🦋

 ييير… هل هذا شبه الوحش الخاص بياليك؟

قد يبدو امتلاك الرجل الوحش لشبه وحش أمرًا معتادًا، لكنه، بصراحة، ذاك الاحتضان الرقيق لذاك الأميرة الصغيرة… شيء يدعو للحسد!

على الأقل، هذا ما فكر به إرها، الذي كان يقف على مقربة وهو يرمقهم بعين متلهفة: 

أنت أيها شبه الوحش اللطيف، لماذا تقف هناك؟ أخاك هنا يود احتضانك بكل جوارحه…

لكنّ كل الأنظار كانت موجهة نحو ياليك، الذي بدا مختلفًا كل الاختلاف عن تصرفاته المعتادة في الآونة الأخيرة.

الجميع كان يعلم أن ياليك لا يتحدث عن ييير إلا بازدراء، وأن معاملته له باردة، منقطعة العاطفة. 

لا سيما بوجود أيميا، فقد مضى أكثر من عام دون أن يرى ياليك ييير ولو لمرة واحدة.

أما عن هذا العناق الحنون؟ 

لم يمنحه حتى نظرة ذات معنى من قبل!

رجال الوحوش في القبيلة لطالما وجدوا هذا السلوك لا يُطاق، لكن ماذا عساهم أن يفعلوا؟ 

ياليك كان قويًا، ذو مكانة مرموقة. 

وفوق ذلك، لم يشكُ ييير قط. 

بل كان يكرر دومًا أن ياليك رجل جيد.

هذا جعل أي محاولة للتدخل تبدو بلا جدوى.

أما بالنسبة لوجود أيميا، فقد غضّ رجال الوحوش الطرف عنه، رغم أن تقاليد عالم الوحوش تنص على الولاء المطلق لشبه الوحوش.

لكن ياليك… كانت له ظروفه الخاصة. 

لقد بلغ سن الرشد مبكرًا، بينما ظل ييير مراهقًا لم ينضج بعد. وكان على رجال الوحوش الراشدين أن يخضعوا بين حين وآخر لحالة بدائية من القلق الجسدي والنفسي.

هذا الاشتعال الوحشي لا يمكن وصفه، إنه إحساس لا يُطاق، لا يستطيع شبه الوحوش فهمه، لكنه يعصف بكيان الرجل الوحش.

وكلما زادت قوة الوحش، زادت شدة هذا القلق الوحشي بداخله.

أما قدرة ياليك على كبح جماح نفسه كل هذا الوقت… فتدل على أن تحمله يفوق التوقعات.

ولربما، حين ظهر آيميا، كان كقشة النجاة الأخيرة. 

فأيميا، شبهه الوحش الناضج، الجميل، العارف بخبايا النفوس… كان كزهرة نادرة.

وياليك، الذي اعتاد على الغرور والعظمة، شعر أن هذا الوحش الراقي لا يجب أن يكون لغيره.

لكن الآن… بدا أن ياليك قد تخلّى كليًا عن أيميا، ذاك الذي بدا وكأنه أصبح ممسوحًا بالأقدام!

رجال الوحوش لم يصدقوا أعينهم!

ما الذي حدث بحق السماء؟!

كان تشين مو قد شاهدهم جميعًا فور وصوله، 

لكن ملامحه لم تتغير. لم يبدو عليه أي تعجب. فقد استقبل جزءًا من ذاكرة ياليك، لذا كان على دراية بكل من أمامه.

تقدّم بخطى ثابتة وهو يحتضن شي تشينغ، 

وأمر بصوت قاطع: “خذوهم إلى السجن.”

ولم يستفق رجال الوحوش من صدمتهم إلا بعد أن غادر تشين مو المكان.

وفي تلك اللحظة، لاحظ الجميع شيئًا كانوا قد غفلوا عنه… خلف تركيزهم الموجه، كان هناك رجل وحش آخر!

كان غريبًا كليًا، ليس من رجال قبيلة ياسين!

وكان نسرًا ضخمًا، شاهق الحجم.

تقدّم الدب القطبي الضخم، وتحول إلى هيئته البشرية، ثم نظر إلى النسر من علٍ.

أخذ يتفحّصه بتمعن حتى وجد وشمًا سداسي الشكل تحت ريشه… إنه من قبيلة كرو!

رجل وحش من القبيلة العدوة!

كان حلق النسر ممزقًا، لكن الضربة لم تكن قاتلة تمامًا. فرغم الدماء التي غطته، ما زال يحتفظ بأنفاسه الأخيرة.

فكر الدب القطبي لبرهة، ثم أخرج دواءً نادرًا ووضعه على الجرح لوقف النزيف.

النمر المرقّش الواقف إلى جواره لمح بدوره الوشم على جسد النسر، وتجهم وجهه.

قبيلة كرو هي العدو اللدود لقبيلة ياسين، وصراعهما ممتد، دموي، لا يرحم.

كلما تقابل رجال القبيلتين، كان القتال حتميًا، بلا مقدمات.

صرخ النمر بانفعال حين رأى الدب يستخدم الدواء:

“دا باي! هل جننت؟ إنه العدو! أنقذت عدونا!”

اقترب منه الدب الضخم بغضب وهدر بصوته العميق:

“تبًا لك، هل لديك عقل من الأساس؟ أتظن أن الزعيم عاجز عن قتل هذا النسر؟ مادام لا يزال حيًا، فهذا يعني أنه مهم… وفوق هذا، سيكون نافعًا!”

ثم تركه ووجه أوامره بنقل النسر إلى السجن.

وبعدها، وجه نظره مجددًا نحو أيميا.

هذا شبه الوحش كان معقدًا.

فشبه الوحوش لهم قيمة عظيمة بين رجال الوحوش، حتى إن كانوا أسرى. 

يتم الاعتناء بهم جيدًا، ومحاولة إصلاحهم، بدلاً من التخلص منهم. أما إن كانوا من القبيلة نفسها… فهم يُعاملون كالكنوز.

والكثير من رجال الوحوش ما زالوا عازبين…

إن لم تحافظ على شبه وحشك، فهناك دوما من ينتظر الفرصة ليحلّ محلك.

تمامًا مثل إرها، الذي لا يزال يتربص بكل شبه وحش يظهر أمامه. وقد بات مقتنعًا تمامًا أن ' وانغ ' الشهير أصبح ملكه!

لكن المشكلة أن آيميا كان من رجال ياليك… وهذا ما جعل الأمر معقدًا أكثر.

إلا أن الحل جاء من حيث لم يتوقع أحد.

حين اقترب وحش وحيد القرن لحمل النسر إلى السجن، حدث أمر مذهل.

جسد النسر تقلّص فجأة… أصبح طوله نصف متر فقط!

صدمة عمت المكان!

النسر كان قد خضع للتعزيز!

الوحوش يمكن تعزيزهم من قبل شبه وحوش، 

لكن لا يمكن أن يتم هذا إلا بوجود شبه وحش.

وبالنظر إلى ما حدث، كان واضحًا أن ييير لم يبلغ سن الرشد بعد، لذا لا يملك القدرة.

وياليك، رجل وحش، لا يمكنه تعزيز أحد.

فلم يبقَ سوى احتمال واحد…

أيميا!

فجأة، تحوّلت أنظار الجميع نحوه.

آيميا هو من عزّز ذاك النسر…

النسر من قبيلة كرو!

ويجدر بالذكر أن عملية التعزيز لا تتم بين أي اثنين.

تتطلب توافقًا روحيًا شبه كامل، ثقة عميقة، وانسجامًا مطلقًا.

فعند التعزيز، يرسل شبه الوحش طاقته الروحية العظيمة إلى جسد الرجل الوحش، ليكبح جماح اضطرابه الوحشي، ويزيد من قوته الهجومية بشكل مذهل.

لذا، إذا كان آيميا هو من عزز هذا النسر… فهذا يعني وجود علاقة حقيقية بينهما.

علاقة لا تقبل الشك…

تبدلت ملامح وجه الدب القطبي الضخم فجأة. 

لم يتردد لحظة، التقط آيميا بيد قاسية خالية تمامًا من الرقة، ثم مضى ليقذفه بلا شفقة إلى السجن.

في عالم رجال الوحوش، الخيانة كانت جريمة لا تُغتفر.

على وجه العموم، كانت بيئة الحياة في عالم الوحوش مختلفة كليًا عن عالم البشر.

لا وجود لأي تقدم علمي أو تكنولوجي يُذكر. 

كان هناك على الأقل شبه وحش ذكي اخترع عددًا من الأدوات البسيطة للاستعمال اليومي. 

أشياء مثل الطاولات، الكراسي، أطباق الطعام، وحتى أدوات المائدة.

رغم أنهم كانوا يسكنون في منطقة واحدة ثابتة، إلا أن ما يُسمى بيوتًا لم تكن سوى تلال طينية دائرية.

قد يبدو الوصف جذابًا، لكن في الحقيقة، كانت من الخارج أشبه ببيوت مهجورة.

توفّر مأوى من الرياح والأمطار، ولا شيء أكثر من ذلك.

أما بيت ياليك، باعتباره الزعيم الأعلى، فكان يُعتبر فاخرًا بالمقاييس المحلية. كان أيضًا تلاً طينيًا، لكنه أكبر حجمًا، وأكثر إشراقًا واتساعًا.

ثُبّتت بلورة ضخمة في سقف التل، مما سمح للضوء بالدخول – هذه كانت نافذته السماوية، وتلك كانت كل الإنارة التي يحتاجها.

أما الأثاث… فلا تتخيل كثيرًا. 

فقط سرير خشبي، وطاولة، وكرسي. 

هذا كل شيء.

عاد تشين مو وهو يحمل شي تشينغ طوال الطريق إلى هذا المكان البسيط.

وفي الطريق، تلقّى شي تشينغ وابلًا من النظرات المباشرة، الفضولية وغير المتحفظة.

شعر بحرج شديد (囧)، وظن أن مظهره وهو يُحمل هكذا كان مُهينًا، لكن الحقيقة أن رجال الوحوش كانوا مصدومين – لأن ياليك كان يحمل ييير بنفسه!

ورغم صدمتهم، إلا أن في أعماقهم، جميعهم كانوا يستمتعون برؤية هذا المشهد!

فرغم أن آيميا كان جميلًا، وكان محبوبًا من الزعيم، إلا أن طباعه المتعجرفة، خاصة كونه نصف غريب، جعلته شخصًا غير محبوب.

لم يُظهر أي ودّ تجاه باقي رجال الوحوش، واحتقر كل من هم من المستوى الأدنى. 

كان متعاليًا، منعزلًا، لا علاقة له بأحد.

أما ييير فكان عكسه تمامًا. 

وُلد في القبيلة، طيب القلب، يعامل الجميع بلطف، كما أنه شبه الوحش الحصري لياليك – هدية مباركة من إله الوحوش نفسه!

الشعب شعر أن ييير كان أفضل من آيميا بأشواط!

ولهذا، عندما رأوا زعيمهم العظيم يحتضنه هكذا أمام الجميع، شعروا أن الظلام الكامن في قلوبهم بدأ يتبدد.

أخيرًا استفاق ياليك!

أخيرًا وجد الحب الحقيقي!

ذلك الوحش أخيرًا أدرك قيمة الذهب الحقيقي!

والآن، أصبح من الممكن أن يلمع وجه الزعيم من جديد!

نتمنى لكما اتحادًا سعيدًا، ونسلًا جميلًا ذكيًا لطيفًا من الوحوش! (……)

ولو كان شي تشينغ يعلم ما يدور في أذهانهم، على الأرجح كان سيتخلى عن المهمة من فوره ويهرب بلا رجعة.

هذا العالم رهيب جدًا! 

أنقذني أيها الأخ الدليل السريع!

دخل تشين مو مباشرة إلى تله الطيني.

وما إن أصبح شي تشينغ حر الحركة، قفز من بين ذراعيه، وسرعان ما استعاد توازنه على الأرض.

راقبه تشين مو بنظرة متجهمة، وعقد حاجبيه قليلًا.

لاحظ شي تشينغ ذلك، وظن أن تشين مو قلق عليه من إصابتة. 

فأراد أن يطمئنه، بل ويغتنم الفرصة ليتفاخر بأسلوبه الإلهي في الهروب، لكنه لم يجد فرصة، إذ قال له تشين مو ببرود:

“أنت، عد إلى القلادة اليشمية.”

شي تشينغ: “!”

“لا يُسمح لك بالتجول مجددًا.”

شي تشينغ: “…”

من يخبره، كيف عليه أن يرد على هذا النوع من الحوار؟

أيها المضيف، هل تمزح معي؟ 

أهذا نوع جديد من حسّ الفكاهة؟

نظر شي تشينغ إلى تعبير تشين مو الجاد، الخالي تمامًا من أي أثر للمزاح.

… إذن، أنت جاد حقًا؟

أخذ شي تشينغ نفسًا عميقًا، محاولًا تهدئة نفسه. 

لا يمكنني التعامل مع مختل عقلي كما أتعامل مع الناس العاديين…

حاول أن يتقمص نفس الجدية، وقال بلهجة رسمية:

“رغم أنني نظام، إلا أن عليّ إتمام هذه المهمة. دوري هو تمثيل شخصية ييير بإتقان. 

المهمة بدأت بالفعل، ولا يمكنني مغادرة جسد ييير إلا إذا قررت التخلي عنها تمامًا.”

لكن، رغم حديثه المقنع، لم تتغير ملامح تشين مو قط.

فواصل شي تشينغ الدفاع:

“ما حدث مجرد انحراف بسيط في موقع الهبوط. 

لا مشكلة الآن، كل شيء تم بنجاح، ولن أكرر ذلك أبدًا!”

وعند هذا الوعد، بدأت ملامح تشين مو القاسية تلين قليلًا.

لكن ما إن ارتاح شي تشينغ للحظة، حتى وجد نفسه في وضع مربك تمامًا…

ذراع تشين مو أحاطت بخصره فجأة، وجذب جسده بقوة، ودفن رأسه في عنقه، ثم… لعق جلده بلطف.

كانت لمسة حارة، مصحوبة بتحذير بصوت خافت، أجش: “تذكّر ما قلته.”

شي تشينغ تجمّد!

عندما لعقه تشين مو في هيئة الفهد، بدا الأمر مثل قطة كبيرة تدلّلت عليه.

لكن الآن… الآن وهو في هيئته البشرية، الأمر مختلف كليًا!

غامض جدًا… مثير للغاية!

الملمس كان يدغدغه بجنون، وجبهته احمرّت، وحرارة جسده ارتفعت بلا تحكم.

في أذنه، لم يعد يسمع سوى صوت نبضات قلبه، تتسارع، تدوي!

ما الذي يحدث لي؟

اتسعت عينا شي تشينغ، عاجزًا عن مقاومة هذا الشعور الجارف الذي انطلق داخله فجأة.

مشاعر فوضوية، غير مفهومة، غمرته من كل جهة.

ثم… جاء الألم.

حاد، مفاجئ، مصدره أسفل بطنه مباشرة.

لم تسنح له الفرصة حتى ليتفاعل…

فقد وعيه تمامًا.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]