🦋

 قوس نهاية العالم


مجرد قراءة الموجز السابق كانت كفيلة بجعل شي تشينغ يرتجف رعباً. زومبي، متحولون، وحوش… 

أليس في هذا العالم من يرحم الجبناء؟! 

رغم أنه قد مات مرة من قبل، إلا أن تقبّل الأمور الخارقة للطبيعة لا يزال خارج قدرته. 

حتى قبل أن يعبر إلى هذا العالم، كان قد مر زمن طويل منذ شاهد آخر فيلم رعب، فكيف به الآن وهو مضطر لأن يعيش داخل واحد من تلك العوالم المأخوذة من أفلام الخيال العلمي؟ 

مجرد التفكير بأنه سيواجه هذا الكم من الزومبي كان بمثابة انتحار صريح، آه!

رغم أنه لم يكن سوى سحابة من الضباب الأسود، إلا أن ارتعاشه كان واضحاً تمامًا. ومع أنه كان خائفاً حتى النخاع، إلا أنه كان يدرك تمام الإدراك أنه لا مجال للاختباء. وبمجرد أن استعاد تماسكه، عاد ليتفحص المعلومات المتاحة أمامه.

ولسوء حظه، لم تخبُ مخاوفه؛ فالعالم الثاني يعجّ بالزومبي، والوحوش تملؤه من كل حدب وصوب. لقد غرق هذا العالم في أتون من اللهب والماء، عذاب مزدوج لا يُطاق.

لكن لحسن الحظ، كانت الكارثة هذه المرة ذات أصل علمي، لا خارق للطبيعة.

فقد كانت هناك منظمة بحثية مشبوهة تُجري دراسات على الطفرات الجينية في الحمض النووي البشري. 

ومع تجاوزها للخطوط الحمراء في أبحاثها على البشر، كانت تسعى لصنع أفراد أقوى يمكن تسخيرهم واستخدامهم، إلا أن محاولاتها قادت إلى كارثة لا تُوصف. 

أول دفعة من ' المجربين ' أظهرت أعراضًا مرعبة: عدوانية مفرطة، فقدان السيطرة على النفس، وجنون محض. جسديًا، أصبحوا أقوى بكثير، أظافرهم تحولت إلى مخالب، لا يشعرون بالخوف، ولا يعرفون الألم؛ قوتهم القتالية بلغت حدودًا جنونية.

ورغم هذه التحولات، كانت المنظمة لا تزال قادرة على السيطرة عليهم إلى حد ما. 

ورغم أنهم لم يكونوا سوى منتجات شبه مكتملة، إلا أن التقدم الذي تحقق منح الباحثين اليائسين شعاعًا ضئيلاً من الأمل.

على مدار عام تقريبًا، وبعد عدد من العمليات الجراحية الكبرى، طرأ تحول جديد؛ فقد تلاشت حالة الهيجان المفرطة، وتحول المجربين إلى كائنات أكثر هدوءًا. 

احتفظوا بقوتهم الخارقة، لكنهم فقدوا القدرة على التواصل. 

لم يبقَ منهم سوى أجساد خاوية، جهلاء، بلا روح.

ثم تسربت أنباء تلك التجارب إلى العلن. 

وسرعان ما تهاطلت الإدانات والانتقادات من كل حدب وصوب؛ فقد كانوا يجرون تجارب مباشرة على أجساد بشرية. 

ورغم أن كل المجربين كانوا من المجرمين، 

إلا أن الناس لم يغفروا هذا التجاوز أبداً.

لكن من الواضح أن أولئك الباحثين لم يكونوا وحدهم؛ كانت هناك جهات قوية تقف وراءهم. 

ولو استمر الوضع على حاله، لتمكنوا من إسكات كل صوت معارض. 

غير أن انقلاباً مفاجئاً في الوضع السياسي بالبلاد قلب الموازين، وتخلى الداعمون عنهم، بل وغضوا الطرف عن كل شيء.

وبعد أن خسر الفريق البحثي كل دعم، رغم وجود قوات تحرس المنشآت، وقع هجوم مباغت. 

قُتل العديد من الحراس، وسقط المجمع البحثي في يد المهاجمين. تم اعتقال العلماء المشاركين، وكُشف المختبر للعامة، ومعه خرجت أسرار الجيل الأول من المجربين إلى النور.

ورغم ما يتمتع به المجربون من قوة، إلا أن الجرعات المتكررة من العقاقير قد حولتهم إلى بُلَهاء، أقرب ما يكونون إلى أطفال في الثالثة من العمر. نُقلوا فورًا إلى مركز طبي للعلاج، وبدأت المحاولات لإعادتهم إلى الحياة الطبيعية.

لكن من هناك بدأت المأساة.

خلال النقل من المختبر إلى المستشفى، لم يُلاحظ أي شيء غريب، خاصة وأنه كان ليلًا. وفي الساعة الثالثة صباحًا، خضع المجربون لفحص شامل، ثم تم توزيعهم على غرف مختلفة.

وفي صباح اليوم التالي، حين سحبت إحدى الممرضات الستائر لتسمح للشمس بالدخول، انهار كل شيء.

دخل ضوء الشمس الدافئ إلى الغرفة – عادةً ما يُضفي هذا الدفء بهجة على المرضى – لكن هذه المرة، تلوى المجربون من الألم. 

وبعد لحظات، بدأ التحول المرعب.

بدأت أجسادهم تتحلل، وامتلأت عيونهم الشاغرة بجنون قاتل.

 تحولت أسنانهم وأظافرهم إلى أدوات قتل حادة. 

أمام هذا المشهد المرعب، تعالت صرخات الممرضات، ولكن لم يكن هناك من يُنقذ. 

بل العكس، اجتُذبن إلى الجحيم.

هجم المجربون عليهم، ومزقوا أجسادهم بأظافرهم الشبيهة بالمخالب، وغمر الدم المكان. تحولت زيّات الملائكة البيضاء إلى قرمزية قاتمة.

دخل فريق الطوارئ المستشفى لمحاولة السيطرة، لكن دون جدوى. لم يستطيعوا الوقوف أمام هؤلاء المتحولين. وخلال دقائق فقط، غرقت البناية في بحر من الدماء.

لكن… لم يكن هذا سوى البداية.

عشر دقائق فقط مضت قبل أن تصل الشرطة، ليتفجر الجحيم بكل معنى الكلمة.

كل من مات… عاد. أجسادهم كانت مدمرة، لكنهم لم ينزفوا. حتى إن تدلت أمعاؤهم أو تهشمت أيديهم، ظلوا يزحفون بتصميم قاتل. لم تؤثر فيهم الطعنات ولا الرصاص، بل كأنها تزيدهم جنونًا. كانوا كالأموات السائرين. بطيئون، نعم، لكن قوتهم الجسدية مدمرة، ويستطيعون تحطيم الفولاذ بقبضاتهم.

لم تتمكن الشرطة التي استجابت للنداء من القضاء على المجربين، بل انتهى بها الأمر إلى تقوية العدو مع كل محاولة فاشلة.

خلال ساعات قليلة، خرج الوضع تمامًا عن السيطرة. 

اجتاحت الفوضى المدينة بأكملها، وتحولت إلى كتلة من الرعب والذعر. وعندما استيقظت الحكومة أخيرًا وبدأت جهود الإنقاذ، كانت ثلاثة أيام قد مضت بالفعل. 

وبحلول ذلك الوقت، كانت المدينة التي كانت تضم ملايين البشر قد تحولت تمامًا إلى مدينة موت.

مدينة هواهـاي، التي كانت يومًا ما جميلة وهادئة، أصبحت مهدًا لكابوس البشرية الأكبر، وحملت لاحقًا الاسم المشؤوم: المدينة الأولى للرعب.

لكن الكارثة لم تقتصر على البشر. 

فالزومبي لم يكونوا فقط قادرين على إصابة البشر وتحويلهم، بل كانوا أيضًا يتسببون بتحورات في النباتات والحيوانات التي يلامسونها، مما حوّلها إلى كائنات دموية مفترسة.

اندلعت حرب ثلاثية الأطراف بين البشر والزومبي والوحوش. 

كانت الخسائر البشرية فادحة، لكن في المقابل، تمكن البشر من اكتساب خبرة قيّمة عبر تلك المعارك الضارية.

عشرة أعوام من الكابوس تتابعت بلا أمل. 

لكن في النهاية، تمكنت البشرية من تحقيق اختراق هائل.

في هذه اللحظة، تم توضيح المهمة التي يجب على تشين مو تنفيذها. كان هناك عالم يُدعى لينغ لين يتم نقله إلى المدينة الأولى للرعب برفقة مجموعة من الجنود والمرتزقة. 

وكان هدفه البحث عن الجيل الأول من المجربين، وجمع عينات منهم يمكن أن تساهم في تطوير مصل مضاد لفيروس الزومبي.

إذا تمكّن البشر من وقف تحول الموتى إلى زومبي، فإن أصل الكارثة سيتوقف، وستلوح في الأفق بارقة أمل بالنصر. 

مهمة تشين مو كانت الانضمام إلى الفريق كأحد المرتزقة المرافقين للعالم، وضمان عودة المصل بأمان إلى القاعدة الرئيسية.

بعد قراءة خلفية هذا العالم الجديد، بقي شي تشينغ في حالة من الاضطراب. 

أما تشين مو، فقد عقد حاجبيه قليلاً ثم سأل:

“لا يوجد حد زمني إذًا؟”

تجمّد شي تشينغ في مكانه، وقد سمع بوضوح نبرة الاستياء في صوت تشين مو، وبدأت دموع غير مرئية تنهمر على خديه.

أخي الكبير! تركت كل ما في هذه المهمة من خطورة، وركّزت على مسألة الوقت؟! المهمة هذه مجنونة أصلاً،واحتمالات النجاة منها ضئيلة جداً، وأنت قلق بشأن المؤقت؟! أنا أستسلم فعلاً… قالها في نفسه، وقد فقد الرغبة حتى في السخرية.

ساد صمت نادر من جهة شي تشينغ، في حين بقي تشين مو ينظر إليه قليلاً، قبل أن يعيد تركيزه إلى شاشة المعلومات أمامه.

وبنظرة مركزة، ضاق بعينيه وسأل فجأة:

“بما أن هذه هي المهمة الأساسية، فهل هذا يعني وجود مهام فرعية أيضًا؟”

تبع شي تشينغ نظرة تشين مو، وتأمل فيما سمعه لتوه، ليذهل من فطنته الحادة، ثم أدرك أنه فعلاً لا يعرف الجواب.

لكنه تذكّر دليل النظام السريع الذي بحوزته، فأخرجه بسرعة وتصفحه. 

وفعلاً، وجد قسمًا يحتوي على ما يبحث عنه.

قرأ المعلومات بصوت مسموع ليُسمع تشين مو:

“المهام الفرعية تُعتبر كمكافآت إضافية، ولا يتم الكشف عنها مسبقًا. يُبلغ المستخدم بتفاصيل المهمة فقط عند تفعيلها. عدم إتمامها لا يترتب عليه عقوبات، لكن إكمالها يمنح خمسة آلاف نقطة، بالإضافة إلى مكافأة عشوائية.”

وبينما يقرأ، ازداد حماس شي تشينغ تدريجيًا. 

حاول السيطرة على نفسه، لكن خمسة آلاف نقطة لم تكن بالأمر الهين، آه!

أما تشين مو، فكان كعادته، حازمًا، ولم يتردد في قبول المهمة على الفور.

وبينما لا يزال شي تشينغ غارقًا في أحلام النقاط المتراكمة، وجد نفسه يُسحب بقوة داخل الدوامة التي ستقوده إلى العالم التالي. 

في تلك اللحظة، دوّى صوت في أذنه:

“سيتم منح النظام جسدًا، مجانًا.”

فجأة، شعر شي تشينغ بشيء من الامتنان. 

جسده المصنوع من اليشم قد تشبع بالكامل بالأدوية، وبدأ يتآكل ويتحوّل إلى الرمادي. 

بدا أن النظام، لكونه هو نفسه، قد منحه هذا الامتياز بدافع الشفقة.

لكن شي تشينغ لم يكن متفائلاً كثيرًا… مجاني؟ 

هذه الكلمة وحدها نذير شؤم لا يُستهان به.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]