كان شين شو عنيفًا في الفراش، مزَّق قناع الهدوء والأدب الذي ارتداه طوال النهار، وأصبح أكثر تهورًا في حركاته.
ساعداه المتوتران ارتكزا على جانبي جسدي،
وأظهرت عضلاته انحناءة قوية توحي بالسيطرة.
حاصرني بين ذراعيه،
وضغط شفتيه على شفتيّ وهو يهمس باسمي مرارًا وتكرارًا.
اشتياق، فرح، وعدم رغبة في الافتراق،
كل خلية في جسدي اشتعلت كأنها أُضرمت فيها النيران، وأعصابي تقطّعت بصوتٍ مسموع،
فلم أعد أميز أيًّا من هذه المشاعر كان أكثر حدةً.
استمر الإيقاع في التصاعد، ومرت لحظات متكسرة كأجزاء منحوتة من الحجر، تحفِّز الرغبة وتمنعها من الهدوء للحظة واحدة.
راودني إحساس أننا خلقنا لبعضنا البعض، أنا وشين شو، كأننا قطعتان متشابكتان في بنية واحدة، تمامًا مثل هيكل التعشيق في البناء الذي لا ينفصل.
لقد درس الجغرافيا، ودرستُ الهندسة المعمارية،
وكانت أيدينا ثابتة، ليس فقط في رسم الخطوط المنحنية على الورق، بل في كل شيء.
نحن مثاليان لبعضنا البعض.
“شين شو، لقد خدعتني، خدعتني لفترة طويلة.” عانقت عنقه المتعرق، وسحبته نحوي أكثر. “لم ترد على أيٍّ من رسائلي… هل كنت تمازحني؟ هل كنت تتعمد تجاهلي، ثم فجأة تظهر أمامي وتفاجئني؟ هل كنت تريد إثارتي أولًا قبل أن تعود؟”
كان يلهث وهو مستند إلى صدري،
وأصابعه تتابع مسارها على خصرى.
كرهتُ صمته.
“تحدث إليّ، انظر إليّ، شين شو، أنظر إليّ.”
“همم.” رفع عينيه، لا تزال رموشه رطبة بعد ما مررنا به، ثم همس بصوت خافت: “الخطأ خطأي.”
“دائمًا ما يكون الخطأ خطأك، اعتذاراتك باتت روتينية وسطحية.” أدرتُ وجهي جانبًا وأغمضتُ عينيّ. “هل خداعي كان ممتعًا لهذه الدرجة؟”
“لم يكن ذلك عن قصد.”
كان صوته العميق يهمس عند أذني،
لا يزال يتحدث بحذر. “فقط… لم أكن أعرف كيف أحبك بالطريقة الصحيحة. كنت قريبًا جدًا منك، فخشيتُ أن تجدي وجودي مزعجًا ومتجاوزًا للحدود. وإن ابتعدتُ، خفتُ أن تتلاشى مشاعرك تجاهي، وألا تتذكرني أبدًا.”
وضعتُ يدي على صدره، وضغطتُ عليه قليلاً.
“يمكنك أن تستخدم هذا بدلاً من كلماتك.”
“شياو جين، هل أنا فاشل جدًا؟” أمسك بيدي،
وصوته مشوب بالقلق. “دائمًا أشعر بعدم الأمان، دائمًا أشك في كل شيء، أُعذِّب نفسي بلا فائدة، وفي النهاية أستنزف ذاتي دون أن أحصل على أي شيء… عندما أكون وحدي، أفكر كثيرًا، وأتمنى لو يمكنني العودة إلى الماضي، إلى الأيام التي كنا فيها معًا، حيث لم يكن هناك سوانا… شياو جين، هل تعلم؟ كانت أيام الجامعة أسعد أوقاتي.”
ارتسمت ابتسامة على شفتيه، كانت لا تزال جميلة كما كانت دائمًا، لكنها حملت في طياتها حزنًا عميقًا. بدا وكأن شخصين مختلفين يعيشان في داخله، متناقضين تمامًا.
“أنت تعرف أنني أحبك… أليس كذلك؟”
“أعلم.” أومأت برأسي بقوة. “أنا أعلم ذلك.”
انحنى وقبَّلني بلطف،
ثم همس: “هذا يجعلني سعيدًا جدًا.”
نظرت إليه بامتعاض، “أنت قاسٍ جدًا. لماذا لم تقل كل هذا منذ البداية؟ تركتني وحدي أتخبط في الظنون وأكاد أُجن من كثرة التفكير.”
ثم تابعت بعناد، “في حافلة المطار، بماذا كنت تفكر؟ كنت تبدو متحفظًا جدًا، كأنك لا تعرفني حتى.”
رمقني شين شو بنظرة عميقة وأجاب،
“كنت أنتظر… لأرى إن كنت لا تزال تتذكرني.”
عادت أصوات الطبول المزعجة تتردد في رأسي.
شعرت أن الاستمرار في طرح الأسئلة لن يؤدي إلى شيء جيد، فقلت بدلًا من ذلك: “إذًا، أنا غبي جدًا، لا بد أنني اصطدمت برأسي بشيء ما.”
ضحك بخفة، ثم قال: “صحيح، لا بد
أنك ضربت رأسك بشدة حتى تقع في حبي.”
رفعت حاجبي بتحدٍّ،
“أنا حر فيما أريده. مهما تغيرت، سأظل أحبك.”
كنت أعني كل كلمة. أحببته منذ البداية وحتى النهاية، حتى في تلك الأيام التي طغى فيها الحزن، لم يتغير حبي له أبدًا.
حتى وإن كان شين شو شخصًا يصعب فهمه أحيانًا.
——
انتهى طلاب الثانوية من امتحاناتهم، وتم ملء أكثر من خمسين استمارة للجامعات تحت إشرافه. وما زال معلمنا المحترم، شين شو، يواصل عمله دون توقف.
في إحدى الليالي، استيقظتُ من كابوس، التفتُّ بجانبي فلم أجده. خرجت من الغرفة، فوجدته جالسًا عند طاولة الطعام، منهمكًا في الكتابة.
وقفت عند الباب أراقبه بصمت.
كان يمسك القلم بانحناءة ظهر، منهمكًا في ملء الصفحات بسرعة وسلاسة، كما لو أنه كان يعيد كتابة شيء حفظه عن ظهر قلب.
كان ظله تحت ضوء المصباح يبدو كئيبًا للغاية.
تقدمتُ نحوه بخطوات خفيفة وقلت:
“الأستاذ شين، ما زلت تعدّ الدروس؟”
بسرعة، أغلق دفتر ملاحظاته وقال: “نعم.”
وضعت يدي على كتفه، “الوقت متأخر. لنذهب للنوم، يمكنك التحضير مع بداية الفصل الدراسي.”
أخفض رأسه وقال بهدوء، “انتظر قليلًا، حسنًا؟”
تأملت ملامحه تحت ضوء المصباح الأصفر،
وهو جالس عند الطاولة البنية، محاطًا بجدران بلون العاج. بدا وكأنه غارق في عالم لا يمكن للضوء أن يتسلل إليه.
مررت أصابعي فوق جبهتي بتعب، “لا تستطيع النوم؟”
“همم.”
تنهدت وقلت له: “بعد غدٍ سنطير إلى نيودلهي.
لم نجهز أمتعتنا بعد، ماذا سنفعل؟”
نظر ببطء إلى حقيبة السفر المركونة في الزاوية.
ابتسمت رغم شعوري بالتعب وقلت: “بما أنك لا
تستطيع النوم، هل تساعدني؟ لنجهز حقائبنا معًا!”
وأخيرًا، بدأ شين شو في التحرك، كان يطوي القمصان بدقة وصمت. كنت أحب استجابته السريعة لكل طلباتي، لكن شيئًا ما بدا غير صحيح.
شعرت أن آخر ذرات الحياة المتبقية فيه تتلاشى ببطء.
نظرت إليه وسألت بصوت خافت:
“شين شو، لن تتركني أبدًا، صحيح؟”
لم يكن سؤالي موجهًا فقط إلى شين شو الذي كان أمامي، بل أيضًا إلى شين شو الذي عرفته في الماضي.
اليوم، بدأت أفهم عناده الغريب وضعفه الدفين،
بروده وكلماته القليلة، لكن ما لم أستطع فهمه أبدًا…
لماذا يكون قول وداعًا بهذه الصعوبة؟
نظر إليّ، وكأن في عينيه ألف كلمة غير منطوقة،
لكنه أعاد ابتلاعها كلها ليختصرها في بضع كلمات فقط: “طالما أنك ترغب بذلك.”
آه… هل كان هذا تعبيرًا عن نكران الذات؟
أم مجرد أنانية خالصة؟
——
أغمضت عيني وسألت:
“شين شو، منذ متى ونحن في الهند؟”
“ستة أيام.”
“غدًا سيكون اليوم السابع.”
“لنذهب لرؤية شيفا.” مرر شين شو مفاصله الباردة برفق على وجنتي. “لقد وعدتك… ريشيكيش، سنذهب معًا.”
( ريشيكيش (Rishikesh) هي مدينة مقدسة تقع في شمال الهند، عند سفوح جبال الهيمالايا، في ولاية أوتاراخند، على ضفاف نهر الغانج. )
فجأة، اجتاحتني موجة من القلق. كلما اقترب موعد رؤية شيفا، ازداد توتري. تطورت توقعاتي تدريجيًا إلى خوف، وأدركت أنني كنت أقاوم هذه الفكرة. بدا الأمر وكأنه يحمل في طياته معاني أكبر مما يمكنني تحمله.
“لا… لا أريد الذهاب.” نظرت إليه بقلق،
“هل يمكننا ألا نذهب؟ شين شو، دعنا نبقى في كلكتا.”
كررت: “شين شو، لنذهب إلى أي مكان آخر.”
“أرجوك، لا نذهب، حسنًا؟”
خفت ضوء عينيه، وانحنى نحوي ليطبع قبلة طويلة،
رطبة وصامتة. لم أستسلم، أمسكت وجهه ورددت القبلة بشغف، أسأله مرارًا وتكرارًا، متوسلًا إليه،
راغبًا في أن يبقى معي هنا، في كلكتا.
لكن شين شو لم يمنحني فرصة للكلام أكثر،
فقد أسر لساني سريعًا، مانعًا أي كلمة أخرى من الخروج.
مرة أخرى، تعانقنا، واشتعلت أجسادنا ببعضها.
شعرت بتوتره المتزايد، شفتيه تتابع نزولها
على عنقي، لسانه يلعق تفاحة آدم خاصتي.
تقوّس جسدي لا إراديًا، ودفعت يديّ على صدره،
لكنه أمسك بمعصمي وثبّتهما فوق رأسي،
يلهث وهو يحدق في وجهي دون أن يتحرك.
“لماذا لا تريد الذهاب؟”
حاولت أن أتماسك وسط الدوامة التي كنت عالقًا فيها. “سيكون هناك الكثير من الناس، الجميع يريد رؤية شيفا، وسيكون المكان مزدحمًا…”
توقفت قليلًا، ثم همست بصوت مرتجف،
“أخشى أن أفقدك وسط الحشود.”
ابتسم شين شو بخفة، “أنت خائف من أن أضيع؟”
أغلقت عيني وقلت بصوت بالكاد يُسمع،
“بل أنا خائفة… من ألا أجدك مجددًا.”
ساد صمت قصير، ثم قال بجدية:
“شياو جين، إذا اختفيتُ حقًا، أرجوك… لا تبحث عني،
لا تأتي إلى الهند بحثًا عني.”
“أوه، حسنًا… إذًا لن أبحث عنك.” تمتمت بكلمات بالكاد أفهمها، ثم رفعت رأسي لأجد شفتيه، باحث عن شيء يمنحني شعورًا بالأمان.
كان السرير ناعمًا، لكنه كان باردًا، باردًا مثله تمامًا،
باردًا لدرجة أنني لم أستطع تدفئته مهما حاولت.
لكن لا بأس… لا بأس بكل شيء الآن.
هذه الليلة، دعنا نتبادل قبلة أخرى،
ونمارس الحب مرة أخرى.
لم يعد هناك أي شيء آخر يمكن فعله.