🦋

 ييير؟ شريك ياليك؟

ما إن ارتطمت هذه الكلمات بعقل شي تشينغ حتى اتضحت له هوية هذا الشخص على الفور.

كانت شخصية ييير، طوال مجريات الأحداث، أشبه بظلٍ غير مرئي، بالكاد يُذكر. 

فرغم أنه عُرف منذ البداية بأنه زوج ياليك، 

إلا أنه بعد ظهور أيميا، أصبح كدمية تُضرب وتُهمل. 

كان يتعرض للتنمر الخفي من أيميا، حتى تلاشى وجوده تدريجياً. لم يكن يُعامل كرفيق زعيم القبيلة بل كعبدٍ بالكاد يُلاحظ.

وبالطبع، النقطة الجوهرية كانت أن ييير كان شخصية ضعيفة للغاية. وبسبب تطوره البطيء وعدم بلوغه مرحلة النضج، كان يعاني من شعور عميق بالنقص والدونية. 

كان مقتنعاً بأنه لا يستحق أن يكون شريكاً لياليك، لذا حتى بعدما دخل أيميا حياة الأخر، لم يمتلك الجرأة ليعترض أو يتكلم.

من المهم أن نعلم أن عالم الرجال الوحوش يختلف جذرياً عن عالم البشر—كاختلاف الليل والنهار. 

فـ شبه الوحوش كانوا نادرين، ورغم أنهم لا يملكون أي قوة قتالية، إلا أنهم يتمتعون بخصوبة عالية، وكانوا قادرين على إنجاب ذرية قوية. 

أضف إلى ذلك قدرتهم التوجيهية الفريدة، التي تهدئ الوحشية الفطرية في الرجال الوحوش، بل وتزيد من قدراتهم القتالية بدرجة ما.

لذا، كان كل رجل وحش يتمنى أن يكون له شبه وحش خاص به، ولكن للأسف، كانت أعدادهم قليلة جداً، والعرض لم يكن أبداً كافياً لتلبية الطلب. 

أغلب الرجال الوحوش عاشوا دون رفيق من شبه الوحوش، ولم يكن يحظى بفرصة الارتباط بأحدهم سوى أولئك الأبطال النادرون المميزون.

وياليك، رغم كل شيء، لم يكن من أصل وضيع. 

ورغم أن قبيلة ياسين كانت تُصنف آنذاك كقبيلة متوسطة المستوى، إلا أن والده كان زعيم القبيلة. 

وبما أن ياليك كان الابن الوحيد لذلك الزعيم، فقد نشأ مدللاً ومحبوباً بلا حدود.

أما ييير، فكان شبه وحش وُلد في قبيلة ياسين نفسها. 

ورغم عدم وجود بالغين يمكنهم تقييم قدراته بدقة، إلا أن شكل وحشه الطفولي كان جميلاً وظريفاً، مما أوحى بإمكانية إنجابه لنسل عالي الجودة. 

والأهم من هذا، أن توافقه الوراثي مع ياليك، حين كانا لا يزالان أطفالاً، بلغ 70%. وهذه النسبة كانت كافية لتُفهم على أنها إشارة من إله الوحوش بأن ييير قد خُلق خصيصاً ليكون شريك ياليك الوحيد.

ولهذا، تزوجا مبكراً.

لكن من كان يتوقع أن يرحل الزعيم العجوز عن الحياة قبل أن يبلغ ييير سن الرشد؟ 

فشبه الوحوش في مرحلة المراهقة لا يمكنهم الدخول في علاقات جنسية مع رجال الوحوش البالغين. لا يستطيعون الإنجاب، ولا تهدئة العنف الداخلي، ولا حتى تعزيز القوة القتالية.

وهكذا، امتلك ياليك شريكاً لا يمنحه أياً من الامتيازات. والأسوأ أن بعض القبائل المعادية بدأت تهاجمه طمعاً في الاستيلاء عليه.

في العادة، ورغم السخرية أو الازدراء، فإن الرجال الوحوش كانوا يُعرفون بولائهم المطلق. لم يكن من المقبول أبداً أن يهجر أحدهم شبه وحشه.

إذ أن عدد الرجال الوحوش الذين عاشوا لسنوات طويلة وحدهم، يعانون لياليهم بسبب وحشيتهم المكبوتة، كان هائلاً. 

وكان هؤلاء يكرهون أولئك الذين تخلوا عن شركائهم كراهية عميقة.

لكن ياليك، كان يمتلك هوية مغايرة. 

وبسبب بطء نمو ييير، حين ارتبط بأيميا، لم يتعرض لانتقادات تُذكر.

ومع ذلك، فإن سلوكه ذلك، جرح قلوب أبناء قبيلة ياسين. 

إذ حتى إن كان ييير عاجزاً عن أداء واجباته كشبه وحش، فإنه ما زال فرداً من قبيلتهم، ورفيقاً لطالما اعتُبر شريك الزعيم. 

أما الآن، فقد أصبح يُعامل بجفاء، يُتجاهل، ويُترك ليعيش في مستوى وضيع ومهين. مما جعل بقية شبه الوحوش في القبيلة يشعرون بالخوف؛ فقد خشوا أن يقلّد رجالهم سلوك الزعيم. 

أما الرجال الوحوش، فقد بدأوا يشككون في شخصية قائدهم.

من هنا، أصبح وقوع ياليك في حب أيميا كمن حفر قبره بيده.

وما زاد الطين بلة، هو أن ييير في هذه اللحظة تحديداً، اكتشف أن أيميا ليس سوى خائن يتعاون مع عدو خارجي!

شي تشينغ، وهو يستعرض كل ما حدث منذ لحظة عبوره إلى هذا العالم، لم يستطع إلا أن يلعن حظه في سره. 

حسناً، أن يعبر إلى جسد ييير؟ مقبول. 

لكن ألم يكن من المفترض على الأقل أن يكون التوقيت والمكان في صالحه؟

لقد دخل المشهد بالصدفة فقط ليصطدم بحبيب شريكه، متلبساً بعلاقة غرامية مع رجل آخر؟ 

وكأن هذا لا يكفي، فقد أفشى موقعه بمجرد ظهوره! هل هذا ما يُسمى بـ قمة الحظ العاثر؟

أنا، والدك، لا أريد أن أموت فوراً بعد العبور! 

اختيار شخصية عشوائية مقابل نقاط مضاعفة؟! حسنٌ، وماذا أفعل بالنقاط إن كنت سأموت الآن؟ آكلها؟!

ومع مسحة سخرية مريرة، مسح شي تشينغ فمه، وبدأ يُعد خطة للهرب.

أمامه مباشرة، وقف أيميا—معدوم القوة القتالية تقريباً—لكن عشيقه لم يكن بسيطاً.

أن يتسلل إلى قبيلة معادية فقط ليلتقي بحبيبه؟ 

لا بد أنه قوي ومهارته لا يُستهان بها!

أما عن جسد شي تشينغ الحالي، فكان يصعب ضربه بسهولة. 

وإن أراد الهرب؟ فطاقته كافية تماماً لذلك.

ولننسَ أن شي تشينغ لم يكن شخصاً عادياً. 

فتح واجهة النظام وأرسل رسالة سريعة إلى تشين مو، يُبلغه فيها بهويته وموقعه، وكل ما صادفه من مخاطر.

وبعدها، بدأ يركض بكل ما أوتي من قوة. 

ولحسن حظه، أنه استمع لنصيحة تشين مو حين اختار هذا الجسد—فهو يتمتع برشاقة عالية وجسد مرن. 

ورغم ضعف قوته البدنية، فإن مهارة الهرب 

إله الألف ميل عوضت عن ذلك.

ورغم أنها المرة الأولى التي يستخدم فيها المهارة، وكان إتقانه لها لا يزال في بدايته، إلا أن الشعور بالقوة وهو يفعلها كان هائلاً، وسرعان ما انطلق كالصاعقة، متفادياً الخطر.

لكن خصمه المجهول لم يكن خصماً عادياً. 

ما إن لمح شي تشينغ، حتى تحول إلى هيئته الحيوانية—وكانت صقرًا!

حيوان طائر؟ لا عجب أنه تسلل إلى القبيلة بسهولة!

بدأ قلب شي تشينغ ينبض بسرعة جنونية. 

رغم مهارة إله الألف ميل وسرعته الخاطفة، ورغم معرفته بجغرافيا المكان بفضل ذاكرة ييير، إلا أنه لا يستطيع الفرار من خصم يطير! 

هل يُقارن خط مستقيم بخط متعرج؟!

ثم خطرت له فكرة. 

إن كان الآخرون قادرين على التحول لحيوانات، فلمَ لا يحاول هو أيضاً؟ 

ربما كان نوع وحش ييير طائراً كذلك!

وبينما يفكر، ظهرت له صورة الوحش الخاص بييير… وللحظة شعر بالغضب!

لا، الأفضل أن أبقى على هيئتي البشرية. إن تحولت، على الأرجح سيحملني في كيس مثل بقايا طعام…

ورغم كل هذا، لم يكن شي تشينغ يشعر بالقلق الشديد. 

لقد أرسل رسالة إلى تشين مو، ومتى وصل الدعم، سيجد حلاً. كل ما عليه هو كسب بعض الوقت.

ومع ذلك، كان لدى شي تشينغ خطة صغيرة أيضاً. 

هذان الكلبان قد يكونان مفتاحاً لتحقيق المهمة، فإن استطاع التلاعب بهما قليلاً، وإبقاؤهما في دائرة مفرغة هنا وهناك، فعندما يحين الوقت، سيتمكن تشين مو من الإمساك بهما والتحقق مما إذا كان لديهما أي فائدة تُرجى.

طوال الوقت، ظل شي تشينغ يستغل تضاريس المكان ليُراوغ ملاحقه، بينما يحوم باستمرار حول موقع أيميا، دون أن يبتعد كثيراً.

وبينما كان يشاهد هذا المطارد المتواصل، غطّت ملامح أيميا الجميلة غمامة من القلق، سرعان ما تحولت إلى قسوة ظاهرة لا لبس فيها. 

لم يتخيل يوماً أن ييير، ذلك الحثالة عديم النفع، سيظهر في هذا المكان! 

والأسوأ من ذلك، أنه اكتشف سره هو وباروي!

باروي لم يكن شخصاً عادياً؛ كان نائب زعيم قبيلة كرو، ألد أعداء قبيلة ياسين. 

وكانا معاً يُعدّان العدة لغزو أراضي ياسين والسيطرة عليها، طمعاً في الموارد من المستوى السابع.

إذا تمكن ييير من الفرار، فسيتم فضح هوية أيميا الحقيقية. 

وحتى إن نجح في خداع الأحمق ياليك، 

فلن يستطيع التلاعب ببقية قادة قبيلة ياسين. 

وعندما يحين وقت الهجوم، سيكونون يقظين ومستعدين. وفي تلك الحالة، من الصعب التنبؤ بنتائج الصراع على الموارد!

هل ضاعت كل جهوده في إخفاء مخططاته هباءً؟

كلما تعمق في التفكير، ازداد قلقه. 

عندها اتخذ أيميا قراره: سينضم إلى باروي في المطاردة. ورغم كونه شبه وحش ذو هيئة صغيرة، إلا أن قوته الهجومية كانت تفوق بكثير تلك التي يمتلكها شبه وحش غير ناضج.

فـييير ما هو إلا مراهق بعد، ومن المؤكد أنه سيتمكن من قمعه!

وبينما كان يفكر بهذه الطريقة، ارتعش جسده وتحول فوراً إلى هيئة حيوانية—غزال بني صغير. خفض رأسه المُتوّج بقرنين طويلين، وانطلق كالمجنون نحو شي تشينغ.

لم يكن شي تشينغ قد خاف من الصقر، لكنه ذُهل حقاً عندما رأى هذا الغزال الصغير! هل يستخفّون به لهذه الدرجة؟ حتى غزال صغير جاء ليتنمر عليه؟ هل يظنون النمر العظيم مجرد قطة مريضة؟

بقفزة جانبية، تفادى مخالب الصقر، ثم التفت سريعاً، وركل بعنف رقبة الغزال الصغير وهو يمر بجانبه كالعاصفة.

غزال صغير، غزال صغير، شكلك لطيف… لكن لمَ كل هذا العبوس؟ وجهك لا يُطاق حقاً.

لم يكن أيميا يتوقع أبداً أن ييير سيُظهر مثل هذا الرد السريع. لم ينجُ فقط من هجوم باروي، بل ردّ عليه هو الآخر بهجوم عنيف!

رغم ضعف جسد الغزال، فقد اعتقد أيميا أنه يستطيع الاعتماد على قرونه القوية لإلحاق الأذى بييير. 

لم يكن يتخيل أنه سيتلقى تلك الركلة الموجعة التي جعلته يئن من الألم، ويصرّ على أسنانه. وجهه الجميل الذي كان يفيض بالبراءة، تحوّل على الفور إلى ملامح شرسة وحاقدة.

صرخ أيميا بصوت عالٍ: “باروي! تعال إليّ!”

وعلى الفور، غيّر الصقر العملاق مساره، مُبتعداً عن شي تشينغ ومتجهاً نحو أيميا.

كان شي تشينغ في حيرة من أمره، غير قادر على معرفة ما الذي كان على وشك الحدوث. 

رأى الصقر يهبط باتجاه أيميا، لكن الأخير لم يُظهر أي خوف، بل فتح ذراعيه واحتضن رأس الصقر، وأغمض عينيه، ثم طبع قبلة على منقاره الحاد!

لو لم يكن شي تشينغ قد حصل على ذاكرة ييير، لربما اكتفى بالسخرية من هذا المشهد السخيف، لكنه كان يعرف جيداً قواعد هذا العالم—وهذا كان نذير شؤم بالنسبة له!

وكما توقع، بعد أن أطلق أيميا سراح الصقر—الذي لم يكن طوله يتجاوز نصف متر—بدأ الأخير في التمدد والانتفاخ، حتى تضاعف حجمه أكثر من خمس مرات! 

امتد جناحاه بقوة، وصار منقاره الحاد أشبه بشفرة حادة، أما مخالبه، فقد صارت أشبه بخناجر قادرة على تمزيق الفولاذ!

ما هذا بحق الجحيم؟ هذا وحش حقيقي!

بدأ الهلع يتسلل إلى قلب شي تشينغ. 

جسده هذا ليس خنجراً ولا قلادة يشيم، بل جسد بشري من لحم ودم! 

ومنذ لحظة عبوره، وهو يشعر بعدم التوافق!

هل سأتمكن من النجاة هذه المرة؟

لم يعد يحتمل البقاء بقرب هذين الاثنين. 

فبدأ يركض بجنون، هذه المرة ليس مراوغة بل هرباً حقيقياً.

لكن الصقر العملاق لم يكن فقط أقوى، بل صار أسرع بأضعاف. في لمح البصر، كان قد اقترب من شي تشينغ، وشارف على غرس مخالبه في ظهره!

ارتجف جسد شي تشينغ بالكامل، وبدأ العرق البارد يتصبب من جبينه. 

كان يستعد بالفعل لتلقي الألم الناتج عن تلك المخالب الشبيهة بالرماح، حين ظهر ظل أسود من العدم!

كان سريعاً إلى حد أنه كاد يكون غير مرئي للعين المجردة. 

انقضّ على الصقر العملاق كالصاعقة، واستهدف حلقه مباشرة، قافزاً بقوة تكاد تجعله يبدو طائراً في الهواء. 

الهجوم لم يكن دقيقاً فقط، بل كان وحشياً ومهيباً!

أطلق الصقر صرخة مروعة، وملأ الهواء رائحة الدم القوية. كانت المعركة قصيرة وسريعة، وانتهت خلال لحظات.

وعندما عاد وعي شي تشينغ إلى جسده، نظر باتجاه المعركة، فرأى قوام فهدٍ قوي، مشرق البنية، وأنيق الوقفة، بعينين سوداويتين عميقتين. 

وكأن الأرض كلها تخضع لهذا الملك المتوّج، المهيمن، الطاغي!

تحت مخالبه، كان الصقر العملاق يحتضر. 

الدم يتدفق من حلقه، وعيناه قد انقلبتا، وتلاشى منها كل التبجّح والغطرسة.

رغم أن الهيئة اختلفت، إلا أن شي تشينغ عرفه من النظرة الأولى.

إنه… تشين مو!

آوووه، آوووه، آوووه! هذا الفهد وسيم جداً! 

رائع جداً! أريد لمسه! (﹃) يسيل لعابي…

أما أيميا، فقد انهار مكانه، وبهت لونه حتى صار شاحباً كالأموات. 

همس بصوت مرتجف: 

ياليك… إنه ياليك…

لقد انتهيت… أنا هالك لا محالة…

لا! ليس بعد!

وفجأة تمالك أيميا نفسه. 

كان جسده مغطى بالأوساخ، وحتى آثار قدم شي تشينغ ظهرت على ملابسه بعد الركلة. 

عندها انهار بهدوء على الأرض، مرتدياً ملابس بيضاء فضفاضة، بهيئة واهنة وهزيلة، ووجه جميل متألم، بان عليه الحزن وهو يصرخ:

“ياليك، ييير… ييير كان يتحدث مع عدو! 

تواطأ مع أحد رجال قبيلة كرو! 

رأيتهم صدفة… إنهم… إنهم يريدون قتلي!”

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]