🦋

الهروب

عندما انتقلا من فضاء النظام إلى عالم تشين مو، بدا الأمر كمن تذوّق طعم الفردوس، ثم سقط فجأة في قاع الجحيم.

طوال مدة تنفيذ المهمة، كان الزمن متجمّدًا. 

ولهذا، حين عادا إلى العالم، كان تشين مو لا يزال غارقًا في البرميل المملوء بذلك الدواء القاتم ذي الخصائص المدمّرة.

ما شعر به تشين مو لا يحتاج إلى وصف، فحتى شي تشينغ نفسه اضطر إلى استجماع كامل قواه ليتراجع أمام تأثير الدواء. 

الألم كان لا يُطاق، كما لو أن شيئًا ما ينفذ من خلال جلده حتى يعانق عظامه من الداخل.

كان شي تشينغ مقتنعًا تمامًا أن تشين مو، بما أنه استخدم بعضًا من نقاطه لشراء لفافة انتقال، سيستعملها فورًا ليهرب من هذا العذاب. 

فهذا الألم وحده كافٍ لأن يُفقد الشخص صوابه.

لكن، وعلى عكس كل توقعاته، لم يغادر تشين مو. 

وبعد أن اجتاز ألم البداية، أسند جسده بهدوء إلى جانب البرميل، وكأنه يهنأ بحمام طبي قادر على تمزيق الجسد والأحشاء.

على مقربة منه، كان لو جيويوان يراقب بصمت. 

لم يكن لديه أدنى فكرة عما كان يختبره تشين مو، فكل ما رآه كان ثباتًا هادئًا على وجه الأخير، من البداية حتى النهاية. 

هذه السكينة المريبة بثّت في نفسه قلقًا غير متوقع، إذ لم يكن يظن أن تشين مو يمتلك مثل هذه الإرادة الحديدية التي تمكّنه من احتمال عذاب جهنمي كهذا.

على امتداد قارة لينغيون، كانت مثل هذه الشخصية نادرةٌ كنقاء المطر الأول.

في عالم الزراعة، تتكون القوة من ثلاثة أركان: الموهبة الفطرية، وسرعة الاستيعاب، وصفاء النفس. الموهبة تفتح الطريق في المراحل الأولى، والاستيعاب الحاد يسمح باختراق عنق الزجاجة في المراحل المتوسطة. لكن القلب الصلب وحده، هو من يستطيع اجتياز السحب السوداء والوصول إلى الذروة.

ويا للدهشة… تشين مو كان يتقن المحاور الثلاثة كلها.

كان حقًا… ابن السماء المختار!

شعر لو جيويوان، المتغطرس بطبعه، بإحساس لم يألفه من قبل. تشين مو… خطر حقيقي، تهديد هائل لا يُستهان به!

توهّجت عيناه الحمراوان، وتشوشتا بمزيج من المشاعر: “تشين مو… يا ولدي العزيز… والدك هذا سيحطّمك بيديه!”

كان لمغطس دواء ' عظام الطين ' خصائص خارقة. 

إذ يستطيع إعادة ترميم جسد مدمَّر واستعادة جزء من القوة القتالية في وقت قصير. ومع أنه مؤلم حتى الجنون، لا يستطيع أحد إنكار أنه دواءٌ خارق.

لكن، لا يمكن التسرّع باستخدامه. 

فرغم رغبة لو جيويوان في أن يعاني تشين مو ألمًا لا ينتهي، كبَتَ نيران غضبه، وتوقف عن إضافة مزيدٍ من المكونات إلى البرميل.

وفي تلك اللحظة، هبط نسرٌ أسود الريش كبرقٍ داهم، واستقرّ في لمح البصر على ساعد لو جيويوان.

بدأ النسر ينقر تجويف كفّه. 

عقد لو جيويوان حاجبيه قليلاً، ثم التفت إلى تشين مو، ولوّح بكمّه الطويل. ومع تلك الحركة، ظهرت تعويذة بنفسجية أحاطت بالمكان لمسافة ثلاثة أمتار.

لم يكن في قارة لينغيون بأسرها من يمتلك القدرة على اختراق هذا الحاجز، الذي أقامه أحد كبار الزهّاد في المرحلة التاسعة من رتبة دوجييه (عبور الصواعق).

اطمأن لو جيويوان، وغادر المكان.

فجأة، فتح تشين مو عينيه الحالكتين، المتألقتين كالنجوم في سماءٍ بلا قمر.

لكنه لم يتحرك على الفور، بل ظلّ يُصغي باهتمام بالغ. 

انتظر بصبرٍ ربع ساعة كاملة، إلى أن تلاشت تمامًا آثار الوعي الروحي للو جيويوان. عندها فقط، نهض وغادر ذلك الحمام العكر، الذي لم يعد سوى مستنقع من الطين الدوائي.

كانت ثيابه السوداء قد تآكلت بالكامل تقريبًا، ولم يبقَ منها سوى شريطٌ خفيف يلتف حول خصره. 

كان صدره العريض وعضلاته المكشوفة، 

وساقاه المستقيمتان، تفيض قوّة وسحرًا.

بشرته، رغم بياضها الناعم، كانت تحوي في طياتها طاقة هادرة، وجمالًا يأسر العقول.

من خلف أصابع تشين مو المتشابكة، لم يكن شي تشينغ يرى سوى لمحات… خصرٌ منحوت، عضلات بطن مشدودة، انحناءات مثالية… بل حتى ذلك الخط الأسطوري الذي يُعرف بـ ' خط حورية البحر '! تبًّا! 

شكرًا للآلهة أنني رجل، وإلا لتساقط لعابي على الفور!

واو… وكرجل؟ أشعر بالغيرة، بالحسد، بل بالكراهية أيضًا! لكن لا بأس! حين أعود إلى فضاء النظام، سأستخدم نقاطي لأحصل على جسد أقوى وأشد فخامة من جسد مضيفي هذا! (نقطة مهمة!)

آه… لمجرد هذه الفكرة، كاد شي تشينغ أن يذوب لعابه…

لكن الآن ليس وقت الأحلام. 

شعر بالاختناق، وسأل بصوت خافت: 

“هل ستستخدم اللفافة؟ يمكنني إعطاؤك إياها.”

وبالطبع، كنظام راقٍ، يمتلك بعض قدرات التخزين. 

صحيح أن مساحته البعدية كانت ضيقة في البداية، لكن يمكن توسيعها عبر النقاط. من يملك نقاطًا كافية، يستطيع تخزين أي شيء يريد. 

وكان شي تشينغ يتولّى إدارة تلك المساحة بفخر.

حتى أنه لم يتمالك نفسه من التفاخر سرًا: 

أنا، والدك، لا أفتح فقط باب ثروتك المستقبلية، بل أنا أيضًا حارس كنوزك الحالية! يا لي من عظيم! هاهاها!

لكن… رغم كل هذا الانتظار، لم يصدر عن تشين مو أي رد.

استدار شي تشينغ باستغراب، ليرى وجه تشين مو وقد خلا من أي لون.

كان الأخر قد أغمض عينيه، وقطرات من العرق الكريستالي تنساب من جسده. كان يضغط شفتيه بإحكام، لكن ارتجاف جسده الخفيف لم يتوقف. 

وما إن رأى شي تشينغ ذلك، حتى انقبض قلبه. 

لقد فهم… تشين مو لم يكن يتمالك نفسه، 

بل كان يقاتل بكل ما لديه حتى لا يسقط!

صرخ بسرعة: “تشين مو! تمسّك! استخدم اللفافة!” كان عليه أن يدفعه للهرب، الآن!

أخرج شي تشينغ لفافة الانتقال من فضاء النظام، ووضعها بين يدي تشين مو.

في تلك اللحظة، كان من المستحيل أن نعرف ما إذا كان تشين مو حيًا أم شبه ميت. فدواء عظام الطين أثناء الغمر، لم يكن يُمتص بالكامل. 

لكن ما إن يخرج منه، تبدأ الأدوية المحرّمة بالعمل بسرعةٍ هائلة، لتعيد بناء جسده المدمر من الصفر.

تشين مو، الذي كان قد انهار كليًا، بدأ يعاني من ألم أشد بكثير من ذي قبل.

كان يقبض على قلادة اليشم بقوة. 

يسمع صوتًا قلقًا في أذنه، لكنه لم يتمكن من فهم كلماته. 

كل ما عرفه… أنه أحب هذا الصوت العذب. 

كان نقيًا، حيًا، كجدول ماءٍ يتدفق إلى أعماق قلبه، ويوقظ فيه رغباتٍ مكبوتة.

رغِب في تلويثه… في السيطرة عليه… في حبسه إلى الأبد… في احتكار هذا الكائن المتدفق بالحياة!

“تشين مو!”

اخترق الصوت أخيرًا جدار عقله، وانتشله من دوامة أفكاره. 

فتح عينيه فجأة، ورأى اللفافة في يده. 

عندها فقط استعاد وعيه، ومزّق اللفافة فورًا، مفعّلًا تعويذة الانتقال القوية!

حين انجذب شي تشينغ إلى داخل دوامة الزمكان، شعر براحةٍ لا توصف. شكرًا للآلهة أنه سريع البديهة وقادر على التكيّف. تذكّر أن أحد امتيازات كونه نظامًا هو قدرته على إرسال تنبيه طارئ…

لكن يا للأسف، تلك التنبيهات باهظة الثمن—خمسون نقطة للرسالة الواحدة! يا للندم!

كانت لفافة الانتقال وسيلة حقيقية للهرب. 

في أي عالم، وتحت أي ظرف، يمكنها إخراجك من دائرة الخطر. سعرها 1500 نقطة فقط، ومع ذلك لم تكن تعتبر غالية… فهي تنقذ الأرواح!

لكن… كانت تحوي خللًا بسيطًا ومزعجًا: 

لا يمكنك اختيار وجهة الانتقال. المكان الذي تُنقل إليه عشوائي تمامًا. قد تجد نفسك معلّقًا في الهواء، على حافة هاوية، في أعماق البحر… كل الاحتمالات واردة جدًا!

بقدر ما كانت اللفافة قادرة على إبعاد المرء عن الخطر، فإن وقوعه في وضع أكثر خطرًا بعد ذلك… 

كان مرهونًا بالحظ وحده. 

والأسوأ أن هذه اللفافة تملك فترة تبريد، فلا يمكن استخدامها مرة أخرى خلال الأيام الثلاثة التالية. 

لذا، حتى لو تم نقلك مباشرة إلى فم وحش مفترس، فلن تتمكن من استخدامها مجددًا، مهما بلغت من ذكاء…

لهذا السبب بالتحديد، كان قلب شي تشينغ يخفق بشدة، يردد في داخله الدعاء بأن يحالفهما الحظ هذه المرة.

لكن بالنسبة لتشين مو، فليس هناك على امتداد قارة لينغيون مكان أكثر خطرًا من التواجد بجانب والده المخادع، لو جيويوان. 

لذا، بغض النظر عن المكان الذي سيُلقى فيه، 

على الأقل… سيكون قد نجا من ذلك المحتال.

طوال الرحلة، كان قلب شي تشينغ يكاد ينفجر من التوتر. وعندما خرجا أخيرًا من شق الزمكان، زفر بارتياح ما إن رأى المنظر الذي استقبلهما.

الشكر للآلهة! لا منحدرات شاهقة، ولا جدران صخرية عامودية، ولا فوهة إسمنتية عميقة، ولا فم وحش مرعب. صحيح أن المكان كان معتمًا نوعًا ما، لكنه لم يكن في ظلمة حالكة. ولحسن الحظ، كانا على أرض صلبة، في مكان يبدو طبيعيًا نسبيًا.

ألقى شي تشينغ نظرة سريعة حوله؛ بدا أنهما في كهف. لم يكن صغيرًا على الإطلاق—ما يقارب عشرة أمتار مربعة. 

أما عمق الكهف فكان يستحيل رؤيته بالعين المجردة، لكن رؤية شي تشينغ كانت فريدة، وقد استطاع بالكاد تمييز المكان.

لم يكن هناك شيء مميز حول الكهف نفسه. 

جدرانه من التراب الأسود، بركٌ صغيرة متناثرة، وتدلّيات كلسية بسيطة تتدلى من السقف—كلها مظاهر معتادة في الكهوف الطبيعية.

كانا مستلقيَين في حفرة صغيرة تقع في أعمق نقطة من الكهف، بالكاد تتسع لجسدٍ واحد.

ما إن هدأ روع شي تشينغ، حتى تبيّن له أن المكان مقبول نسبيًا—على الأقل لا خطر داهم في الوقت الحالي. 

فورًا، التفت لينظر إلى تشين مو، وتنهد دون أن يشعر.

على الأغلب، ما إن تأكد تشين مو من أنه آمن مؤقتًا، حتى انهار بالكامل. كانت عيناه مغمضتين وقد غرق في سباتٍ عميق أشبه بالغيبوبة.

رغم أنه كان فاقدًا للوعي، كانت ملامحه متشنجة، حاجباه معقودان، وكان يقبض على القلادة بين كفيه بقوةٍ مذهلة—قوةٌ لا تصدر عن جسدٍ غائب عن الوعي حقًا.

راقبه شي تشينغ لفترة طويلة، وشعر أن الوضع ليس على ما يرام إطلاقًا. 

صحيح أنه كان في صورة قلادة من اليشم الآن، لكنه لا يزال قادرًا على الإحساس بالمحيط. وتفكيره المنطقي أخبره أن هذا النوع من الكهوف، لا يمكن أن يكون دافئًا أبدًا. 

ورغم أن الحفرة الصغيرة وفّرت لهما حماية من الرياح، إلا أن الظلام الأبدي والرطوبة المستمرة جعلا المكان أشبه بمجمد طبيعي.

وثياب تشين مو… كانت قد تمزقت منذ زمن بعيد، وهو نائم الآن بلا وعي. جسده كان قد تحمّل الكثير وتعرّض لكل أنواع العناء. 

وها هو الآن، في أضعف حالاته. 

وها هو البرد يتسرب إلى عظامه، يزيد الطين بلة.

في هذه اللحظة، لا يزال الدخول إلى فضاء النظام ممنوعًا… لحظة! انتظر ثانية!

فجأة، تذكّر شي تشينغ ما جاء في دليل النظام: خلال مرحلة التهيئة وإعادة التقييم، يُمنع دخول المضيف إلى الفضاء. إذًا… ماذا عن النظام نفسه؟

هل يُسمح له بالدخول؟ ربما؟

وما إن خطر له هذا، حتى وجد نفسه قد دخل إلى فضاء النظام في طرفة عين!

آه، يبدو أن النظام لا يزال يحتفظ ببعض الامتيازات! يا لها من نعمة!

لم يكن شي تشينغ متأكدًا مما إذا كان الزمن في الخارج مستمرًا أم متوقفًا، لذا لم يجرؤ على التباطؤ. 

أسرع بفتح متجر النظام، وبدأ بالبحث في قسم الحاجيات اليومية. اشترى لحافًا، وبدلة كاملة من الرأس حتى القدمين، ولاحظ وجود كمية مذهلة من الطعام اللذيذ.

يا إلهي، كان إحساسًا لا يوصف أن يتمكن من شراء كل هذه الأشياء! اللحاف كلّفه فقط 0.01 نقطة—ما الفرق إن قدّمه هدية؟ الملابس كانت أغلى قليلًا، 10 نقاط، لكنها كانت ذات قيمة. 

أما الطعام… فقد كان رخيصًا لدرجة البكاء—عشرات العبوات مقابل نقطة واحدة فقط!

والأكثر إدهاشًا… أن الملفوف البارد واللوبستر المطهو على البخار في متجر النظام كان لهما نفس السعر! كل طبقٍ منهما يكلّف 0.1 نقطة فقط!

وجودٌ غير علمي كهذا… جعل شي تشينغ في نشوة عارمة وهو يفتش المتجر يمينًا ويسارًا.

وما إن وقعت عيناه على القسم المخصص لشراء الأجساد، حتى تردد للحظة. كان يرغب بشدة في اختيار جسد جديد الآن، لكن بما أنه يمتلك عددًا لا بأس به من النقاط، قرر تأجيل هذا القرار لحين دراسته بعناية، كي يختار الخيار الأكثر جدوى من حيث الكفاءة والسعر.

الوقت الآن لا يسمح…

آه، لا بأس، الأفضل أن ينتظر حتى عودة تشين مو إلى فضاء النظام. حينها… 

يمكنهما الاستقرار ومناقشة الأمر بهدوء!

خرج شي تشينغ من فضاء النظام، ولم يُتح له الوقت حتى للعودة إلى القلادة، حتى صُدم بما رآه أمامه.

كان تشين مو قد استند إلى جدار الكهف، ونصف جسده مائل. كان يحدّق بثباتٍ في القلادة القديمة الباهتة في راحة يده. 

عيناه السوداوان كانتا كليلتين، كليالي الشتاء الباردة، وصمته العميق بعث في النفس قشعريرة.

——لقد رحلت… أنت أيضًا رحلت.




ملاحظات المترجم :


مراحل الزراعة في الرواية (حسب الترتيب التصاعدي):

‏1. Houtian (ما بعد الولادة): 

من المرحلة الأولى إلى التاسعة

‏2. Xiantian (ما قبل السماء):

 - منخفض

 - متوسط

 - متقدم

 - الذروة

‏3. Jindan (تكوين النواة):

 - منخفض

 - متوسط

 - متقدم

 - الذروة

‏4. Yuanying (روح الجنين / الروح الناشئة):

 - منخفض

 - متوسط

 - متقدم

 - الذروة

‏5. Dongxu (تجويف الفراغ):

 - منخفض

 - متوسط

 - متقدم

 - الذروة

‏6. Kongming (فراغ النور):

 - منخفض

 - متوسط

 - متقدم

 - الذروة

‏7. Dujie (عبور الكارما/الصواعق):

 - منخفض

 - متوسط

 - متقدم

 - الذروة

 (لو جيويوان مصنّف في المرحلة التاسعة من هذه الرتبة)

‏8. Dacheng (الاكتمال العظيم):

 - منخفض

 - متوسط

 - متقدم

 - الذروة

9. الخالِدون غير المقيّدين (Loose Immortals): 

من المرتبة الأولى حتى الثانية عشرة

10. مستويات الإله (Deity Levels)  }

 

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]