🦋

 قوس الـ المهمة العشوائية

مُهِمَّةٌ عَشوائيَّة؟

أخذ شي تشينغ يبحث بسرعة في ذهنه عن أي معلومات ذات صلة. 

بل إنه لم يكتفِ بالتذكّر فقط، بل ما إن خطرت بباله تلك الفكرة حتى غمره الحماس على الفور!

يا للسماء! لقد فعّلوا فعلًا مهمةً عشوائية! 

تلك التي يمكن العثور عليها بالصدفة، لا بالسعي!

كان هناك في كُتيّب الإرشادات صفحةٌ كاملة خُصِّصَت للحديث عن المهام العشوائية بالتفصيل الممل.

ففي هذا النوع من المهام، لا يُعرَف متى تُفَعَّل أو أين أو ما الشروط اللازمة لذلك. 

لا توجد طريقة لتجريبها أو توقعها، ولكن ما إن تظهر، يُمكن تنفيذها فورًا. سواء كانوا في العالم الحقيقي، أو في عوالم موازية صغيرة، أو حتى داخل فضاء النظام نفسه—لا فارق في ذلك. 

عند قبول المهمة، يتجمّد الزمن في موقعهم الحالي، وبمجرّد إتمامها يعودون إلى نفس النقطة الزمنية التي غادروها منها.

قبول المهام العشوائية يعتمد كليًا على رغبة النظام والمضيف معًا. لكن الأولوية دائمًا للنظام. 

إن لم يُرِد النظام خوض المهمة، يمكنه رفضها فورًا. 

أما إن وافق، فالكلمة الأخيرة تعود للمضيف ليقرر ما إذا كان سيقبل أم لا.

وبحسب ما ورد في الكتيّب، فإن أي مضيف ونظام يرفضان هذه المهام—ما لم يكونا أعداء بالطبع—فهما بلا شك… أغبياء تمامًا!

لماذا؟ لأنه لا توجد أي عقوبة في حال فشل المهمة العشوائية!

بل أكثر من ذلك، هناك جائزة مضمونة: 

خمسمائة نقطة تُمنَح لك كيفما كان! قد لا تكون كثيرة، لكن كل نقطة تُعدّ كنزًا في عالم النظام. 

حتى وإن كانت المهمة في غاية الصعوبة، فلا خوف من الفشل. أسوأ سيناريو؟ ستحصل على الـ 500 نقطة فحسب.

وإن حالفك الحظ ونجحت؟ 

فحينها ستكون المكافآت مذهلة! إذ يمكن أن تتراوح الجائزة بين 3000 و10000 نقطة، تُحدد بسحب عشوائي، إضافة إلى مكافأة عشوائية! 

هذه المكافأة قد تكون شيئًا نفيسًا يعادل عشرات الملايين من النقاط في متجر النظام، أو أدوات سحرية لا يمكن شراؤها أصلًا! 

صحيح أن هناك احتمالًا أن تكون الجائزة شيئًا تافهًا، لكن حتى ذلك لا يهم—لأنها مجانًا، وغالبًا ما تكون ذات جودة عالية!

باختصار، يمكن القول إن المهام العشوائية هي كالأقدار الطيبة التي تنزل من السماء. 

ما عليك سوى القليل من الحظ لتفوز بالكثير.

وبكل وضوح: أي نظام ومضيف يختاران عدم قبولها… لا عقل لهما!

ما إن أنهى شي تشينغ مراجعة هذه المعلومات في عقله، حتى سمع صوتًا داخليًا يبدأ العدّ التنازلي:

“عشرة، تسعة، ثمانية، سبعة…”

انقبض قلبه، خشية أن يفلتَ منه هذا الحظ كما تفلت البطة المذعورة، فبادر بسرعة إلى اختيار قبول المهمة. وما إن فعل، حتى ظهرت نافذة حوارية بدت وكأنها موجهة إلى تشين مو.

ولأن شي تشينغ خشي ألا يعرف تشين مو مزايا المهام العشوائية، أرسل له التفاصيل كاملة مع النافذة.

وفعلًا، ظهرت كتلة ضخمة من المعلومات داخل عقل تشين مو، تعرض فوائد المهام العشوائية بأسلوب حماسي ومقنع، وتتوسّل إليه مرارًا وتكرارًا بأن يقبل بها.

في تلك اللحظة… كانا لا يزالان يتبادلان القُبَل!

ذلك الغافل…

قام تشين مو بعضّ تلك الشفاه المثيرة بنوع من القسوة، فاستخرج منها تأوهًا منخفضًا. 

لم يفت عليه تلك اللمحة من التذمر التي لمعَت في عيني شي تشينغ الواسعتين.

لكن مزاجه كان عاليًا، ومبتهجًا إلى حد بعيد. 

ومع أنه شعر برفض شي تشينغ له، إلا أنه لم يُفلته. 

بل، تبع قلبه واستمرّ في تعميق القبلة أكثر، مستسلمًا بالكامل للرجل الذي بين يديه. 

عندها فقط، اختار قبول المهمة.

وفي تلك الوضعية بالضبط… انتقل الاثنان عبر العوالم!

المهام العشوائية لا تُفصح عن أي شيء قبل بدئها. لا خلفية عن العالم الذي سينتقلون إليه، لا نوعية المهام، لا الأعداء، لا الأهداف—كل شيء مجهول تمامًا.

وهذا بطبيعة الحال يزيد من صعوبة المهمة، لكن التفكير المنطقي يقول: لو لم تكن هناك صعوبة، فكيف يُمكن أن تكون هناك مكافآت بتلك السخاء؟

لذا، فهذا عادل.

هناك أيضًا شرط زمني: يومان فقط. 

أي تأخير أكثر يُعد فشلًا مباشرًا.

إذاً، رغم أنها هدية سماوية… فهي ليست لكل أحد.

في دوامة الانتقال الزمكاني، بدأت الغشاوة تنقشع قليلًا عن ذهن شي تشينغ. حتى تلك اللحظة، كان لا يزال يشعر بأنه عالق في عالم الوحوش البشريّة. 

ويبدو أن تشين مو أيضًا كان مغمورًا فيه تمامًا، 

لا بل ما زال يتصرف بطريقة غير معتادة.

كان يظن أن مشاعر تشين مو تأثرت بالمثل. 

لا بد أنه لا يزال منغمسًا في دور ياليك، ولم يخرج بعد من الشخصية. وإلا لما بادر إلى تقبيله فور دخولهما إلى فضاء النظام… هاهاها.

كان عالم الوحوش غريبًا للغاية. الرجال يحبون الرجال دون أن يُنظر للأمر باستغراب، وكان هناك تحفيز فيزيولوجي شديد، بشكل مجنون.

لم يسبق له أن شعر بشيء كهذا طيلة حياته. 

خاصّة في الموجة الثانية من الإثارة، حين استسلم تمامًا لغريزته البشرية البدائية، والتي لم تكن تشبه شخصيته المعتادة في شيء.

أما في الموجة الثالثة، فقد باتت استجابة جسده أهدأ. 

ورغم ذلك، ما إن وقعت عيناه على تشين مو، 

اندفع شوق حارق من قلبه لم يستطع كبحه. 

حرارة تتصاعد، وكأن العالم كله اختفى… ولم يبقَ فيه سوى تشين مو.

ولو أردنا المقارنة… فالموجة الثانية كانت نابعة من الجسد، أما الثالثة، فقد جاءت من القلب.

وفكر شي تشينغ حينها… بغرابة شديدة، أنه يُفضّل الموجة الثانية!

هاهاها… أظن أنني قد بالغت في التفكير!

ما هذا الكلام عن ' الجسد و القلب ' ؟ 

كل ذلك هراء، كالسحاب العابر. 

كل ما في الأمر أنني اندمجت كثيرًا في الدور الذي كنت أؤديه. وبمجرّد عودتي إلى العالم الأصلي، سأعود إلى طبيعتي كأن شيئًا لم يكن.

كل ما أحتاجه الآن هو القليل من الوقت لأستعيد توازني.

تنفّس شي تشينغ بعمق، وبحلول ذلك الحين، كانت عملية الانتقال إلى عالم المهمة العشوائية قد اكتملت.

ما إن عبروا إلى العالم الجديد، حتى شعر شي تشينغ ببعض الارتياح. 

صحيح أن هذا العالم لم يأتِ بأي معلومات مسبقة، لكن لحسن الحظ، تسلّل إلى ذهنه جزء من ذاكرة جسده الجديد. كان ذلك كافيًا ليكوّن فكرة مبدئية عمّا يجري من حوله.

لكن قبل أن يتمكن حتى من تفحّص تلك الذكريات واستيعابها، صُدم لدرجة أخرسته.

هو… لا يرتدي أي ملابس!

جسده العاري لم يكن مغطًى سوى ببطانية خفيفة!

وهذا… أمر! خطير! للغاية!

والأسوأ من ذلك… أن هناك شخصًا آخر خلفه، 

هو الآخر لا يرتدي شيئًا! وشخص ذلك… رجل!

يا إلهي! ما الذي يحدث بحق الجحيم؟! 

هل انتقل إلى عالم آخر يُعد فيه حبّ الرجال للرجال أمرًا طبيعيًا؟

حتى لو كان كذلك… أكان عليه أن يقع في هذا الموقف بالذات؟!

راود شي تشينغ إحساس بالندم جعل الموت يبدو كخيار مثالي في تلك اللحظة.

وأثناء انشغاله بالتفكير كيف يمكنه الهرب من هذا الوضع الغريب، جاءه صوت عميق وأجش من خلفه، بسبب الصباح الباكر:

“إنه أنا.”

تجمّد شي تشينغ في مكانه. 

ثم فجأة، استدار ليرى من وراءه.

كانت أشعة الشمس الأولى تتسرّب من بين الستائر السميكة، لتنير صدر رجلٍ مفتول العضلات. 

بطانية ناعمة بلون رمادي باهت تغطي خصره وتحجب المناطق الحسّاسة، ولكن انسيابية الخصر المغطّى بذلك القماش جعلت الخيال يسرح بعيدًا…

لم يجرؤ شي تشينغ على النظر أكثر. 

النظر إلى الأسفل بدا أكثر خطرًا، فآثر أن يرفع نظره.

فوق تلك الجبهة، خلف خصلات الشعر غير المرتبة، ظهرت ملامح وجه مثالية، كأنها نُحتت بأيدي نحات سماوي. وكانت تلك العينان العميقتان، السوداوان، كأنهما بوابتان تسحبان روحك دون إذن.

تشين مو.

إنه تشين مو!

ليس فقط الروح، بل الجسد أيضًا! 

إنه جسد تشين مو!

هل كانت المهمة تتطلب استخدام أجسادهما الحقيقية؟

إن كان الأمر كذلك، فمن أين جاءت هذه الذكريات؟ ولماذا كانا في هذا الوضع تحديدًا؟!

كان الخوف يسيطر على شي تشينغ في البداية، لكن الآن… صار وجهه يزداد احمرارًا بدرجات متصاعدة. 

يمكن لوجنتيه أن تُقارنا إما بسرطان البحر المطهو على البخار، أو بسحابة من رماد بركاني مشتعلة!

كان تشين مو يراقبه بصمت، 

يلتقط بأعينه كل تعبير صغير يتغير على وجهه.

وكلّما لاحظ توتره، وجده أكثر جاذبية.

كان شي تشينغ جميلًا، لكن ليس من ذلك النوع البارد الذي تُحيطه هالة جليدية تبعد الناس عنه لألف ميل. بل كان أشبه بنار دافئة في ليل شتاء، 

لا تخطف الأنظار بعنف، لكنها تجذبها بعمق. 

في حضوره، لا يسعك إلا أن تقترب.

هو ذلك النوع من الأشخاص الذين يجتذبون الآخرين كما يجتذب اللهب العثّ. حتى لو احترقوا في النهاية، فإنهم يتوقون إلى تلك الحرارة المسكرة.

تحرّك قلب تشين مو، وارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة.

كانا لا يزالان في وضعية العناق الجانبي. 

وما إن حاول شي تشينغ النهوض قليلًا، حتى ضغط تشين مو على كتفيه برفق، ليحبسه تحته تمامًا.

ثم انحنى ونظر إليه من الأعلى، بنظرةٍ تحمل الكثير…

فجأة… تغيّر الجو.

أصبحت الأجواء مشبعة بالغموض، 

ورائحة ذكورية قوية غزت حواس شي تشينغ.

في تلك اللحظة، شعر وكأنه قد تلبّسته روح ييير.

تشين مو لم ينبس ببنت شفة.

انحنى برأسه ببطء حتى لامس دفءَ عنق شي تشينغ الأبيض، 

ثم مرّر لسانه الساخن على امتداده، 

يتتبعه من أسفله إلى أعلاه. 

بدا كأنه مصاص دماء شره لا يشبع، يتذوّق فريسته الفاخرة برويّة، كما لو كان يتمنّى التهامها دفعة واحدة لكنه آثر أن يستمتع بكل لحظة.

كان يمضي الوقت في تلذّذٍ هادئ… كأنه يؤجّل اللقمة الكبرى.

أما شي تشينغ، فلم يجرؤ حتى على التحرك قيد أنملة.

كان يشعر بشيء صلب وحار يضغط على فخذه…

تحرك؟ مستحيل! أي حركة خاطئة قد تتسبب بكارثة لا تُحمد عقباها!

وفي اللحظة الحرجة، أنقذه صوت قوي لفتح الباب.

التفت كلاهما بسرعة، وفي عتبة الباب وقف شاب ذو شعر أسود.

كان الشاب يتمتع بملامح دقيقة، شعره داكن، وعيناه سوداوين، وبشرته ناصعة البياض. 

ملابسه كانت غير رسمية، لكنها مريحة وملفتة.

نظر مباشرة إلى الشخصين على السرير.

سرى الاحمرار على وجهه كالنار، اتسعت عيناه، وفتح فمه مصدومًا، متلعثمًا:

“أنتَ… أنتَ… أنتَ…”

ظل يكرر أنت مرارًا دون أن يستطيع نطق جملة مفيدة، ثم أغلق الباب بقوة، وغادر بخطى غاضبة.

استغل شي تشينغ الموقف، وانسلّ من تحت جسد تشين مو كأنما أفلت من فخ. 

قفز من السرير وبدأ يبحث بيأس عن ملابس.

ما إن ارتدى البنطال حتى شعر بشيء من الأمان. وبينما كان يلبس قميصه، بدأ يتقبّل شيئًا فشيئًا ذكريات الجسد الذي احتله.

العالم الذي أُسندت إليهما فيه المهمة العشوائية كان عالمًا حديثًا. يُشبه كثيرًا الزمن الذي جاء منه شي تشينغ، لكنه مع ذلك، بدا مختلفًا تمامًا.

على الأقل، المدينة التي كانوا فيها لم تكن مألوفة. 

كانت تُصنّف كمدينة من الدرجة الأولى، 

تُشبه شنغهاي من حيث الأهمية، لكنها تُدعى هاي تشنغ.

ورغم تشابه مستوى التطور التكنولوجي، 

إلا أن المفاهيم العامة للحياة كانت مختلفة تمامًا. 

ما جعل شي تشينغ يشعر بخيبة أمل خفيفة.

في قرارة نفسه، كان يتمنى أن يعود ذات يوم إلى عالمه الحقيقي. 

لم يكن طمّاعًا، كان يكفيه أن يراهم من بعيد فقط… 

أسرته، وجه أمه، دفء البيت.

تنهد شي تشينغ في داخله، ثم سارع بتعزية نفسه. صحيح أن العالم غريب، لكنه لا يزال مليئًا بالفرص. لا بدّ أن يأتي ذلك اليوم، يوم العودة.

حين هدأت مشاعره، شرع في استعراض الذكريات التي استقرّت في ذهنه.

اسمه هنا كان شي تشينغ، كما هو، وكذلك تشين مو لم يتغير اسمه. أما الشاب الذي اقتحم الغرفة قبل قليل، فكان يُدعى سو روي.

الثلاثة نشأوا معًا، وكانوا أصدقاء طفولة.

رغم اختلاف شخصياتهم تمامًا، فإنهم، لظروف أسرهم، لم يجدوا إلا بعضهم ليكوّنوا علاقات اجتماعية. وهكذا، تعوّدوا على الصحبة، ونمت بينهم روابط متينة.

بعد تخرجهم من الجامعة، ورث اثنان منهم أعمال أسرهم—تشين مو وسو روي. 

تحمّلا العبء وحدهما.

أما شي تشينغ، بطبيعته الهادئة ووجود أخ أكبر له، لم يتحمل ذلك الضغط. 

ظلّ على سجيته، يلهو ويعيش ببساطة.

كان البارحة عيد ميلاد شي تشينغ. 

اجتمعوا معًا واحتفلوا… وشربوا كثيرًا.

وحين استيقظوا… كان هذا هو المشهد الذي وجد نفسه فيه!

رفع يده إلى جبينه، وضغط عليه بقلق. “ما هذا العبث؟”

أخيرًا، وبعد أن أتمّ ارتداء ملابسه، نظر باتجاه السرير.

كان تشين مو لا يزال هناك، لم يتحرك إطلاقًا.

وفجأة، بدأ رأس شي تشينغ يؤلمه!

أراد قول شيء، لكن دوخة مفاجئة باغتته.

وفي اللحظة التالية… كان عاريًا مجددًا، 

داخل السرير، محاطًا بذراعي تشين مو!

في ثانية واحدة، كان قد خلع ملابسه وأعادها إلى الخزانة، ثم عاد إلى السرير!

كل شيء حدث وكأنه… إعادة عرض لفيلم، بالضبط، وبدقة مذهلة!

حتى الحركات… نفسها… لكن بالعكس!

هذا… ما الذي يحدث؟!

هل انقلب الزمن إلى الوراء؟!

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]