنه سمكة نافقة تُرمى كل صباح بجانب مضيفه العاري… متعب… منهك… (: 3 ∠)

أما تشين مو، فظل ساكنًا في مكانه، بينما استدار شي تشينغ بكسل، يغلف جسده بالبطانية. 

ثم التفت إليه.

في المرة الأخيرة حين صعد الآخر فوقه، 

كان جذابًا ورقيقًا، لكن كان هناك ' شيء ' منتصب بشكل مزعج… حينها، شعر شي تشينغ بصدق أنه لا بأس إن منح ثقة كاملة بينهما.

لكن بخلاف ما جرت عليه العادة، بدا تشين مو هذه المرة هادئًا للغاية، حاجباه معقودان، كأنه غارق في التفكير.

شي تشينغ تنهد وهو يرمي الموقف برمّته خلف ظهره. 

أسند خده إلى كفه، وبدأ يتأمل تشين مو المضيء تحت نور الصباح. وعلى الرغم من أنه رآه مرارًا، إلا أنه لا يسعه إلا أن يُعجب به في كل مرة من جديد. 

وجه تشين مو… موهبة خالصة من السماء.

مظهره مثالي إلى حد مربك، بلا عيب واحد. 

أشبه بقطعة من اليشم النقي، منحوتة من الطبيعة، لا تحتاج إلى صقل، تسلب الأنظار بمجرد النظر. 

لكن ذاك الجمال، رغم سحره، كان باردًا… يشي بالعزلة. 

وكأن أحدًا لا يجرؤ حتى على الاقتراب منه.

تأمل شي تشينغ ملامحه بصمت، ولسانه انعقد. 

ثم فجأة، فاض شعور غريب في صدره، مرير، مجهول. لكنه كان حقيقيًا تمامًا.

هو وتشين مو…

“بما تفكر؟” قطع ذاك الصوت العميق المبحوح أفكاره، فانتفض شي تشينغ من شروده. 

ومضة من الحيرة لمعت في عينيه، سرعان ما أخفاها ببضع رمشات، ثم قال متلعثمًا، 

“أنا… كنت أفكر… أفكر في… وجود الإنسان!”

كان تشين مو دائمًا حريصًا ومنهجيًا في العمل. 

لاحظ تصرفات شي تشينغ الغريبة، لكنه لم يسأله. 

بل نهض من الفراش، وشرع يرتدي ملابسه وهو يقول:

“من خلال التجارب الماضية، يمكننا تأكيد أن سو روي يمتلك قدرة على إعادة الزمن للخلف. ربما هذه هي نقطةحفظ التي وردت في وصف المهمة.”

ارتاح شي تشينغ فورًا عند سماع نبرة العمل في صوت تشين مو، وأنصت بتركيز بالغ.

“رغم أن المهمة عشوائية ولم تُعطَ لنا أهداف صريحة، إلا أن اسمها يتضمن نقطة حفظ، وهذا ما يجعلها النقطة الأساسية. 

وسو روي هو من يملك تلك القدرة، إذًا هو الشخصية المحورية. 

قدرته تُعيد الزمن، ولا تخصنا نحن الثلاثة فقط، بل يبدو أنها تشمل العالم بأسره.”

ثم توقف لحظة قبل أن يُضيف بتأكيد شديد:

“بهذه القدرة… سو روي هو إله هذا العالم.”

اتسعت عينا شي تشينغ، واستوعب حجم ما قيل، فهاله الأمر.

تابع تشين مو: “من خلال المواقف الأخيرة، 

واضح أن سو روي لا يُدرك مدى رعب ما يملكه.”

“صحيح تمامًا”

أجاب شي تشينغ دون تردد، 

“لا بد أنه حصل على هذه القدرة حديثًا. 

عمليات الإعادة الماضية حدثت بسبب أمور تافهة، لا أكثر. لكن مع مرور الوقت… سيفهم ما لديه. وعندما يحدث ذلك…”

إن اقتنع سو روي أنه الإله… فما الذي يمكن أن يحدث بعدها؟ لا يمكن حتى تخيّله.

في تلك اللحظة، اتضحت الأمور لشي تشينغ فجأة.

اتقدت عيناه ببريق ذكي، وفكّر بسرعة:

“إذا أردنا إيقاف سو روي، فلا بد أن هدف المهمة هو سلبه قدرته!”

جاءت كلمات تشين مو لتؤكد استنتاجه البسيط الذي بدأ به، ليُطمئن قلبه المربك بالشك.

أومأ تشين مو برأسه، ثم طرح المسألة الأهم:

“بما أن بإمكاننا أخذ هذه القدرة منه، فلا بد أن لها شكلًا ماديًا. هدفنا هو العثور على ذلك الشيء.”

تحمّس شي تشينغ، ودفع نفسه للأمام بحماس:

“صحيح! إذا وجدناه، يمكننا إنهاء المهمة!”

لكن فور انتهاء كلماته، لاحظ أن نظرات تشين مو لم تكن في المكان المناسب.

أدار نظره نحو الأسفل… ليجد مؤخرته المكشوفة بارزة فوق السرير، و ' أخيه الصغير ' يرفرف في النسيم… وكانت عينا تشين مو مثبتة عليه بالضبط!

احمر وجهه بشدة، وهبّ من السرير بسرعة ليرتدي ملابسه.

لكن تشين مو لم يشيح بنظره، وقال ببرود قاتل:

“لطيف جدًا.”

شي تشينغ، “……”

لكن… لطيف؟! ماذا لطيف بحق الجحيم! 

لا تستخدم أوصافًا عشوائية!!

بينما كان شي تشينغ يُسرع في ارتداء ثيابه بحرج واضح، قال تشين مو بنبرة هادئة:

“فيما يخص كيفية إيجاد ذلك الشيء، لدي فكرة.”

كان شي تشينغ في منتصف ارتداء قميصه، رأسه لم يظهر بعد، فسأله من داخل القماش بصوت مكتوم:

“ما هي؟”

كانت نظرات تشين مو تتجول على صدره الأبيض إلى نقطتيه الورديتين، عينيه تغيم، لكن صوته بقي ثابتًا:

“عندما يستخدم سو روي قدرته، لا بد أن يترافق ذلك مع فعل معين. 

إذًا علينا أن نجعله يعيد الزمن مرارًا وتكرارًا.”

“إعادة مستمرة؟” خرج رأس شي تشينغ أخيرًا من فتحة القميص، ونظر نحوه بعينين واسعتين.

“تمامًا هكذا…” قال تشين مو، وفتح الباب، ثم فجأة، أمسك بشي تشينغ وسحبه نحوه، ودفعه نحو إطار الباب، رفع ذراعيه فوق رأسه وثبّتهما بيد واحدة، فيما اليد الأخرى رفعت القميص الذي لم يُلبس جيدًا بعد، ليُكشف صدره الأبيض، وتبرز نقطتاه الورديتان في مشهد آسر.

“…هكذا تمامًا”، تمتم تشين مو وهو ينحني برأسه نحوه.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]