قبل السفر، كرر والداي تحذيراتهما مرارًا: "لا تأكل من أكشاك الشارع، إنها مليئة بالذباب، قذرة جدًا... ولا تشرب الماء غير المعبأ، إذا فعلت، ستقضي ثلاثة أيام تعاني من الإسهال! النظام الصحي في الهند متأخر، وإذا مرضت هناك، فلن ينفعك الندم!"
أجبتهم بثقة: "لن يحدث شيء، صحتي جيدة. أخذت معي شريطين من الدواء، وهذا يكفي، لا يوجد مكان للمزيد."
لكن أمي لم تقتنع، بل أتت من أطراف المدينة إلى منزلي فقط لتتفقد حقيبة سفري. نظرت إليّ بقلق وسألت: "حياتك أهم أم لوحاتك؟"
أجبت دون تردد: "لوحاتي."
صرخت: "أنت مجنون!" ثم فتحت كيسًا بلاستيكيًا مليئًا بالأدوية، وضعت أمامي كومة أشبه بصيدلية متنقلة،
وسألتني بصرامة: "كم منها يمكنك حمله؟"
حاولت تلطيف الموقف وقلت:
"حقيبتي ممتلئة، لا يوجد مساحة."
وضعت أمي يديها على خصرها، نظرت حول الغرفة، ثم سألت فجأة: "هل سيسافر معك؟"
"نعم." أومأت برأسي.
"وأين هو الآن؟"
"في منزل أحد طلابه، يحاول إقناعه بالدراسة." نظرت إلى الساعة وأضفت: "سيعود متأخرًا."
تنهدت أمي، ثم قالت: "لم نعد قادرين على منعكما. على الأقل، ضعي هذه الأدوية في حقيبته، لا تنسي ذلك!"
وافقتُ بسرعة، مؤكدًا لها أنني سآخذها.
قبل مغادرتها، استمرت في إلقاء المزيد من النصائح.
كنت أستمع بصبر، رغم أن مجرد موافقتها
على سفري إلى الهند كان بحد ذاته أمرًا جيدًا.
في كل مرة كنت أذكر لهم الفكرة سابقًا،
كان والداي يتشاركان نفس ردة الفعل—تقطيب الحاجبين وتكشير الشفاه: "لماذا تريد الذهاب إلى هناك؟"
والآن، ها أنا في نيودلهي القديمة،
واقف أمام كشك صغير يبيع الشاي.
——
كانت أكواب الشاي مصنوعة من الفخار السميك، ومرتبة بدقة فوق عربة خشبية مسطحة، تفوح منها رائحة جذابة.
كان الإعلان على اللوحة بسيطًا—"5 روبيات فقط".
لكن هناك قاعدة: الأكواب الصغيرة غير قابلة للأخذ، عليك أن تشرب الشاي بجانب العربة ثم تعيد الكوب الفخاري.
الشارع كان فوضويًا، وعندما توقفتُ متأملًا الكشك، شعرت أن شين شو توقف أيضًا،
كما لو أنه كان يتوقع ذلك. التفت إليّ وسألني:
"هل تريد تجربة الشاي؟"
كان واقفًا أمامي، مائلًا بكتفه قليلًا، فيما شكّل ضوء الشمس خلفه ظلالًا حادة رسمت خطًا دقيقًا على طول ذقنه.
للحظة، شعرت أن هذا المشهد مألوف جدًا،
مألوف لدرجة مخيفة—هل رأيته في حلم؟
أم أنني عشت موقفًا مشابهًا من قبل؟
في نفس اللحظة، اجتاحني إحساس قوي بالألفة مع هذا المكان، إحساس لم أستطع تفسيره، لكنه كان دافئًا ومريحًا، كما لو أن هذه الأرض كانت تناديني طوال العشرين عامًا الماضية، والآن بعد أن وصلت إليها أخيرًا، فتحت ذراعيها لتحتضنني بكل ما فيها من ألوان وروائح وأصوات.
"شياو جين، إذا أردت الشاي، اشربه." قالها شين شو وهو يربّت على رأسي بلطف، "لا تفكر كثيرًا."
كان يجب أن أتجاهل رغبتي وفقًا لتحذيرات والديّ، لكنني لم أستطع. شعرت بنفسي تهمس: "حسنًا."
بل اقتربت منه أكثر دون وعي.
——
أعطانا البائع كوبين صغيرين من الفخار بلون رمادي مزرق. أخذناهما واتجهنا نحو ظل شجرة قريبة، حيث جلسنا القرفصاء، نتذوق الشاي.
من خلال أوراق الشجرة، تسللت أشعة الشمس، وانعكست على رموش شين شو، مما جعلها تبدو وكأنها خصلات صغيرة من العشب الناعم.
أخذ رشفة من الشاي، ثم ابتسم لي، قبل أن يرفع يده ليبعد خصلات شعره عن جبينه.
كليك—
المشهد تطابق تمامًا مع صورة قديمة في ذاكرتي، كما لو أنني رأيت هذه الحركة من قبل.
التعريض المزدوج
( المصطلح"التعريض المزدوج" أو "التعرض المزدوج" وهو تقنية تصوير تُستخدم لدمج صورتين أو أكثر في صورة واحدة، مما يخلق تأثيرات فنية أو تجريدية )
لابد أنني أصبت بالجنون، قلت لنفسي.
كيف يمكنني أن أتساءل إن كان هذا الرجل الذي التقيت به في السفر هو حبيبي؟
هذا تفكير غير منطقي تمامًا... جنون مطلق.
——
"هل أعجبك الطعم؟" سألني شين شو بصوت هادئ.
شعرت أن قلبي يخفق أسرع. كان وسيمًا بشكل غير واقعي... لو لم أكن أتمتع بسيطرة قوية على نفسي، ربما كنت سأنجرف داخل دوامة جاذبيته بسهولة، وربما لن أتمكن من الخروج أبدًا.
إنه من ذلك النوع الذي تراه مرة واحدة، فتظل تفكر فيه، وتتحدث عنه مع أصدقائك، وتتمنى أن تقابله مجددًا.
كنت أمسك بكوب الفخار وأمرر أصابعي عليه بلا وعي، أتلمّس نقوشه كما لو كان الشيء الوحيد الحقيقي في هذا المكان.
قلت، "حلو، لكن فيه لمسة من النكهة العطرية."
"الهنود يعشقون الحلوى، فهي تمثل السعادة والطمأنينة والحظ الجيد." شرح لي شين شو كأي مرشد سياحي محترف،
ثم سألني: "هل هو حلو أكثر من اللازم؟"
كان يقرأ أفكاري كعادته.
"قليلًا." أجبته.
في الصين، كنت أطلب الشاي بسكر خفيف فقط.
"كوب الشاي الخاص بي يحتوي على سكر أقل، هل تريد التبديل؟"
قالها بلهجة طبيعية، كأنه يعرف مسبقًا أنني سأوافق.
بالفعل، لم أرفض.
تبادلنا الأكواب، وبينما كان شين شو يرفع كوب الفخار الجديد، لاحظت أن شفتيه لامستا نفس الموضع الذي كنت أشرب منه قبل لحظات.
للحظة، بدا وكأن جفنيه يرتعشان قليلًا...
أو ربما كنت أتخيل ذلك؟
شعرت بحرارة تتسلل إلى أذنيّ، فشربت ما تبقى من الشاي بسرعة، وأنهيته في ثوانٍ.
——
كان لدي عادة سيئة، وهي أنني أتناول الطعام بسرعة شديدة، كما لو كنت أخشى أن يختفي أمامي.
لطالما وبختني أمي بسبب ذلك: "تمهل، تمهل! تأكل وكأنك لم ترى طعامًا في حياتك! لو رآك الغرباء، سيعتقدون أننا نحرمك من الأكل!"
كنت أرفع رأسي بعناد وأجيبها:
"أنا فقط أحاول توفير الوقت للدراسة!"
كانت تسخر مني:
"دراسة؟ وأي نوع من الدراسة تهتم به حقًا؟"
في الواقع، كنت أدرس بجدية حقيقية، كل ذلك بسبب وعد قطعته.
حين أتذكر الآن، أعتقد أنني كنت مغفل، كنت غارق في حب شبابي لدرجة أنني جعلت من الدراسة تحديًا شخصيًا... لكن، بالنظر إلى ما كسبته في المقابل، أعتقد أن الأمر كان يستحق العناء.
في مدرستنا الثانوية، يُسمح للطلاب بالخروج لتناول العشاء خارج المدرسة ليلة واحدة في الأسبوع.
يخرج الجميع في مجموعات صغيرة—ممثل اللغة الصينية وممثل اللغة الإنجليزية يسيران معًا، أنا أذهب مع صديق من فصل الرسم، أما ممثل الجغرافيا، فهو دائمًا وحده.
في كل مرة، يكون وحيدًا.
في الواقع، لقد خرج مع المجموعة من قبل، لكن في تلك الليلة كنت في معسكر تدريبي ولم أتمكن من المشاركة.
عندما عدت، سمعت بعض زملائي يتحدثون عنه بسوء. قالوا إن ممثل الجغرافيا يبدو كإنسان نبيل، هادئ ومتزن، لكنه في الحقيقة شخص يحب الاستفادة من الآخرين في الأمور الصغيرة.
أثناء تناولهم البوبو جي (طبق حار)، قال الجميع إنه يكفي، لكنه استمر في الطلب، مما اعتبروه تصرفًا ينم عن قلة الذكاء الاجتماعي.
لم أصدق ذلك. لا بد أن هناك سوء فهم.
كيف يمكن أن يكون ممثل الجغرافيا بهذا الشكل؟
الشخص الذي يستطيع رسم خريطة تيارات المحيطات العالمية بيده العارية هو شخص مثالي لا عيب فيه، ولا أقبل أي اعتراض على ذلك.
لذلك، كنت أرغب دائمًا في إيجاد فرصة لسؤاله عمّا حدث في ذلك اليوم. لكن مثل هذه الأمور تحتاج إلى توقيت مناسب، ولم أتمكن من إيجاد اللحظة المناسبة.
لكن في أحد الأيام، بعد أن أنهيت تناول وجبتي من الدجاج المطهو بالأرز، رأيته واقفًا أمام محل شاي الحليب، ينظر إلى القائمة المضيئة.
"ممثل الجغرافيا! ماذا ستشتري؟" وضعت ذراعي حول عنقه، وحقيبتي تنزلق إلى جانب واحد.
المراهقون دائمًا ما يستخدمون هذه التصرفات المبالغ فيها لإخفاء مشاعرهم الحقيقية.
"شاي الحليب." أدار رأسه نحوي،
وأنفه الحاد قريب جدًا مني. "حصلت على منحة دراسية، وأريد أن أكافئ نفسي بكوب."
"مبروك! ألم تجرب شاي الحليب من هذا المحل من قبل؟"
أخفض عينيه قليلًا وقال: "لا."
"هذا المشروب لذيذ."
أشرت إلى "شاي الحليب بنكهة الياكولت الأخضر".
"حسنًا." وافق بسرعة، كأنه لم يفكر بالأمر على الإطلاق. ثم، بينما كنت لا أزال متشبثًا به، جرني معه إلى البائع وطلب كوبين.
"كوبان؟" سألته بينما لا أزال متكئًا عليه بوقاحة.
"أنا أدعوك." ابتسم، وعندما يبتسم تظهر غمازتان صغيرتان على وجنتيه، مما يمنحه مظهرًا نقيًا وأنيقًا. شعرت بنوع من السحر، وسمحت له بشراء المشروب لي.
لاحقًا، أدركت أن المنحة الدراسية ليست مبلغًا كبيرًا، وكان من المفترض أن أكون أنا من يدعوه.
عندما سألنا الموظف عن مستوى السكر، طلبت ثلاثين بالمئة، فكرر طلبي تمامًا، وطلب أن يكون المشروب بدون ثلج.
عندما حصلنا على المشروبات، كانت باردة في أيدينا.
ارتشفت رشفة، واغتنمت الفرصة لأسأله: "ممثل الجغرافيا، ما رأيك أن نصبح صديقين على مائدة الطعام؟"
"صديق على مائدة الطعام؟ ما معنى ذلك؟" سأل بحيرة.
"بكل بساطة، أصدقاء يتناولون الطعام معًا!"
"هكذا إذن..." عض على قشة الشرب، وتأمل قليلًا
قبل أن يقول: "لديك الكثير من الأصدقاء."
تلعثمت قليلًا، ثم قلت:
"لكن ليس لدي صديق مقرب حقًا!"
"حسنًا." وافق على الفور، أسرع مما توقعت.
——
دارت عجلات عربة الماء على الأرض، محدثة صوت خشب يكاد لا يتحمل الوزن. رفعت رأسي، والتقت عيناي بعيني شين شو. كان قد أنهى مشروبه، وأمسك بالكوب الصغير بين أصابعه، يتأرجح بلطف.
"تفكر في شيء ما؟"
"نعم." أومأت برأسي،
ونهضت لأزيل الغبار عن بنطالي. "لنذهب."
"حسنًا." رفع رأسه وابتسم لي، وظهرت غمازتاه الخفيفتان مجددًا. "هل تريد الذهاب لمشاهدة عرض راقص؟"
"أي عرض؟"
"ملحمة المهابهاراتا، قصة ملكية مليئة بالتعقيدات والمؤامرات."
شعرت بالحماس. لحسن الحظ، كان معي دفتر وقلم،
لذا يمكنني تدوين الملاحظات جيدًا.
قادني شين شو عبر السوق المزدحم، حيث
كان التجار ينادون علينا لشراء الخبز المسطح.
كانت أصابعهم تتراقص في الهواء وسط الغبار.
الخبز المسطح، أبيض وأسود في آنٍ واحد—
الأبيض هو الخبز، والأسود هو الذباب.
لوّح شخص بكمّه، فتفرق الذباب للحظات،
لكنه عاد ليجتمع كسحابة مظلمة. كان الكوخ الذي يعرض الرقص خلف مخبز الخبز المسطح، أمام بئر الماء.
كان الرجال والنساء، بملابسهم الفضفاضة التي تكشف صدورهم، يدخلون ويخرجون من المكان، وأجسادهم السمراء مزينة بحُلي ذهبية تتدلى كأنها دموع مترابطة في سلسلة. ربما لم يكن الذهب حقيقيًا، لكنه لم يُنقص من سحرهم وجمالهم.
حدقت بعينيّ واتجهت نحو الكوخ، حيث رفع شين شو الستارة المصنوعة من الخيزران لي، فدخلت.
كان المكان خانقًا، الأصوات البشرية البدائية تمتزج بإيقاع آلات موسيقية مجهولة، والضوء يتساقط كشفرات حادة، مخلفًا ظلالًا غامضة.
تحرك شين شو أمامي بثقة، كما لو كان زائرًا معتادًا.
غمس أصابعه في صحن خزفي، ثم التفت نحوي بينما يتراجع للخلف، ورسم خطين من الطين الأخضر على وجهه، بلون الضفدع المطري.
"عندما تكون في روما، تصرف كالرومان."
"شياو جين..." رفع ذقنه ونظر إليّ بعينين تحملان إشارة خفيفة من الخطر. "لماذا لا تتبعني؟ ألم تكن دائمًا تحب مشاهدة العروض؟"
فجأة، وبدون وعي، امتدت يدي وغرقت في طين أحمر، المادة الرطبة تسللت بين أصابعي والتصقت بها.
كان المدخل طويلًا وضيّقًا، والإيقاع القادم
من الداخل أصبح أكثر جنونًا، أكثر جنونًا...
ثم توقف شين شو فجأة. تقدمت نحوه خطوة تلو الأخرى، لكنه لم يتراجع، بل اكتفى بالتحديق بي.
كانت هناك عيون كثيرة تلمع في العتمة.
اقتربت منه أكثر، حتى أصبحت المسافة بيننا ضئيلة جدًا، أكثر مما ينبغي. ربما كان عبق الذهب والتوابل يبعث شعورًا بالدوار أو يُحدث تأثيرًا مخدرًا، فوجدت يدي تمتد بلا وعي، تمسك بطوق قميصه، وأحكمت قبضتي عليه بقوة.
تركت أصابعي بقعًا حمراء متناثرة على القماش،
وكأنها آثار مقاومة أخيرة لشخص يصارع من أجل البقاء.
"شين شو، هل كنت أعرفك من قبل؟"