🦋

 خفض شين شو عينيه قليلًا، وشعرت أنني 

أغرق في دوامة من المشاعر الغامضة. 

لم أكن أعرف كيف أصف هذا الشعور الغريب—

هل كان بسبب نبرة صوته؟ أم حركاته العفوية التي بدت مألوفة بشكل مربك؟ أم ربما لأنه بدا وكأنه يفهم تمامًا كل ما أحبه، ومع ذلك، امتلك وجهًا شديد الجمال، لدرجة تكاد تكون غير حقيقية؟

"حقًا؟ لكن العرض على وشك أن يبدأ."

 ابتسم لي شين شو 

وأضاف: "إذا تأخرنا، قد لا نجد مقاعد."

عندما يبتسم، تكاد أطراف رموشه الطويلة تلامس بشرته، مكوّنة ظلًا رقيقًا على وجهه الشاحب، وكأنها طبقة خفيفة من الإغراء. 

بدا وكأنه استخدم كحلًا نباتيًا، لكنه تأكسد 

بسرعة مع الهواء وتحول إلى لون أخضر داكن.

كان المسرح بسيطًا للغاية، مصنوعًا من الخشب والطين، 

غير متقن لكنه يحمل نوعًا من الجمال المتداعي. 

حين جلسنا، أدركت أن شين شو خدعني—

المقاعد لم تكن ممتلئة كما قال، بل كانت هناك أماكن كثيرة شاغرة. 

في الصفوف الأمامية، جلس بضعة سياح غربيين، يلتقطون الصور بحركات مبالغ فيها، أما نحن، فقد جلسنا بعدهم بصفين، ولم يكن هناك أحد بجوارنا.

المقاعد الخشبية اهتزت كما لو كانت مصابة بهشاشة العظام، بينما كان الأرضية رطبة وناعمة بطريقة مزعجة، مما جعلني أجلس بحذر شديد، متوجس من أن ينهار بي الكرسي في أي لحظة. 

ولكن بما أن التذكرة كلفتني تسعين روبية، 

حتى لو سقطت، كنت سأزحف خارج الطين لأكمل مشاهدة العرض!

لاحظ شين شو توتري وقال بطمأنينة: "لا تقلق، لن ينهار."

"حقًا؟" ما زلت متردد.

ابتسم وسألني:

"إذا أخبرتك أنه لن ينهار، هل ستجلس بثقة؟"

ترددت للحظة، ثم أومأت برأسي.

قال بثقة: "صدقني، لن يسقط." ثم أمسك 

بمسند الكرسي وكأنه يثبّته لي. "لا داعي للقلق."

كان صوته هادئًا، بعيدًا عن كونه وعدًا عابرًا، 

مما جعلني أصدقه تلقائيًا.

أضواء المسرح الخافتة صنعت جوًا ضبابيًا، فيما وقف الراقصون، رجالًا ونساءً، عراة الصدر، يزينون أنفسهم بقلائد معقدة أشبه بشبكات العنكبوت، مما أبرز منحنيات عضلاتهم، فيما كانت أطراف صدورهم تبدو كأنها مشبعة بلون وردي داكن.

كان من الصعب تمييزهم إلا من خلال تيجانهم الضخمة ولهجاتهم المختلفة أثناء الحوار. لم أفهم القصة، لكنني لم أستطع صرف نظري عن المشهد. أخرجت دفتر الرسم، وبدأت أرسم بناءً على إحساسي الأولي بالمشهد.

هذه الأرض تحمل قوة غامضة، ففي نهاية كل مشهد، 

كان الراقصون يتجمدون في وضعيات مشدودة، 

تكاد عظامهم تبرز من تحت الجلد، وعندها فقط، 

كانت الستارة السوداء تهبط تدريجيًا.

كل الأوضاع الملتوية، والتعبيرات الجامدة، كانت تحمل نوعًا خاصًا من الجمال الغريب، وكأنها تفوح بعطر ثقيل.

استنشقت الهواء بعمق وسألت: "هل تشم ذلك؟"

"ماذا؟"

"العطر."

"أين هو؟"

"في كل مكان." أرجعت رأسي إلى الخلف قليلًا، 

فأصدر الكرسي صوتًا خشبيًا ضعيفًا.

شين شو مال برأسه إلى الجانب، 

ونصف وجهه غارق في الظل: "هل هو عطر؟"

أغلقت عينيّ للحظة، محاوِلة تحديد مصدر الرائحة: "أشبه برائحة النباتات، مزيج من الخشب والتوابل... مثل أغصان النعناع بعد أن تبتل بالمطر."

رفعت يدي إلى أنفي واستنشقت بلطف: 

"حتى أصابعي تحمل هذه الرائحة."

"دعيني أشم."

قبل أن أدرك ما يحدث، أمسك شين شو بمعصمي واقترب بأنفه من بشرتي، متوقفًا على بُعد بضعة ملليمترات، 

حيث شعرت بحرارة أنفاسه دون أن يلمسني.

ضغط بإبهامه على موضع نبضي، فشعرت أن دقات 

قلبي صارت مسموعة، وكأنها تضج داخل جلدي.

حرك أصابعه قليلًا، ثم لامس بحافة أنفه المفاصل بين كفي ومعصمي.

"هل شممتها؟" سحبت يدي قليلًا، لكنه بدا وكأنه لا يريد تركها، فأخذ يشتم رائحتها ببطء حتى وصل إلى موضع اتصاله بعظمي.

"هممم."

سحبت يدي بسرعة، وحدّقت في الرسم بصمت، 

بينما كان شين شو لا يزال يراقبني، وكأن أثر أنفاسه ظل عالقًا على بشرتي.

لمعالجة الجو الغريب، قلت بشكل عفوي: 

"الإضاءة خافتة جدًا، من الصعب الرسم بدقة."

بينما كنت أستخدم قلم الفحم، ركع أحد الراقصين الأكبر سنًا أمام كرسيين قديمين يمثلان حصانًا، رافعًا ذراعيه باستقامة، بينما التوى عنقه وظهره بزاوية مستحيلة.

بما أنني كنت أرسم دون النظر إلى الورقة، 

فقد جاءت الخطوط غير دقيقة، متشابكة قليلًا، 

مما منح الرسم إحساسًا مشوشًا بالكآبة.

"جميل." قال شين شو بعد تأمله للرسم. "فيه شعور بالحلم."

على المسرح، بدأ الراقصون يدورون حول بعضهم في دوائر، فاهتزت الأساور الذهبية على أذرعهم، وارتطمت ببعضها محدثة صوتًا رنانًا.

قلبت صفحة جديدة في دفتري، ونقلت الدفتر إلى حجري، لكنني وجدت نفسي غير قادر على إعادة خلق نفس الإحساس الذي شعرت به في الرسم الأول.

لم يكن هناك أي مروحة في المسرح الصغير، 

ومع ذلك، لم يتوقف الراقصون عن الحركة لحظة واحدة، مما جعل الهواء يزداد ثقلًا، وكأنه داخل فرن ساخن.

بدأ العرق يتجمع في يدي، وراح القلم ينزلق من أصابعي حتى لم أعد قادر على الإمساك به جيدًا.

عندما انتهى العرض، وقفت من مقعدي، لكن رأسي دار بي فجأة، وشعرت وكأنني نمت لفترة طويلة واستيقظت بجعلة حادة في مؤخرة رأسي.

أحسست أنني جلست فوق شيء طري، 

فالتفتت لأنظر، وفجأة، تقلبت معدتي بالكامل.

كانت فأرة نافقة، متحللة تمامًا.

اختفى العطر فجأة، وحلّ محلّه رائحة كريهة مقززة تثير الغثيان. عندما رأى شين شو ذلك الشيء الميت، تجمّد للحظة ثم أمسك بذراعي بإحكام وسألني بقلق:

"هل أنتِ بخير؟"

عقدتُ حاجبيّ بقوة، ولم أتمكن من نطق أي كلمة.

سارع شين شو بإخراجي من الغرفة، واختار طريقًا أقصر مما سلكناه عند الدخول. وبمجرد أن خرجنا، أصبح الهواء أنقى بكثير، فبدأت أتنفس بعمق وبشكل متلاحق.

انحنى شين شو قليلًا مستندًا على ركبتيه، وبدا صوته متوترًا ومليئًا بالقلق:

"أنا آسف، هذا خطئي... هل تشعر بالغثيان؟

 إن كنت تريد التقيؤ—"

ابتلعتُ ريقي وهززتُ رأسي نافية، "لا."

"لا؟"

"نعم، لست خائفة من الفئران." وضعتُ يدي 

على معدتي، "أعتقد أنني أكلتُ شيئًا فاسدًا."

بدا شين شو وكأنه تنفس الصعداء، لكنه لم يكن ارتياحًا كاملًا، وقال:

"شياو جين، انتظر هنا ولا تتحرك، سأذهب لأستدعي عربة ثلاثية العجلات. الأدوية لعلاج آلام المعدة والغثيان والإسهال كلها في غرفة الفندق."

قلتُ له وأنا أنحني قليلاً بشيء من الضعف:

"أستاذ شين... كيف يمكنك دائمًا أن تتنبأ بالمستقبل؟"

ردّ بابتسامة خفيفة:

"عند السفر، من الضروري الاحتفاظ بالأدوية الشائعة."

لم يبتعد شين شو سوى ثلاث دقائق قبل أن يتمكن من إيقاف إحدى عربات النقل. ضغط السائق على البوق، فتجمّع حولنا أطفال الشوارع في نيودلهي القديمة، يمدّون أيديهم النحيلة متوسلين المال، مرددين:

"خمس روبيات! خمس روبيات!"

أسندني شين شو على كتفه في وضع مريح، بينما تعالت أصوات الأطفال بالخارج، حتى بدأوا بتخفيض السعر من تلقاء أنفسهم ليصل إلى روبية واحدة فقط. 

كنتُ أضع إحدى يديّ على معدتي بينما تحسستُ جيب بنطالي باليد الأخرى بحثًا عن بعض الفكة، لكن شين شو أوقفني، ثم مال بجسده قليلًا وأخرج بعض العملات من جيبه، وهزّ رأسه قائلاً:

"وأنت في هذه الحالة، لا زلت تفكر بالآخرين؟"

تنهدتُ بصوت ضعيف: "إنهم مساكين..." 

ثم شعرتُ بألم مفاجئ في معدتي وصرختُ متأوهة، "هل كان الإفطار هو السبب أم شاي الحليب؟ ربما شاي الحليب... لكنه كان لذيذًا جدًا! في المرة القادمة، هل يجب أن أتناول الدواء قبل الأكل؟"

قال لي بحزم: "توقف عن الكلام."

ثم أسند ذقنه على شعري بلطف، وأضاف:

"أغمض عينيك واستريح قليلًا."

كان دفء جسده يمنحني شعورًا غريبًا بالطمأنينة والاعتماد عليه دون سبب واضح. أغلقتُ فمي، وتوقفتُ عن التفكير، ثم أغمضتُ عينيّ بسلام.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]