🦋

 عندما فكّر بالأمر على هذا النحو، شعر شي تشينغ أن الأمر برمّته مثير للسخرية بعض الشيء.

لماذا راوده هذا الإحساس؟ 

بدا وكأنه تلميذ في المرحلة الابتدائية يريد الخروج للّعب، لكن عليه أولًا أن يحصل على إذن والديه. 

ليس هذا فحسب، بل بدا وكأنه قلق من أن يرفض والداه طلبه، أو يتجاهلان رأيه بالكامل…

لكن، تلك الأفكار لم تكن مجرد هواجس طارئة، بل كأنها مغروسة فيه بالفطرة.

كانت تلك المخاوف تتسلل إلى ذهنه بلا إذن، كأنها انبعثت من غريزة دفينة.

كما لو أن أرنبًا رأى نسرًا، أو غزالًا لمح أسدًا، فإن ردة الفعل الوحيدة تكون الهرب، فقط من أجل البقاء.

وحين فكّر في الأمر على هذا النحو، خمّن شي تشينغ أنه ربما كان يبالغ في تقدير الأمور.

نعم، تشين مو قوي، بل أقوى بكثير، لكن ليس من النوع الذي سيقتله بلا سبب.

في الحقيقة، هو – أي شي تشينغ – قادر على مساعدته كثيرًا.

العلاقة بينه وبين تشين مو ليست علاقة مفترس وفريسة!

بعد أن أعاد النظر في أفكاره، قرر ألا يشغل باله أكثر، رغم أن شعورًا خفيًا بالقلق ظل يهمس في أعماقه.

لكنه تجاهله.

في النهاية، قرر أن يتحدث مع تشين مو.

فهما في علاقة شراكة، ومصير المهمة يهم الطرفين، وبالتالي من الطبيعي أن يتم إبلاغه بما يجب أن يفعله.

وانطلاقًا من هذا المنطق، انتظر حتى وجد لحظة مناسبة حين كان تشين مو متفرغًا، ثم قال له بهدوء إن عليهما أن يتحدثا قليلاً.

تشين مو لم يتردد، بل نهض فورًا ودخل معه إلى المنزل.

“جائع مجددًا؟”

عند سماعه لسؤال تشين مو، احمرّ وجه شي تشينغ بحرج بالغ.

اللعنة، هل يعني هذا أن تشين مو كان يعرف دائمًا أن السبب وراء محاولاته التهرب من الناس هو التسلل إلى الداخل من أجل الأكل؟

هل كان الأمر واضحًا إلى هذا الحد؟

أوه… حين فكّر بالأمر، تذكّر أنه فعلاً سبق وسحب تشين مو إلى الداخل ثلاث مرات من قبل، وفي كل مرة… فعلاً دخلا لتناول الطعام…o (╯ □ ╰) o.

سعل شي تشينغ ليصفو صوته.

أراد أن يقول: لست جائعًا، فقط أريد التحدث في موضوع معين، لكن في تلك اللحظة، أطلق بطنه صوت قرقرةٍ فاضحٍ لا مجال لإنكاره.

نظر إليه تشين مو بنظرة تحمل فهمًا عميقًا وصامتًا.

شي تشينغ: أيها الأخ الأكبر ' البطن '، ألا يمكنك أن ترأف بوجهي قليلاً؟

لا شك أن تلك القرقرة فضحت أمره تمامًا.

بما أن كرامته تحطّمت بالفعل، فلم لا يرضى بالأمر الواقع ويُسلّم للهزيمة؟

فليأكل ويتحدث في آنٍ معًا!

بلا ذرة من المجاملة، مدّ يده وسحب سلة خيزران صغيرة تتصاعد منها أبخرة البخار الساخن.

اختار لنفسه بعض الأطباق الجانبية الطازجة والشهية، وأخرج في النهاية إبريق شاي أخضر.

الخبز والأطباق الجانبية كانت له، أما الشاي فكان لتشين مو.

في نظر شي تشينغ، لم يكن بوسعه فهم أسلوب تشين مو في التأمل.

كل هذه الأطعمة الفاخرة واللذيذة ولا يهتم بها!

يفضّل الشاي فقط… تشه، يا له من تبذير بحق النكهات!

طبعًا، كان لدى تشين مو جسد بشري، لذا فهو بحاجة لتناول الطعام.

لكنه لم يكن نهمًا مثل شي تشينغ، فلم يكن بحاجة إلى ثلاث وجبات في اليوم.

إلا أنه لا يمانع تناول شاي العصر أو وجبة خفيفة ليلية…

وبما أن الوقت كان وقت شاي العصر، فقد اكتفى تشين مو بالشاي فقط.

السلة التي تناولها شي تشينغ لم تكن تحوي سوى ستة كعكات بخار محشوة، بحجم يشبه حجم الزلابية، تؤكل بلقمة واحدة.

لم تكن صغيرة وجميلة الشكل فحسب، بل كانت لذيذة بشكل مذهل.

والأجمل من ذلك كله، أن كل واحدة منها كانت محشوة بمذاق مختلف، مما أضفى على الأكل متعةً خاصة.

مع الأطباق الجانبية المنعشة، كانت وجبة مثالية بكل المقاييس.

كان يفترض أن يتناول الطعام ويتحدث، لكن الخطة تغيرت.

قرر أن يأكل فقط.

وحين أنهى وجبته تمامًا وشعر بالرضا، تذكّر فجأة… أنه لم يبدأ حديثه المهم بعد!

انفجر غضبه داخليًا: أيها الأخ ' البطن ' ! أقسم، 

في المرة القادمة لن أتركك تفوز بهذه السهولة!

البطن المرتجف: تبًا، يا له من سيد وقح!

بعد أن لاحظ تشين مو أنه أنهى طعامه، وكان قد استراح بما فيه الكفاية، نهض وقال: “لنذهب.”

نهض شي تشينغ مباشرة بعده، وبدأ أخيرًا في الحديث:

“تشين مو، لدي الآن هيئة بشرية، لذا يمكنني التحرك بحرية أكبر. لست بحاجة إلى أن تستشيرني في كل شيء.”

وبينما كان يتحدث، حَكّ رأسه بلا وعي، ثم تابع بنبرة محرجة قليلًا: “في الأساس، أنا لا أستطيع تقديم أفكار مفيدة. لا أستطيع مجاراة سرعة الأحداث، فأبقى جالسًا وأغفو.”

توقّف تشين مو واستدار لينظر إليه.

وحين تلاقت أعينهما، شعر شي تشينغ بانزعاج داخلي متزايد.

لكن طالما قال ما في قلبه، فلا فائدة من التراجع الآن.

قال بصراحة: “أريد أن أتجول في أرجاء القبيلة، 

لأرى إن كان يمكنني المساعدة في شيء.”

حدّق به تشين مو طويلاً، ثم قال:

“انتظر حتى المساء، سأذهب معك.”

شي تشينغ: “…”

أنا فقط كنت أقول أنني لا أريد أن أذهب معك!

ثم… ماذا سأرى ليلًا؟ كيف ينام رجال الوحوش؟

هذه المرة، لم يكن ليسمح بأن يُساق مجددًا.

فأصر قائلاً: “أريد أن أذهب بمفردي.”

ما إن قال ذلك، حتى انكمشت حدقات عيني تشين مو السوداوين كحبرٍ ثقيل.

نظراته التي كانت غامضة من الأصل، أصبحت أعمق وأكثر برودة، وصوته هبط إلى ما دون درجة التجمد:

“بمفردك؟”

شعر شي تشينغ بذهول للحظة، لكنه سرعان ما شعر بالضيق.

تشين مو كان يتصرف بشكل طبيعي في الآونة الأخيرة، حتى أن شي تشينغ نسي أنه في بعض الأحيان… يمرض.

كل ما قاله هو بضع كلمات، فكيف تفجّر الرجل بهذا الشكل فجأة؟

كان شي تشينغ يبحث عن طريقة ليخفف حدة الموقف، لكن تشين مو تقدّم نحوه على الفور، وأمسك بذقنه، وأجبره على رفع رأسه، ثم نظر مباشرة في عينيه.

تلك العينان السوداوان كانتا مليئتين بالغضب المكتوم، فيما قال تشين مو بصوت منخفض وحاد:

“قلتُ، ابقَ إلى جانبي.”

كانا يقفان قريبين جدًا من بعضهما.

كل كلمة قالها تشين مو لم تكن مجرد صوت مسموع، بل نفذت كنسيم ساخن إلى أذن شي تشينغ… ثم إلى قلبه.

في هذه اللحظة النادرة، سنحت لشي تشينغ الفرصة أن يتأمل تشين مو بتمعن.

الوجه الذي أمامه لم يكن مألوفًا، لكن العينين… كان يعرفهما جيدًا.

كانتا عينان تحملان الكبرياء، والقوة، والحدّة.

لكن في الوقت نفسه، كانتا خاليتين من أي شعور بالأمان، لا تثقان بأحد، لا تطمئنان إلى أحد – فقط ارتيابٌ وظلمة تبتلع كل بصيص ضوء.

وفجأة، عاد شريط الذكريات إلى اللحظة الأولى التي رأى فيها تشين مو.

كان حينها محطمًا، منهكًا، فقدَ قواه، وكان يفترض أن يكون غارقًا في اليأس.

لكن رغم ذلك، كان متمردًا، غير راضٍ، لا يريد الاستسلام.

القدر رسم له طريقًا وعرًا، لكنه أقسم ألا يرضخ له أبدًا. سيبقى على قيد الحياة، وسيقتص من كل من أساء إليه.

كان شي تشينغ يعرف تمامًا… أنه في تلك اللحظة، قد تحرّك قلبه تجاه تشين مو.

لقد عانى في حياته السابقة من سرطان المعدة، وتجرّع كل أشكال الألم.

وفي النهاية، لم يعد يحتمل ذلك العذاب القاسي.

ورغم أن والديه غمراه بالحب والدلال، لم يكن يتمنى شيئًا سوى الموت، لينهي معاناته إلى الأبد.

لكن تشين مو؟

لقد تجرّع عذابًا مضاعفًا، عشر مرات أكثر مما عاشه شي تشينغ، وكان يائسًا مئة مرة أكثر منه، ومع ذلك، ظلّ قلبه قويًا لا ينكسر.

لم يُبدِ ولو لمحةً من رغبة في الانسحاب.

كان فخورًا، عنيدًا، لا يلين حتى في أعماقه.

يدفع بنفسه قدمًا، خطوة تلو الأخرى.

حتى وإن كانت الطريق مملوءة بالأشواك والظلمة من حوله لا نهاية لها، فإن كبرياءه لم يسمح له بأن يلتفت إلى الخلف.

وحين يفكّر المرء بذلك… يصعب ألا يرقّ قلبه.

لكن، لا بأس، فليكن، من الذي اختار منذ البداية أن يوقّع عقدًا مع تشين مو؟

حينها، كان يعلم بحقيقة ظروفه وماضيه، والآن بعد أن عاد ونظر من جديد، أدرك أن هذا هو طبع الرجل.

أغمض شي تشينغ عينيه، وأخذ نفسًا عميقًا.

وبعد أن هدأ، رمش بعينيه باتجاهه، ثم قال بجديّة تامة: “حسنًا، سأبقى إلى جانبك.”

عينا تشين مو ظلّتا شاخصتين نحوه دون أن تطرفا.

فالوعد، في نظره، هو أكثر الأمور عجزًا على وجه الأرض.

لكن شي تشينغ كان يعرف جيدًا كيف يتعامل مع هذا الشخص بالذات.

الكلمات وحدها لا تكفي، بل عليه أن يُثبت صدقها.

ولهذا، أخرج من جيب صدره حبّة دواء صغيرة مستديرة.

لم يُلمّح لتشين مو بأن يبتعد، بل فتح فمه مباشرة وابتلعها دون تردد.

كانت هذه هي الحبة التي أصرّت مويا عليه أن يأخذها – دواء يعيده مؤقتًا إلى هيئة أصغر.

كان يظن من قبل أنه لن يضطر أبدًا لاستخدامه، لكنه لم يتوقع أنه سيأتي اليوم فعلاً…

لم تتأخر مفعولات الدواء.

شعر فورًا أن الأشياء من حوله تزداد ضخامة، بينما جسده ينكمش بسرعة.

وبعد لحظات من دوار خفيف، اعتاد على منظور الباندا الصغير.

ومع بداية سقوطه، مدّ تشين مو يده سريعًا ليلتقطه.

استقرّ بهدوء في راحة كفّ الرجل، وكان خفيفًا لدرجة أن تشين مو بالكاد شعر بوزنه.

تأمّل بتركيز مخلوقًا صغيرًا، ناعم الفرو، مطيعًا ومستكينًا بين يديه.

تلك الظلمة العنيفة في قلبه خفّت قليلًا.

انحنى برأسه، واقترب من الجسد الصغير المغطى بالفرو، وأغمض عينيه نصف إغماضة، ثم قال بصوت منخفض،

لكن واضح بما يكفي ليسمعاه معًا:

“لا تقاومني.”

الباندا الصغير، بعينيه المستديرتين الواسعتين، لم يصدر عنه صوت.

بل اكتفى بفرك رأسه الصغير بكفّ تشين مو.

انتظر حتى نهض الرجل، ثم حرّك جسده ليتخذ وضعية أكثر راحة، وبدأ في التفكير داخليًا.

مع المجانين، لا يصح التصادم.

بل الطاعة، والمجاراة، والمواكبة.

أما عن نقطة ضعف تشين مو… فقد شعر شي تشينغ بشيء يتحرّك بداخله.

حين وقّع عقده مع تشين مو، كان الأخير قد تعرّض للخذلان والنبذ من الجميع.

وفي ذلك الوقت، كان ظهور شي تشينغ أشبه بخشبة نجاة وسط بحر هائج – حبل إنقاذ.

قيمة وجوده كانت واضحة بلا شك.

تشين مو كان يفتقر بشدة إلى الأمان، ولهذا لن يسمح أبدًا بالتخلي عن ' النظام ' الذي قد ينتشله من قعر الجحيم.

لهذا، فإن مجرّد طلب النظام بالمغادرة، بالنسبة لتشين مو، كان كمن لمس مقياس تنينه.

( مقياس التنين (Reverse scale): في الثقافة الصينية، يُقال أن هناك مقياسًا عكسيًا في عنق التنين إذا لمسه أحد، سيغضب بشدة. وهو تعبير عن نقطة الضعف أو الشيء المحرّم المساس به.

وبهذا الفهم، شعر شي تشينغ أنه لمس جوهر المسألة.

فبدأ في التفكير بحلٍّ عملي… يسمح له ببعض الحركة، دون أن يبتعد عن تشين مو.

إلّا إذا… آه!

يمكنه أن يقسّم نفسه إلى اثنين!

آي! شعر شي تشينغ أنه عبقري بحق!

يريد أن يصفق لنفسه، ويمنحها إعجابًا!

تذكّر فجأة أن المتجر الخاص بالنظام يعرض ذلك بالفعل!

لكن، للأسف، قد أنفق كل نقاطه… لم يعد يملك شيئًا.

عليه أن ينتظر حتى يُتمّ هذه المهمة بنجاح.

ومع ذلك، مجرد عثوره على الحلّ جعله يشتعل حماسًا.

شعر أن المستقبل بات مشرقًا أمامه.

بل إنه بدأ يتخيّل أنه قد يكتب لاحقًا كتابًا يهدي به تجربته للعالم:

“قواعد التعامل مع مختلّ نفسي”… أليس كذلك؟

خرج تشين مو من المنزل وهو يحمل باندا صغيرًا بين ذراعيه.

ذلك الصغير الممتلئ كان قد انتهى من تفكيره ودخل في نوم عميق.

كانت أصابع تشين مو الطويلة تمرّ على الفرو الناعم ببطء، وكأنها تعزف على ناي صامت.

تحرّكاته كانت هادئة وأنيقة، لكن من يلاحظ جيدًا، يلحظ أن أطراف أصابعه كانت ترتعش قليلًا.

وذلك الارتجاف، كان الحقيقة التي فضحت ما في قلبه.

رغباتٌ مشتعلة، تتسلل إلى كل زاوية في أعماق قلب تشين مو.

كان يشعر بجنونٍ جامح، وكأنه يريد أن يحتجزه في راحة يده، أن يُطبِق عليه دون أن يترك له مهربًا، دون حتى ثغرة واحدة.

حتى وإن تألم، حتى وإن صرخ وبكى… لا يهم.

طالما أنه يخصّه، فلن يتركه يهرب أبدًا.

تلك الأفكار السوداء التي يصعب البوح بها كانت تبتلع قلبه كما تبتلع الأفاعي السامة فريستها.

ويجب كبحها بكل الطرق.

وإلا، فإنها ستنفجر كنارٍ ضارية تحرق كل من تمسّه.

وبعد فترة، خفض تشين مو بصره، ونظر إلى الأسفل…

بعينين متحفظتين، مريضتين، باردتين في العمق، راح يحدّق في ذاك الكائن الصغير الأبيض والأسود،

ثم طبع قبلة خفيفة جدًا عليه.

لا تقاومني. لا تمنحني سببًا لأقيّدك تمامًا.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [1]

  1. Anonymous عضو
    12
    مهوووووووووس