استدار الجميع نحو المتحدّث، بمن فيهم لينغ لين ولي سو.
تشين مو واجه نظراتهم دون أن يتزحزح، بثبات رجلٍ يعرف ما يقول.
في هذه الفرقة، رغم أن قوته القتالية كانت الأضعف، إلا أن لينغ لين كان العمود الفقري للفريق. لم يكن الأمر يتعلق فقط بامتلاكه لجهاز الكشف، بل لأن الجميع اعتاد تنفيذ أوامره دون نقاش.
أما لي سو، فكان قائد الجنود.
كان هناك في السابق قائد للمرتزقة، لكنها قُتلت في إحدى الاشتباكات.
لم يتبقَ من المرتزقة سوى ثلاثة، وعلى الرغم من كفاءتهم، نادراً ما كانوا يتحدثون أو يبدون رأيًا.
المضيف المؤقت لـ تشين مو ظل صامتًا دائماً،
بلا حضور يُذكر. قبل القتال الأخير، لم يلحظه أحد تقريباً. ومع ذلك، فمجرد بقائه على قيد الحياة كان دليلاً واضحاً على أن مهاراته ليست بالعادية.
تطلع إليه لينغ لين طويلاً، ثم سأله بجديّة: “لماذا؟”
كان الشك مشتركًا بين الجميع، فخلال نوبة جنون الزومبي الأخيرة، استغل الكائن التجريبي الفوضى وهرب.
لم تلتقط أجهزة الكشف أي إشارة، ما يعني عدم وجود أي كائن تجريبي في دائرة قطرها كيلومتر.
مخزون المؤن كان يتناقص، وهذه الاستراحة القصيرة كانت ترفًا لا يملكونه.
كان عليهم استغلال الوقت جيدًا للبحث والعثور على الكائن التجريبي خلال ثلاثة أيام فقط…
ومع ذلك، اقترح المرتزق البقاء في هذا المكان.
لكن، ما هي احتمالية أن يأتي الكائن التجريبي إليهم من تلقاء نفسه؟
لم يصدق أحد هذا الاحتمال.
غير أن تشين مو نطق بثقة لا تشوبها ذرة تردد:
“سيأتي إلينا.”
قالها بهدوء، لكن يقينه كان كالسيف المسنون.
لم يظهر عليه الغباء، بل بدا وكأنه متأكد تمامًا مما يقول.
ساد صمت مفاجئ، حتى من قبل المتشككين،
وقد بدأوا يمعنون النظر في كلماته.
فأفراد هذه المجموعة لم يكونوا من النوع العادي.
لقد نجا كلٌّ منهم من مصاعب لا تُعد، ونجاتهم لم تكن بمحض الحظ.
لم تقتصر براعتهم على القتال فحسب، بل كانت عقولهم حادة، أذكى من المتوسط بكثير.
بعد برهة من التفكير، بدأت ملامح التأييد تلوح على وجوه البعض، رغم أن القلق لم يفارق أعينهم بعد.
تشين مو لم يمنحهم وقتًا إضافيًا للتردد.
ثبت عينيه على لينغ لين وقال بصوت واضح،
لم يرمش خلاله لحظة واحدة:
“خلال الأيام الخمسة الماضية، تعرضنا لعددٍ إجمالي من 34 هجمة زومبي. منها 25 هجمة صغيرة، قتلنا خلالها 2121 زومبياً وخسرنا ثلاثة من رجالنا. بينما كانت ثماني هجمات متوسطة الحجم، قتلنا فيها 6381 زومبياً، وخسرنا تسعة آخرين.”
توقف قليلاً، ثم أردف بنبرة مشددة:
“أما الهجمة الكبيرة التي واجهناها للتو، فقد بلغ عدد الزومبي فيها 21,250.
وقد خسرنا خلالها أحد عشر شخصًا.”
انبهر الحاضرون من دقته وسعة ذاكرته، لكن لي سو كان أول من تفاعل معه.
حدّق في تشين مو، وسأله بنبرة ثقيلة تحمل وقع القرار: “أتعني… أن هناك شيئًا هنا؟”
قدّر تشين مو سرعة بديهة لي سو.
رغم أن جميع من في المجموعة نُخبة، قلّما وجد من يستطيع التقاط الجوهر بهذه السرعة.
كانت جملة لي سو بمثابة ' مسحة الزيت الطاهر ' على العقول، إذ انجلت بها الرؤية فجأة.
سحب تشين مو نظره من لينغ لين، ثم بدأ يتنقل بعينيه بين وجوه الحاضرين.
وبنبرة سريعة وواضحة، بدأ يزرع بذور إقناعه في أعماقهم، جاعلًا تلك الأفكار تنبت وتنمو:
“منذ ظهور الزومبي قبل عشر سنوات، وكل أبحاثنا وبياناتنا تؤكد أن أقلية صغيرة فقط منهم تملك قدراً من الوعي.
إنهم بطيئون، لا يعرفون التعاون أو العمل ضمن هدف، ولا يتحركون إلا بدافع الجوع الأعمى.
وهذه المدينة بالذات… مدينة ميتة منذ زمن.
لربما لم تطأها قدم بشرية منذ سنوات طويلة.
وبناءً على سلوكهم الغريزي، من المستحيل تقريبًا أن يتجمّع أكثر من عشرين ألف زومبي في مساحة صغيرة كهذه، ما لم يكن هناك شيء… يستحق الحماية.”
توقف مرة أخرى، ومنحهم لحظة صمت كمن يترك كلماته تتغلغل في الأعماق.
ثم لخّص فكرته بهدوء:
“ما حدث لم يكن هجومًا موجّهًا نحونا… نحن من دخلنا منطقة حراستهم.”
تلاشى صوته تدريجيًا، بينما كانت نظرات الحاضرين إليه تزداد حدّة.
لم يكونوا أغبياء.
تشين مو أعطاهم كل ما يحتاجونه من معطيات، وكانوا أذكياء بما يكفي لاستخلاص ما وراءها.
فإن صحّ ما قاله، فالكائن التجريبي لم يغادر.
بل كل ما عليهم فعله الآن هو متابعة مسار تطهير الزومبي، حتى يصلوا إلى المنطقة التي كانت تُحمى.
وهناك، سيظهر الكائن بنفسه.
لينغ لين، الذي ظل حتى الآن يراقب بصمت، قال أخيرًا: “كل هذا مجرد تخمين. لا توجد قاعدة واضحة. مؤننا أوشكت على النفاد. البقاء هنا دون خطة واضحة وإهدارها تصرّف محفوف بالخطر.”
لكن تشين مو لم يتراجع، بل أطلق ضحكة ساخرة وسأله:
“والخروج للبحث في المجهول ليس خطرًا إذن؟”
قطّب لينغ لين حاجبيه، لكنه لم يجب.
الحقيقة أن القلق كان ينهش الجميع من الداخل.
لم يتبقَ سوى ثلاثة أيام، وإذا خرجوا الآن فسيبحثون كالعميان.
أما البقاء في هذه المنطقة، وتضييق دائرة البحث، فسيستهلك مؤنًا أقل، وقد يكون أكثر جدوى.
زومبي المدينة يتحركون ببطء، ولن يتمكنوا من التجمّع ثانية بهذه السرعة.
لهذا، فالمكان الآن أكثر أمانًا، وسيوفرون الذخيرة.
بل ربما يتمكنون من كسب مزيد من الوقت.
تحليل تشين مو لم يكن عشوائيًا، بل مستندًا إلى منطق راسخ.
ولولا هذا الهدوء اللحظي، لما تمكنوا من التفكير بهذا الصفاء.
وكلما مرّ الوقت، ازداد يقينهم…
لا، بل إيمانهم: لا بد أن شيئًا ما هنا.
في البداية، حين فرّ الكائن التجريبي، ظنوا أنه هرب أو قُتل.
لكن، وفق التحليل الجديد، ربما كان الهروب خدعة، لتشتيتهم وإبعادهم عن الموقع الحقيقي!
نظر الجنديان الآخران إلى لي سو منتظرين القرار.
تأمل الخيارات لوهلة، ثم أومأ برأسه،
قبل أن يلتفت إلى لينغ لين ويقول بثقة:
“طبيب، أؤيد البقاء هنا.”
ورغم أن تشين مو لم يكن زعيم المرتزقة، فإن المرتزقين الآخرين كانا زميليه، ومن الطبيعي أن يسانداه.
لكن، بما أنهما يعملان بأجر تحت إمرة لينغ لين، فكان عليهما الانصياع لأوامره أولًا وأخيرًا.
حدّق لينغ لين في وجه تشين مو بعمق لبضع لحظات، ثم أخيرًا صرف نظره وجلس بهدوء، قائلاً بنبرة خافتة: “بما أن العقيد لي والسيد تشين واثقان إلى هذا الحد… فلنبقَ هنا.”
بعد اتخاذ القرار، أصبحت الخطوة التالية أكثر وضوحًا.
تم تقسيم الأفراد السبعة إلى ثلاث فرق، وبدأوا في تمشيط محيط يمتد على نصف قطر قدره 1500 متر، بهدوء وحذر.
انطلقوا من قسم التجميد الذي كان يحفظ مؤنهم. كان هدفهم العثور على ' شيء ' ما… شيء كان الزومبي يحرسونه بشدة.
غير أن تقسيم الفرق لم يخلُ من الجدل، خصوصًا في ما يخص حماية لينغ لين، الذي كانت أهميته واضحة للجميع.
وفي النهاية، حسم تشين مو الأمر قائلاً بصراحة:
“يمكنني أن أعمل بمفردي.”
وبعده بقليل، تبعه لي سو قائلاً:
“وأنا أيضًا يمكنني تولّي اتجاه لوحدي.”
بذلك، أُتيح للجنود الاثنين والمرتزقين الاثنين التناوب بين حماية لينغ لين وتأمين المؤن، وبين تمشيط الاتجاهين الآخرين.
وهكذا، تشكّلت الفرق الثلاث.
جمع تشين مو حصته من المؤن، وكان أول من انطلق نحو منطقته المخصصة للبحث.
وبمجرد أن ابتعد عن المجموعة، تنفّس شي تشينغ الصعداء، وكأن صخرة قد زُيحت عن صدره، وانفجرت كلماته أخيرًا بعدما كاد يموت من كبتها.
“كنت أظن أنك لا تحب الحديث!” تذمّر شي تشينغ، فـ تشين مو في العالم السابق كان شحيح الكلام إلى حدٍ أقرب إلى الصمت التام، أما الآن؟
لقد أطلق لسانه وكأن لا حدود له!
شي تشينغ لم يستوعب هذا التناقض.
آه، لا أفهمك إطلاقًا!
كان تشين مو في مزاج جيد، وانعكس ذلك عليه بوضوح، إذ راح يمرر أصابعه بلطف على نصل خنجره.
كان تصرفًا غريبًا لم يستطع شي تشينغ فهمه.
في العالم السابق، حين كان قلادة من اليشم الأبيض، كان من الطبيعي أن يلاعبه مضيفه، فاليشم ناعم الملمس، بارد ولطيف.
لكن خنجر حاد؟
نصل يمكن أن يجرح الجلد بسهولة؟
ألا يخشى أن يرى دمه؟!
كح كح… ها قد نزف فعلاً!
ولمّا ظنّ شي تشينغ أن تشين مو لن يجيبه،
إذا بالأخر يتحدث أخيرًا، قائلاً بابتسامة:
“أنا فعلاً لا أحب الكلام كثيرًا…
لكن هذا لا يعني أنني لا أستطيع التحدث.”
كانت كلماته مثيرة، خاصة وأنها ترافقت مع ابتسامة نادرة.
شي تشينغ لم يستطع إلا أن يتأثر، إذ بدا أن مضيفه ليس شخصًا ثرثارًا فارغًا، بل إن كلماته، حين ينطقها، تحمل وقعًا وتأثيرًا.
بمعنى آخر، لولا حياة التخبّط التي عاشها بسبب والديه الحقيرين، لكان تشين مو قد نشأ رجلاً ساحرًا بحق، ذا حضور طاغٍ وكاريزما طبيعية، أليس كذلك؟
ياللأسف… هذه الحياة العابثة، ماكرة كجنيّ صغير لا يعرف الرحمة.
تنهد شي تشينغ بهدوء، ثم تذكر فجأة كيف أن تشين مو قد أنقذه فور دخولهما هذا العالم. فهتف بشعور دافئ:
“شكرًا لأنك ساعدتني وقتها.”
لكن عبارة “شكرًا” بدت باهتة، لا تفي بحقه، فأضاف بحماس: “إذا احتجت شيئًا، لا تتردد! أنا موجود لأجلك دائماً!”
لم تتغير ابتسامة تشين مو.
كان لا يزال يمرر إصبعه برفق على حافة النصل، ثم سأل ببطء:
“وماذا يمكنك أن تفعل؟”
تلعثم شي تشينغ للحظة.
“هل يمكنك طعن الزومبي في أدمغتهم؟”
قلّب الخنجر في كفه برشاقة، ثم تابع،
“أم أنك… تخاف؟”
شي تشينغ… QAQ
أرجوك لا تجرح كبريائي!
بدأ يفكر بسرعة في طريقة تحفظ هيبته دون أن يضطر للقتال، لكن تشين مو فجأة تحرك، التفت بعنف نحو يساره، بسرعة مباغتة.
شي تشينغ شدّ حواسه، وفي تلك اللحظة لمح ظلًّا خاطفًا يمر عبر الزاوية.
هذه كانت مدينة ميتة، وكل كائن غيرهم فيها يجب أن يكون زومبيًا. لكن الزومبي لا يتحركون بتلك السرعة!
هذا الظل لم يكن طبيعيًا، ومن المستحيل أن يكون زومبيًا.
وبما أنه لم يكن أحدًا من رفاقهم، فمن هو؟
ولماذا فرّ عند اقترابهم؟
كان تشين مو يجري بسرعة، لكنه لم يتمكن من تقليص المسافة بينه وبين الظل، كما لو أن الطرف الآخر يتحرك بمعدل ثابت، يحافظ به على المسافة بينهما.
عقل شي تشينغ كان يعج بالأسئلة.
هل يكون هذا الظل كائنًا تجريبيًا؟
لكن ألم يكن قد هرب من قبل؟
وكيف لم يلتقطه جهاز الاستشعار الخاص بـ لينغ لين؟
هل تعمد أن يظهر فقط ليقود تشين مو نحو فخ؟
“انتبه! قد يكون هذا فخًا!” صرخ شي تشينغ فجأة، بعدما اتضحت الصورة في ذهنه.
لا شك، الكائن التجريبي استخدم نفسه كطُعم، ليجذبهم خلفه!
لكن تشين مو لم يتباطأ، بل استمر في مطاردته بنفس العزم.
وسط صفير الرياح الباردة، جاء صوته الواثق والهادئ:
“هو فخ… لكنه فرصة أيضاً.”
عبارته جعلت شي تشينغ يصمت لحظة، مفكرًا.
تشين مو كان يدرك تمامًا الخطر، لكنه كان مستعدًا للمخاطرة، من أجل هذه الفرصة النادرة.
شي تشينغ لم يعارضه.
رغم أن الأمر محفوف بالمخاطر، إلا أنه فرصة بالفعل.
فمن لا يخاطر، لا ينجح، وهذه الحقيقة يعرفها جيدًا.
وهنا، ظهرت فائدة كونه خنجرًا؛ رؤيته كانت واسعة، بزاوية 360 درجة دون أي نقطة عمياء.
قال بجدية:
“تابع المطاردة، واترك أمر الحراسة الخلفية لي!”
أجابه تشين مو بكلمة واحدة، لكنها كانت كافية لإشعال حماس شي تشينغ: “حسنًا.”
انبهر شي تشينغ بثقة شريكه، وانغمس بكل كيانه في مهمته، يراقب كل زاوية، يبحث عن أدنى إشارة خطر.
دخلوا إلى مبنى قديم مهجور، كان فيما مضى ورشة تصنيع، ربما مخصصة لمعالجة المكسرات.
في الداخل، كان هناك قسم تبريد قديم.
أصبح المكان الآن خرابًا، يظهر فيه أثر السنين.
حين اجتاح وباء الزومبي العالم قبل عشر سنوات،
لا شك أن هذا الموقع كان نقطة تجمّع مؤقتة.
المكسرات غنية بالبروتين والدهون، تُعزز القوة سريعًا، يسهل حملها وتخزينها، وتُعد من أساسيات الناجين.
لهذا، فالدمار الظاهر هنا لم يأتِ من الزومبي وحدهم، بل من بشر تقاتلوا طمعًا في الغذاء.
الآن، كل شيء مغطى بالغبار، الآلات مهشمة، والفولاذ قد أصابه الصدأ.
الأرض مزيج من الطين والتراب والغبار، وتنبعث منها رائحة نفاذة تثير الحواس.
لحسن الحظ، منذ أن أصبح شي تشينغ خنجرًا، ضعفت حاسة الشم لديه—كما حدث عندما كان قلادة من اليشم—وهذا منعه من التأثر بروائح المكان.
استمرت المطاردة، والظل الغامض أمام تشين مو حافظ على مسافة ثابتة تفصله عنه.
بدا وكأنه يعرف تضاريس هذه المنطقة عن ظهر قلب، يستغل كل زاوية وملتقى ليختفي فجأة ويعود للظهور مجددًا.
لم يكن هناك أي مجال للتراخي أو فقدان التركيز.
ظل شي تشينغ يراقب ما حولهم بانتباهٍ بالغ،
قلبه يضمر قلقًا على تشين مو، فسأله بصوت حذر:
“هل تستطيع مواصلة الضغط على جسدك بهذا الشكل؟”
تشين مو لم يكن قد أنفق نقاطًا لتحسين قدراته الجسدية سابقًا، وعلى الرغم من أن الجسد الذي ورثه من المرتزق يتمتع بلياقة عالية، إلا أن معاركه الطويلة ضد الزومبي قد أنهكته تمامًا.
ونتيجة لفترة الراحة القصيرة، لم يتعافَ جسده بالكامل بعد.
والآن، بعد هذا الجهد المتواصل في المطاردة،
هل سيتمكن تشين مو فعلًا من الثبات إذا ما واجه وضعًا خطيرًا؟
لكن تشين مو لم يصرف عينيه عن الظل المتقدم، واستمر في التحرك بنفس السرعة، ثم تمتم:
“لن يطول الأمر.”
بما أن الظل يقوده إلى فخ، فلن يطيل اللعب كثيرًا.
وما إن خطر هذا التفكير في بال شي تشينغ، حتى صُدم بالمشهد المفاجئ أمامه.
كان يراقب الخلف، حين انشق الجدار المعتم المجاور فجأة، وبرزت منه يد رمادية قاتمة.
كانت الأظافر طويلة، حادة كالسكاكين، انغرست في الطوب الأبيض الصلب وسحقته إلى غبار.
ثم ظهر وجهٌ مخيف… لم يكن مكتمل الملامح.
الجلد متعفّن، يتقشّر كرقائق فاسدة، وقطع من اللحم المتدلّي تهتز مع كل حركة.
أما العينان الحمراوان البارزتان، فكانت جاحظة بلا أجفان، والأسنان البيضاء اللامعة وسط الظلام، أقرب إلى أنياب قوارض مفترسة،
قادرة على تمزيق عنق فريسة بلقمة واحدة.
كان ذلك الكائن يحدق في تشين مو…
مستعدًا للهجوم.
صرخ شي تشينغ على الفور: “تشين مو! خلفك!!”
لكن رغم صراخه، لم يتحرك تشين مو قيد أنملة.
لا خطوة للأمام ولا التفاتة للخلف، فقط وقف في مكانه… ساكنًا كتمثال.
شي تشينغ كاد يحترق من القلق.
أراد أن يصرخ مجددًا، لكن ما حدث لاحقًا فسّر له سبب هذا السكون.
تبًّا! لم يكن هناك خطر خلفه فقط، بل كان هناك وحش مماثل أمامه أيضًا!!
وبينما كان شي تشينغ يلعن حظه، انقضّ الوحشان في نفس اللحظة، كأنما اتفقا مسبقًا، ومدّا مخالبهما نحو تشين مو.
هجوم كماشة حقيقي.
شعر شي تشينغ بالفزع.
كان يعرف تمامًا حالة تشين مو.
صحيح أن الجسد الذي يملكه ينتمي لجندي ماهر، لكنه لا يستخدمه ببراعة بعد.
كل ما يمتلكه هو مجرد ذكريات الحركات والأساليب.
في نوبة الزومبي الأخيرة، أظهر تشين مو أداءً استثنائيًا بفضل مرونته وقوة استيعابه السريعة، واستطاع أن يتقن استخدام السلاح الناري في وقت قياسي. لكن تلك الزومبيات كانت بطيئة التفكير، بطيئة الحركة… أما الآن؟
فالوضع مختلف تمامًا.
هاتان الكينونتان… ذكاؤهما وقوتهما يفوقان الزومبي العاديين بأضعاف.
وقد استنزف تشين مو طاقته بالفعل… فهل يمكنه الصمود في وجه هذين الوحشين؟
لكن لم يكن هناك وقت للذعر.
في اللحظة التالية، تحرك تشين مو.
اندفع إلى الأمام بكل جرأة، واقترب بسرعة خاطفة من الزومبي الأمامي. ثم ارتكز على آلة تجفيف قديمة في الطريق وقفز عاليًا كأنما يطير في الهواء.
استغل الزخم، وركل الزومبي بقوة هائلة في جبهته، تمامًا بين عينيه الحمراوين.
وفي تلك اللحظة، أقسم شي تشينغ أنه سمع صوت شيء يتحطم…
الركلة اخترقت العينين وحطّمت الجمجمة!
لكن هجومه لم ينتهِ عند هذا الحد.
استغل ما تبقى من الجمجمة كنقطة ارتكاز، واستدار في الهواء، مد يده، ثم وجّه انتباهه إلى الزومبي الذي خلفه.
لم يكن يبعد أكثر من نصف متر.
في لمح البصر، حمّل رصاصة جديدة من حزامه، صوب السلاح، وأطلق طلقة مباشرة في منتصف جبين الوحش الثاني.
بانغ!
دوّى انفجار مدوٍّ، فقد كانت الرصاصة من النوع المتفجر!
شهق شي تشينغ من شدة المفاجأة.
كل ما حدث تم خلال ثوانٍ… وفي ومضة، فقد هذان الوحشان المفزعان رأسيهما!
نظر إلى وجه تشين مو الهادئ، وشعر بقشعريرة تسري في جسده.
تجمّد لوهلة؛ تلك الوحوش قد تبدو مرعبة… لكن من المخيف حقًا؟
تشين مو.
سرعان ما هزّ رأسه، طاردًا الأفكار السخيفة من ذهنه.
ليس هذا وقت التشتّت.
بفضل رؤيته الواسعة كخنجر، تمكّن شي تشينغ من مراقبة كل شيء من حولهم.
وكان قد بدأ للتو في التنفّس براحة، عندما لاحظ فجأة أن الزومبيين بلا رؤوس… ما زالا يتحركان!
خفق قلبه بعنف، وصرخ: “تشين مو! لم يموتا بعد!”
وبمجرد أن نطقت كلماته، تحرّك تشين مو على الفور.
انزلق إلى اليسار، بالكاد متفاديًا مخلبًا شيطانيًا كاد أن يمزّقه.
ثم بسرعة، مسح محيطه بعينيه، قفز فوق صندوق معدني، ووجّه مسدسه إلى سلسلة حديدية كانت معلقة في الأعلى.
على بعد عشرة أمتار في الهواء، أطلق النار، فقطعت الرصاصة سلسلة رافعة.
قعقعة مدوية هزّت المكان، وانهار حاوي ضخم بعرض مترين على الوحشين من الأعلى.
الضجيج كان هائلًا، حتى شي تشينغ ارتبك للحظة، ثم سرعان ما صرخ بفرح:
ربما يمكنك أن تتحرك دون رأس، لكن لا أصدق أن جسدك المطحون ما زال ينبض بالحياة!
للأسف، الزومبي الذي تلقّى الركلة في رأسه لم يُسحق تمامًا.
تمكّن من الإفلات من مسار الحاوية في اللحظة الأخيرة، فقد إحدى ساقيه، لكنه ظل حيًا.
ورغم ذلك، خرج مصابًا، في حين أن تشين مو بقي سالمًا، واقفًا في الأعلى.
في تلك اللحظة، دوى صوت قادم من الأمام، فحدّق تشين مو وشي تشينغ بقلق.
هل هو زومبي آخر؟
لكن ما لم يتوقعاه… أن القادم كان وجهًا مألوفًا.
ظهر لينغ لين فجأة، يتقدّم بسرعة، وعيناه خلف النظارات تلمعان، وهتف بقلق:
“ما الوضع؟ هل أُصبت؟ لقد التقطت إشارة كائن تجريبي هنا!”
وفي هذه اللحظة، وصل باقي الفريق الخمسة، وما إن رأوا تشين مو سليمًا، حتى تنفّسوا الصعداء.
لكن بسبب هذا الالتحاق المفاجئ، فات تشين مو الوقت الكافي للقضاء على الزومبي الأخير.
وفي لحظات قليلة، اختفى دون أثر.
حينها، تلقّى شي تشينغ تنبيهًا من النظام.
شعر بالتشوش لثانية، ثم غمرته فرحة عظيمة؛ لقد تمكّن أخيرًا من تفعيل الاتصال الداخلي بالنظام.
“تم القضاء على أول كائن تجريبي.
المهمة الفرعية تم تفعيلها: القضاء على جميع الكائنات التجريبية. التقدّم: 1/3.”