🦋

 استغرق الأمر وقتاً طويلاً من شي تشينغ ليقرأ ' الدليل السريع لتكون نظاماً 'من الغلاف إلى الغلاف، ولم يكن ليفلح في ذلك لولا مهاراته الخارقة في القراءة السريعة. 

فلو لم يكن يمتلك تلك القدرة، لظل يلتهم الصفحات إلى أن يتساوى مع عمر القِدماء، إذ كان الكتاب بسماكة تعادل معجم كانغشي الشهير.

ومع ذلك، لم يكن يمتلك ذاكرة فوتوغرافية، ولهذا، 

فرغم أنه اطلع على كافة المعلومات واكتسب فهماً ضبابياً عنها، إلا أن تذكّر كل تلك التفاصيل؟ 

كان ذلك أمراً مستحيلاً.

بعد أن فهم وضعه أكثر، خيّم عليه شعور من الكآبة. 

هذا النظام، في جوهره، كان معجزة شاملة، يغطي كل شيء من أبسط الأمور كالحصول على الطعام لملء البطن، إلى أعظم القوى التي تتحدى قوانين السماوات. 

عدد لا يُحصى من الأدوات، والملحقات، 

والاختراعات المذهلة، كلها في متناول يده… كان بإمكانه أن يكون السيد الأعلى، الحاكم المرموق، المتحكم بكل شيء، لا ينقصه شيء في هذا العالم.

لكن… كان هناك شيء واحد يثير غيظه بشدة: 

لماذا لا يُعتبر سيداً بحق؟

فالدليل السريع قد ذكر، وبشكل رسمي وصريح في أكثر من موضع، أن شي تشينغ قد ورث هذا النظام، وأنه النظام نفسه، لكن… إذا كان هو النظام، فلماذا لا يستطيع التحكم في محتوياته؟ 

ما معنى أن عليه أن ينفق نقاطاً للحصول على شيء، 

رغم أنه ' يملك ' كل هذا؟

أي سيد يضطر لدفع المال مقابل كنوزه الخاصة؟ 

ألا يُفترض أن تكون مجانية؟ 

إلا إذا… لم يكن هو السيد الحقيقي، بل مجرد بوّاب صغير!

شي تشينغ، بعقله المتوقد، راجع الأمور مرة أخرى، وفجأة انجلت أمامه الصورة بالكامل.

هاهاها! إذن أنا مجرد بوّاب، وكل هذه الكنوز لا تعنيني بشيء، لأنها ليست لي من الأساس؟ 

إذن الحلم بالهيمنة على العالم، وبالعيش في أحضان امرأة ناضجة عن يساري، ولولي فاتنة عن يميني، مع إخوة أوفياء يتبعونني في كل مكان… 

مجرد أوهام سيحققها غيري؟!

هاهاها، أي وجه لك أيها القدر!

كلما فكر في الأمر أكثر، ازداد غضباً. 

كيف يمكن لصاحب هذا النظام أن يسلّم كنوزه للآخرين بكل بساطة؟! من يظنه نفسه؟ إنه ليس قديس البشرية! لو خُيّر، لاحتفظ بكل شيء لنفسه دون أن يرمش له جفن.

قطع تلك الأفكار مؤقتاً، وعاد إلى دليل النظام ليضع خطة للاستيلاء على كل شيء لنفسه.

فتح فصل ' كيفية كسب نقاط النظام '. 

كان موضحاً فيه أن عليه أولاً إيجاد مضيف، وتوقيع عقد معه، وبعدها، كلما أنجز المضيف المهام الموكلة إليه من النظام، يحصل على نقاط كمكافأة. 

وفي الوقت ذاته، ينال شي تشينغ، بصفته النظام، 50٪ من تلك النقاط كمقابل.

روح شي تشينغ، التي كانت تتنقل بحُرية في الفضاء، شعرت بالغضب من هذا العقد الإجباري. 

أي نوع من الجحيم هذا؟!

في الأصل، لم يكن يخطط للعثور على مضيف. 

لكن، وبدون مضيف، لا يستطيع جني النقاط، ولا حتى الحصول على جسد… فما بالك بالكنوز؟

آه… بعد الكثير من التفكير المؤلم، لم يجد بُداً سوى قبول الواقع: 

عليه فتح باب خزائنه ومشاركتها مع سيد محظوظ آخر.

“إذا كان لا بد لي من اختيار شخص، فليكن مناسباً لي تماماً!”

وما إن فكّر بذلك، حتى انبعث نور من الدليل فجأة، وظهرت عبارة تلقائياً أمامه:

“تم اختيار المعايير، والعثور على المضيف المناسب، هل ترغب في استقباله؟”

وها قد جاء الشيطان على ذِكره! 

ما إن بدأ شي تشينغ بالاستعداد نفسياً، حتى أُلقي إليه المضيف مباشرة.

وحين لم يُبادر بالرد، ظهرت ملاحظة صغيرة أسفل الدليل تقول:

“أمامك عشر ثوانٍ للموافقة على المضيف المحدد، 

إلغاء العملية سيترتب عليه انتظار لمدة خمسمائة عام لاختيار مضيف جديد.”

ارتعدت أوصاله من هذه السطور الصغيرة. 

لم يجرؤ حتى على التفكير، وبسرعة ضغط على ' قبول '.

خمسمائة سنة؟ أتمزحون؟ 

أن يبقى وحيداً مع هذا الدليل طوال هذا الزمن؟ 

حتماً سيصاب بالجنون!

وفور اختياره للمضيف، اجتاحه دوّار، ثم اندفعت سيل من المعلومات إلى عقله، كما لو كانت شبكة إنترنت ضخمة تضخ البيانات دفعة واحدة. 

فوضى من الصور والمقاطع التي تراصت تدريجياً لتشكّل قصة رجل مضطرب المسار.

وفي النهاية، ظهرت تلك العيون…

سوداء، موحشة، كأنها هاوية أعماق البحر.

كانت نظرات تحمل طيف الموت: قاتمة، قاسية، لا تلين.

ورغم أنه فزع في البداية، فقد أدرك – من خلال الذكريات المتدفقة إليه – من يكون هذا الشخص.

تشين مو.

مضيفه…

صمت شي تشينغ للحظة، ثم همّ بالركض عائداً إلى الدليل ليبكي، صارخاً: 

“أريد تبديل اللاعب، رجاءً أعطوني صفقة تبادل!”

من ذا الذي يوقّع عقداً كهذا؟! 

هو مجرد شخص بسيط، بريء، تماماً. 

يجب أن يكون غبيًا لتوقيع عقد مع هذا الرجال! لا توجد طريقة يمكنه من خلالها هزيمة سيد الشيطان هذا!

وما إن خطرت له الفكرة، حتى لم يتأخر الدليل لحظة واحدة، وأضاء مجدداً بجملة جديدة: 

“هل ترغب في إلغاء العقد الحالي؟ الإلغاء سيترتب عليه عقوبة مدتها خمسمائة عام.”

نظر شي تشينغ إلى عبارة ' خمسمائة عام '، وفجأة… QAQ.

هذا النوع من السيناريوهات حيث تمد رأسك ليُقطع فوراً، كان يفوق تحمّله تماماً…

تردد قليلاً، ثم بدأ في استرجاع حياة تشين مو بالتفصيل.

وباختصار، كان هذا الابن البكر ضحية خيانة من والده، الذي لم يكتف بخداع عائلته تشين، بل ضلل الجميع من حوله، كاذب محترف من الطراز الأول، لا يستحق سوى الإقامة في الطبقة الثامنة عشرة من جحيم الكذابين.

تشين مو جاء من عالم يعجّ بالخيال، ومن خلال معرفته بعوالم الروايات، أدرك شي تشينغ أنه ينتمي إلى تصنيف

 ' الزراعة الروحية '.

كان خلفه نسب مرموق. 

والده، تشين تشينغجون، هو زعيم واحد من بين ستة طوائف كُبرى في عالم الزراعة، أما تشين مو، فكان الابن الأكبر… 

يمكن وصفه بأنه ' ابن الحظ الإلهي ' .

في عالم تُعد فيه القوة هي القانون، امتلك تشين مو جذراً روحياً نادراً لا يظهر إلا كل ألف عام. وتمتّع بقدرة فائقة على الإدراك، وذكاء عالٍ منذ نعومة أظافره، وبدأ بالتدريب الروحي في سن أصغر بكثير من غيره.

بالنسبة للمراقبين، بدا وكأنه فتى وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب، والنجاح رفيقه الأبدي. كثير من الحاقدين كانوا يتمنون له الشر، ويشتمون مستقبلَه في السرّ.

لكن القدر لا يمنح أحداً رحلة سهلة. 

في عمر صغير، وصل تشين مو إلى مرحلة تكوين النواة الروحية، ما أثار دهشة عالم الزراعة كله. 

في تلك الفترة، بدأت الأنباء تنتشر بين المزارعين الصالحين بأن أقوى مزارع شيطاني في العصر، لو جيويوان، قد لقي حتفه خلال كارثة سماوية.

كانت أخباراً سعيدة، لكنها لا علاقة لها مباشرة بتشين مو. 

ومع ذلك، غمر الحماس والده، تشين تشينغجون،

وبدأ بالتحقيق من خلال عدة مصادر ليتأكد من اختفاء لو جيويوان، لكنه استشاط غضباً حين عجز عن إيجاد أي دليل.

عندها، بدأ تشين مو يسير على الطريق المليء بالخداع الذي رسمه له والده.

نشر تشين تشينغجون شائعات عن ابنه، موهماً الجميع بأنه تخلى عن طريق الصلاح واتجه إلى أساليب زراعة شريرة ودموية – تُضحى فيها بأرواح الأطفال وتُشرب دماؤهم. 

وحشية لا توصف.

وبأسلوب دقيق ومدروس، أعدّ الأدلة التي تدين تشين مو، وزرعها بين الناس بذكاء، حتى صارت الحقيقة غير قابلة للنقاش.

في لمح البصر، سقط ابن السماء المدلل من عليائه، ليصبح هدفًا أول لسخط الناس وانتقاداتهم. 

من كان الجميع يثنون على موهبته النادرة وإنجازاته العظيمة، أصبح الآن موضعًا للذم والتشهير. 

الكل ادّعى الغضب والاستياء، وكأنهم لم يحسدوه يومًا. 

أجل، كلما ارتفعت، كانت السقطة أعنف.

ورغم أن الوحل قد لطّخ سمعته، إلا أن تشين مو واجه الاتهامات بثبات الروح وسمو النفس. 

ذلك الكبرياء الذي اتسم به منذ صغره، جعله ينظر باحتقار إلى دسائس من حوله. 

لقد اتبع طريق الزراعة النقية التي توارثتها عائلته، وتعلمها بنفسه من والده تشين تشينغجون، فكيف لأبويه أن يصدّقوا هذه الأكاذيب؟

مقتنعًا ببراءته، اندفع عائدًا إلى منزله. لم يكن يعلم أن ما ينتظره هناك هو الخيانة… الخيانة الحقيقية.

لقد كان تشين تشينغجون هو من ألقاه بيده، 

محاطًا بأهل الحق الذين تواطأوا في دائرة مغلقة لإحكام القبضة عليه. 

وبعد أن قدّم والده اعتذارًا علنيًا عن سلوك ابنه، 

أبدى ندمًا كاذبًا، ثم قطع العلاقة معه أمام الجميع، وتعهد بإيقافه بنفسه، ثم دمّر زراعته الروحية، ليحوّله إلى مجرد بشري عاجز.

وعندما انسحب الجميع، أفصح له والده عن الحقيقة المرعبة.

لم يكن تشين مو ابنه، بل هو ابن لو جيويوان، الساحر الشيطاني الأشهر.

في شبابه، كان تشين تشينغجون يحب امرأة تُدعى يوي نيانغ وتزوجها. كانت فاتنة الجمال، وقد شاء القدر أن يراها لو جيويوان في إحدى جولاته. 

أعجب بها واغتصبها، ثم أجبرها على حمل الطفل وإنجابه. كما أجبر تشين تشينغجون على تربية الطفل وكأنه ابنه. 

وهكذا نشأ تشين مو وهو يحمل على كاهله كل مشاعر الكراهية والكبت التي أخفاها تشين تشينغجون طيلة عشرين عامًا.

حين سقط لو جيويوان أخيرًا، انفجر ذلك الغضب المكبوت ووجهه كله ضد تشين مو.

صدمة تشين مو كانت عظيمة، لكنه لم يشك للحظة بكلام تشين تشينغجون. وعندما استعاد ذكرياته، أدرك البرود والجفاء في تعامل والديه معه طوال السنين. 

لقد خدع نفسه بالاعتقاد أنهم كانوا يحبونه.

ومع ذلك، لم يكن ضعيفًا. 

حاول الهرب. 

لكنه خرج من تلك المعركة بلا قوة، مكسورًا، فاقدًا لكل شيء.

لم يكن هناك مكان يأويه. 

تشين تشينغجون لن يدعه يعيش، و الطريق الصالح لن يرحمه.

في تلك الأيام الحالكة، تبخرت كل رحمة من قلبه. 

لم يمت، لكنه كان شبحًا يمشي في عالم الأحياء، منهارًا من الداخل، بلا سند أو أمل.

ثم جاء لو جيويوان، سبب كل ما حدث، وأنقذه.

علمه كل شيء يعرفه، وعالج بعضًا مما أفسده تشين تشينغجون. صحيح أنه لم يعامله بلطف، لكنّه أعطاه أدوية نادرة، وأعاد بناء جسده وأساساته.

رغم أن قلب تشين مو رفض التعاليم الشيطانية في البداية، إلا أن تذكره للخيانة التي عاشها جعل نور عينيه يخبو. 

بدأ طريقه الجديد بسرعة مذهلة، وخلال خمس سنوات فقط بلغ مرحلة روح الطفل الناشئة.

وحين وصل إلى الذروة، سأله لو جيويوان إن كان يريد الانتقام.

نظر إليه بصمت، ثم وافق.

عاد إلى بر القمر الطائر وقوته الجديدة ترافقه. 

لم يكن الإنسان نفسه.

لم يستطع شي تشينغ أن يكمل استرجاع ذكرياته دون أن يشعر بالقشعريرة. لقد كان انتقام تشين مو مرعبًا بحق—قتل بلا رحمة، بلا شفقة، كآلة ذبح لا تعرف التوقف.

مجزرة كاملة. تشين تشينغجون مات، ويوي نيانغ انتحرت. انتهت عائلة تشين نهاية مأساوية.

الزراعة الشيطانية تختلف عن الزراعة النقية. 

فبدلًا من انتظار محنة التحول الإلهي، يمكن للمزارع الشيطاني أن يسلب روح الطفل من مزارع آخر ويتجاوز تلك المحنة بالإجبار.

وعندما بلغ تشين مو قمة تلك المرحلة، وقبل أن يواجه محنته السماوية…

كان لو جيويوان في انتظاره على الهامش.

مستعدا أخيرا للاستمتاع بوجبته اللذيذة.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]