الفصل 100 – إضافي: ماضٍ غابر (3)
لكن…
في هذه الحياة، كم من الأشياء تأتي في وقتها؟
كم من الفرص أُتيحت حقًا للتوبة؟
ما أكثر ما نرغب أن نبدأه، وما أقل ما نملك فرصة استدراكه.
أشياء أردنا الإمساك بها… فوّتَنا قطارها.
وأخرى حاولنا حفظها… فانهارت من بين أيدينا.
يانغ تشي منح حصته من الأسهم إلى يانغ شو لي.
ربما كانت تلك خطوة ضمن خططه التنافسية،
وربما فقط، أراد أن يُثير جنون تشين مو أكثر.
في صراع السيطرة الذي اجتاح مجموعة يانغ، بدا للناس أن يانغ تشي هو الفائز،
لكن الحقيقة؟
لقد زرع في تلك اللحظة بذرة الانهيار.
وكانت براعة تشين مو… تكمن في هذه التفاصيل.
خطوة تجرّ أخرى، كمن يحيك شبكة يصعب الهرب منها.
من يدخل في صراع معه، لا يعرف أين ستنغلق عليه الفخاخ.
يانغ تشي أصبح يلهث وسط الفوضى،
دون أن يدرك أن تشين مو، في تلك الأثناء،
كان قد تخلّى عن كل شيء.
تخلّى عن مجموعة يانغ،
تخلّى عن نفسه.
حين وصل شي سيان وقد شعر بشيء غير طبيعي،
كان جسد تشين مو لا يزال دافئًا…
لكن الدم…
كان يتسرّب من تحته بغزارة، كأنه لا ينضب،
ينسكب على أرضٍ إسمنتية رمادية ملوثة، فيصبغها بلون الموت،
ويصبغ عيني شي سيان بلون الفجيعة.
ذلك الذي قال من قبل:
“إن لم أتعب نفسي… فلن أملك شيئًا.”
هو ذاته الذي قرر الآن أن يتخلّى عن كل شيء.
لم يعُد يُريد شيئًا.
فما كان يريده أكثر… هو الحرية.
الرجل الذي سلّمه أحدهم للخصم… لم يمضِ يومان حتى أُلقي القبض عليه.
ركع على الأرض، يهتف بجنون:
“لم ندفعه! لم ندفعه!
كان يعلم أنه لا مجال للهرب،
فهو من رمى بنفسه بنفسه!
أقسم أنني أقول الحق،
أنا لا أعرف من أخبرني بمكانه! الصوت كان مشوّهًا… استخدموا مبدّل صوت!”
وكان ذلك عشيّة الجنازة.
وقف شي سيان بجانبه، بثوب أسود طويل، بعين باردة،
وشاهد يانغ تشي، أشعث الشعر، محمرّ العينين،
ينهال على الرجل باللكمات وهو يصرخ:
“هل أنت أعمى؟!
كان مجرد نائب مدير، لا يملك سلطة فعلية!
لماذا بحق السماء تجرأت أن تمسّه؟!
أجبني… لماذا؟!”
“لقد قتلته… أفهمت؟ قتلته!
إنه مات، لن يعود للحياة!
لماذا لم تكن أنت الميت؟!!”
ثم سقط على ركبتيه، وأمسك بشعره بيدين ترتجفان،
ثم اختنق صوته وهو يهمس بكلمات لا تكاد تُفهم:
“كان أخي…
كان أخي.”
وكأن هذه الحقيقة لم تضربه إلا الآن،
كأنه، في لحظة متأخرة جدًا، تذكّر أن هذا الإنسان كان شقيقه.
استعاد مشهد لقائهما الأول في قرية يوهواي،
حين وجده مُصاب الرأس، يتعاطى السجائر…
حين أراد أن يواسيه،
لكنه لم يجد سوى كلمات جارحة ليقولها.
لماذا، لسنوات طويلة، ظلّ يُقاتله؟
لماذا لم يجلسا يومًا ليتحدثا كأخوين؟
لأنه منذ صغره، تربّى على أن السلطة لا تحتمل التهديد،
وأن هذا الأخ القادم من الظلّ… يُمثّل تهديدًا.
لكنه، مهما كان،
لم يكن يريد له الموت…
أبدًا.
في تلك اللحظة، حضر والدا يانغ.
وقفا أمام القاعة التي تجهزت لاستقبال العزاء،
وعند مدخلها… كانت صورة تشين مو التي اختارها شي سيان.
واحدة من الصور النادرة التي يظهر فيها مبتسمًا.
فتجمّد وجهاهما، وكأنهما لا يستطيعان تقبّل ما يرونه.
“هل أنتم متأكدون؟
قالوا فقط إنه لم يأتِ إلى العمل؟”
كأنهم لا يصدقون بعد.
وبينما يتهامسون بتشتّت،
صرخ لاو غاو فجأة، وعيناه تغرورقان بالدموع:
“كفى!!”
قالها وهو يرتجف، بصوت خرج من أعماق سنين من الكبت:
“إن لم تأتوا لوداعه من قلوبكم… فارحلوا!”
كان لاو غاو طيب القلب، دائم الابتسام،
منذ صار طبيبًا، تلاشت طباعه الحادة تمامًا.
لكنه اليوم… فقد أعصابه.
ووسط ذلك التجمّد،
كان يانغ تشي ان يقف مشدوهًا، يشاهد ابنه الأكبر ينهار،
قلبه يهوي إلى القاع.
لكنّه حاول أن يستعيد السيطرة، فصرخ:
“قف! ما هذا المنظر؟!”
لكن يانغ تشي، بصوت مهشّم، قال:
“أبي…
عائلة يانغ هي من قتلته.”
تراجع يانغ تشي ان خائفًا،
وأما الأم، تشو ياو تشينغ،
فوقفت أمام صورة ابنها، تقترب خطوة بعد خطوة،
ثم نظرت في عينيه الثابتتين في الصورة…
وقالت بصوت ذاهل:
“كان نادرًا ما يبتسم… متى التُقطت هذه الصورة؟”
أجابها لاو غاو، بحرقة:
“في اليوم الذي قطع فيه علاقته بكم.”
قالت، وكأنها لم تصدّق:
“ذلك اليوم…
كنت أظن أنه غادر غاضبًا.
ظننت أنه تصرّف من باب العناد…
لكن… هل كان سعيدًا حينها؟”
فردّ لاو غاو، والمرارة تتطاير من فمه:
“سعيد؟!
كان سعيدًا جدًا! لأنه أخيرًا تحرر منكم!
لو لم يغادر، لكان قد مات قبل أوانه.”
وأخرج من جيبه كومة أوراق كبيرة، لوّح بها في الهواء:
“هل ترون هذا؟ كلها تقارير مرضه!
طوال هذه السنوات، هل سأل أحدكم كيف صحته؟
منذ دخل شركة يانغ، لم يأخذ إجازة واحدة،
كان يعمل وهو مريض، بلا توقف!”
“قلتم إن المال أفسده؟
أسألكم…
بخلاف المال، ماذا قدمت له عائلة يانغ؟!”
“يانغ شو لي كنتم تعاملونه كأنه جوهرة،
أما هو، فكان يجب أن يُسرق، أن يُضرب وهو صغير.
تقولون إن طباعه سيئة؟
لو لم تكن كذلك، هل كان ليبقى حيًا حتى وجدتموه؟
ليواصل خدمته لكم كعبد… كل هذه السنوات؟!”
تلك الأوراق الطبية، صفحةً إثر صفحة، امتدت من سنوات بعيدة حتى أسبوع واحد فقط قبل وفاته.
تنوعت حالاته ما بين الخفيف والخطير، وكان من بينها أمراضٌ مزمنة طال علاجها دون جدوى، حتى استحالت عللاً ثقيلة أكلت جسده بصمت.
التقط يانغ تشي واحدةً من تلك الأوراق التي سقطت أمامه، نظر إليها بشرود وسأل، وكأنه لا يصدق:
“متى أجرى عملية جراحية؟”
ضحك لاو غاو بسخرية مريرة، وقال:
“منذ فترة طويلة. كانت السوائل قد تجمعت في ركبته، ولو لم يُجرِ العملية لكان فقدها تمامًا.”
ثم أردف، وقد اشتعل الغضب في صوته:
“أنتم تعملون في نفس الشركة، تدخلون وتخرجون معًا لسنوات، حتى الموظفون الذين تحت إمرته كانوا يعلمون أنه يعاني من ركبته، وأنت؟ هل كنت غافلًا أم أنك ببساطة لا ترى؟”
قبض يانغ تشي على الورقة، صوته واهن:
“هو لم يخبرني أن حالته بهذا السوء…”
قهقه لاو غاو بمرارة:
“ولِمَ يخبرك؟ ليكسب تعاطفك؟
أم ليطلب منك، بصفتك من أقاربه، أن تأتي لتوقّع على استمارة موافقة على العملية؟
اسمعني جيدًا
حين كان على قيد الحياة، لم يحتج إليكم.
والآن بعد موته… لا حاجة له بكم أكثر!”
ثم بصق الكلمات الأخيرة بغضب:
“هو اسمه تشين، لا تربطه بكم صلة.
لا دم، ولا اسم، ولا قلب.”
عندها انهارت تشو ياو تشينغ، وسقطت على الأرض، تحدّق في صورته المعلّقة هناك.
همست وكأنها لا تخاطب أحدًا:
“أمك نادمة، يا بني… قلبي أُغشي عليه بدهن الخنزير، هذه السنوات قتلت ما بقي من رابطة الأمومة.”
حتى يانغ تشي ان، الأب، فقد تلك الصرامة التي واجه بها يانغ تشي سابقًا.
ظل واقفًا في مؤخرة القاعة، لا يتحرك، كأنّ في داخله سؤالًا لا يريد تصديقه:
هل هذا حقًا ذاك الابن الذي استعادوه منذ سنوات طويلة؟
أتُراه ذات الطفل الذي ناداه يومًا بـ “أبي”، على استحياء، بنبرة ثقيلة غير معتادة؟
ذلك الابن الذي قدّم لمجموعة يانغ إنجازات باهرة، ثم رحل عنهم ذات يوم… بكل عنف وقطيعة؟
في تلك اللحظة، أدرك — بكل ثقلٍ ووجع —
أنه فقد ابنه.
ابنًا لم يبلغ الثلاثين من عمره.
حين حاولت عائلة يانغ استعادة جثمان تشين مو لإقامة جنازة رسمية، قوبل طلبهم بالرفض القاطع.
حتى في يوم التشييع، لم يُسمح لأحد منهم بالحضور.
طوّق عشرات الحراس من عائلة شي المكان.
ودُعي عدد قليل من أصدقاء تشين مو المقربين، من زملاء الدراسة والجامعة، لتقديم العزاء.
أمام هذه المشهد، تعجّب الجميع:
من يكون هذا الرجل الذي فعل كل هذا لأجل تشين مو؟
صاحب نفوذ واضح، لم يُعرّف نفسه، لكنه كان حاضرًا بكل التفاصيل.
حتى انتشرت أنباء وفاة تشين مو، وعندها، في إحدى مجموعات الخريجين من المدرسة الثانوية، تعرّف أحدهم إلى شي سيان.
ومنذ ذلك اليوم، تغيّرت نبرة الحديث عن تشين مو.
لم يعد أحد يذكر غرابة أطواره، أو تزمّته القديم.
بل قالوا:
“خسارة… تشين مو كان ذكيًا في الثانوية، ونجح في حياته بعد التخرج، ثم… فجأة هكذا؟”
“هل كانت وفاته حادثًا؟
لقد رأيته الأسبوع الماضي في حفل استقبال.”
“لم أكن أعلم أن شي سيان بقي قريبًا منه بعد التخرج، حتى الجنازة نظمها بنفسه!”
ثم جاء صوت ساخر:
“غريب، أليس له عائلة؟ كيف يُترك كل شيء لشي سيان؟”
وتبعته همسات:
“أظن أن هناك فضيحة ما، سمعت أن يانغ شو لي طُرد من العائلة.”
“لكن ألم يكن بينه وبين تشين مو عداوة منذ أيام المدرسة؟ أترى أن له علاقة بوفاته؟”
“في عائلات الأغنياء، الأسرار لا تنتهي.
لا أحد يعلم الحقيقة كاملة.”
شي سيان أغلق هاتفه بصمت، ثم التفت إلى مساعده الأيمن، هان تشيان، وقال:
“راقب تحركات يانغ شو لي.
لا أريد أن يجد له موطئ قدم واحد في مدينة سوي.”
أومأ هان تشيان برأسه:
“أفهم. حين سرّب معلومات تشين مو لذلك الرجل، كان حذرًا للغاية.
لكن تصرفات يانغ تشي حين نقل له الأسهم، كانت أكثر خبثًا.
وأظنه حين رأى الأمور تنقلب، أراد المغامرة بأي ثمن.
لكن من يحمل نية خبيثة… لا بد أن يُفضَح يومًا.”
وانتهت الجنازة.
مضى كل شيء.
وعاد العالم ليدور كعادته،
كأن من رحل… لم يكن.
لكن الألم، لا يزول من بعض القلوب،
بل يزداد يومًا بعد يوم.
ولم تمضِ ستة أشهر على وفاة تشين مو،
حتى عاد يانغ شو لي يتسكّع أمام بوابة فيلا عائلة يانغ.
بملابس رخيصة، وجهٍ شاحب، يتوسل إلى الحارس الجديد:
“أنا حقًا ابن عائلة يانغ… فقط دعني أدخل، أريد أن أُلقي نظرة. لمحة واحدة فقط.”
لكن الحارس لوّح له بيده بإزعاج:
“هيّا، انصرف. هذه منطقة للأثرياء، وكل يوم يأتي من يدّعي أنه الابن الضائع لعائلة ما.
إن كان لديك دليل، عد ومعك فحص الحمض النووي.”
وفي سرّه، فكّر الحارس:
عائلة يانغ؟
هي ذاتها على وشك الزوال.
ومع ذلك، لا يزال هناك من يتسابق لنيل رضاها.
فقد أعلنت مجموعة يانغ إفلاسها.
وانفصل الزوجان، يانغ تشي ان وتشو ياو تشينغ، رسميًا قبل أسابيع.
غادرا المكان كلّ إلى مصيره… مهزومَين.
أما ابنهما، فغارق في إدمان الخمر، زواجه على وشك الانهيار،
ولم يعُد أحد يهتم بالمنزل.
العشب أمام الفيلا أصبح بطول نصف قامة إنسان.
ومع موت كبير العائلة، انتهت أسطورة يانغ بهدوء،
كأنها لم تكن يومًا في صدارة المجد.
حين جاء الحارس التالي ليستلم نوبة الحراسة،
نظر إلى ذاك الشاب المطرود، وقال:
“كان حقًا ابنًا لعائلة يانغ.
كان في يومٍ من الأيام… رجلًا وسيمًا.”
ردّ الآخر بدهشة:
“كيف انتهى به الحال رثًا هكذا؟ الإفلاس لا يبرر هذا الانهيار.”
“القصة طويلة…
ففي الحقيقة، كانت لعائلة يانغ ابنٌ آخر، مختلف تمامًا…”
قال الحارس الأكبر سنًا:
“ذلك الشخص… كان مختلفًا حقًا عن من غادر هذه العائلة المظهرية، كان يحمل جوهرًا حقيقيًا… لكن للأسف، حدثت له حادثة، ورحل عن هذا العالم.
لو أنه ما زال حيًا، لما أصبحت عائلة يانغ على ما هي عليه الآن. يا للأسف، هناك من ظن الزجاج حجرًا كريمًا، فآلت العائلة كلها إلى هذا المصير البائس.”
تنهد الحارس الشاب وقال:
“لكن ذاك الشخص… نهايته كانت مأساوية، بعد كل شيء، فقد حياته.”
رد الأكبر سنًا بهدوء:
“وماذا في ذلك؟
حتى رماده، أخذه أحدهم، ولم يُدفن في مقبرة عائلة يانغ.”
“ألهذا الحد بلغ الحقد؟”
قال الحارس الكبير:
“لا أعلم إن كان الميت قد حمل في قلبه الكراهية،
لكن من الأحياء، هناك من لم يرغب، وأبى أن يُنسى ما لا يُنسى.”
ذاك الذي أبى أن يُنسى.
انتظر بصبر حتى خرج تشين جيانلي من السجن،
ذاك الرجل الذي خرج بقدمٍ عرجاء،
ورافقه يانغ شو لي، وقد صار أكثر كآبة في طباعه،
أُعيد كلاهما إلى البلدة القديمة، ليقضيا سويًا ما تبقى من العمر.
في تلك السنة، كانت عائلة شي قد بلغت ذروة نفوذها.
الرجل الذي في قلب مركز السلطة،
أشهر بلغة الصمت ووجها خاليًا من الانفعال،
كانت طرقه حاسمة، يخشاها الجميع.
أما عائلة يانغ، فبعد أن سُحقت تحت سلطته،
لم يعد لها أمل في العودة.
بل على العكس، وتحت دعمه،
صعدت شركة تكنولوجيا ذكية جديدة إلى الساحة،
يقال إن مديرها جاء من خلفية فقيرة،
يطلق عليه الناس لقب “المدير كي”.
أما كيف التفت إليه أفراد عائلة شي، وساعدوه حتى وصل،
فقد ظلّ أمرًا غامضًا.
وسأل بعضهم ' المدير كي ' عن السبب.
فكان يبتسم دائمًا، ويظهر على وجهه شيء من الحنين، ويقول:
“لأن أحدهم كان يحمل حلمًا يشبه حلمي،
في يوم ما، أشعل لي ضوءًا في الظلام.
وحين رحل، بقيت أمنياته غير مكتملة،
فكان لا بد لأحدٍ أن يُتمّها من بعده.”
أما من هو هذا “الشخص”، فقد اختلف الناس في تأويله لسنوات.
حتى مضت أعوام كثيرة،
وانتشرت فجأة في الخارج مذكرات بعنوان “حياة من الصمت”،
قيل إنها كتبها الرجل الأكثر غموضًا وتأثيرًا في تاريخ عائلة شي،
ذاك الذي لم يتزوج ولم يُرزق بأبناء.
أما مدى صدق نسبها إليه، فقد ظلّ محل جدل،
لكن ما كُتب فيها كان دقيقًا بصورة لا تُنكر.
كتب مثلًا:
“ذلك اليوم، أمام غرفة التمريض في المدرسة،
كانت الريح باردة،
وأنت لم تكن ترتدي شيئًا تحت معطفك.
لطالما فكرت،
لو أنني انتظرتك حتى تستيقظ،
أو جلبت لك شيئًا ترتديه…
هل كان الندم سيكون أخف؟”
وكتب أيضًا:
“قد وعدتك، وعدًا كبيرًا، أن تملك كل شيء.
لكنّك لم تصبر،
فرحلت، وتركتني أنا الآخر أحنث بذلك الوعد.”
وفي نهاية المذكرات، ترك عبارة أخيرة:
“لقد نلتَ الحرية الحقيقية، الأبدية.
أما أنا، فكنتُ — وما زلت — أنانيًا،
أرجو أن يُعيد الزمن نفسه،
فنلتقي من جديد، في البدء.
حينها، سأحاول أن أتخلى عن كبريائي،
لألمسك…
وألمس روحك التي لم ترغب بالبقاء.”
أما عن صحة ما إذا كانت تلك المذكرات كتبها حقًا وريث عائلة شي، فقد ظلت مسألة تتداولها الألسن لسنوات طويلة.
الناس ظلوا يردّدون:
ذلك الرجل، سيد عائلة شي، كان له محبوب… أحبّه إلى هذا الحد العميق.
حياة شي سيان، كانت تُوصف بالكمال، نادرة العيوب.
من عائلة مرموقة، ونَسَبٍ رفيع، ومنذ صغره كان لامعًا، فذًّا في قدراته.
تمامًا مثل بقية خلفاء عائلة شي، سافر إلى الخارج بطلب من العائلة منذ المرحلة الثانوية، وتولّى إدارة أعمال العائلة مبكرًا.
وفي ذروة مجده، أوصل عائلة شي إلى مكانة لم تبلغها من قبل، حتى صارت في موقع تُحسد عليه.
لكن في أوج سطوعه… انسحب فجأة.
توجّه إلى العمل الخيري.
أسّس منظمة لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر،
وقد أعادت الأمل لعدد لا يُحصى من الأسر.
كما أطلق مبادرات لمناهضة العنف، ودعم روّاد الأعمال من الفئات الضعيفة.
وحقّق من خلالها إنجازات لامعة، أضافت إلى سجله صفحات مشرقة.
أما أشهر ممتلكات عائلة شي، فكانت تلك الضيعة المعروفة.
قيل إن ذلك القصر كان مقر إقامة وريث العائلة حتى آخر عمره.
وفي التلّة الصغيرة خلف الضيعة، كانت هناك مقبرة صغيرة.
قال بعض الخدم القدامى إن تلك كانت أكثر الأماكن التي كان يزورها.
ثم، في وقتٍ ما، في سنة غير معروفة، بُنيت بجانبها مقبرة أخرى جديدة.
قبرين متجاورين.
وحين تعصف الرياح عبر الأشجار في ذلك المكان،
لا أحد يدري…
ربما، بهدوءٍ، قد التقيا أخيرًا من جديد.
عضو