المدخل السردي
أغمض شي تشينغ عينيه ببطء، وأسلم روحه في هدوء.
كانت آخر صور شهدتها عيناه هي صورة والده الجَبَل، ووالدته الرقيقة، وأخيه الذي نشأ يراقبه ويعتني به، رغم أنه كان دائمًا يعامله بغلظة وقسوة.
في النهاية، كان قلبه ممتلئًا بالندم والأسى.
لقد كان ابنًا عاقًا بحق في صغره؛ كسر قلب والديه، وجعل شعرهما الأسود يتحول إلى بياض الثلج، وأذاق شقيقه المُحب مرارة المعاناة رغم كل رعايته له…
لقد كان آسفًا، آسفًا لكل من أحبّه.
وفي ذات الوقت، شعر بتحرر عميق يتسلل إلى قلبه الأناني. لقد انتهى أخيرًا كابوس العامين الأخيرين.
تلك الأيام الطويلة من العذاب، حين عجز عن الأكل، واحتُجز في جسد يلتوي من الألم، يتوسل الموت الذي أبى أن يأتي… كل ذلك بلغ نهايته.
لم يستطع الانتصار على السرطان الذي اجتاح جسده. وفي يومٍ مشرق مشمس، خارت قواه، واستسلم جسده المنهك المتعب أخيرًا.
أخيرًا… لم يعد بحاجة إلى الألم.
ما الذي يشعر به الإنسان عند موته؟
تنهد شي تشينغ، وأخيرًا أحس بذلك.
ومع إغلاق عينيه، بدأ في انتظار الموت…
وانتظر…
وانتظر…
ولا يزال ينتظر…
انتظر… مهلاً؟!
فجأة فتح شي تشينغ عينيه، ليصطدم بنور أبيض ساطع لم يكن مألوفًا له قط.
رغم أن جسده لم يتحرك، إلا أن قلبه راح يهتز بعنف، يتقلب في رياح المجهول العاتية، بالكاد يسيطر على ذعره المتصاعد.
ما الذي يحدث؟ ألم أمت؟ هل كنت فقط أحتبس أنفاسي لحظة لأُطلق تجشؤًا؟ ألم أتحرر؟
هل سأعود مجددًا إلى معاناة سرطان المعدة؟
بعد أن ظن أنه نجا من يأسه الطويل، كيف يمكن أن يموت فقط ' نصف يوم ' ثم يعود؟
هل عليه أن يكمل جلسات العلاج الكيماوي، والأدوية التي لا تنتهي، والأكل الذي لا يُبقيه في جوفه، والليالي الطويلة المليئة بالألم حتى تمنّى الموت؟
من هذا الذي يعبث به هكذا؟
بعد بضع ثوانٍ، هدأ شي تشينغ.
وإن كان لا يزال حيًا، فلمَ يتمنى الموت؟
ورغم أن الحياة كانت قاسية، ما دام لم يمت، فلن يُقدم على فعل شيءٍ لينهيها.
حتى مع الألم، سيظل إلى جانب عائلته ما استطاع،
ويأمل أن يعوّضهم ببعض البهجة لقاء ما أثقل قلوبهم به.
وبهذه الأفكار، قرر أن يضغط على زر المناداة القريب من يده اليمنى لينادي الممرضة.
وهنا فقط أدرك… أن الوضع خاطئ بالكامل!
أين سريره في المستشفى؟
أين طاولته الصغيرة، دفاتره، رف كتبه المملوءة بالروايات، وجبل أقراص الـDVD؟
مهلاً… أين جسده؟
نظر شي تشينغ يسارًا، ثم يمينًا، ليكتشف أخيرًا أنه ميت حقًا، لكن على نحوٍ ما… لم يكن ميتًا تمامًا.
ربما تحوّل إلى روح تائهة…
بدأ عقله يستعرض سيلًا من الروايات التي قرأها؛ الانتقال إلى عالمٍ آخر، أو ولادة جديدة للبطل — كلا الاحتمالين واردان!
لكن إن خُيّرت… فأنا أختار الولادة من جديد!
يُفضّل أن يعود إلى نفسه في سن الحادية عشرة، ليهتم بطعامه، ويتوقف عن إنهاك جسده، ويجتهد في الحفاظ على معدته التي أرهقته، ويُحسن إلى والديه كما ينبغي، ويُظهر المزيد من المودة لأخيه.
كان شي تشينغ روحًا تائهة متفائلة، لذا بدأ بالبحث عن
' مخرج الولادة الجديدة '.
وبعد تجوال لا يعلم مداه، ظهر له أخيرًا ذلك
' النور الساطع ' الأسطوري، فظن أنه إما نفق الزمكان أو مدخل جسده في سن الحادية عشرة.
كان متحمسًا كقائد جيش يهمّ بركوب حصانه الأبيض والتوجّه للمعركة.
لكن… كلما اقترب، اكتشف أنه خُدع.
فلم يكن ينتظره إلا حصان عشب.
كيف يكون كتابًا؟
اقترب أكثر، وإذا بعنوان جريء يقفز من غلافه مباشرة إلى عينيه:
“الدليل السريع لتصبح نظامًا”
هل هذا هو الإصبع الذهبي الأسطوري الذي يُمنح مع الولادة الجديدة؟!
ليست هناك حاجة لكل هذه اللباقة! — فكّر شي تشينغ — ما دمت سأُعاد إلى الحياة، فلا بأس بوجود إصبع ذهبي أو لا.
لكن، وبما أنه قد مُنح هذا الإصبع الذهبي، فلم يكن من اللباقة أن يرفضه.
فما كان من شي تشينغ إلا أن يتقبّله على مضض.
لحسن الحظ، وبما أن جسده لم يعد موجودًا،
فإن ملامح وجهه البائسة لم تكن لتثير أيدي الحاسدين الذين يحلمون بمثل هذا ' الحظ العظيم '.
الأسف كله كان أنه تخيّل أن في الأمر سعادة،
غير أن الحقيقة القاسية التي تبعته جاءت كصفعة مدوّية على وجهه.
بدأ شي تشينغ يتصفح الكتاب عبر وعيه، متجاهلًا تمامًا الـ800 كلمة التي شكّلت مقدمة رتيبة لا تحمل إلا الهراء.
ومع أولى الصفحات، أصيب بصدمة.
كان يظن أنه قد وُلد من جديد، لكن لا يمكن حقًا وصف ما حدث بذلك. لم يكن إنسانًا، ولا حتى كائنًا صغيرًا مثل الروبيان… بل كان مجرد رقم غير مرئي: 89757.
كان يظن أنه قد حصل على إصبع ذهبي، لكنه لم يتخيل يومًا أنه هو نفسه سيصبح الإصبع الذهبي.
في معظم الروايات التي قرأها، يكون البطل هو من يمتلك إصبعًا ذهبيًا يمنحه القوة أو الحظ أو القدرة.
لكنه لم يقرأ من قبل رواية يكون فيها البطل هو الإصبع الذهبي ذاته!
آه، لقد داهمه الموت باكرًا جدًا، ولم يُمهله الزمن لتجربة كل شيء.
وبينما كانت مشاعره تتلاطم بداخله، لفتت انتباهه كلمات براقة ومتألقة ظهرت على الصفحة الأولى:
“كمكافأة على كونك نظامًا جديدًا، مُنحت 1000 نقطة، يمكنك استخدامها لشراء جسد.”
هل يمكنكم ألّا تجعلوا الأمر يبدو وكأن شراء جسد أمرٌ بسيط كشراء قميص جديد؟!
“أو يمكنك شراء أوعية لكائنات دنيا مثل الصراصير،
أو العث، أو ديدان الأرض…”
من بحق السماء يود أن ينحدر من هذا النسب؟!
”…ويمكن استبدال النقاط لتحقيق أمنيات الراحلين،
من أجل إفادة أقارب الجيل السابق، وما إلى ذلك.”
هنا، تجمّدت نظرات شي تشينغ على السطر الأخير،
كأنه يخشى أن يكون قد فهم الأمر خطأ.
كان يرتعب مما تشير إليه هذه الكلمات… من دلالاتها الضمنية، من الاحتمالات التي تنطوي عليها.
أمنيات؟ هل المقصود هنا أمنيته الأخيرة قبل وفاته كإنسان؟
أقارب الجيل السابق؛ هل يعني بذلك والديه وأخاه؟
وبينما هو يحدّق في تلك السطور، تدفقت آلاف المشاعر في قلبه. وللمرة الثانية، الشكر للاله أنه بلا جسد، وإلا لانفجر بالبكاء، كنحيب طفل فقد كل شيء.
عندها فقط، أدرك بوضوح بالغ… أنه ميت حقًا.
شي تشينغ، ابن لوالديه، وأخ أصغر لأخٍ وحيد، قد مات.
لا ولادة جديدة، لا عودة، لا رجعة.
أحلامه بانبعاث جديد تحطّمت أمامه كمرآة مكسورة.
ومع ذلك، وبينما كان يحدّق في ذلك السطر، علم أن هذه فرصته الأخيرة ليصنع شيئًا ذا قيمة… من أجل عائلته.
فاتخذ قراره دون تردد. استبدل النقاط الألف التي بدأت بها رحلته في ' إرادة شي تشينغ '.
في دليل النظام، كانت هناك خياران لاستخدام هذه الإرادة: الثروة أو الصحة.
دون لحظة تفكير، اختار الصحة.
وفي قلبه، همس شي تشينغ بدعاء مخلص، نابع من أعمق أعماق روحه:
“لا أطلب كنوز الدنيا، ولا أرغب في عمرٍ لا ينتهي…
كل ما أرجوه، أن تنعموا بالصحة. أن تحيوا بخير وسلام.”