🦋

قضيتُ يومًا كاملًا طريح الفراش، منهكًا تمامًا. 

شين شو بقي بجانبي طوال الوقت، ولم يغادرني. 

بين لحظات الوعي والضبابية، عادت إلى 

ذاكرتي مشاهد اعتقدتُ أنني نسيتها منذ زمن. 

تفاصيل دقيقة، كل إيماءة، كل نظرة، 

كل كلمة... وكأنها كانت مخبأة في زاوية منسية داخل رأسي، 

لتظهر أمامي بوضوح مذهل.

كانت الستائر مسدلة إلى النصف، بينما استند 

شين شو على الوسادة بجانبي وقال بصوت هادئ:

"... إذن، بدأ فتور علاقتكما بعد أن بدأ حبيبك بالعمل؟"

أومأتُ برأسي ثم هززته بعد لحظة تردد. 

ربما كنتُ أنا من لم يلاحظ العلامات الأولى لتغيره. 

ربما كنت ساذجًا، لم أكن أرى الخيوط الخفية التي تنذر بالانفصال القادم.

فجأة، تنهد شين شو وقال بنبرة اعتذار:

"شياو جين، هناك شيء أريد أن أعترف به لكِ. 

بالأمس، بينما كنت نائم وأنت تمسكن بهاتفك، 

لم أتمالك نفسي ونظرتُ إلى محادثاتك معه... 

أعلم أن هذا ليس من حقي، لكن من 

الواضح أنه لا يبذل أي جهد ليشعركِ بالأمان."

دفعتني كلماته إلى الدفاع عنه فورًا:

"هو ليس كذلك!"

لكن صوتي كان ضعيفًا أمام حقيقة الرسائل التي قرأها شين شو. حاولتُ إقناع نفسي أكثر مما كنتُ أحاول إقناعه.

"لم يكن كذلك في الماضي..."

نعم، كنتُ أدافع عنه، لكنني لم أستطع مسامحته. 

فحين يتذوق الإنسان طعم الحلاوة، يصعب عليه تقبّل المرارة بعدها—

خاصةً إن كان مصدر الحلاوة والمرارة شخصًا واحدًا.

في الواقع، كان يجب أن أدرك منذ أيام الثانوية أنه كان يبادلني المشاعر. عندما كان زملاؤنا يسألونه عن مسألة ما، كان يجيب بإيجاز، دون أن يكترث إن فهموا أم لا. لكن عندما كنتُ أسأله، كان يستدير ليضع دفتره على مكتبي، ويشرح ببطء، بأحرف أنيقة يكتبها بالمقلوب ليراها من وجهة نظري.

بينما كان الجميع قد انتقلوا إلى الهواتف الذكية، كان لا يزال يستخدم هاتفًا بأزرار، مما جعل إرسال الرسائل الطويلة أمرًا مرهقًا، خصوصًا عند كتابة المعادلات الرياضية المعقدة. 

كنتُ أمزح معه قائل:

"لماذا لا تجرّب إرسال الصور بدلًا من كتابة 

كل هذه المعادلات يدويًا؟ هذا مضيعة لوقتك!"

لكنه ردّ باختصار: "لا بأس."

مرة أخرى، كتبتُ له:

"سأجمع الأسئلة التي لا أفهمها، وأطرحها 

عليك صباح الاثنين دفعة واحدة، ما رأيك؟"

لم أتلقَ ردًا.

في ليلة السبت، بعد أن أنهيتُ واجباتي ورتّبتُ أدوات الرسم، غسلتُ وجهي واستلقيتُ على سريري، واضعةً هاتفي على صدري، بانتظار رسالة منه لم تصل. 

انتظرتُ وانتظرتُ، لكن النوم لم يأتِ، 

فقررتُ أن أراجع دروسي بدلًا من ذلك.

لم يكن اجتهادي مجرد استعراض. 

في كل اختبار شهري، كانت مقاعدنا تُرتب وفقًا للنتائج، وكنتُ دائمًا في فصل متوسط المستوى، بينما كان هو دائمًا في الفصل الأول. 

في إحدى المرات، تأخرتُ في دراستي بسبب المعسكر التدريبي، فطلبتُ منه أن يساعدني لمدة شهر حتى أتمكن من العودة إلى مستواي السابق.

بعد أحد الاختبارات، خرجت من القاعة وأخبرته:

"قاعة امتحاني كانت فوضوية جدًا!"

أمسكتُ حقيبتي وكتبي بينما كنتُ أسير بجانبه، وأضفتُ:

"الطالب الذي أمامي كان يستدير ليسرق إجاباتي بكل وقاحة!"

"الكثير كانوا يغشون؟" سألني بهدوء.

"أعتقد ذلك، كان هناك ضوضاء غريبة." 

لمستُ أنفي بتوتر، 

ثم تساءلتُ: "إن رآني الأستاذ وأنا أُغشّش 

أحدهم، هل سيتم اعتباري غشاش أيضًا؟"

"لا، لن يُعتبر ذلك غشًا... لكنك تبدو خائفًا جدًا. 

هل غششت من قبل؟"

"أبدًا." أجبتُ بصراحة.

"أبدًا؟ ولا مرة؟"

"نعم، أبدًا." أومأتُ بإصرار. "إما أنني أعرف الإجابة، أو لا أعرف. 

لا جدوى من الغش، فهو بلا معنى، ويجلب القلق فقط."

ابتسم وقال: "لديكِ وعي جيد."

صعدنا الدرج معًا، وهو لا يحمل سوى قلمه الأسود الوحيد، الذي وضعه في جيبه بمجرد انتهاء الامتحان.

قلتُ له مازحًا: "الجميع يعرفون هذا المبدأ، لكن ربما يخشون العودة إلى المنزل بدرجات سيئة، لذا يلجؤون للغش."

وافقني قائلاً: "ربما."

عند المنعطف، سألني فجأة بجدية:

"شياو جين، هل تشعر أنك شخص آمن ومستقر؟"

أجبتُ دون تردد: "بالطبع."

كنتُ صادقًا في ذلك. حتى عندما حصلتُ على علامة منخفضة في اختبار الرياضيات، شعرتُ بالحرج قليلًا، لكنني لم أشعر بالخوف. 

تربيتُ في بيئة متسامحة، وكان والداي يخبراني دائمًا أن الدرجات السيئة ليست مشكلة، طالما أنني لا أفقد رغبتي في التحسن. كانا يقولان لي دائمًا: "ابذل جهدك، وسيمضي كل شيء على ما يرام."

فجأة، أدركتُ شيئًا.

"انتظر، ألم يكن امتحانك في الطابق العلوي؟ 

لماذا جئتَ إلى هنا؟"

أجاب بلا مبالاة: 

"كنتُ أريد استخدام الحمام. الطابق العلوي مزدحم."

"آه، حسنًا."

شعرتُ أنني كنتُ غبيًا. 

كيف لم أدرك شيئًا بهذه البساطة؟

ثم خطرت لي فكرة أخرى—حتى لو كان يحب الفتيان، فمن المستحيل أن يكون شخصًا مثلي هو نوعه المفضل. 

مجرد الحديث معي يتطلب منه جهدًا إضافيًا.

كان صبره عليّ أقرب إلى إحسان طالب متفوق لشخص عادي. لم نكن نتحدث كثيرًا عن أمور غير الدراسة.

لكن ذات مرة، خلال إجازة العيد الوطني، 

وبينما كنتُ في القطار المتجه إلى مرسم الرسم، 

وصلتني منه رسالة صوتية.

في البداية، كان هناك صوت الرياح وضوضاء السيارات، ثم قال بصوت غير مألوف قليلاً:

"شياو جين، لقد غيّرتُ هاتفي... آه، أنا أسير الآن..."

ثم صمت، وكأن الكلمات خانته، 

قبل أن تنقطع الرسالة عند الثانية العاشرة.

كدتُ أركل المقعد أمامي من الحماس. 

ظللتُ أعيد الرسالة مرارًا، غير مصدق.

عندما تحب شخصًا، فإنك تراه بعيون مختلفة—تجد صوته أجمل من أي شيء، وتلاحظ كيف تكون فترات صمته مثالية، وتشعر أن مجرد مشاركته لأبسط تفاصيل يومه كفيلة بجعل قلبك ينبض أسرع.

حاولتُ أن أبدو طبيعيًا، وسألته:

"هل هو جيد؟ هل أقنعتَ عائلتك أخيرًا؟"

لكنه ضحك بخفوت وقال:

"أمي لا تعلم عن هذا الهاتف... ستصادره لو اكتشفت."

علّقتُ قائلة: "إنها صارمة جدًا معك."

وبعد لحظات، تحوّلت علامة 'يكتب...' إلى رسالة جديدة:

"نعم، إنها صاحبة مزاج حاد."

ألقيتُ نظرة سريعة على رسالته ولم أفكر فيها كثيرًا. 

أمي أيضًا كانت ذات مزاج حاد، وكدتُ أقول له إن جميع الآباء متشابهون عندما يغضبون، لكنني غيرتُ الموضوع وأخبرته أنني في القطار، أعبر حقلًا ممتدًا من الأراضي الزراعية.

قال لي: "حسنًا، إذا كان لديك أي سؤال لا تفهمه، يمكنك سؤالي في أي وقت. سأكتبه وأرسله لك صورة."

وبعد بضع ثوانٍ، ظهرت رسالة جديدة منه: 

[هل هو حقل أرز؟]

[لا، إنه حقل قمح.]

استمرت محادثتنا منذ الثالثة بعد الظهر حتى منتصف الليل. عندما وصلتُ إلى المرسم، كنتُ أرسم بضع ضربات بالفرشاة، ثم أفتح هاتفي لأتفقد رسائله. أستاذي كان يرمقني بنظرة غير راضية، لكنه لم يفهم لماذا كنتُ مبتهجًا جدًا.

"ألم تشعر حينها أنه كان يحبك أيضًا؟" 

سألني شين شو وهو يستند على يده مستمعًا لي.

أجبته بصدق: "لم أجرؤ على التفكير في ذلك في ذلك الوقت. لاحقًا، بدأتُ أشعر أن الأمر قد يكون كذلك."

كرر كلماتي بابتسامة باهتة: "قد يكون كذلك، هاه؟" 

ثم أضاف: "لكن في الواقع، من الصعب معرفة ذلك في مثل هذه الحالات. هناك أشخاص لم يتلقوا الحب أبدًا، لذا لا يعرفون كيف يحبون بشكل صحيح. لهذا السبب يتصرفون بطريقة غير مباشرة، متمنين أن يفهم الطرف الآخر مشاعرهم من تلقاء نفسه."

قلتُ مازحًا: "لا عجب أنك أستاذ، لديك بُعد نظر."

كنتُ مستلقيًا بشكل غير كامل، أنظر إليه. 

كان يميل بجسده العلوي فقط على السرير، محافظًا على مسافة محسوبة بيننا. كان هذا نوعًا من البعد المهذب، وكأنه يريد التأكد من أنه إذا أظهرتُ أي عدم ارتياح، فسيتمكن من التراجع فورًا. 

كان حذرًا بشكل مبالغ فيه، ولكنني لم أمانع.

أنا أرتاح في التعامل مع الأشخاص الذين لديهم حس المسافة الاجتماعية. لكن اهتمام شين شو بي بدا وكأنه يتجاوز الحد الطبيعي.

لقد ضيّع يومًا كاملًا في الاعتناء بي، دون أن يبدي أي انزعاج أو ملل. كان الماء في الكوب بجانبي دائمًا دافئًا، وعندما حلّ وقت الغداء، أحضر لي حساء الأرز والفاصوليا، وقال إنه الوجبة الأكثر خفة ونظافة التي يمكن أن يقدمها مطبخ الفندق. 

تناولتُ الحساء ببطء، بينما كنتُ أنظر من 

النافذة شاعراً بالذنب، لكنه قال بلا مبالاة:

"اليوم هو أشد أيام الشهر حرارة، عدم الخروج والبقاء في الفندق فكرة جيدة."

كان ينظر إليّ أثناء حديثه، لكنني لم أستطع تفسير المشاعر المختبئة خلف عينيه. وحين كنتُ على وشك التقاء نظراتنا، كان يشيح بوجهه.

في فترة بعد الظهيرة، عاد إلى سريره لأخذ قيلولة. 

بدا عليه الإرهاق بعد كل هذا الاهتمام الذي قدّمه لي، وعندما احتضن الغطاء، لمحتُ جانبًا آخر منه—هشاشة هادئة، لا يمكن ملاحظتها بسهولة.

في المقابل، شعرتُ أنني أكثر حيوية. 

أخرجتُ دفترًا فارغًا من أسفل حقيبتي، وعُدتُ إلى سريري، أضعه على ركبتيّ، وأحاول استعادة صورة كوخ النخيل الذي رأيته بالأمس.

رسمتُ أبعاده، عمق المسرح، عدد المقاعد... 

كنتُ غارقًا في راحة الوسائد والفراش، أتحرك بلا تركيز، أرسم خطوطًا سوداء وبيضاء، لكن فجأة، في ذهني، ظهرت عيون خضراء براقة...

كانت واضحة، حادة، وساحرة—مثل ضربة فرشاة متقنة، لكنها تحمل في طياتها عمقًا يصعب سبره.

"شين شو، شين شو..."

كأن تلك العيون نادتني، فوضعتُ القلم جانبًا، 

وضغطتُ على جفنيّ بباطن يدي.

ثم اجتاحني شعور غريب بالتعب، جعلني أفكر 

في ذلك الفأر الصغير الذي رأيناه متحللًا بالأمس. 

تُرى، عندما كان حيًا، هل تربى على مشاهدة المهابهاراتا؟ هل كان يسرق العدس والكاري ليسد جوعه؟ هل فهم معنى الجشع والجمال؟ هل أدرك  أن الزمن يبتلع كل المخلوقات؟

عندما رفعتُ رأسي من بين يديّ، وجدتُ 

أنني رسمتُ فأرًا نابضًا بالحياة على الورقة. 

حدّقتُ فيه للحظة، ثم أضفتُ بجانبه عيون شين شو، وكأنني كنتُ أرسمها من ذاكرة منحوتة في عقلي منذ زمن بعيد.

ثم، وكأن شيئًا ما ألهمني، فتحتُ معرض الصور 

على هاتفي لأجد صورة قديمة وأقارنها مع رسمي. 

لكن ما لم أكن أتوقعه... كان المعرض فارغًا تمامًا.

تجمدتُ في مكاني، خرجتُ من التطبيق ثم دخلتُ مجددًا... لا شيء. أعدتُ المحاولة... لا شيء.

وكأنني كنتُ ضائعًا وسط عاصفة ثلجية لا نهاية لها.

نظرتُ نحو شين شو وهو نائم، 

ضيّقتُ عينيّ متفحصًا ملامحه، وتمتمتُ:

"هل كنا نعرف بعضنا منذ زمن؟"

بدأ الظلام يزحف ببطء في الأفق. 

عقلي لم يتوقف عن التفكير، لكنني لم أجد إجابات، فقررتُ أن أغلق عيني وأرتاح قليلًا.

عندما استيقظتُ، كانت الساعة قد تجاوزت السادسة مساءً. كان شين شو قد استيقظ قبلي، جالسًا على حافة سريره، وعيناه نصف مغمضتين وهو ينظر إليّ.

"هل تشعر بالجوع؟"

"جائع." أجبتُ، وفي نفس اللحظة، أصدر بطني صوتًا محرجًا.

"حساء الأرز والفاصوليا؟"

"لا، لا، لا!" رفعتُ يديّ مستسلمًا، رافضًا الطعام الخفيف. 

"أريد تجربة الأطعمة الهندية الحقيقية، دعنا نخرج!"

نظر إليّ شين شو بريبة وسألني: "هل معدتكَ بخير الآن؟"

"أفضل بكثير، طالما أننا لن نأكل من الباعة الجائلين، 

لن تكون هناك مشكلة." نهضتُ وبدأتُ بارتداء قميصي. "ويمكنني أخذ الدواء قبل الأكل."

"الدواء ليس حلًا سحريًا." قال ذلك بينما رمى لي علبة صغيرة، 

"خذ أقراص الهضم هذه، إنها أكثر أمانًا."

وضعتُ العلبة في جيبي، 

ثم تذكرتُ مشكلة هاتفي، فالتفتُ إليه قائلاً:

"بالمناسبة، حدث شيء غريب في هاتفي. المعرض وقائمة الأسماء 

كلها تم مسحها فجأة، حتى الصور الجديدة تختفي فورًا!"

فكر شين شو للحظة، ثم فتح حقيبته، وأخرج منها كاميرا لايكا رقمية، 

ثم وضع حزامها حول رقبته وقال ببساطة:

"سأقوم بالتقاط الصور لك."

"لكن... أشعر بالحرج إن كنتَ الوحيد 

الذي يصورني." نظرتُ إلى هاتفي بتردد.

"أنا أحب تصوير الآخرين، لكنني لا أحب أن يتم تصويري."

 قال ذلك وهو يضبط إعدادات الكاميرا، 

ثم أضاف بابتسامة خفيفة: 

"أشعر بعدم الارتياح عندما أكون أمام الكاميرا."

صمتُّ لبرهة... هذه العبارة ذكّرتني بشخص آخر.

تذكرتُ صورة تخرّجنا في الثانوية... الجميع كانوا ينظرون إلى الكاميرا، 

إلا شخصًا واحدًا—كان ينظر إليّ 

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]