🦋

 كانت الأرض باردة، لكن هي تشينغ بدأ يستعيد تدريجيًا قدرته على الحركة، 

بعد أن كان كمن شُلّت عضلاته بمُرخٍ قوي.

فانغ تيان تشو لم يتحرك مطلقًا، وهي تشينغ لم يجرؤ حتى على التحديق فيه بلا مبالاة؛ فهذا عصر الإقطاع، والهفوة الصغيرة قد تكلّفه حياته.

لكن من الصعب البقاء في وضعية واحدة طوال الوقت. أصيب ذراعا هي تشينغ بالخَدَر من ضغط جسده، فحاول النهوض رغم ضعفه، ثم انقلب بحذر.

عندها رأى عينين ضيقتين داكنتين مثل عيون طائر العنقاء، وثوبًا إمبراطوريًا أسود مطرّزًا بخيوط ذهبية، وحبلًا ذهبيًا يتدلى من تاج أرجواني فخم على جانبي وجهه حتى صدره.

كان يقف خلفه شاب وسيم في ريعان شبابه، ينظر إليه من الأعلى بلا أي تعبير على وجهه، لا فرح ولا غضب.

فانغ، تيان، تشو!

توقف هي تشينغ في وضعيته، مستندًا على نصف جسده، وانكمشت حدقتاه وتسارع نبضه.

مرت في ذهنه مشاهد من دراما القصور، وأراد أن يركع فورًا ويصرخ ' عاش الإمبراطور '، لكنه ما إن جلس حتى ترنّح وسقط جانبًا.

كان يلهث سريعًا، والذعر والارتباك يسيطران عليه تمامًا.

ماذا فعل؟ 

أظهر قلة احترام في حضرة الإمبراطور؟ 

هل سيُعدم فورًا أمامه؟

قطّب فانغ تيان تشو حاجبيه، ثم استرخى مجددًا، جثا على ركبتيه أمامه وقال:

“الوزير هي شخص مباشر وسريع التصرف.”

لم ينبس هي تشينغ ببنت شفة.

لقد نشأ في دولة اشتراكية، ولم يستطع التأقلم مع مثل هذا الوضع فجأة، وشعر أن الكلام بات عبئًا.

الأهم من ذلك، أنه كان متوترًا إلى حدّ لم يستطع معه أن يتكلم. فانغ تيان تشو رجل مرعب، متقلّب المزاج، عديم الرحمة. 

يمكنه كسر عنق امرأة دون أن يهتز له جفن، أو يشقّ جسد هي تشينغ وهو حيّ كما لو كان يقطع دجاجة أو بطة، أو حتى ضفدعًا مقززًا.

كان صوت فانغ تيان تشو يحمل نبرة سخرية واضحة. 

فمع أن هي تشينغ وُلد لأبٍ مثل الوزير هي، إلا أن هذا الأخر لم يتردد في تغيير بنية ابنه الجسدية وإرساله إلى رجل آخر لينجب منه. 

هذا النوع من القسوة يتجاوز الوصف.

انخفض عنق هي تشينغ النحيل، وارتعشت رموشه الطويلة كجناحي فراشة، وبدت شفتاه حمراء، وبشرته كالثلج، وشعره كسواد الحبر، وملامحه ساحرة لا تُنسى.

ذكرت الرواية الأصلية: “لقد ورث جمال والدته الكامل، بل إنه أجمل من أجمل محظية في البلاد.”

مدّ فانغ تيان تشو يده النحيلة وأمسك بذقنه، وأُجبر هي تشينغ على النظر إليه، ثم سمعه يقول:

“أأنت خائف مني؟”

“لا…”

وفجأة، خطر لهي تشينغ أمرٌ مهم. 

عندما التقى فانغ تيان تشو به لأول مرة في القصر، كانت لديه انطباعات جيدة عنه. 

بالطبع، جماله ساهم كثيرًا، لكن فانغ تيان تشو أيضًا حقق بشأنه، وعرف أنه كان يتعرض للإساءة منذ طفولته على يد السيدة هي. 

بل إن هناك بعض أوجه التشابه بينهما.

توقّف ارتجاف جسد هي تشينغ تدريجيًا.

بمعنى آخر، لم تصل الحبكة بعد إلى مرحلة موته. 

وإن تمكن من تفادي ما فعله هي تشينغ في القصة الأصلية، فقد يتمكن من النجاة.

استعاد هي تشينغ رباطة جأشه، لكن جسده تراخى مرة أخرى، فأسندته ذراع قوية من خصره، وجذبه بخفة، فسقط في حضن الرجل.

نظر إليه فانغ تيان تشو من أعلى، بينما قال هي تشينغ معتذرًا على الفور:

“أنا… أشعر ببعض الانزعاج.”

شدّ فانغ تيان تشو ذراعيه أكثر، ورفع جسد هي تشينغ فجأة، ثم نظر إليه من أعلى وقال:

“سأستدعي الطبيب الإمبراطوري لرؤيتك.”

لا عجب أن الشخصية التافهة الأصلية وقعت في حبّه. 

فانغ تيان تشو سيّئ السمعة، لكنه كان لطيفًا جدًا مع هي تشينغ في أول لقاء لهما. 

كما أنه وسيم إلى درجة يصعب إيجاد مثله في هذا العالم، مما يمنح الآخرين وهْمَ أنهم أشخاص مهمون فعلًا.

وبعيدًا عن نهايته المأساوية، 

لم يستطع هي تشينغ، الذي يُفضل الرجال بطبيعته، 

أن يمنع قلبه من الاضطراب قليلًا.

احمرّت وجنتاه قليلًا: “لا، لا داعي لذلك.”

“حقًا لا؟”

أومأ هي تشينغ برأسه.

كان السرير واسعًا جدًا، يمكن لهي تشينغ أن يتدحرج عليه خمس مرات على الأقل. وضعه فانغ تيان تشو عليه بلطف، ثم مدّ يده ليضع وجهه في كفه وقال: 

“ما اسمك؟”

“ج… جينًا…” كاد هي تشينغ أن يعض لسانه، وكتم بسرعة لقب ' المهاجم الشجاع هي العظيم 'الذي كان يطلقه على نفسه أثناء اللعب، وقال بخفوت:

“هي تشينغ.”

ضيّق فانغ تيان تشو عينيه، فسارع هي تشينغ بالقول:

“اسم أمي هو جيو، وتُدعى جيو تشينغ.”

قطّب فانغ تيان تشو حاجبيه، ولم يُدرك هي تشينغ أنه قال ' أمي ' بدل والدتي '. ولما رأى العبوس على وجهه، تخيّل فورًا مشهد موته في ذهنه

وأخذ يعبث بقلق بطرف الملاءة وهو يتمتم:

“كنتُ… كنت أُدعى جيو تشينغ سابقًا… وبعدما دخلت قصر الوزير، غيّرت لقبي.”

( هنا فيه فرق لغوي دقيق. كلمة ' أمي ' تُستخدم غالبًا بشكل عفوي أو حميمي، بينما ' والدتي ' أكثر رسمية أو احترامًا، خصوصًا في السياقات التقليدية الصينية أو في الحوارات الرسمية )

لقب أمه الحقيقي هو ' السيدة عديمة القلب '، لأنها كانت جميلة لدرجة أن الرجال العاديين لا يستطيعون النوم من التفكير بها، وكانت تزدري الآخرين.

ابتسم فانغ تيان تشو ببطء، وراح يمرّر أصابعه على وجه هي تشينغ الناعم وهمس:

“ممتع… إذًا، سأناديك ' تشينغ إير '؟”

( "إير" (儿): لاحقة تصغير أو تدليل تُستخدم كثيرًا في الأسماء، خاصة بين الأقارب أو عند مناداة شخص بشكل حميم  فيه لمسة حنان وقرب. مثل كأنك تقول ' تشينغ الصغير ' أو ' يا عزيزي تشينغ ')

تقلّبت عينا هي تشينغ، وتذكّر فجأة صوت أصدقائه الشماليين القدامى وهم يصيحون أثناء اللعب: “ساعدوا تشينغ إير! تشينغ إير!” 

فأومأ بجدية، ثم خفّض رموشه وضغط على زاويتي فمه ليمنع نفسه من الضحك.

قال فانغ تيان تشو:

“الوزير هي أهداني تشينغ إير كي يُنجز مهمة إنجاب الوريث. هل يعلم تشينغ إير بذلك؟”

كان هذا اختبارًا.

إن قال إنه لا يعلم، فكأنه ضحية تم إرسالها من دون علمها، وقد يُغضب هذا فانغ تيان تشو. وإن قال إنه يعلم، فكم يعلم بالضبط؟ هل أُرسل للتجسس؟

في الرواية الأصلية، لم يقل فانغ تيان تشو هذه الكلمات لهي تشينغ، 

بل أخذه واستمتع به فحسب دون سؤال.

مرت الفكرة في ذهن هي تشينغ سريعًا، وفاض الكذب من لسانه بسهولة:

“أنا… أنا مغرم بك منذ زمن، وأنا مستعد لتغيير جسدي من أجلك، ونشر نسلك.”

ابتسم فانغ تيان تشو مجددًا.

خفض هي تشينغ رموشه، وكان قلبه ينبض بشدة. 

كلماته اختصرت المسألة، وعبّرت عن ولائه، لكنه لم يعلم ما إذا كان فانغ تيان تشو اكتشف كذبه.

هذا الرجل ليس سهلًا.

اقترب الرجل من شفتيه الناعمتين الممتلئتين، وظلّ نظره مظلمًا:

“بما أنه كذلك، فلن أُبدي احترامًا زائفًا.”

شعر هي تشينغ بأنفاسه الدافئة تلامس بشرته، 

وأصابعه تنزلق، فتصلّب جسده كله. وهذا يعني أنه لا مجال للرفض. مهما حاول، لن يتمكن من الهرب الليلة. 

وإن رفض، فسيُعتبر ذلك خداعًا للإمبراطور.

لا بأس، طالما وصل الأمر إلى هنا، فلنعتبرها لعبة هروب من القصر بإعداد غريب.

أغمض هي تشينغ عينيه، محاولًا الاسترخاء، لكنه بقي جامدًا.

ازدادت نظرات فانغ تيان تشو سوادًا.

قطعة الحلوى التي أرسلها الوزير تجرؤ على خداع الإمبراطور؟

عندما استيقظ هي تشينغ، ظنّ أن الجو غائم. 

ما حدث ليلة أمس بدا كالحلم، إلى أن فتح عينيه ورأى الستائر الأثرية للسرير، وبقايا لمسات فانغ تيان تشو على جسده، وآلامًا متفرقة.

قطّب حاجبيه، وشتم بهمس.

كان مستلقيًا في السرير، جائعًا، ومرهقًا إلى حد الهذيان.

ورغم أن ما حدث لم يكن برغبته، فإن وسامة فانغ تيان تشو جعلت الأمر أقل سوءًا. وإن نظر للأمر من زاوية التجربة الجسدية، فلم يكن بذلك السوء. 

بل كان جيدًا جدًا.

عندها، اختنق هي تشينغ بلُعابه وسعل مرتين.

وفجأة، سمع خطوات قادمة من الخارج، وسمع صوت فتاة تقول بلطف:

“هل استيقظ السيد الشاب؟”

تجمّد هي تشينغ ولم يرد.

قالت: “لقد أعددنا حوض الاستحمام. إن استيقظ السيد، ستساعده الخادمات على الاستحمام.”

تجوّلت عيناه داخل الستارة، ثم تحرك قليلاً وتوقف فجأة.

الاستحمام… يجب أن يغتسل.

لنُنظّف آثار أبناء فانغ تيان تشو أولًا.

رفع يده ولمس حلقه، وقال بصوت أجش:

“اخرجوا.”

ردّت الخادمة بقلق: “لكن جلالة الملك قال…”

“اخرجي.”

ترددت للحظة، ثم قالت بصوت عالٍ: “نعم.”

“أغلقي الأبواب والنوافذ.” أضاف هي تشينغ.

ورغم أن جسده كان يؤلمه، إلا أن حالته كانت أفضل بكثير من حالة الشلل بالأمس. وعندما تأكد من أن لا أحد في الخارج، رفع الستارة وخرج. 

وعندما نظر إلى ساقيه، توقف مصدومًا.

كانت بشرته الأصلية ناصعة البياض، يحسدها الجميع. أما الآن، فهذه الساق البيضاء تليق تمامًا بشخصية خيالية. 

ناصعة كالواقع المُفلتر.

نظر حوله، فوجد الأبواب والنوافذ المزخرفة مُغلقة. 

يبدو أن الخادمات مطيعات.

دخل إلى حوض الماء، ونظّف نفسه بتعبٍ وحرج، ثم تنفّس بعمق. وعندما رفع يده ليمسك بالمغرف، أثارت بشرته الناعمة دهشته مرة أخرى.

لا عجب أن فانغ تيان تشو لم يستطع التماسك، ولا عجب أنني أيضًا لم أستطع مقاومة نفسي.

في الماضي، كان دائمًا يستحم وهو يشاهد البث المباشر أو يلعب لعبة بسيطة.

لم يتذكر كم مرة أفرغ فانغ تيان تشو داخله، لكن تفكيره في إمكانية أن يكون لديه أبناء منه جعله يشعر بالهلع.

بدأ يشعر بالدوار وعدم التوازن.

“بلب!” تسلق هي تشينغ خارج الحوض. 

كانت ثيابه معلّقة على الستارة التي اختبأ خلفها بالأمس. جفّف جسده وارتدى ثوبه الطويل، وهو يشعر بأنه غريب عليه.

رفع نظره ورأى المرآة البرونزية، فاقترب منها بدافع الفضول… وصُدم.

هذه الشخصية التافهة التي لا تُضاهى فعلًا فاتن بلا حبيب لديه. النظرة الأولى تدهشك، الثانية تخطف أنفاسك، الثالثة…

فجأة، فكّر هي تشينغ:

مهلًا، أليست هذه الملامح تشبهني إلى حد ما؟

لكن الجلد أنعم، والعينان أوسع، 

والشفاه أكثر احمرارًا، والأنف أكثر تحديدًا… 

نعم، كأنه نسخة محسّنة من نفسه.

لا شك أن هذه الشخصية، أينما ذهبت، ستجلب معها هالة الإبهار.

وفجأة، لمعت في ذهنه شخصية من الرواية الأصلية.

أثناء فترة إقامة المالك الأصلي في القصر، كان هناك من يحدّق فيه دائمًا. ومن بينهم لوو يوانهو، وهو طبيب جوّال من عالم الأنهار والبحيرات، يملك مهارات طبية لا مثيل لها. 

دعاه الوزير هي لتطوير دواء للحمل، وهناك، لمحه لمحة واحدة، ووقع في غرامه من النظرة الأولى.

ورغم أن المالك الأصلي لم يلتفت إليه قط، إلا أن هذا الشخص هو أكثر من أحبّه في الرواية، وكان يندم دومًا على مشاركته في تطوير الدواء، لأنه لم يكن يعلم أن الدواء مخصص لحبيبه.

والآن، هذا الرجل قد تم ترشيحه من قبل الوزير هي للخدمة في ' مستشفى تايوان الإمبراطوري '.

هذا صحيح، كلما زاد العشاق، زادت فرص النجاة.

كان هي تشينغ، الذي كان مهمومًا بشأن كيفية منع الحمل، فجأة يشعر بالحماس.

المؤلف لديه مايقوله:

تحذير: أميرك اللطيف يستعد للهروب مع الساحر.

فانغ تيان تشو: وصلت إلى ساحة المعركة خلال خمس ثوانٍ.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]