🦋

في الصباح الباكر، تساقطت زخات خفيفة من المطر، وكانت الجبال المغطاة بالأشجار يلفّها الضباب. 

كان المشهد ضبابيًا وكأنه قطعة من الجنة.

كانت سيارة سوداء تسير على طريق جبلي متعرّج.

كان السائق في الأمام يمسك عجلة القيادة بحذر. 

أما الرجل الجالس في الخلف، فكان يرتدي بدلة رمادية، وقميصه الأبيض النظيف مكوي بعناية دون أي أثر للتجاعيد، 

بينما كانت أصابعه النحيلة تتصفّح ملفًا.

كان للرجل ملامح وسيمة وتعبير وجه بارد. 

لم يكن يفعل شيئًا سوى الجلوس بصمت، 

ورغم ذلك كان يُشعِر من حوله بهالة من الهيبة والضغط الغريب. 

غرق المكان في السيارة في صمت تام بسبب وجوده، حتى إن السائق لم يجرؤ على كسر هذا الجو أو إزعاجه.

إلى جوار الرجل، جلست فتاة في العشرين من عمرها تقريبًا. كانت ملامحها شابة يانعة، وترتدي فستانًا وردي اللون، وقد رفعت شعرها في كعكة بسيطة. 

كانت تمسك هاتفها بجدية وهي تقرأ رواية.

وبينما كانت تقرأ لبعض الوقت، 

رفعت فجأة رأسها ونظرت إلى الرجل الجالس بجانبها، 

واستمرت تتفحّصه من أعلى إلى أسفل.

شعر الرجل بنظراتها وسألها ببرود: “ما الأمر؟”

انحنت عينا الفتاة بابتسامة مشرقة وقالت:

“أخي، بطل الرواية في هذه القصة يحمل نفس اسمك. إنه يُدعى أيضًا باي شاوزي.”

تساءل باي شاوزي بلا مبالاة: “أي رواية؟”

“رواية العلامة العرضية، إنها رواية من نوع ABO.”

رفع باي شاوزي حاجبيه قليلًا وسأل: “رواية ABO؟”

في الحقيقة، لم يكن باي شاوزي مهتمًا بالروايات الإلكترونية. كان يقرأ فقط النصوص التي تُقدّمها له إدارة الأفلام والتلفزيون في شركته بعد مراجعتها. بطبيعة الحال، لم يكن يعرف ما هو نوع ABO 

وظنّ أنه يشير إلى فصيلة دم.

سعلت باي شياوتشينغ بخفة وقد شعرت ببعض الحرج من شرح الأمر بالتفصيل لشقيقها، فاكتفت بقول:

–“إنه نوع من التصنيفات في الروايات الأجنبية. 

في عالم الـ ABO، يُقسَّم الناس إلى ثلاث فئات: ألفا، وبيتا، وأوميغا. من بينهم، الألفا والأوميغا يمتلكون فرمونات محددة. 

يمكن اعتبارها نوعًا من الهرمونات التي تتحكم 

في الغرائز البشرية. باي شاوزي في الرواية، والذي يحمل نفس اسمك، هو ألفا، كما أنه رئيس لشركة ترفيهية.”

استمع باي شاوزي إلى الشرح، 

لكنه بدا حائرًا دون أن يُبدي اهتمامًا كبيرًا.

توقّفت باي شياوتشينغ لوهلة قبل أن تهمس قائلة:

“لكن… باي شاوزي في الرواية شخص سيء للغاية. بعد أن فقد البطل تشينغ شيا السيطرة على فرموناته، قام هذا الوغد بتعذيبه وكاد يتسبّب في مقتله. صحيح أنه يحمل نفس اسمك، لكن شخصيته مختلفة تمامًا عنك.”

أجاب باي شاوزي بهدوء:

“حمل نفس الاسم ليس أمرًا غريبًا. اسمي ليس مميزًا إلى هذه الدرجة.”

ثم عاد إلى تصفّح الوثائق دون أن يُظهر أي اهتمام بالموضوع.

كان باي شاوزي عادةً مشغولًا للغاية بعمله. 

أما هذه المرة، فقد عاد إلى المنزل لأن اليوم يصادف عيد ميلاده الثلاثين، 

وكانت والدته تخطط لإقامة حفل بهذه المناسبة.

الملف الذي كان بين يديه عبارة عن عقد توقيع لمشروع قسم الأفلام والتلفزيون التالي في الشركة. 

كانت الإدارة القانونية قد راجعته مرارًا قبل تقديمه له للمراجعة النهائية. وبما أن الفندق لا يزال على بُعد ساعة بالسيارة، فقد قرر قراءة العقد أثناء الطريق.

وبعد مرور عشر دقائق، انتهى باي شاوزي 

من قراءة العقد ووضعه في حقيبته الجلدية.

نظرت باي شياوتشينغ إلى شقيقها عندما لاحظت أن وقته أصبح متاحًا، 

سألته بفضول:

“أخي، هل القواعد الغير معلنة شائعة جدًا في مجال الترفيه؟ أعني، إذا ظهر في سريرك يومًا ما نجم جميل للغاية، هل ستستغل الموقف؟”

( " القواعد الغير معلنة " تعني العادات أو الممارسات غير الرسمية التي يتبعها البعض في صناعة الترفيه لتحقيق مصالح شخصية، مثل استخدام النفوذ أو استغلال المواقف لتحقيق مكاسب مهنية بعيدًا عن القوانين الرسمية )

أجاب باي شاوزي ببرود وبنبرة قاطعة: “لا.”

“……”

أطلقت باي شياوتشينغ تنهيدة ورفعت كتفيها بلا حول ولا قوة.

كان شقيقها صارمًا ومستقيمًا إلى درجة مفرطة. 

حتى لو جاءه شخص بنفسه، لن يُبدي أي اهتمام. من المستحيل أن يكون هو الوغد الذي ظهر في رواية العلامةالعرضية.

ففي الرواية، استغل الوغد باي شاوزي البطل 

تشينغ شيا في الليلة الأولى التي قُدِّم إليه فيها، الأمر الذي قاد إلى سلسلة من الأحداث المليئة بالدراما السوداء والمعاناة.

كانت الحبكة الأصلية للرواية قائمة على الألم والمعاناة، لكن مجرد أن الشخصية الوغدة تحمل نفس اسم شقيقها، 

جعلها تنغمس تمامًا أثناء القراءة…

فذلك الوغد في الرواية كان كثيرًا ما يتصرف بغباء، ولا يُقارن أبدًا بشقيقها الهادئ الحكيم.

شقيقها، باي شاوزي، كان رجلًا مخلصًا لعمله إلى أقصى حد.

في ذاكرة باي شياوتشينغ، لم يكن باي شاوزي 

قد دخل في علاقة عاطفية من قبل. 

كان يتمتع بمظهر جيد وتنتمي عائلته إلى طبقة ثرية، لذا كانت العديد من النساء يسعين للارتباط به، لكنه كان دائمًا باردًا وغير مبالٍ. 

كانت حياته الخاصة منضبطة بشكل مذهل، 

حيث كان يستيقظ في وقت محدد يوميًا ويتناول وجباته وفق جدول صارم. 

بدا وكأن عالمه كله يدور حول العمل، 

بينما كان كل شيء آخر يحتل المرتبة الثانية.

توفي والدهما في سن مبكرة، 

وكانت والدتهما تعاني من اعتلال في صحتها. 

وعندما تولى باي شاوزي مسؤولية الشركة، 

لم يكن قد تجاوز الثانية والعشرين من عمره وكان قد تخرج حديثًا من الجامعة. 

في ذلك الوقت، كانت الشركة غارقة في الديون وعلى وشك الإفلاس، ويمكن تخيّل مدى الضغط الذي واجهه.

كان يقوم بكل شيء بنفسه، من دراسة السوق 

إلى تصفية المشاريع وتوظيف الفنانين. 

وفي إحدى المرات، اضطر للذهاب إلى المستشفى لتلقي العلاج الطارئ بسبب نزيف في المعدة إثر تناوله المشروبات الكحولية مع المستثمرين في محاولة لجذب الاستثمارات. 

ونتيجة لذلك، أصيب بمشاكل معوية حادة…

خلال تلك الفترة، بالكاد كان ينام خمس ساعات يوميًا وكان دائم التنقل. مرّ بالكثير من الصعوبات، مما ساهم في تشكيل شخصيته الهادئة والحاسمة.

بفضل جهوده المتواصلة على مدار سنوات، 

نجحت عائلة باي في فرض سيطرتها على نصف صناعة الترفيه. 

أصبح الفنانون الذين اكتشفهم من المشاهير، وحققت الأفلام التي استثمر فيها نجاحات ساحقة في شباك التذاكر. وبذلك، أصبح باي شاوزي المدير صاحب الرؤية الاستثمارية الأفضل في المجال.

هذه السنوات من العمل الجاد جعلته أكثر نضجًا، حيث أصبح قادرًا على فهم أفكار الفتيات الشابات والفنانين الصاعدين بسهولة. ولهذا، رغم أنه كان يقترب من الثلاثين، لم يكن لديه أي نية للوقوع في الحب.

فكروا في الأمر… لماذا يضيع وقته في الحب عندما يكون واضحًا أنهن يردن التقرّب منه فقط من أجل مصالحهن؟

أما اليوم، فقد أصبح باي شاوزي شخصية مشهورة، 

وكان النجوم في مجال الترفيه يحرصون على مناداته باحترام بلقب الرئيس باي عند رؤيته. 

ومع ذلك، كانت باي شياوتشينغ تشعر دائمًا أن شقيقها يفتقر إلى شيء ما… إلى لمسة إنسانية. 

كان أشبه بآلة عمل لا تتوقف، 

ولهذا كانت تتمنى أن يجد شخصًا يحبه بصدق ليكون بجانبه.

لكنها لم تكن تعلم متى سيظهر ذلك الشخص.

أقيم حفل عيد ميلاد باي شاوزي في فندق فاخر من فئة الخمس نجوم.

حضر الحفل أقارب عائلة باي وفنانو الشركة، 

حيث حرص الجميع على الظهور بأبهى حلة لإعطاء انطباع جيد لدى باي شاوزي. كانت أضواء النجوم تملأ المكان، وتكدست الهدايا المقدمة له كأنها جبل صغير. وما إن ظهر باي شاوزي حتى فسح الجميع الطريق له تلقائيًا.

بهدوء، أخذ باي شاوزي شقيقته إلى وسط قاعة الحفل، ثم توجه نحو والدته وعانقها بأدب. 

قامت والدته بربت كتفه بلطف وابتسمت قائلة:

“شاوزي، عيد ميلاد سعيد. أردت أن يكون احتفالك بعيد ميلادك الثلاثين مميزًا، لذا دعوت الكثير من المعارف. هل يزعجك ذلك؟”

ظهر على وجه باي شاوزي ابتسامة نادرة، 

وقال بهدوء:

“بالطبع لا.”

كان من النادر أن يُظهر أي تعبير على وجهه الجاد، لكنه كان أكثر ارتياحًا حين يكون مع عائلته. 

وفي تلك اللحظة، رأت بعض الفتيات الشابات هذا المشهد، فشعرن بدقات قلوبهن تتسارع وهمس بعضهن لبعض:

“الرئيس باي يتمتع بجاذبية رائعة… ألا يمكنه أن يصبح نجمًا؟”

“إنه يملك مليارات، هل هو بحاجة إلى أن يصبح نجمًا؟!”

“وأيضًا… لقد كان أعزب طوال هذا الوقت. 

لا أعرف نوع المرأة التي يفضلها.”

“على أي حال، لن يكون نوعكِ الذي يحب الثرثرة!”

بدأ حفل عيد الميلاد في تمام الساعة الثامنة مساءً. 

وبإشارة من والدته، التقط باي شاوزي الميكروفون وقال بضع كلمات موجزة، ثم قام شخصيًا بتقطيع كعكة عيد الميلاد. علا المكان بتصفيق حار. وخلال فترة البوفيه، بدأ الحضور يتوافدون عليه لرفع الأنخاب.

“عيد ميلاد سعيد، الرئيس شاو! 

نتمنى لك التوفيق في كل شيء!”

“عيد ميلاد سعيد، الرئيس باي…”

كان باي شاوزي يحتسي كأسًا تلو الآخر من 

النبيذ الأحمر، حتى بدأ يشعر بالدوار تدريجيًا. 

لم يكن يحب هذه الأجواء الصاخبة، لكنه لم يكن قادرًا على رفض طلب والدته. فبعد كل شيء، كان هذا الاحتفال الصاخب بمناسبة عيد ميلاده.

وحين أوشك الحفل على الانتهاء، استدعى باي شاوزي مساعده وأعطاه تعليماته بصوت عميق:

“دع السائق يعيد والدتي وشياوتشينغ إلى المنزل لاحقًا، وخذني إلى الفيلا في الضواحي الغربية. سأرتاح هناك لمدة يومين.”

أجابه المساعد فورًا: “حسنًا، سأأتي على الفور.”

لم يمضِ وقت طويل حتى وصل المساعد إلى الفندق لاصطحابه. جلس باي شاوزي في المقعد الخلفي وضغط على صدغيه بيده، فقد كانت لديه قدرة جيدة على تحمل الكحول، لكنه شرب كثيرًا اليوم. شعر بألم مفاجئ في رأسه، وكأن ضجيجًا شديدًا يملأ جمجمته.

نظر المساعد إليه من خلال المرآة الخلفية، 

فلاحظ شحوب وجهه وسوء حالته، فسأله بقلق:

“الرئيس باي، هل تشعر بالصداع مرة أخرى؟ 

هل ترغب في تناول مسكن للألم؟”

أجابه باي شاوزي بصوت أجش: 

“لا، ركّز على القيادة. سأحاول النوم قليلًا.”

ثم أغلق الستائر في الجزء الخلفي من السيارة، وأطفأ الأضواء، واتكأ على المقعد مغلقًا عينيه.

اضطر المساعد إلى القيادة بهدوء.

كان المطر يهطل طوال اليوم، وكانت المدينة بأكملها مغطاة بضباب كثيف. وبعد حلول الظلام، أصبحت الرؤية لا تتجاوز 30 مترًا، 

مما أجبر المساعد على توخي الحذر الشديد أثناء القيادة وإبطاء السرعة قدر الإمكان.

استغرقت الرحلة ساعتين حتى وصلوا إلى الفيلا في الضواحي الغربية. ساعد المساعد باي شاوزي الذي كان يبدو بحالة مزرية على الوصول إلى غرفة النوم، ثم صبّ له كوبًا من الماء بعناية. 

لكن باي شاوزي كان يعاني من صداع شديد، 

ففتح درج الطاولة بجانب سريره، وأخذ بضع حبات من الحبوب المنومة، ثم ابتلعها وسرعان ما غرق في النوم.

بعد وقت غير معلوم، بدأت أصوات آلية غريبة تتردد في رأس باي شاوزي.

[مرحبًا بك في نظام انتقال الكتب، 

النظام 1022 سيكون في خدمتك بكل إخلاص.]

[تم تفعيل حساب اللاعب.]

[أحدث رواية مقروءة هي… عذرًا، 

لم يتم العثور على أي روايات مقروءة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.]

[استرجاع الذاكرة…]

[أحدث رواية في ذاكرتك هي “العلامة العَرَضية” للمؤلفة Butterfly Fly Fly.]

[جاري تحميل عالم الرواية.]

[تم ربط الشخصية “باي شاوزي”.]

[بدء الاستراتيجية…]

استيقظ باي شاوزي فجأة وهو جالس على السرير.

آخر ما تذكره أنه شرب كثيرًا في حفلة عيد ميلاده، وكان يعاني من صداع فظيع. 

وبعد عودته إلى الفيلا، لم يستطع النوم بسبب الألم، لذا أخذ بعض الحبوب المنومة، وهو ما اعتاد عليه منذ سنوات عندما يعاني من الأرق.

ولكن الآن… لماذا استيقظ بهذه الطريقة؟ 

وما هذا الصوت الذي يتردد في رأسه؟

كان لا يزال يحاول استيعاب الموقف عندما شعر بجسد دافئ يلتصق به فجأة!

يد نحيلة بدأت تتلمس خصره برفق… كان هناك احتكاك مباشر بين جلدهما، 

وكان واضحًا أن الشخص الآخر لم يكن يرتدي أي ملابس… وكذلك هو!

“???”

فتح باي شاوزي عينيه على اتساعهما، 

ثم ضغط بسرعة على زر الإضاءة. 

توجهت عيناه الحادتان إلى جانبه، ليجد شابًا يرقد على السرير، مغطى باللحاف حتى كتفيه، ولم يظهر منه سوى وجهه وعظمة الترقوة البارزة قليلًا.

كانت بشرة الشاب بيضاء، وحاجباه مميزان بدقة، بينما أضفت الإضاءة الدافئة على ملامحه لمسة ناعمة، وكأنه طالب جامعي. 

ومع ذلك، لم يكن مظهره عاديًا، بل كان وسيمًا للغاية، بل ويكاد يكون من أجمل الوجوه حتى في عالم الترفيه المليء بالرجال الوسيمين.

لكن في هذه اللحظة، كان وجه الشاب محمرًا، ويبدو أنه يتحرك بلا وعي على السرير، وكأنه في حالة غير طبيعية.

عندها، تذكّر باي شاوزي حديث شقيقته عن القواعد الغير معلنة في صناعة الترفيه…

هل من الممكن أن يكون هناك شخص قد تسلل إلى فراشه ليحصل على فرصة للصعود في المجال؟

ضغط بسرعة على يد الشاب الذي كانت تتلمس جسده، وسأله ببرود شديد:

“من الذي أرسلك؟”

كان صوته منخفضًا وباردًا لدرجة أن درجة الحرارة في الغرفة بدت وكأنها انخفضت عدة درجات فجأة.

رفع الشاب رأسه، وبمجرد أن رأى هوية الشخص بجانبه، انكمش تحت الأغطية، وبدأت شفتاه ترتجفان قليلًا بينما كان تنفسه مضطربًا:

“الرئيس باي… أنا، اسمي تشينغ شيا… يبدو أن فيرمون الأوميغا لديّ خرج عن السيطرة…”

تشينغ شيا؟ فيرمون الأوميغا؟

لماذا بدت هذه الكلمات مألوفة جدًا؟

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]