🦋

بعد نصف ساعة فقط، 

ظهر شي سيان في نهاية الممر.

بخطوات سريعة، تقدم نحوه، 

وكأنه أدرك أن هناك ما يشغل بال تشين مو.

ألقى نظرة خاطفة على باب وحدة العناية المركزة، 

ثم استدار نحوه بعبوس وسأل:

"ما الأمر؟ هل قال الأطباء شيئًا جديدًا؟"

هز تشين مو رأسه ببطء، يده في جيبه، 

وقال بصوت هادئ:

"لا، لكنني أدركت شيئًا عندما أحضرت يانغ شو لي إلى هنا."

سأله شي سيان بنبرة ناعمة: "ماذا؟"

رفع تشين مو يده وضغط بأصابعه على جبينه، 

ثم نظر إلى شي سيان وقال:

"في الحقيقة، لقد ناقشت هذا الأمر مع جدي مرات عديدة على مدار السنوات الماضية. 

كان يقول دائمًا إنه إذا تدهورت صحته يومًا ما، فهو لا يريد علاجًا قاسيًا ولا يرغب في المعاناة. 

كان يعرف أولاده جيدًا، وأراد مني أن أتدخل وأتخذ القرارات المناسبة عندما يحين الوقت."

"عندما أُدخل المستشفى، كان لدي إحساس مسبق، وكنت أظن أنني قادر على مواجهة أي نتيجة.

لكنني لم أدرك حتى هذه الأيام، عندما أكد الأطباء—سواء هنا أو في الخارج—تشخيصهم، وطلبوا من العائلة التفكير في إيقاف أجهزة الإنعاش، كم يمكن أن يكون اتخاذ بعض القرارات أمرًا بالغ الصعوبة."

صعوبة جعلته يشعر بأنها تفوق أي شيء واجهه قبل سن السابعة عشرة.

ظل شي سيان صامتًا لعدة ثوانٍ.

ثم مد يده وسحب تشين مو نحوه، ليحتضنه وسط برودة الهواء القادم من الخارج.

"لا بأس... جدك لن يلومك،" 

قال ذلك وهو يربت بلطف على عنقه.

أغمض تشين مو عينيه بهدوء.

في حياته السابقة، 

كان رحيل الرجل العجوز مفاجئًا، 

وكانت تلك المرة الوحيدة التي فقد فيها شخصًا عزيزًا عليه.

ورغم أن علاقته بعائلته كانت سطحية، 

ولم يكن قريبًا من جده كما هو الآن، إلا أن الندم والألم ظلا يرافقانه لسنوات بعد ذلك.

وهكذا، خالف رغبة العجوز، واتصل بعدد لا يحصى من الأطباء محليًا ودوليًا، لكنه لم يُفصح عن التشخيص النهائي لأحد.

لقد شعر وكأنه ينتظر حكمًا لا مفر منه.

كان يعلم أنه بمجرد صدور القرار، لن يكون هناك رجوع إلى الوراء.

طالما كان يعلم أن العجوز لا يزال هناك، 

راقدًا في سريره، كان بإمكانه تخيل أنه سيستيقظ يومًا ما ويقول له:

"شياو مو، لماذا لم تعد تأتي إلى المنزل لتناول العشاء هذه الأيام؟ لا تقضِ كل وقتك في العمل، يجب أن تعيش حياتك أيضًا."

كانت تلك الذكريات البسيطة والمواقف اليومية العادية هي ما شكّل فهم تشين مو للحياة وأعطاه شعورًا بالثبات فيها.

لقد كانت أثمن ما كسبه في حياته الثانية، 

وأغلى ما جناه من فرصته الجديدة.

لذلك، كان يأمل في أن تستمر الأيام بوتيرة أبطأ، 

أن تطول اللحظات أكثر، 

وأن يأتي الفراق في وقت متأخر قدر الإمكان.

لكن حتى هذه اللحظة...

إذا كان لا يزال مترددًا قبل عودة شي سيان، ففي اللحظة التي احتضنه فيها، أدرك تشين مو أن الوقت قد حان.

تراجع خطوة للخلف قليلًا وقال لـ شي سيان:

"أدركت فجأة أن رغبات البشر لا تنتهي، وأن التمسك بالأشياء ليس سوى خداع للنفس. لكن قبل أن أتصل بعائلة يانغ، أريدك أن تدخل معي لرؤية جدي."

أمسك شي سيان بيده وأومأ: "حسنًا."

في ذلك اليوم، كان كل شيء هادئًا.

وقف تشين مو بجانب سرير العجوز، 

وأخبره بكل صراحة عن عودته إلى شي سيان.

وفي أعماق قلبه، قال بهدوء:

"جدي، ما زلت أختار أن أكون مع هذا الشخص."

في حياته السابقة، 

كان الفراق بينهما فرصة ضائعة تركت في داخله ندمًا لا يُمحى.

لكن إذا كان الفقدان في هذه الحياة سيجلب له الألم مجددًا في المستقبل، فهو لا يستطيع تحمّل ذلك.

إذا كان فقدان الأشخاص أمرًا لا مفر منه،

فعلى الأقل، في هذه اللحظة، وفي المستقبل القريب، لم يكن مستعدًا لخسارته.

بعد أن خرج تشين مو من وحدة العناية المركزة، تبعه شي سيان بعد فترة قصيرة.

كان تشين مو يعتقد أن لديه شيئًا ليقوله للعجوز، لكنه لم يسأله عن ذلك.

لا يزال جسده في مرحلة التعافي من مرضه، بالكاد كان قد تعافى من الحمى.

رافقه شي سيان عائدًا إلى غرفته.

في وقت متأخر من بعد الظهر، 

مرّا عبر الحديقة أسفل مبنى المستشفى.

شدّ شي سيان معطف تشين مو بإحكام على كتفيه وقال:

"الجو يزداد برودة، عليك أن ترتدي المزيد من الملابس عندما تخرج."

قال تشين مو وهو ينظر إلى الشمس التي لم تغرب بعد في الغرب:

"لا بأس لا أشعر أن الشتاء هذا العام بارد جدًا."

كانا يسيران جنبًا إلى جنب، إلى أن سأل تشين مو أخيرًا: "هل عطّلتك عن شيء مهم؟"

قال شي سيان وهو يسير بجانبه، 

حاجبًا عنه الرياح: "لا رن شيانسن هرب."

"تورطه في القضية كان الأقل ضررًا، 

وهو بارع في استغلال الثغرات، لذا تمكن من تجنّب أي دليل حاسم يربطه بحريق المنزل أو جريمة القتل. الآن هو مختبئ في مكان ما، والشرطة عاجزة عن اتخاذ إجراء ضده حاليًا."

قال تشين مو بهدوء:

"سنراقبه. بدون تمويل، لن يكون قادرًا على إثارة الكثير من المشاكل مع تشوانشينغ. ومع اعتقال لونار، فقد خسروا أحد أهم حلفائهم، مما يفتح أمام CM فرصة كبيرة للتوسع."

توقف شي سيان عن المشي فجأة.

نظر تشين مو إليه باستغراب وتوقف هو الآخر، وسأله: "ما الأمر؟"

حدّق شي سيان في وجهه، ثم قال بنبرة غامضة:

"هل هذا كل ما أردت قوله؟"

أجاب تشين مو بارتباك: "ماذا أيضًا؟"

بدا شي سيان محبطًا بعض الشيء.

"السيد تشين، أنت تدرك أنني لست مجرد شريكك في العمل صحيح؟ أنا أيضًا حبيبك."

رفع تشين مو حاجبه قليلًا وقال ببساطة: "أعلم."

تابع شي سيان بنبرة جادة:

"وبما أنني حبيبك، عليك أن تفهم أن دوري لا يقتصر فقط على إدارة الشركة أو التعامل مع المنافسين. 

يمكنك الاعتماد عليّ بالكامل والثقة بي. 

لست بحاجة للقلق بشأن تأخيري أو تعطيل أعمالي عندما تكون غارقًا في قرارات صعبة."

كان شي سيان قد أمضى يومًا وليلة في التحرك بلا توقف، ورغم أنه لم يظهر عليه الإرهاق بشكل واضح، فإن تشين مو استطاع ملاحظة علامات التعب الخفيفة تحت عينيه.

في تلك اللحظة شعر تشين مو بمزيج من المشاعر.

تقدم خطوة للأمام وسوى ياقة شي سيان، 

ثم قال بصوت منخفض، مستجيبًا لطريقة مخاطبته السابقة: "السيد شي."

نظر إليه شي سيان باستغراب ووضع يده على خصره، وقال: "ماذا هناك؟"

تجول نظر تشين مو للحظات، 

ثم اقترب أكثر وهمس:

"هذه أول مرة أكون فيها حبيبًا لشخص ما. اعتدت أن أكون وحيدًا، فهل يمكنك تحمّلي؟"

ضحك شي سيان بخفة وقال:

"هل تحاول إنكار أننا كنا معًا قبل خمس سنوات؟"

رفع تشين مو حاجبه وقال بلا مبالاة:

"حسنًا، المرة الثانية إذن."

في تلك اللحظة، قاطع صوت من مكان قريب:

"السيد تشين؟"

استدار تشين مو وشي سيان في الوقت نفسه.

عندها فقط لاحظ تشين مو أن قسم البحث والتطوير بأكمله من شركة تشين روي كان يقف عند الممر الحجري ينظر إليهما بدهشة وفضول واهتمام.

بالنسبة لهم، كان السيد تشين عبقريًا شابًا في مجال التكنولوجيا، غارقًا في أبحاثه، قائدًا حاسمًا عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالمشاريع، وأيضًا ذلك النموذج التقليدي للشباب الذي يعتني بصحته، 

حتى أنه كان دائمًا يحمل معه ترمسًا قديمًا.

لكن لم يسبق لأي منهم أن رآه بهذه القرب من أي شخص من قبل.

ومن زاويتهم، بدا وكأنهما على وشك التقبيل، والطريقة التي تحدثا بها كانت واضحة بما يكفي للإشارة إلى وجود علاقة بينهما.

ومع ذلك، لم يجرؤ أحد على التعبير عن شكوكه علانية.

"الأخ مو!"

"الرئيس!"

اندفع الفريق نحوه بحماس.

تفاجأ تشين مو قليلًا، 

لكنه تراجع خطوة إلى الخلف وابتسم، 

ثم سأل:

"لماذا أنتم هنا؟"

كان يوان هاو أول من اقترب منه، 

وربما كان يحاول إنقاذ الموقف بصوته العالي قليلًا:

"يا أستاذي، لقد أخفتنا حد الموت! 

عندما سمعنا أن منزلك قد احترق، أردنا القدوم فورًا، لكن الرئيس لم يسمح لنا بذلك، وقال إنه لا يمكن استقبال الزوار. لذا تأخرنا في المجيء."

وانضم آخرون قائلين:

"نعم، الأخ مو كيف حالك الآن؟"

"هل أصبت بأي أذى؟"

قال تشين مو وهو يضع يديه في جيبيه، ناظرًا حوله:

"كنت بالفعل في المستشفى عندما 

اندلع الحريق؛ كنت مصابًا بحمى."

ثم تابع بنبرة هادئة:

"أنا من طلبت من العجوز كي ألا يسمح 

لكم بالمجيء لم يكن الأمر يستدعي ذلك."

عندما رأى الجميع أن تشين مو لم يُصب بأذى، باستثناء وجهه الشاحب قليلًا وملابسه الفضفاضة الخاصة بالمستشفى، شعروا بالارتياح.

في هذه الأثناء، ظهر العجوز كي من نهاية الممر بعد أن ركن السيارة، وكان آخر من وصل.

وما إن ألقى نظرة حتى وقع بصره على الشخص الذي يقف بجانب تشين مو.

"السيد شي،" قال العجوز كي بنبرة فيها لمحة من الدهشة، 

ثم تابع:

"تشين مو قال إنك أنت من أحضرته إلى المستشفى، هل كنت هنا طوال الوقت؟"

أشار شي سيان بلمحة خفية إلى حراسه الشخصيين كي يتراجعوا، ثم أنكر بهدوء:

"لا، غادرت المستشفى لبعض الأعمال وعدت الآن فقط."

لم يشك العجوز كي في كلامه.

اقترب يوان هاو من تشين مو وهمس وهو يغطي فمه بيده:

"يا أستاذي، أظن أن علاقتك بالسيد شي لن تبقى سرًا بعد الآن، فقد رآه بعض زملائنا في القسم."

نظر تشين مو نحو مجموعة الموظفين الذين تعرفوا على شي سيان، بعضهم كان مترددًا، وآخرون يراقبون بتوجس، 

لكنه رفع حاجبه بلا اكتراث ثم قال لـ يوان هاو:

"خذهم لتناول العشاء لاحقًا، واجعل... السيد شي يدفع الحساب."

اتسعت عينا يوان هاو بدهشة وقال: "هاه؟"

رد تشين مو ببرود:

"لا فرق سواء دفع هو أم دفعتُ أنا."

بعد ساعة، غادر جميع الموظفين الذين تكدسوا في غرفة تشين مو بقيادة يوان هاو.

وتراكمت الزهور والهدايا وصناديق الفاكهة بجانب السرير.

جلس شي سيان وتشين مو على الأريكة، 

فقال شي سيان:

"ظننت أنك كنت تنوي إبقاء الأمر سرًا."

أجاب تشين مو بينما كان يقشر موزة بلا مبالاة:

"قد يثرثرون فيما بينهم، لكنهم لن يسألوا مباشرة، وليس هناك شيء أخفيه على أي حال."

ثم أضاف:

"أعتقد فقط أن فصل الأمور الشخصية عن العمل يجعل التعامل مع القضايا أكثر بساطة، خاصة وأن تشين روي وCM بينهما تعاون غير مباشر. لكن لا بأس إن عرفوا، إلا إذا كنت أنت تفضّل إبقاء الأمر سرًا؟"

مدّ تشين مو الموزة المقشرة نحو شي سيان، 

فأخذ منها قضمة ثم أشار إليه بأن يأكل بدوره وقال:

"هل تعتقد أنني أهتم لمثل هذا الأمر؟"

لم يكن تشين مو جائعًا، 

فوضع الموزة جانبًا وربّت على ساق شي سيان قائلاً:

"إذن ارتح قليلًا. لم تنم منذ مدة طويلة، 

حتى أقوى الأجساد لن تتحمل ذلك."

أومأ شي سيان، خلع معطفه، واستلقى على الأريكة.

وسرعان ما عادت الغرفة إلى الهدوء.

كان تشين مو غارقًا في أفكاره بينما مرر أصابعه في شعر شي سيان.

كان شعره خشنًا قليلًا، مما جعله يشعر بوخز خفيف في راحة يده.

بعد نصف ساعة، بينما كان شي سيان لا يزال نائمًا، تلقى تشين مو سلسلة من الرسائل الصوتية من العجوز كي.

وبحكم العادة، فتحها دون أن ينتبه إلى أن 

شي سيان كان قد استيقظ بالفعل.

"لقد ذهبت إلى الحمام للتو، وتخيل ماذا سمعت؟ قسم البحث والتطوير يتحدث عنك وعن رئيس CM. هل يمكن أن يكون شي سيان معجبًا بك؟ هل هو مثلي؟"

تشغّلت الرسالة الثانية تلقائيًا:

"لطالما وجدت الأمر غريبًا. إنه الرئيس التنفيذي لشركة كبرى، وريث عائلة شي في مدينة سوي. 

حتى لو كنتما زملاء دراسة سابقين، فمن غير الطبيعي أن تكون علاقتكما بهذا القرب. ما الذي يخطط له؟ هل يلعب بك فقط؟ 

لا أعرف الكثير عن شخصية شي سيان، لكنه محاط بالكثير من الناس بسبب مكانته. لا تجعل نفسك في موقف لا تستطيع تشين روي إنقاذك منه."

في هذه الأثناء، بدأ الظلام يحلّ في الخارج.

رفع شي سيان يده إلى جبينه وسأل بصوت هادئ:

"هل هو نفس الشخص الذي ساعدته ماديًا في الثانوية؟"

نظر إليه تشين مو دون أن يسأله كيف عرف، 

ثم قال بلا اكتراث:

"العجوز كي يحب النظام، لكنه دائمًا ما يكون متحيزًا ضد الأثرياء."

أنزل شي سيان يده وقال:

"إذن، هو يظن أنني أعبث فقط؟"

ضحك تشين مو بخفة وقال ساخرًا:

"كم عدد الرجال والنساء الذين يحيطون بالسيد شي؟"

في اللحظة التالية، ضغط شي سيان على رقبة تشين مو وأمسكه من الخلف، ثم اقترب منه وألصق شفتيه به، قائلاً بصوت منخفض:

"هناك كثيرون لكني لا أريد سوى واحد فقط... أنت."

انزلقت يد تشين مو، وسقط هاتفه على الأريكة، لكنه لم يهتم، بل أمسك بوجه شي سيان، وعمّق القبلة.

في الوقت نفسه، عند مدخل دورة المياه في أحد المطاعم الكانتونية القريبة من المستشفى...

كان العجوز كي ممسكًا بهاتفه، حين تلقى صورة جديدة.

التُقطت الصورة من خلال نافذة زجاجية لغرفة المستشفى، وكان يمكن بوضوح رؤية ظل شخص يرتدي لباس المرضى وهو يضغط رجلاً طويل القامة على الأريكة، وكأنه يجبره على الاستسلام.

مرفقة بالصورة، جاءت رسالة تحمل نبرة كسولة وغامضة:

"لم أخبرك طوال هذه السنوات، لكنني عرفت أنني مثلي منذ الثانوية. آه، وكنا نتواعد وقتها، ثم كنتُ أنا من أنهى العلاقة."

حدّق العجوز كي في الصورة، مشلولًا في مكانه.

كل التصورات التي كوّنها عن تشين مو خلال سنوات مراهقته تحطمت في لحظة.

العبقري الذي عرفه عندما كان لا يزال تحت سن الثامنة عشرة، ذلك الصبي الذي كان يراه متزنًا ونموذجًا مثاليًا...

كل شيء تحطم.

يداه المرتجفتان كتبتا ردًا بسيطًا:

"اللعنة... كنتَ أنت المتحكّم بالعلاقة؟!"

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]