قبل أن يلتقي بـ حبيبته، كان تشي لين بالفعل في حالة مزاجية سيئة.
لقد عانى ألف طعنة بينما وجه للعدو ثمانمائة فقط؛ فقد سرق الطرف الآخر كل شيء، لكنه لطفًا ترك له ملابسه الداخلية فقط.
وفقًا لـ شي سيان، كان هذا مجرد كارما نموذجية.
بالطبع، كان الطرف الآخر قد خدعه أولًا، وهذا بحد ذاته عمل خبيث أضرّ بشدة بقلب شاب بريء.
كان تشين مو مقتنعًا تقريبًا بأن تشي لين قد يكون منجذبًا للرجال، رغم أن الأخر أنكر بشدة أنه شعر بأي مشاعر تجاه ذلك الرجل الذي أمضى معه بضعة أيام.
"سيضلّ الطريق."
في الحافلة المهتزة، قال تشين مو لـ شي سيان الجالس بجانبه:
"هل سنترك الأمر هكذا؟"
شي سيان نظر إليه وسأل:
"أي نوع من الضياع تقصد؟"
تلعثم تشين مو للحظة،
ثم بعد بضع ثوانٍ من التردد، قال:
"على سبيل المثال، إذا لم يستطع التفكير بوضوح وانتهى به الأمر بحياة خاصة فوضوية..."
شي سيان ردّ بنبرة هادئة:
"عائلة تشي لن تسمح بذلك."
عندما رأى تشين مو أنه لم يقتنع، أوضح له:
"ربما لا تعرف لكن عائلة تشي صارمة جدًا. قد يبدو تشي لين بلا هموم لكنه مثل الفأر أمام والده. لن يجرؤ على التمادي.
وبالمناسبة، العثور على ذلك الرجل ليس أمرًا صعبًا لكن ألم تلاحظ شيئًا؟ رغم صراخه وغضبه، إلا أنه تردد عندما كان الأمر يتعلق بالاتصال بالشرطة.
لم يكن يريد إرسال ذلك الرجل إلى السجن،
ولم يكن يبدو مهتمًا حتى باستعادة ممتلكاته."
تشين مو تفاجأ.
لم يفكر في ذلك من قبل.
تشي لين قضى أكثر من يوم مع ذلك الرجل.
وبعيدًا عن القصة التي رواها بنفسه،
لا أحد يعرف التفاصيل الحقيقية لما حدث.
إذن، كيف بدأت تلك الشائعات عن تشي لين في مدينة سوي من الأساس؟
في حياته السابقة التقى تشين مو بـ تشي لين مرتين بعد أن أصبح بالغًا. كان أسلوبه مختلفًا تمامًا عن الآن متجسدًا في صورة الابن العابث المدلل.
لكن رغم كل الإشاعات لم يكن هناك أحد بجانبه أبدًا.
بما أنه كان هو نفسه ضحية للإشاعات في الماضي، قرر تشين مو ألا يتدخل أكثر خاصة وأن شي سيان كان واثقًا من كلامه.
في النهاية، كان يعرف عن تشي لين وعائلته أكثر مما يعرفه هو.
بحلول منتصف أغسطس،
كانت العطلة الصيفية تقترب من نهايتها.
في يوم السفر، كان الطقس مشمسًا، السماء صافية بلا غيوم. بعد النزول من القطار السريع وركوب الحافلة، كان الوقت قد قارب الظهيرة.
كانت الحافلة مزدحمة بالركاب، تفوح منها تلك الرائحة المميزة للحافلات القديمة التي تجعل المرء يصاب بالدوار إذا بقي فيها طويلًا.
فتح تشين مو النافذة، مما سمح للنسيم الصيفي الساخن بالدخول، بينما شعر بحركة الحافلة المتمايلة وهي تسير في الطرق الريفية المتعرجة، مما منحه إحساسًا بالراحة الغريبة.
من مقاطعة بايما إلى البلدة، استمرت الحافلة في التوقف، حيث كان الركاب يصعدون في محطات مختلفة على طول الطريق.
داخل الحافلة، كان الناس يتحدثون بصوت عالٍ بلهجتهم المحلية، يناقشون شؤونهم اليومية، في جو مختلف تمامًا عن صخب المدن الكبرى.
تشين مو كان يراقب سيدة تحمل دجاجة حية وسلة، بينما كانت تحاول إيجاد مساحة صغيرة للوقوف، مما جعلها تضغط على شي سيان، الذي بالكاد كان لديه مكان للحركة.
تشين مو لم يستطع إلا أن يبتسم.
"لنبدّل الأماكن." اقترح تشين مو.
لكن شي سيان فقط حرّك قفص الدجاج قليلًا وقال:
"لا داعي."
لكن السيدة التي تحمل الدجاجة لاحظت ذلك، وقالت بصوت عالٍ:
"لا تمانع يا بني، هذه دجاجة سوداء اشتريتها من المدينة لحفيدي. سيلتحق بالمدرسة الثانوية قريبًا وكان يدرس بجد خلال الصيف، لذلك أردت أن أطهو له حساء مغذي."
شي سيان هز رأسه وقال بهدوء:
"لا بأس."
"تبدوان كطلاب أيضًا؟"
ابتسمت السيدة بحماسة قبل أن تسأل:
"أنهيتما دروسكما الإضافية وأنتما في طريقكما إلى المنزل؟"
تشين مو مال إلى الأمام قليلًا وابتسم مجيبًا:
"نعم، نحن في آخر سنة دراسية، أنهينا الدروس الإضافية للتو."
"آه، هذا صعب."
أومأت السيدة برأسها، ثم تمتمت لنفسها:
"يبدوان وكأنهما من المدينة."
شي سيان ألقى نظرة خاطفة على تشين مو وقال:
"طلاب السنة الأخيرة أنهوا للتو امتحانات
القبول الجامعي أين أخذت دروسًا إضافية؟"
تشين مو دفعه بمرفقه بخفة وقال:
"لو لم أقل ذلك، لبدأت تسأل عن شجرة عائلتك بأكملها."
ثم ابتسم وأضاف: "إنهم ودودون جدًا. كان من المفترض أن تكون في عطلة على شاطئ فاخر أو في فندق خمس نجوم، لكنني أصررت على القدوم إلى هنا. عليك أن تتحمل ذلك."
رفع شي سيان حاجبه وقال بنبرة هادئة:
"من قال إن الإجازات يجب أن تكون على الشاطئ أو في الفنادق؟ لا تفكر كثيرًا. الهدف من هذه الرحلة هو أن أكون معك، وليس إلى أين نذهب."
كلما توغلت الحافلة أكثر، أصبحت المناظر أكثر مألوفية.
على مدار ثلاث سنوات من الإعدادية وسنة واحدة من الثانوية، سلك تشين مو هذا الطريق كل شهر.
بالنسبة للآخرين، كان قد غاب لمدة عام فقط.
أما بالنسبة له، فقد كان بعيدًا عقدًا كاملًا.
قال تشين مو إنه يريد العودة لرؤية المكان،
لكنه لم يكن لديه وجهة محددة في ذهنه.
في النهاية، منزل عائلة تشين القديم لم يكن بيتًا حقيقيًا، ولم يكن ينبغي أن يكون فيه أحد بعد سجن والديه.
لذا، بمجرد وصوله إلى البلدة، كان أول ما فعله تشين مو هو أخذ شي سيان إلى الفندق الوحيد اللائق هناك وحجز غرفة.
على بعد عشرة كيلومترات من هذه البلدة، كان هناك موقع سياحي شهير في مقاطعة بايما، يتميز بمناخه المعتدل.
كان الكثير من الناس يأتون إلى هنا هربًا من حرارة الصيف كل عام.
في البداية، كان تشين مو قلقًا من أن تكون جميع الغرف محجوزة، لكن موظف الاستقبال أخبره أنهم كانوا محظوظين—شخص ما قام بتسجيل الخروج في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم.
غرفة مزدوجة قياسية.
كان المكان يبدو نظيفًا ومريحًا.
بحلول الثانية ظهرًا أخذ تشين مو شي سيان
إلى مطعم نودلز محلي كان يتذكره جيدًا.
بينما كانا يجلسان على مقعد صغير على الرصيف، وسط الأجواء المزدحمة، قال شي سيان فجأة:
"لقد زرت هذا المكان من قبل."
رفع تشين مو رأسه إليه بحيرة، وأصدر صوت "هم؟" مستفسرًا.
شي سيان أشار إلى محل الإفطار القريب وقال:
"قبل أكثر من عام بقليل، جاء الصحفيون والمسؤولون المحليون إلى هنا في الصباح الباكر.
كان الجو لا يزال مظلمًا والمطر يهطل، وقيل لنا إن الطريق إلى قرية يوهواي سيستغرق ساعة أخرى.
كان محل الإفطار هذا هو الوحيد المفتوح.
أرسل المسؤولون المحليون شخصًا لشراء الطعام، وحصلتُ على كعكتين مطهوّتين على البخار وكوب من حليب الصويا."
في تلك اللحظة، شعر تشين مو بإحساس
غريب وكأنه فقد الإحساس بالزمن والمكان.
بعد عشر سنوات من الغياب، يعود إلى هذا المكان، ليجد شي سيان يروي له تفاصيل زيارته القصيرة قبل عام واحد فقط.
بدا وكأنه يعرف هذا المكان أكثر من تشين مو نفسه.
شعور غريب.
وكأن شخصًا آخر كان يشاركه ذكرياته، مما جعل بعضًا من التعقيد الذي كان يحمله بداخله يزول قليلاً.
هذا دفع تشين مو لتذكر مشاهد متعلقة من ماضيه.
"كيف كان الطعم؟" سأل تشين مو.
شي سيان فكر للحظة ثم قال:
"لا أتذكر لم آكل كثيرًا فقط أذكر أن طعم حليب الصويا كان قويًا."
تشين مو ابتسم وقال:
"هذا مؤسف فطائرهم في الواقع لذيذة جدًا."
شي سيان حدق في وجهه للحظة قبل أن يردّ بهدوء:
"نعم إنه لأمر مؤسف. كان عليّ تجربتها."
بعد انتهائهما من الغداء،
صادفا عربة ثلاثية العجلات متجهة إلى قرية يوهواي، فقرر تشين مو أن يأخذ شي سيان إلى هناك.
الطريق المؤدي إلى قرية يوهواي لم يُبنى
إلا قبل بضع سنوات، وكان طريقًا مسدودًا.
لم يكن هناك الكثير من السيارات التي تمر عبره، باستثناء المركبات القليلة التي يستخدمها القرويون.
العربة كانت مزعجة، والسائق، وهو عمٌّ من
قرية مجاورة، لم يتعرف على تشين مو.
تبادلا حديثًا قصيرًا، ولم يوضح تشين مو الكثير، فقط قال إنهما يزوران بعض الأقارب.
كان شي سيان جالسًا مقابل تشين مو في الجزء الخلفي من العربة.
الرحلة كانت وعرة، بسبب الطريق غير المستوي المليء بالحجارة الصغيرة.
لم يركب تشين مو مثل هذه المركبات منذ سنوات، فترك فمه يطلق بعض الأصوات المتفاجئة أثناء الاهتزازات.
أما شي سيان، فقد تطاير شعره قليلًا بفعل الرياح، وظهر بعض التوتر على وجهه بعد عدة ارتدادات.
لكن بالمقارنة مع الآخرين، بدا أنه يتكيف بشكل مذهل.
عند وصولهما إلى مدخل القرية، رفض السائق قبول الأجرة، لكن تشين مو أصرّ على ترك المبلغ سرًا في زاوية صندوق الحمولة الخلفي للعربة.
لم يكن يخطط للبقاء طويلًا—فقط نظرة سريعة.
لكن قبل أن يتمكن حتى من التحرك من تحت الشجرة الكبيرة عند المدخل، سمع صوتًا مألوفًا يناديه:
"تشين مو؟ هل هذا أنت؟"
استدار تشين مو.
رأى امرأة في منتصف العمر تحمل سلة من الخضار تقف على بعد بضع خطوات.
حدّقت به للحظات وكأنها تحاول التأكد،
ثم نادت بحذر:
"عمّتك؟"
"يا إلهي، إنه أنت بالفعل!"
امتلأ صوتها بالحماسة، وأمسكت بكمّه وهي تحدق فيه من رأسه حتى أخمص قدميه، قائلة بدهشة:
"لماذا لم تخبرنا أنك عُدت؟ لقد كبرت، أصبحت أطول وأفتح لونًا. بالكاد عرفتك، يا بني."
تشين مو لم يُبعد يدها، بل ابتسم قليلًا وقال بلطف:
"كيف حالك؟"
"بخير، بخير، كل شيء على ما يرام."
بعد أن هدأت قليلًا، نظرت إلى الشاب
الطويل الواقف بجانب تشين مو وسألت:
"ومن هذا؟"
"إنه زميلي في الدراسة، شي سيان." ثم التفت إلى شي سيان وقال: "هذه عمتي، كانت جارتنا سابقًا، وهي والدة شياوهي الذي أخبرتك عنه."
"مرحبًا،" قال شي سيان بأدب.
مسحت المرأة يديها في ثوبها بعصبية،
ثم ابتسمت وقالت:
"أهلًا أهلًا."
في هذه اللحظة، كان هناك أربعة أو خمسة أشخاص، رجال ونساء، يقتربون من الطريق المجاور، يحملون مجارف على أكتافهم.
لكن على عكس حرارة استقبال والدة شياوهي، كان ترحيب هؤلاء الناس أكثر تحفظًا، مليئًا بالمجاملات الفضولية، وربما بعض التلميحات المبطنة.
"هل هو حقًا تشين مو؟ لقد تغيّرت كثيرًا."
"يبدو أن ما يقولونه صحيح، الجينات تلعب دورها. فوالداه من المدينة في النهاية."
"أليس كذلك؟ ألم يذهب تشين جيانلي
وزوجته إلى المدينة للعيش برفاهية؟"
"مستحيل؟"
واصلوا حديثهم فيما بينهم بنبرة يشوبها بعض الشك:
"هل يمكننا تصديق أي شيء يقوله تشين جيانلي؟"
"إنها الحقيقة شقيق زوجة أخي يعمل في مدينة سوي في مجال الترميم لفترة من الوقت كان تشين جيانلي يشرب معه كثيرًا وكان يتفاخر بأنه أصبح فاحش الثراء بل واعترف أن الفضل يعود لعائلة يانغ."
"يا لهم من كرماء! لو حصلنا على القليل فقط من أموالهم، لكفانا لنعيش حياتنا كلها."
"بالضبط! تشين جيانلي حتى قال إنه استعاد
ابنه. تخيلوا بشخصيته تلك من كان يظن أن ابنه سيكون له شأن كبير أفضل منّا جميعًا!"
عند سماع هذه الكلمات،
التفت أحدهم نحو تشين مو وسأله بفضول:
"تشين مو؟ لماذا أنت وحدك؟ أين والداك؟"
ثم ألقى نظرة على شي سيان وسأل بحيرة:
"هل هذا هو ابن تشين جيانلي الحقيقي؟ لا يبدو كذلك... أذكر أنه لم يكن بهذا الشكل قبل عام..."
أخيرًا، لم تستطع والدة شياوهي التحمل أكثر.
بصقت مرتين على الأرض وقالت بحدة:
"ما هذا الهراء الذي تتفوهون به! دائمًا ثرثرة بلا معنى!"
ثم، قبل أن يتمكن أحد من الرد أمسكت بذراع تشين مو وسحبته هو وشي سيان بعيدًا، قائلة إنها تريدهم أن يبقوا للعشاء.
بعيدًا عن الآخرين،
نظرت العمة بحذر إلى تشين مو وسألته:
"قل لي بصراحة، هل جاء تشين جيانلي إلى المدينة بحثًا عنك؟"
تشين مو طمأنها قائلًا: "لا إنه في السجن."
اتسعت عينا والدة شياوعي بدهشة:
"حقًا؟"
"حقًا."
"ذلك الوغد يستحق ذلك تمامًا!"
ثم أوضح تشين مو أن عائلة تشين كانت العائلة الوحيدة التي تحمل هذا اللقب في قرية يوهواي، ولم يكن لديهم أي أقارب هنا.
كما أن تشين جيانلي كان دائمًا محاطًا بأشخاص غير موثوقين، لذا حتى لو كان يتفاخر ويشرب معهم في مدينة سوي، فإنهم بالتأكيد لا يعرفون القصة الكاملة.
لهذا السبب، رغم أن الأحكام قد صدرت بحق
تشين جيانلي ولي يونرو، إلا أن أهل القرية لم يكونوا على علم بذلك بعد.
لم يستطع تشين مو وشي سيان رفض
دعوة العشاء، فذهبا مع العمة إلى منزلها.
كان زوجها قد أصيب في ساقه أثناء العمل في
موقع بناء منذ ثلاث سنوات مما جعله يعرج قليلًا.
وعندما رأى تشين مو وشي سيان، أسرع إلى
الحقل ليقطف بعض الفاصولياء الخضراء، قائلاً إنه سيضيف طبقًا إضافيًا للعشاء.
شي سيان عرض عليه المساعدة.
في هذه الأثناء، سأل تشين مو وهو يدخل المنزل ولم يجد أحدًا هناك:
"أين شياوهي؟ أليس من المفترض أن يكون في إجازة أيضًا؟"
تنهدت العمة بضيق وأجابت:
"لقد ترك المدرسة منذ فترة طويلة."
ثم أضافت بانزعاج:
"قال إن الدراسة مرهقة جدًا. قبل نصف عام، استخدم خاله معارفه ليحصل له على تدريب مهني في صالون حلاقة بمقاطعة بايما. ومنذ أن بدأ العمل هناك لم يعد إلى المنزل منذ أشهر."
تفاجأ تشين مو للحظة ثم قال:
"إذن لقد حقق ما أراده على الأقل هذا خيار اتخذه بنفسه."
"ذلك لأنه بلا طموح! على عكسك كنت دائمًا تحصل على درجات جيدة وكنت تستطيع حتى دفع رسوم دراستك بنفسك وأنت في الإعدادية. أما ذلك المشاغب فلولا أنك كنت تدافع عنه لا أدري كيف كان سيتم التنمّر عليه."
ثم نهضت العمة فجأة وقالت:
"سأتصل به فورًا. سيُسعده معرفة أنك عدت، وربما يأخذ يومًا إجازة ليأتي لرؤيتك."
لكن تشين مو أوقفها بسرعة قائلًا:
"عمة لا تتصلي به. نحن سنغادر قريبًا ولن نبقى طويلًا. لا حاجة لأن يُتعب نفسه ويعود خصيصًا."
ترددت العمة للحظة ثم قالت بأسف:
"في العام الذي كنت غائبًا فيه، كان كثيرًا ما يذكرك في حديثه."
ثم جلست مجددًا، وتابعت بجدية:
"لكن تشين مو لا تلمني لصراحتي لم يكن ينبغي لك أن تعود ما الذي يستحق التذكر هنا؟ تشين جيانلي ولي يونرو؟ هذه القرية الفقيرة؟ لماذا عدت بعد أن غادرت؟"
تشين مو ابتسم بهدوء وقال:
"ما أتذكره ليس هما أنا أتذكركِ وأتذكر العم وأتذكر جارتنا العجوز وأتذكر الجدول الصغير أمام منزلنا وأتذكر شجرة الجراد الكبيرة عند مدخل القرية. لولا أنكِ أنقذتِني عندما كنت صغيرًا، لما كنت على قيد الحياة اليوم."
ظل دفء البطانية التي لفتها حوله في
ذلك اليوم الثلجي محفورًا في ذاكرة تشين مو.
في الماضي لم يكن قادرًا على مواجهة نفسه،
ولا العودة إلى هنا بقلب هادئ.
اغرورقت عينا العمة بالدموع.
ثم تمتمت وهي تمسح عينها بقوة:
"أولئك الأوغاد لقد فقدوا ضمائرهم تمامًا."
ابتسم تشين مو وسحب مناديل ورقية من على الطاولة، وناولها للعمة.
وعندما استدار، رأى شي سيان واقفًا عند الباب، صامتًا تمامًا، لم يتحرك قيد أنملة.
بعد انتهاء الحديث دخل شي سيان وقال:
"العم طلب مني أخذ كيس آخر."
"نعم نعم."
أسرعت العمة إلى الداخل وأحضرت كيسًا إضافيًا.
استطاع تشين مو أن يشعر بوضوح بالتوتر
الذي شعر به العمة والعم حول شي سيان.
فهو لم يكن ينتمي لهذا المكان، وكان وجوده
لافتًا للغاية، كأنه غريب وسط مشهد مألوف.
والأهم من ذلك، أنهم قد نسوا أن شي سيان كان هنا من قبل.
لكن الآن، لم يكن الشخص نفسه الذي ترك لديهم انطباعًا سريعًا قبل عام، لذا كان من المستحيل عليهم الربط بين الشخص الذي أمامهم وبين ذلك الزائر العابر.
بعد العشاء، كان الشمس قد غابت.
وبما أنه لم تكن هناك أي وسائل نقل متاحة ليلاً، أصرّ العم والعمة على بقائهما.
لذلك، قرر تشين مو وشي سيان المغادرة في الصباح الباكر.
عند الغسق، جلس تشين مو مع العم في الفناء، يتبادلان الحديث أحيانًا عن وضع شياوهي وتحدث تشين مو قليلاً عن حياته—دراسته الجامعات التي يستهدفها، وخططه المستقبلية.
الأجواء كانت دافئة ومريحة.
داخل الغرفة المضاءة، أخذت العمة السلة من
شي سيان وأشارت إلى الفناء، قائلة:
"لم أره سعيدًا هكذا منذ وقت طويل."
شي سيان أدرك أنها كانت تشير إلى زوجها.
وعندما لاحظت العمة أنه كان يستمع باهتمام، بدأت تتحدث بلا توقف:
"إنه يحب تشين مو كثيرًا دائمًا ما يقول إن ذلك الفتى مختلف عن الجميع عندما كان صغيرًا...
آه، مجرد تذكر تلك الأيام يمزق قلبي."
"كان تشين جيانلي وزوجته يعاملانه مثل كلب ضال كان هزيلًا جدًا يمكنك رؤية ضلوعه بوضوح.
أنا والعم فكرنا في ضمّه إلينا لكننا لم نكن نملك القدرة في هذا المكان الفقير لذا كنا نساعده سرًا نطعمه ونعطيه ما يحتاجه."
"ذلك الطفل كان قويًا... رغم صغر سنه استطاع أن يعتمد على نفسه ويكسب قوته تحت أنف تشين جيانلي في المدرسة الإعدادية أصبح بإمكانه أن يضرب تشين جيانلي حتى يُغرقه بالشتائم لكنه لم يكن جاحدًا أبدًا."
"قبل ثلاث سنوات عندما أصيب العم في ساقه أثناء العمل في المقاطعة أعطانا كل ما كان قد جمعه من عمله—بضع آلاف اليوان التي كدّ من أجلها بشق الأنفس."
في الفناء، جلس تشين مو على عتبة الحجر،
يداعب قطة صغيرة صفراء.
كان نور الغرفة يلقي بظل خافت على رأسه.
شي سيان ظل يراقبه لفترة طويلة.
لسبب ما شعر وكأنه وقف في هذا المكان من قبل، وسمع هذه الكلمات مسبقًا.
لكن، في المشهد الذي في ذهنه، لم يكن هناك أحد يجلس على الدرج ليتحدث مع صاحب المنزل.
هذا الشعور الغريب، وكأن شيئًا ناقصًا،
جعله يشعر بفراغ غامض وعدم ارتياح.
"هل هذه تشبه تلك التي كانت لديك؟"
عندما سمع تشين مو الصوت المألوف خلفه،
ردّ على الفور دون تفكير:
"أي قطة؟ لم أملك قطة من قبل."
عندما أدرك تشين مو زلّته تجمّد مفكرًا: "آوه لا."
في تلك المرة كان قد حلم ثم ذكر آدا القطة
الضالة التي ادّعى أنه كان يربيها والتي سخر منه
شي سيان وقتها بسبب اختيار اسم عصري لها.
أصيب تشين مو بالإحراج،
فاستدار واقفًا وحاول التصرف بلا مبالاة.
قال بصوت هادئ: "آه، تقصد تلك؟
هربت بعد بضعة أيام نسيت أمرها تمامًا حتى ذكرتني بها فجأة."
لكن فجأة أشار له شي سيان بيده مشيرًا إليه أن يقترب.
"اقترب."
نظر إليه تشين مو بريبة: "لماذا؟"
لكن رغم تساؤله، خطا خطوة إلى الأمام، ليجد نفسه فجأة مسحوبًا إلى صدر شي سيان، حيث أحاطه الآخر بذراعيه في عناقٍ محكم.
ارتجف تشين مو من الصدمة، وهمس بدهشة: "تبًا، هل جننت؟"
حاول التحرّك لكنه سمع شي سيان يزفر بعمق.
"ما بك؟" سأل تشين مو بعدما لاحظ أن العمّة والعم لم ينتبها لهما،
فاسترخى قليلًا وأضاف:
"أقول لك دائمًا أنت مدلل أكثر من اللازم دائمًا..."
لكنه لم يُكمل جملته.
لأن العم، الذي كان يستمع إلى الراديو،
استدار فجأة وسأل بفضول:
"ما الذي يحدث؟ لماذا تتعانقان؟ تشين مو،
هل يواجه صديقك مشكلة؟ تعال أخبر عمك."
فتح تشين مو فمه، لكنه لم يجد ما يقوله لمواجهة هذا الاهتمام المفاجئ.
لكن شي سيان كان الأسرع في الرد.
بكل طبيعية ترك تشين مو، لكن يده اليسرى بقيت مستقرّة حول خصره.
قال بنبرة هادئة: "لا بأس عمّي. أخشى أنني لن أعتاد على النوم وحدي في الليل لكن تشين مو لا يريد مشاركتي الغرفة."
عبس العم وألقى نظرة صارمة نحو تشين مو، ملامحه تنضح بالاستياء وكأنه أحد كبار العائلة يؤنّب شابًا غير مسؤول:
"هذا تصرف غير لائق منك يا تشين مو. زميلك قطع كل هذا الطريق معك. اجعل العمة تحرك السرير لاحقًا. أفهم أنك لست معتادًا على الريف، قد يكون الجو حارًا قليلًا، لكن عليك التأقلم."
نظر تشين مو إلى شي سيان بتعبير غير مصدّق،
ثم قال ساخرًا: "حقًا، لست معتادًا؟"
أومأ شي سيان بهدوء، قائلًا بثقة: "نم معي الليلة."
تنهّد تشين مو ثم تمتم: "هراء."